شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف يبدو مستقبل المرأة الإيرانية؟

كيف يبدو مستقبل المرأة الإيرانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

هذا المقال جزء من ملفّ "على رصيف المستقبل"، بمناسبة عيد ميلاد رصيف22 العاشر.


لا يثير الدهشة أن نرى المرأة الإيرانية تقود ثورة ضد نظام سياسي وأعراف اجتماعية وتضحي كل يوم في سبيل الحصول على حقوق طالبت بها لعقود طويلة، فإن المرأة الإيرانية كانت رائدة في مجال التحركات النسوية في المنطقة ولها باع طويل في الدفاع عن حقوقها. وشهدت الحركة النسوية في إيران مدّاً وجزراً حتى العام 2022 حيث كانت أشبه بالبركان هذه المرة، وأسمعت صرختها إلى العالم برمته، وقد آزرها هذه المرة.

قد يتساءل كل مراقب للشأن الإيراني عن مستقبل المرأة الإيرانية وما إذا بلغ المشوار نهايته، وإن كانت ستشرق شمس الحرية في حياة المرأة الإيرانية أم لا؟

كانت الشاعرة والخطيبة، فاطمة بَرَغاني القزويني، الملقبة بـ"قُرّة العين" أول امرأة إيرانية تمردت على التراث وما يعرض من صورة عن المرأة الإيرانية، حيث ألقت العام 1885 كلمةَ وهي تخلع النقاب، وهو أمر اعتُبر تمرداً على الأعراف والتراث آنذاك. ثم انتقدت في كلمتها بعض السنن الإسلامية التي تتمسك بالتراث وتحول دون تغيير وضع المرأة، وهو الآخر أمر اعتُبر عصياناً على الدين والتراث. وبعد سنوات، انتهجت الناشطة النسوية المصرية، هدى الشعراوي، طريقَ فاطمة برغاني قزويني.

قد يتساءل كل مراقب للشأن الإيراني عن مستقبل المرأة الإيرانية وما إذا بلغ المشوار نهايته، وإن كانت ستشرق شمس الحرية في حياة المرأة الإيرانية أم لا؟

وأسست، صدیقه دولت آبادی، أول مدرسة تقليدية لتعليم الفتيات قبل مائة عام تقريباً ولمجرد جهودها لتعليم المرأة ألقيت في السجن، ولكنها واصلت نشاطها وتمردها على كل الأعراف التي اصطنعها الرجل وكان أبرزها الحجاب، إذ كانت تطلب من المرأة الإيرانية نزع الحجاب علانية كما روي عنها، وأوصت النساءَ بخلع الحجاب عند زيارة قبرها.

زادت موجة الحداثة الغربية من زخم المسيرة النسوية في إيران وجعلت أمامها صورة من المرأة المتحررة التي أصبحت تثير شغف المرأة الإيرانية. وفي إطار تحقيق مبتغاها قامت المرأة الإيرانية بتأسيس جمعية "النساء الوطنيات" العام 1923 حيث استضافت مؤتمراً نسوياً ترأسته الناشطة النسوية في سوريا ولبنان، نور حمادة. وناضلت المرأة على حد سواء، في رفض ارتداء الحجاب ورفض قانون "خلع الحجاب" الذي فرضه الملك البهلوي "رضا شاه" العام 1934، والذي كان يلزم المرأة الإيرانية بعدم ارتداء الحجاب، فكانت الحرية ضالة المرأة الإيرانية التي لم تجدها برغم تغيير الأنظمة والقناعات.

وعلى الرغم من هذا المشوار الطويل والتضحيات الكثيرة، لم تجد المرأة الإيرانية اعترافاً صريحاً بحقوق المرأة ينص عليه القانون وتعترف به الأعراف الاجتماعية، وذلك حتى سقوط نظام الشاه العلماني ومسك النظام الإسلامي بسدَة الحكم، حيث فقدت بصيص الأمل في حدوث أي تغيير لصالحها.

برز موضوع حقوق المرأة بعد سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإسلامية العام 1979 في إيران مرتين، وفي كلتا المرتين كان الحجاب محوراً؛ المرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية حيث احتفلت المرأة الإيرانية بانتصارها التي طالما ساندتها في طار مؤسساتها المدنية، وعاشت بعدها في أمل تحقيق بعض المطالب النسوية حتى أصدر البرلمان الإيراني في آب/أغسطس 1983 قانوناً يلزم المرأة الإيرانية بارتداء الحجاب، وهو الأمر الذي رفضته، ولكنها وجدت أن النظام الجديد لا يكترث لرأيها. والثانية عقب وفاة مهسا أميني، الفتاة الكردية الإيرانية التي توفيت في مركز شرطة الأخلاق في طهران بعد اقتياده لها بسبب الحجاب، وهي الواقعة التي أثارت قضية الحجاب القديمة الجديدة وأسست لثورة "المرأة" ورفعت شعار "المرأة، الحياة، الحرية".

كانت وفاة مهسا أميني واقعة مفصلية في تاريخ المرأة الإيرانية، وشكلت بداية لتمرد صارخ ضد الحجاب الإجباري لدى عدد كبير من النساء في المدن الكبيرة مثل طهران.

كانت وفاة مهسا أميني واقعة مفصلية في تاريخ المرأة الإيرانية، وشكلت بداية لتمرد صارخ ضد الحجاب الإجباري لدى عدد كبير من النساء في المدن الكبيرة مثل طهران، حيث أصبح التجول في الشارع بدون حجاب رمزاً لمقاومة المرأة الإيرانية قبل أن يصبح ثقافة سائدة في المجتمع.

وتستمر الثورة النسوية حول محور الحجاب وعلى هيئة صراع بين النظام الحاكم الداعم للحجاب والتمرد النسوي على ظاهرة الحجاب، ما جعل الحكومة تسن قانوناً لرصد حالات الكشف عن الحجاب ووضع كاميرات رصد على مستوى المدن ومعاقبة الغير محجبات، وبرغم ذلك رفضت المرأة الانصياع والعودة إلى قبل ثورة المرأة وارتداء الحجاب مرة أخرى.

الكثير من السياسيين الإيرانيين أصبحوا يتجنبون التعليق على موضوع الحجاب بعد أن أصبحت ظاهرةُ نزع الحجاب ذات شعبية كبيرة، حيث أعلن الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي أنه لا يمكن للحكومة تبنّي موضوع الحجاب وفرضه على المرأة ليكسب بذلك صوت المرأة الإيرانية التي تعتبر مؤثرة جداً في العمليات الانتخابية، دون أن تهتم هي بالتصريحات، فهي عازمة على تجاوز مرحلة مناقشة الحجاب، فلا يستوقفها رصد الكاميرات والجزاء النقدي، كما لا يردعها قانون تجريم خلع الحجاب، ولا اعتراض شرطة الأخلاق طريقَها في الشوارع، ولا صرخات أحد المتشددين بذريعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

تعيش المرأة الإيرانية مرحلة جديدة من تاريخ نضالها مختلفة تماماً عما عاشته في السابق، فهي تنتفض فعلاً دون أن ترفع شعاراً، تعيش كيفما تشاء وترتدي كيفما تشاء وترتبط كيفما تشاء، وما يميّز ثورتها هذه المرة هي مؤازرة الرجل الإيراني الذي بدأ يظهر بسروال قصير (شورت) في شوارع طهران تعبيراً عن تضامنه مع المرأة بعد أن صنّفت الحكومة ارتداء السروال، إلى جانب خلع الحجاب، ضمن المخالفات القانونية.

يشيد الأكاديمي المدرس في جامعة اصفهان محسن رناني بصمود المرأة الإيرانية في موضوع الحجاب ويعتبرها حصن الأمل الأخير للمجتمع الإيراني الذي عجز عن إحداث إصلاح في المجتمع في ظل حكومة تتخذ من التقاليد القديمة والسنن البالية خيمة آمنة لمواصلة حكمها، وترى في التغييرات الاجتماعية تهديداً لبقائها، فيقول رناني: "إن الأمل الوحيد للمجتمع الإيراني هو المرأة"، ويؤكد: "إن القرن القادم سيكون للمرأة؛ فسلام على القرن الخامس عشر وسلام على المرأة. فهي تعرف جيداً كيف تقود تطورات القرن المُقبل دون أن تنزل قطرة دم أو ترفع شعار الموت لهذا وذاك"، ويعبّر رناني عن أمله الكبير بحركة المرأة الإيرانية ويعِد بانتصارها رغم معرفته بالتحديات التي قد تعيقها.

ما يميّز ثورة المرأة الإيرانية هذه المرة هي مؤازرة الرجل الإيراني الذي بدأ يظهر بسروال قصير (شورت) في شوارع طهران

وتقول الكاتبة الفرنسية والناشطة النسوية هيلين سيكسو إن "المرأة الإيرانية منذ بداية الحركات النسائية الغربية في سبعينيات القرن الماضي ترمز إلى مقاومة العزلة وتناضل من أجل الحرية. المرأة الإيرانية نموذج يُحتذى به فعلاً وهي على قدر كبير من العلم. من كان يظن أن الحجاب سيصبح رمزاً لنضال المرأة ضد الاضطهاد منذ وقت طويل؟ ما حدث مؤخراً (ثورة المرأة عقب وفاة مهسا أميني) كان بمثابة إلقاء عود ثقاب على برميل من البارود".

وأشارت الكاتبة الصحافية مروت زكريا في معرض حديثها عن تاريخ نضال المرأة الإيرانية إلى تغيير أسلوب معارضة المرأة في إيران موضحة: "كان توسيع الوصول إلى الإنترنت في إيران جزأً لا يتجزأ من التحول في نشاط المرأة"، وأكدت أن السلطات الرسمية الإيرانية عاجزة من التحكم في الشبكات التي تنشط فيها المرأة وبالتالي، فإن النشاط النسوي لن يتوقف بقمع السلطات، بل إنه سينتقل إلى الشبكات الاجتماعية والقنوات التلفزيونية والفضاء الافتراضي.

المرأة الإيرانية عازمة على التغيير والنظام مصصم على قمع إرادتها في التغيير بكل ما يملك من قوة، لكن الزمن سيحدد المنتصر/ة في المستقبل، ونظن أنها ستكون المرأة وإرادتها

واختتمت زكريا مقالها بالقول: "يمكن القول إن الاحتجاجات التي اندلعت عقب مقتل مهسا أميني أوجدت نوعاً من المسار التدريجي نحو التغيير الجوهري، وتحظى المرأة الإيرانية العازمة على تغيير الأعراف الاجتماعية بدعم اجتماعي أوسع بكثير؛ حيث أظهرت الأحداث الأخيرة مدى فاعلية المرأة في السعي وراء حقوقها، والدفع بالتغيير حتى في غياب التحول السياسي".

وفي نهاية المضمار، يبدوا أن المرأة الإيرانية بدأت ترفع على عاتقها مسؤولية التغيير في أعراف اجتماعية وإرادة سياسية استعصيا عن التغيير لعقود طويلة وتريد أن تنجزها بعد أن عجز عنها الرجل الإيراني المطالب بالإصلاح، وهي تواجه في طريقها عراقيل بحجم سنين التحفظ والصمت الطويلة. هي عازمة على التغيير والنظام مصصم على قمع إرادتها في التغيير بكل ما يملك من قوة، لكن الزمن سيحدد المنتصر/ة في المستقبل، ونظن أنها ستكون المرأة وإرادتها. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard