شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لماذا يجب أن تكون

لماذا يجب أن تكون "صايع" لتعيش في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الخميس 6 فبراير 202508:12 ص

يقولون إن "البيت اللي مفيهوش صايع، حقه ضايع"، والمقصود هنا أنه لكي تستطيع نيل حقك في مصر لا بد وأن يكون أحد أفراد عائلتك متمكّن من مهارات خوض المشاكل، صوت عال يُعطي للتهديدات صدى مخيفاً، ترافقه حركات بهلوانية لكنها ناجحة في معظم الأوقات، مثل خلع القميص وإبراز الجسد العاري، دليلاً على الإقدام أو إيصال رسالة بأنه بالبلدي "مستبيع" لا يهمه أحد أو شيء، وبالطبع لا بد من إتقانه حمل واستخدام إحدى الأسلحة البيضاء، حتى ولو كان الهدف منها التلويح بها فقط، ذلك هو الطريق الأقصر لنيل الحقوق في مجتمعنا، فكل ذلك يُعطي سُمعة بأن هذا البيت لا يجب الاقتراب من أفراده، لأن هناك "صايع" يعيش فيه وقادر على افتعال جلبة في أي وقت.

الشرطة في خدمة السوشال

إذا أردت ألا تحول نفسك إلى "صايع" فهناك بالطبع القانون، لكن ما به من عوار شديد يجعله أقل درجة في سرعة وفاعلية إنهاء الأمور، التكلفة المادية والإجراءات الطويلة المملّة، إلى جانب عدم اهتمام رجال القانون بكثير من الشكاوى التي يرونها ليست بتلك الدرجة من الخطورة، جعل اللجوء إلى القانون أمراً استثنائياً في بلادنا.

حالات عديدة لجأت إلى الجهات المعنية من أجل حل مشاكلها، وفشلت في مسعاها، صحيح أن المحاضر تُكتب ويُستدعى الطرف الآخر إلى قسم الشرطة، لكن ذلك لن يعني أي شيء إذا كان هذا الآخر "صايع "بذاته، فالشرطة لن تهتم بتأمين الشاكي على سبيل المثال من تهديدات المتهم أو ملاحقات أهله وأصدقائه، لذا فالبعض يبتعد عن اتخاذ الإجراءات القانونية خشية أن يجعل من مشكلة واحدة عدّة مشاكل يومية، إلى جانب أن بعض هذه المشاكل اليومية لا ترتقي، من وجهة نظر الجهات الحكومية، إلى درجة التهديد الخطير.

قضية "نيرة أشرف" على سبيل المثال إحدى تلك الحالات، فالجميع يعلم أن الضحية وأهلها حاولوا مراراً تحرير محاضر ضد القاتل قبل سنوات من ارتكابه لفعلته، كلها انتهت إلى ماذا؟ لا شيء، لأنه لم يشعر بالتهديد الحقيقي من الشرطة في أي وقت، ولو فعل لتغير الحال بلا شك. في الحقيقة لو علم الجميع بأن الشكوى ضده من الممكن أن تتم بطريقة سهلة وأن التحرك لحماية الشاكي سيكون سريعاً وجدياً، ربما سيراجع نفسه مئات المرات قبل الإقدام على أي فعلة تعرّضه لذلك. أخجل أن أشرح لماذا يجب أن يكون القانون سريعاً وسهلاً، وكأنني أتحدث عن اختراع جديد لدولة ما زالت قيد الإنشاء.

إذا أردت ألا تحول نفسك إلى "صايع" فهناك بالطبع القانون، لكن ما به من عوار شديد يجعله أقل درجة في سرعة وفاعلية إنهاء الأمور، إلى جانب عدم اهتمام رجال القانون بكثير من الشكاوى، جعل اللجوء إلى القانون أمراً استثنائياً في بلادنا

لكن ذلك لا يعني أن القانون معطل بالكامل، فبالطبع بعض الحالات استطاعت، مع محام جيد، "الزنّ" على أذن الشرطة حتى يكون تحرّكها جدياً للغاية، أو كما نرى في معظم الأحيان، بأن المحضر الحقيقي الذي يجعل مشكلتك جدية هو السوشيال ميديا، وليست تلك الورقة التي يحرّرها لك أحد الضباط، فتحويل مشكلتك إلى "بوست رأي عام "يضع الشرطة تحديداً في إحراج عدم التحرك. ربما يجب علينا جميعاً أن نتعلم كتابة البوستات من هذا النوع، لكي نضمن أن تحقق تفاعلاً كافياً للفت نظر الجهات المختصة.

عودة الابن "الصايع"

بناء على ما سبق، يعود إلى الأذهان ما كان يحدث قبل أن تتطور الإنسانية إلى مرحلة الحضارة، أو كيف كان يُنهي الناس خلافاتهم ما قبل ابتداع القانون والشرطة والمحاكم، فنجد أنه لدينا طريقتين فقط، الأولى هي أن تكون "صايع "يخشاه الجميع، والثانية أن تلجأ لإحدى الجلسات العرفية التي يجريها كبار المنطقة. مرة أخرى أخجل من طرح تلك الطُرق في العام 2025.

مؤخراً، كتب أحد الأشخاص استغاثة عبر السوشيال ميديا من أجل حماية شقيقته من ملاحقات أحد الأشخاص المستمرة لـ 5 سنوات تقريباً. نجحت الاستغاثة في إجبار الشرطة والجهات المختصة على القبض على هذا الشخص، مع أن 5 سنوات من المحاضر والخطابات والشكاوى الرسمية لم تنجح في ذلك، السوشيال ميديا هي ما حرّك القضية أخيراً.

وبالنظر إلى بعض التعليقات، نجد كثيراً من الناس يسارعون في اتهام الشاكي بأنه ليس رجلاً حقيقياً، لأنه لم ينجح في التحوّل إلى "صايع" يهدّد، أو ربما يختطف، المتهم لتخويفه طوال أعوام المشكلة، وأنه، كأي رجل متحضّر، فضّل اللجوء إلى القانون. بتلك البساطة أصبح تقصير الدولة في حماية مواطنيها سُبّة في سمعة الضحية. هذا الابتزاز الذي يخلقه المجتمع تجاه الرجال لا بد أن ينتهي، وأن يتحول لابتزاز الجهات التي من المفروض أن تقوم بهذا الدور فعلياً.. لماذا؟

أولاً، لأنه وحتى إن نجح في تغيير طباعه وتربيته طيلة حياته وتحول إلى "صايع"، فمن يضمن ألا يكون الطرف الآخر "أصيع منه"، أو أن يرتكب ما يجعله عُرضة للسجن؟ وحينها سيكون وضع أهل بيته أسوأ بمراحل مع عدم وجوده إطلاقاً، هذا في أفضل السيناريوهات، لأن عدة أحداث تُخبرنا بأن البعض حاول ذلك بالفعل، ودفع حياته ثمناً لإنهاء مشكلة واحدة، ومجدّداً ترك أهله لمواجهة المشكلات الجديدة دون تواجده، باعتبار أنه لا يملك إلا حياة واحدة يستطيع تقديمها تضحية من أجل التخلص من تهديد واحد فقط.

الاستنتاج الأخير، أنه إذا لم تكن "صايع"، بالإضافة إلى عدم امتلاكك الأموال من أجل شراء "صايع" أو اختيار محام جيد، فأنت في الوطن الخاطئ يا عزيزي

ثانياً، لأن تحميل الرجال نتائج تلك المشكلة يعفي بشكل غير مباشر الدولة من حماية مواطنيها، أي أن المجتمع بنفسه يتخلى طواعية عن حق من حقوقه لدى الدولة، بما أن الجميع سيتجه لتربية "صايع" داخل بيته وتشريسه، بدلاً من إزعاج السلطات للقيام بعملها.

ثالثاً، لأن البعض لا يستطيع فعل هذا، لا يقدر على استخدام الأسلحة والاشتباك والتهديد والخطف، وإذا كانت تلك هي الحيل المتفق عليها لإنهاء المشكلات، فسوف يسود قانون جديد، وهو أن ليس للمحترم، الذي سيُطلق عليه صفة الضعف، حقاً، أو عليه اللجوء إلى "صايع" أو "مجموعة من الصيع" لنُصرته مقابل المال، وهناك جماعات وأسماء نعرف أنها اتخذت من هذا الأمر عملاً لها بالفعل.

والاستنتاج الأخير، أنه إذا لم تكن "صايع"، بالإضافة إلى عدم امتلاكك الأموال من أجل شراء "صايع" أو اختيار محام جيد، فأنت في الوطن الخاطئ يا عزيزي.

الصياعة كأسلوب حياة

أخيراً، من اللافت للنظر أن مطلب "الصياعة" لا يقتصر هنا على مشكلات الشارع فقط، بل أنه يمتد إلى المصالح الحكومية على سبيل المثال، فإذا كنت هذا الشخص الهادئ الذي يطلب بأدب مقابلة مدير مصلحة ما لأن أوراقه مُعطلة، فسوف تتكلف شهوراً من أجل تخليص مصلحتك، أما إذا أردت أن تُنجز معاملاتك في نفس اللحظة فلا بد أن تتقمّص شخصية "الصايع" لساعة على الأقل، يعلو صوتك فيها وتُطلق السباب وتضرب الأبواب، فيتخذك المسؤول داخل المصلحة بجدية ويسعى جاهداً لإنهاء مشكلتك، تفادياً لإهانته شخصياً أو إثارة الجلبة داخل أروقة المصلحة الحكومية، والسؤال المستمر هو: لماذا يجب أن تكون "صايع" لتعيش في مصر؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image