شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بعد سقوط الأسد... هل يهدد خط الغاز القطري-التركي دور مصر في الطاقة؟

بعد سقوط الأسد... هل يهدد خط الغاز القطري-التركي دور مصر في الطاقة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 21 يناير 202502:00 م

تقف سوريا اليوم، كحلقة وصل بين عالمين، فهل ستصبح البلاد ممراً استراتيجيا لنقل ثروات الطاقة الضخمة من الخليج ووسط آسيا إلى القارة الأوروبية المُتعطشة للغاز؟ يصبح هذا السؤال ملحاً بعد أن استطاعت روسيا أن تمنع هذا المشروع لعقود، معطلة التوجه الأوروبي للتخلص من هيمنتها التي استمرت لسنوات طويلة.

فبعد سقوط نظام بشار الأسد، ووصول المعارضة المسلحة للحكم بدعم تركي، بدا واضحاً حجم الدور المنتظر أن تلعبه أنقرة، لا سيما مع العلاقة القوية التي تربطها بالإدارة السياسية الحالية التي تحكم في دمشق، وإعلان استعدادها لتولي مسؤولية إعادة البناء في سوريا، والتعاون بمشروعات الطاقة المختلفة.  

خط الغاز القطري التركي

الحلم التركي 

تركيا التي تسعى منذ سنوات -وقبل الربيع العربي- لأن تصبح أهم مركز لتوزيع الطاقة من الشرق للغرب، سارعت لطرح فكرة إعادة إحياء مشروع خط الغاز القطري-التركي، حتى ذهب وزير الطاقة والموارد الطبيعة التركي ألب أرسلان بيرقدار، للإشارة إلى أن المشروع يمكن أن يمضي قدماً مع تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية، مؤكداً الحاجة إلى توافر الأمن أولاً.

في ذات الوقت، يبدو أن مشروع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، الذي وقّعه كل من أردوغان ونتنياهو قبل أسبوع واحد فقط من "طوفان الأقصى" في نيويورك، مستمر ولم يتوقف، حيث سبق أن تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن الغاز الإسرائيلي، قائلاً: "المشروع الأكثر قوة هنا هو أن يصل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا".

على مدار السنوات الماضية، طُرحت العديد من المشروعات التي تسعى لاستغلال رغبة أوروبا في كسر احتكار روسيا للغاز، مشروعات على غرار خط الغاز العربي الذي يفترض أن يربط مصر بالأردن ولبنان وسوريا، ومن ثم تركيا انتهاءً بأوروبا. وكذلك خط الغاز العراقي الذي يربط بالقارة الأوروبية عبر أنقرة. والخط الذي ينقل الغاز الإيراني إلى تركيا، بالإضافة إلى خط الغاز الإسرائيلي-التركي الذي اكتسب صدىً واسعاً وتحركات رسمية قبل اندلاع حرب الإبادة قطاع غزة.

إلاّ أن خط الغاز القطري-التركي، والذي كان قد خُطّط له أن يبدأ من الدوحة ويمر بالمملكة العربية السعودية والأردن، وصولاً إلى سوريا فتركيا، بقي المشروع الأكثر طموحاً، ليعود اليوم ويكتسب زخماً غير مسبوق، مع سقوط نظام الأسد، والذي كان يقف حائلاً أمام تنفيذه بسبب تحالفه مع روسيا.

المشروع القطري التركي، وكذلك مشروع نقل الغاز الإسرائيلي عبر أنقرة، وإن كانا يمثلان سوياً فرصة مواتية للأتراك من أجل تحقيق مساعيهم للتوسع في مجال الطاقة، إلا أنهما يظهران على الورق، كضربة اقتصادية لمصر التي تحصل على رسوم نقل الغاز القطري المسال من السفن العابرة من قناة السويس، بالإضافة إلى تدفقات الغاز الإسرائيلي لمحطات الإسالة المصرية، بالإضافة إلى أنها سعي مصر خلال السنوات الماضية لأن تصبح مركزاً رئيسياً لنقل الطاقة، ومحاولات التعاون مع إسرائيل وقبرص واليونان؛ لاستغلال امتلاكها لمحطات الإسالة في دمياط وإدكو؛ لاجتذاب الثروات المُكتشفة في شرق المتوسط، ومن ثم تصديرها لأوروبا. فهل نحن على وشك أن نشهد صداماً بين الطموح التركي والمصري؟ 

أردوغان ونتنياهو

خط الغاز القطري-التركي

ترجع فكرة إنشاء خط الغاز القطري التركي الذي عاد إلى الحياة من جديد، إلى عام 2009، حيث جرت مناقشته في قمة استضافتها إسطنبول بين رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، وأمير قطر حينها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.

ويقوم المشروع بشكل أساسي على ربط حقل الشمال القطري -من الأكبر في العالم- مع تركيا بخط طوله 1500 كيلومتر يمر عبر الأراضي السورية، وبتكلفة قُدّرت بـ 10 مليارات دولار في ذلك الوقت. 

تطمح تركيا لأن تصبح أهم مركز لتوزيع الطاقة من الشرق للغرب، لذا سارعت فور سقوط الأسد، لإعادة إحياء فكرة مشروع خط الغاز القطري-التركي الذي رفضه النظام السابق، حتى أن وزير الطاقة التركي أشار إلى أن المشروع يمكن أن يمضي قدماً مع تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية

المشروع الذي لم ير النور -وتحيل بعض الدراسات الحرب السورية لمنعه- يكتسب أهمية كبيرة في الوقت الراهن بحسب المحلل السياسي التركي، جواد جوك، الذي يشير إلى أن أهميته تأتي من حاجة أوروبا للغاز القطري الذي يعد الأكبر في احتياطات الغاز في العالم.

فبحسب مجلة "أويل آند غاز"، تمتلك الدوحة احتياطيات غاز تُقدر بحوالي 900 تريليون قدم مكعب، أو ما يعادل 14% من الاحتياطي العالمي، إلا أن هذا الغاز لم يكن محط اهتمام الأسواق الأوروبية لفترة طويلة في ظل غياب خط أنابيب يصلها بقطر، حيث يتم الاعتماد فقط على شحنات الغاز المسال ذات التكلفة المرتفعة.

ويُبرهن جواد جوك في حديثه لرصيف22 على رغبة أنقرة التحول لمركز رئيسي للطاقة، بالإشارة إلى "منتدى إسطنبول للطاقة"، الذي نظمته تركيا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بمشاركة البلدان الرئيسية المنتجة للغاز، وفي مقدمتها أذربيجان وليبيا وأوزبكستان، إلى جانب ممثلين من دول العبور مثل جورجيا، وكذلك المستوردين من أوروبا، معتبراً أن مشروع خط الغاز القطري التركي، يحظى بتوافق القيادة السياسية في كلا البلدين.

ويُكمل: "تركيا وضعت خطة منذ 10 سنوات؛ لتصبح جسراً لنقل الغاز من روسيا ومن وسط آسيا إلى أوروبا، وفي سبيل ذلك دشنت عدداً من خطوط الغاز أبرزها العابر للأناضول (TANAP) بهدف نقل أكثر من 30 مليار متر مكعب من الغاز من أذربيجان إلى تركيا ومن ثم لأوروبا، وخط (ترك ستريم Türk Akımı) بهدف نقل نحو 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي لتركيا وأوروبا، بالإضافة إلى امتلاك 5 محطات إسالة للغاز، تُمكن أنقرة من ضخ نحو 50 مليار متر مكعب سنوياُ للاتحاد الأوروبي".

ويرى أن من مزايا المشروع أنه يوفر بديلاً أقصر وأبسط من الناحية الفنية، وأكثر فعالية من حيث التكلفة؛ سواء بالنسبة لقطر التي تعتمد على شاحنات الغاز المُسال المُكلفة، أو تركيا التي تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد حاجتها من الغاز الطبيعي، كما قد يُشكل فرصة سانحة لانضمام دول أخرى على غرار لبنان، والذي شرع مؤخراً في أعمال التنقيب البحرية، ويستهدف إيجاد ممر للتصدير الفترة المقبلة.

وتعتبر تركيا خامس أكبر سوق للغاز الطبيعي ضمن القارة الأوروبية، حيث تستهلك سنويا نحو 50 مليار متر مكعب، بينما تنتج ما لا يزيد عن 2% من استهلاكها، حيث بلغت كمية الغاز الطبيعي المنتجة محلياً في تركيا لعام 2023، نحو 807.28 مليون متر. 

خط الغاز الإسرائيلي التركي

احتكار الغاز الروسي

يرى أستاذ العلاقات الدولية، سمير صالحة، أن تركيا في الأعوام الأخيرة، سعت لاستغلال موقعها الجيوسياسي والجيو استراتيجي في لَعب دور الوسيط لنقل الطاقة من شرق المتوسط باتجاه أوروبا، إلا أن تضارب المصالح الاقتصادية وعدم الاستقرار الأمني في عدة دول، عرقلا تنفيذ خطط أنقرة، والتي ترى في التطورات الأخيرة لا سيما في سوريا ولبنان ولعبة التوازنات الإقليمية الجديدة "فرصة" لإعادة إحياء مشاريع نقل الطاقة، وفي مقدمتها مشروع خط الغاز القطري-التركي.  

يبدو أن مشروع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، الذي وقّعه كل من أردوغان ونتنياهو قبل أسبوع من "طوفان الأقصى" في نيويورك، مستمر ولم يتوقف. 

وعن مشروع خط الغاز القطري-التركي، يؤكد صالحة في حديثه لرصيف22، أن أنقرة "متمسكة بقوة" بتنفيذ المشروع، واستغلال علاقتها "القوية" مع الإدارة السورية الجديدة في إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى إمكانية دمج الجانب اللبناني بالمشروع. مشيراً إلى أن الجانب القطري يبدو متحمساً للمضي قدما في تسريع خطوات التنفيذ في الفترة المقبلة، خاصة وأن الدوحة لا تمتلك أي خطوط أنابيب لنقل غازها إلى أوروبا وتلجأ إلى شحنات الغاز المُسال، في حين أعدت أنقرة نفسها لمثل تلك الفرص، عبر تحديث خطوط نقل الغاز وأسطولها البحري وموانئها.

تدني الجدوى الاقتصادية للمشروع

على النقيض، يؤكد الباحث السوري المتخصص في شؤون الطاقة، حسن الشاغل، في حديثه لرصيف22، استحالة المضي قدما في المشروع؛ نظراً لـ"عدم جدواه الاقتصادية"، ويقول إن "تنفيذه يحتاج لنحو 7 مليارات دولار بحد أدنى، إضافة إلى أن قطر لمدة 5 سنوات مقبلة لا تمتلك فائضاً من الغاز لتصديره لأوروبا؛ حيث تمتلك اتفاقيات مع دول شرق آسيا على غرار الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وغالبية إنتاجها يذهب لهناك، ولذلك فهي غير محتاجة حالياً لخط أنابيب يتكلف المليارات.

وتمتلك قطر حضوراً لافتاً في الأسواق الآسيوية، حيث تستحوذ حاليًا على أكثر من 70% من صادراتها، بينما تلقّت الأسواق الأوروبية نحو 19% من صادرات قطر من الغاز المسال في عام 2023.

ويشير الشاغل، إلى أن الضمانات الأمنية تبقى واحدة من أهم العراقيل التي تقف أمام المشروع، حيث يُشكل الأمن تحدياً مهماً، إذ لا بد أن يكون مسار خط الأنابيب آمناً لضمان استقرار التدفقات وعدم المخاطرة باستثمارات بمليارات الدولارات، وهو ما لا يتوفر في سوريا سواء حالياً، وغالباً لن يتوفر على المدى القريب، لا سيما مع استمرار تضارب المصالح بين القوى المتداخلة بالمسألة السورية.

ويتفق رئيس وحدة العلاقات الدولية وبرنامج الطاقة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد قنديل، مع الشاغل، في عدم رغبة قطر المضي بالمشروع لعدم جدواه الاقتصادية في الوقت الحالي، إلا أنه يُشير لوجود "خط أحمر" وضعته الولايات المتحدة الأمريكية أمام تنفيذ المشروع؛ نظراً لأن الغاز المُسال الأمريكي بات الأكثر رواجاً لدى أوروبا لتعويض نقص واردات الغاز الروسي، ومن ثم لن تسمح واشنطن لأي مشروع يهدد حضورها في القارة العجوز، وستلجأ لاستغلال علاقتها القوية مع الدوحة للحيلولة دون أي تقدم بالمشروع. 

يضيف قنديل لرصيف22: "أمريكا لا ترغب في أن تصبح تركيا مركزاً لنقل الطاقة والغاز الخليجي ومن شرق المتوسط إلى أوروبا، وقطر لن تقامر بعلاقتها المتينة مع واشنطن، بالانخراط في خط غاز غير مُجدى على الأمد القصير". 

الغاز المصري

الوضع الأمني في سوريا

وعلى النهج ذاته، يشير عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، حسن أبو طالب، لوجود عقبة بالغة أمام خطط أنقرة بملف الغاز، تتثمل في سوريا نفسها، حيث ستلجأ واشنطن لاستخدام ورقة العقوبات المفروضة على دمشق؛ من أجل الحفاظ على استمرار هيمنتها على القرار الأوروبي على المدى البعيد، عبر السيطرة على واردات الغاز القادمة عبر الأراضي السورية.

يسترسل أبو طالب في حديثه لرصيف22، يقول: "على الرغم من سقوط بشار الأسد الذي كان يرفض المشروع سابقاً، إلا أن العقوبات الأمريكية بحق دمشق وفقا لما يُعرف بـ(قانون قيصر) تقف عائقاً أمام المشروع، والأمر يتوقف على كيف يتطور الوضع في الداخل السوري تحت الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وما إذا كانت واشنطن سترفع المزيد من العقوبات عن سوريا أم لا، إلى جانب مخاوف الاتحاد الأوروبي من التعاون في مشروع يضم سوريا بحكومتها الحالية ذات التوجهات الإسلامية المُتشددة". 

يشير بعض خبراء الطاقة إلى عدم رغبة قطر المضي بالمشروع لعدم جدواه الاقتصادية في الوقت الحالي، وإلى وجود "خط أحمر" وضعته الولايات المتحدة الأمريكية أمام تنفيذ المشروع، نظراً لأن الغاز المُسال الأمريكي بات الأكثر رواجاً لدى أوروبا لتعويض نقص واردات الغاز الروسي 

ويكمل: "طالما استمرت العقوبات الأمريكية، فإن المشروعات الضخمة الاستراتيجية لن تُنفذ في سوريا"، لافتاً إلى أن المستثمرين الذين يمكنهم المشاركة في تمويل المشروع لن يجازفوا بأموالهم في ظل عدم وجود ضمانات أمنية، وارتفاع احتمالات استهداف الخط في الأراضي السورية حال تنفيذه.

ويشير الخبير المصري، إلى إن بناء المشروع قد يستغرق 5 سنوات، وفي تلك المُدة من المتوقع الوصول لاكتشافات كبرى بالنسبة لمصر أو لبنان أو إسرائيل وقبرص، وعليه فإن ذلك قد يؤدي لحدوث فائض في إنتاج الغاز، ومن ثم التأثير على الجدوى التجارية للمشروع القطري التركي، حيث سيَخفُت حماس الأوروبيين إزاء المشروع، ولن يقدموا على ضخ استثمارات فيه، متوقعاً أن تستمر خريطة غاز شرق المتوسط بوضعها الحالي لثلاث سنوات على الأقل.

خط الغاز الإسرائيلي التركي 

وفيما تختلف الرؤى بشأن إمكانية تدشين خط الغاز القطري التركي من عدمه، يتوقف الجميع عند صعوبة المضي قدماً في خطط نقل الغاز الإسرائيلي عبر بوابة أنقرة، فيستبعد سمير صالحة، انخراط تركيا في المشروع، خاصة مع حالة الاحتقان التي تسيطر على علاقة البلدين منذ أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والخطاب العدائي الذي سيطر على المشهد بين أنقرة وتل أبيب، والخوف من غضب الداخل التركي، معتبراً أن تركيا تمنح الأولوية حاليا لمشروع خط الغاز القطري، يقول: "بدأت بالفعل المحادثات مع القيادة الجديدة في سوريا، ولبنان كذلك، على أمل المضي في التنفيذ في وقت قريب".

اتسمت علاقة أنقرة وتل أبيب بالتذبذب على مدار العقدين الأخيرين، حتى وصلت للقطيعة عقب الهجوم الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" في 31 مايو/أيار 2010، لكن الميزان التجاري بين البلدين ظل من الأعلى في المنطقة، برغم الخلافات السياسية، إلى حد الوصول في مباحثات رسمية بهدف التوصل لاتفاق حول خط لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا. والتوقيع بين نتنياهو وأردوغان، قبل أيام من عملية "طوفان الأقصى".

تبلغ تكلفة إنشاء خط الأنابيب الإسرائيلي التركي لمسافة 550 كيلومتر، مليارًا ونصف المليار دولار، وهي تكلفة أقل بكثير مقارنة بستة مليارات دولار لخط الأنابيب "EastMed" الذي سبق أن اتفقت عليه إسرائيل مع قبرص واليونان مطلع العقد الجاري، قبل أن يتم تجميد الاتفاق بعد انسحاب الولايات المتحدة منه بداعي عدم الجدوى الاقتصادية، وكذلك لظهور مشاكل قانونية في المياه الإقليمية، والدولية المحاذية للسواحل القبرصية كانعكاس للمشكلة التركية مع قبرص.

"غير مُجدي والأمر مُعقد للغاية" هكذا يعلق الباحث السوري حسن الشاغل، على إمكانية تدشين خط لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر بوابة تركيا. يقول: "الخط لابد أن يمر عبر مياه قبرص، والتي تمتلك مشاكل وصدامات مع تركيا، ولا يوجد ترسيم حدود بحرية بين الطرفين، إضافة لأن إسرائيل حالياً لا تمتلك فائضاً في إنتاج الغاز من حقولها، بالقدر الذي يجعلها تنخرط في خط أنابيب مُكلف يربطها بأنقرة"، مشترطاً وجود اكتشافات ضخمة في المستقبل لإمكانية المضي في هذا المشروع. 

القاهرة تمتلك حظوظاً كبيرة فيما يخص ملف الغاز، حيث ستواصل ناقلات الغاز المُسال القطرية العبور عبر قناة السويس، وستواصل إسرائيل كذلك التعاون مع القاهرة عبر إرسال الغاز لمحطات الإسالة الموجودة في دمياط وإدكو. 

بينما يَعرج الدكتور أحمد قنديل لوجود تحفظات كبيرة لدى حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو، للتعاون بملف الغاز مع أنقرة حاليا؛ خاصة مع المواقف التي اتخذتها الأخيرة تجاه تل أبيب منذ أحداث السابع من أكتوبر، إضافة لأن إمكانية نقل الغاز الإسرائيلي برياً مروراً بلبنان وسوريا "مستبعد" في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني في كلا البلدين، خاصة دمشق التي تتحفظ تل أبيب على قيادتها الجديدة ذات الصبغة الإسلامية المُتشددة، وعليه لن تتعاون تل أبيب مع أنقرة، وستحث واشنطن على استخدام ورقة العقوبات للحيلولة دون التمدٌد التركي بملف الغاز، بحسبه.

قوة مصر... الغاز والجغرافيا 

ومع الشكوك التي تحوم حول مشروع خط الغاز القطري التركي، واستبعاد إمكانية المضي في مشروع نقل الغاز الإسرائيلي عبر بوابة تركيا، يشير الدكتور حسن أبو طالب، إلى أن القاهرة تمتلك حظوظاً كبيرة فيما يخص ملف الغاز، حيث ستواصل ناقلات الغاز المُسال القطرية العبور عبر قناة السويس، وستواصل إسرائيل كذلك التعاون مع القاهرة عبر إرسال الغاز لمحطات الإسالة الموجودة في دمياط وإدكو.

وتضخ إسرائيل لمصر نحو 5 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، عبر خط أنابيب العريش – عسقلان، ويجري التخطيط من وزارة الطاقة الإسرائيلية لمد أنبوب غاز آخر إلى محطات الإسالة المصرية؛ لزيادة الصادرات، التي تتجه من مصر لأوروبا بحسب خريطة الغاز في المنطقة.

ويشير عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى أن القاهرة خلقت مساحة تعاون مشتركة مع قبرص واليونان لتصدير الغاز، وربط الحقول اليونانية والقبرصية بمحطات الإسالة المصرية، لتكون بوابة للغاز المصري إلى أوروبا، إضافة إلى إمكانية التعاون مع لبنان والأردن على مشروع خط الغاز العربي، خاصة وأن لبنان على موعد مع اكتشافات واعدة الفترة المقبلة، وعليه يمكن استغلال الاحتياطات اللبنانية عبر إرسالها لمحطات الإسالة في مصر، وخلق شراكة جديدة، خاصة وأن الغاز المُسال يعتبر مغرياً للكثير من الدول والأسواق، عكس الغاز الخام.

وعن فرص القاهرة بهذا الملف يقول أحمد قنديل: "مصر نجحت في إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، للتعاون والاستفادة من موارد الغاز في المنطقة، وتلقى دعماً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي، وتطوير عمل المنظمة الفترة المقبلة فرصة هامة أمام مصر للعب دور أكبر بملف الغاز شرق المتوسط"، منوهاً لأهمية مُضاعفة القاهرة قدرات محطات الإسالة وإنشاء أخرى جديدة، واستغلال أنها الدولة الوحيدة في تلك البؤرة التي تمتلك محطات إسالة. 

الغاز الإسرائيلي

هل يقع الصدام بين القاهرة وأنقرة؟

وفيما يطمح البلدان للتحول لمركز رئيسي لنقل وتوزيع الطاقة، يبرز التساؤل إمكانية وقوع "صدام" بينهما. من جهته يُعوّل صالحة، على المُصالحة الأخيرة بين أنقرة والقاهرة، في الحيلولة دون وقوع أي صدام، مشيراً إلى أن تركيا عَرضت على مصر إعادة بلورة لملف ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط بالشكل الذي يمنح القاهرة مساحات وفرصة أكبر لاكتشافات جديدة في المنطقة الواعدة باحتياطات ضخمة من الغاز، بالإضافة إلى أن البلدين نجحا في إيجاد تفاهمات بملفات مختلفة على غرار ليبيا والصومال، بل أن تركيا عَرضت الوساطة في الأزمة المصرية-الإثيوبية حول ملف سد النهضة، لذلك فالبلدين لن يفرطا في الإنتعاشة التي سيطرت على علاقتهما في السنوات الثلاث الأخيرة. 

القاهرة خلقت مساحة تعاون مع قبرص واليونان لتصدير الغاز، وربط الحقول هناك بمحطات الإسالة المصرية، لتكون بوابة للغاز المصري إلى أوروبا، إضافة لإمكانية التعاون مع لبنان والأردن على مشروع خط الغاز العربي، خاصة وأن لبنان على موعد مع اكتشافات واعدة الفترة المقبلة، ويمكن استغلال الاحتياطات اللبنانية عبر إرسالها لمحطات الإسالة في مصر

ويذهب لإمكانية أن تعلب القاهرة دور الوسيط، بين تركيا من ناحية واليونان وقبرص من ناحية أخرى؛ للتوصل لتفاهمات حول الحدود البحرية، ومحاولة إيجاد منطقة وسط يتفق عليها الجميع تقوم على مبدأ "المنفعة المتبادلة"، مؤكداً على أن المتغيرات الإقليمية الأخيرة، تدفع كلا البلدين لتجنب "الصدام" بل والمضي نحو "سياسات المصالح" التي يحصل فيها الطرفين على المنفعة.

ويتفق قنديل مع صالحة في وجود فرصة أمام القاهرة للعب دور الوسيط بين تركيا وقبرص واليونان، وتقريب وجهات النظر بينهم، معتبراً أن الوصول لصيغة اتفاق نهائية حول ترسيم الحدود البحرية من شأنه تشجيع شركات الطاقة العالمية على التنقيب عن الثروات المتوقعة بشرق المتوسط، حيث تُحجم الشركات عن الدخول في أي مناقصات للتنقيب بالمناطق التي تشهد صراعاً وخلافات بين الدول، مشيراً إلى أن "المصالح" وحدها كفيلة بجعل القاهرة وأنقرة تتعاونا الفترة المقبلة، خاصة وأنهما تدركان أن الصدام مُكلف وغير مُفيد للطرفين.

فيما يرى حسن الشاغل، أن لكل من تركيا ومصر ملعب بعيد عن الأخرى في ملف الغاز، حيث تستهدف أنقرة غاز دول وسط آسيا وكذلك روسيا، بينما تسعى مصر لاجتذاب الغاز من الدول المحيطة على غرار قبرص وإسرائيل ومن الممكن ليبيا مستقبلا، لذلك فالاعتبارات الجغرافية تبعد من احتمالات صدام البلدين، بل إنها أقرب للحث على التعاون بملف ترسيم الحدود البحرية في الفترة المقبلة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image