من مؤلفة كتاب "معايب الرجال" في مواجهة المجتمع الذكوري إلى أول مطربة إيرانية حضرت عرضاً دون حجاب؛ قد لا تُذكر أسماء هؤلاء النساء اللواتي تركن آثاراً كثيرة على إيران تاريخاً وثقافةً ومجتمعاً، كثيراً في الكتب والأخبار وتصريحات المسؤولين وغيرها في البلاد، لكن التاريخ يحتفظ بها، ويبلورها كلّما حان وقت ذكر المآثر. هنا نتطرق إلى حياة هؤلاء السيدات اللواتي كنّ متقدمات على المجتمع وأثرن بشكل كبير على البلاد، بفنونهن وأنشطتهن ومكافحاتهن في مجال حقوق المرأة والثقافة، منذ العهد القاجاري (1779-1925) إلى انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979).
بِيبي خانم أَستَرآبادي
بيبي فاطمة أستَرآبادي (1858–1921) المعروفة باسم "بيبي خانُم أسترآبادي"، هي ابنة واحدة من وصيفات السلطانة المجيدة زوجة ناصر الدين شاه القاجاري. وهي الكاتبة والساخرة الإيرانية الشهيرة وإحدى الشخصيات الرائدة في الحركة النسوية الإيرانية، كما أنها من أوائل النساء اللواتي كتبن مقالات في مجلات تابعة للحركة الدستورية في إيران مثل "حبل المتين" و"تمدّن"، وكانت توقع مقالاتها باسم "بيبي"، ويعتبرها البعض أول صحفية في إيران.
قامت بيبي خانم بتأليف كتاب "معايب الرجال" رداً على الكتاب المناهض للنسوية لكاتبه ميرزا احتشام الدولة، والذي كان عنوانه "تأديب النسوان". تطرقت في كتابها الذي يعتبر الإعلان الأول عن حقوق المرأة في تاريخ إيران الحديث، إلى العديد من القضايا الاجتماعية وهواجس ومشاكل المرأة الإيرانية (مثل تعدد الزوجات)، وعبرت في طيات كتابها، ومن خلال مقالاتها في الصحف، عن قضايا نساء عصرها ودافعت عن حقوق المرأة.
أنشأت بيبي خانم في منزلها الخاص في طهران أول مدرسة للبنات باسم "مدرسة الإناث" بالتزامن مع الثورة الدستورية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
بعد إفشال النهضة الدستورية (1908)، والجوّ السياسي والاجتماعي المتشدد الذي خلّفه هذا الانقلاب، وصف بعض المعارضين لتعليم المرأة، المدرسةَ التي أنشأتها بي بي خانم بأنها مركز للفساد، فقاموا بمهاجمتها.
وفي المنطقة التي كانت تسكن فيها بيبي خانم، نشر شخص يدعى علي شوشتري بياناً كتب فيه: "إنّ مدرسة الإناث التي افتتحتها بيبي خانُم، هذه المرأة المفسِدة للدين، يجتمع فيها الفنانون". كما كانت فتوى تكفير بيبي خانم تتوزع بين الناس لحثّهم على الهجوم ضدّ المدرسة.
بعد هذه الضغوط، وللحفاظ على مدرستها، ذهبت بيبي خانم إلى وزير التعليم، لكنه قال إنه لا يستطيع عمل شيء حيال ذلك، فأجابته: "أنا امرأة مهيضة الجناح وأدافع عن مدرستي، كيف أنت الوزير في هذه البلاد لا تستطيع إدارتها؟". فكان ردّ الوزير: "أنا لا أستطيع الوقوف في وجه رجال الدين"، واقترح عليها: "اكتبي على يافطة المدرسة أن هذه المدرسة تستقبل فقط البنات من عمر الرابعة إلى السادسة، وأخرجي من هنّ أكبر سنّاً، لأن الشوشتري يقول إن (الإناث) يأتين إلى هذه المدرسة، والإناث بمعنى الراشدات منهن، وذلك يعني تحريك الشهوة".
في المنطقة التي كانت تسكن فيها بيبي خانم، نشر شخص بياناً كتب فيه: "إنّ مدرسة الإناث التي افتتحتها بيبي خانُم، هذه المرأة المفسِدة للدين، يجتمع فيها الفنانون"
بعد ذلك، ومن أجل إبقاء المدرسة مفتوحة، كتبت بيبي خانم تلك العبارة على ورقة وألصقتها على يافطة المدرسة، وبهذه الطريقة استطاعت الحفاظ على مدرستها وفتح المجال أمام مدارس البنات الأخرى في إيران.
قامت بيبي خانم بالعديد من الأنشطة في مجال تعليم وتثقيف المرأة في إيران، حيث كانت تعقد جلسات واجتماعات سياسية واجتماعية وثقافية، وسعت طوال حياتها إلى حصول المرأة الإيرانية على حقوقها إلى أن توفيت عام 1921 عن عمر ناهز 63 عاماً.
زينب باشا
ارتبط اسم زينب (1830 – 1920) المعروفة باسم "دِهباشي زينب" أو "زينب باشا"، بأحداث أزمة الخبز والمجاعة في مدينة تبريز، واحتجاجات التِّبغ التي جاءت بعد أن وقع الملك الإيراني، ناصر الدين شاه، اتفاقاً منح بموجبه تجارة التبغ لشركة بريطانية.
في صيف عام 1891، لعبت زينب باشا دوراً مهماً أثناء الاضطرابات في تبريز. خلال احتجاجات التبغ، وبعد إغلاق سوق تبريز، أعادت قوات الحكومة فتح المتاجر التي كانت مغلقة احتجاجاً على الاتفاق، عن طريق الترهيب والضغط. ويقال إن زينب باشا دخلت السوق مع غيرها من النساء بالعصي وأغلقت المحلات.
في نهاية عهد ناصر الدين شاه، نزلت 3 آلاف من نساء تبريز، بقيادة زينب باشا، إلى الشوارع، في احتجاجات نظمتها زينب ضد سياسات الحكومة، وأزمة الخبز والمجاعة. وبالإضافة إلى ذلك، هاجمت زينب باشا مستودعات المواد الغذائية في مدينة تبريز وقامت بتوزيع القمح والدقيق من المخازن على الفقراء خلال الأحداث.
في احتجاجات التبغ وأزمة الخبز في عهد ناصر الدين شاه، لعبت العديد من النساء أدواراً قيادية، إلا أنه حتى اليوم، ولاسيما في تبريز، عندما يريدون أن يضربوا المثل بامرأة قوية، يقولون إنها قوية مثل زينب باشا.
بِيبي مريم بختياري
كانت بيبي مريم (1874–1937) واحدة من أوائل النساء المتعلمات في إيران اللاتي دعمن المناضلين من أجل الحرية خلال الثورة الدستورية، وبسبب ترعرعها بين القبيلة، ووجود والدها الذي كان زعيم القبيلة، باتت تجيد الرماية وركوب الخيل. وقفت بيبي مريم إلى جانب أخيها "سَردار أسعد" الذي قاد عملية غزو طهران ضد الملك الإيراني الذي كان معارضاً للثورة الدستورية.
قبل غزو طهران دخلت بيبي مريم المدينةَ سراً، وبقيت على سطح منزلٍ مقابل البرلمان لمحاربة الجنود الروس الذين كان قد استخدمهم الملك لصدّ الحركة الشعبية، إلى حين وصول أخيها "سردار أسعد". بعد هذا الحادث، حصلت بيبي مريم على لقب "سردار" في قبيلتها، و"سردار" في الفارسية يعادل العميد أو اللواء في العربية.
كما يقال إنه خلال الحرب العالمية الأولى، كان منزلها في إصفهان ملجأ للناشطين السياسيين والثقافيين في الثورة الدستورية في إيران، من أمثال علي أكبر دِهخُدا، وملك الشعراء بهار، وفي وقت آخر كان ملجأً لرئيس الوزراء، محمد مصدق.
كسرت قمرُ الملوك القاعدة التقليدية في حفلها الأول في فندق "غراند هوتيل" في طهران، حيث غنت أمام الرجال دون حجاب على رأسها
حياة وشخصية بيبي مريم ألهمت النشطاء اليساريين بعد وفاتها، وكانت قدوة للعديد من النساء في إيران في نشاطهن السياسي. كما أنها كانت من النساء القلائل اللاتي سجلن مذكراتهن خلال العصر الدستوري في إيران، وكانت تنتقد في هذه المذكرات عدم حضور النساء في المجتمع، وتخلف المرأة الإيرانية، حيث كتبت مخاطبة النساء الإيرانيات: "لم نخلَق فقط لإرضاء شهوات الرجال أو من أجل الأسر والعبودية... إن كنا نعرف لماذا قد خُلقنا، كنا نضحي بأرواحنا من أجل حقوقنا".
صديقة دولت آبادي
كانت صديقة دولت آبادي (1882-1961) ناشطة في مجال حقوق المرأة ورائدة في الصحافة، وتعتبر من مؤسسي الحركة النسوية في إيران، ومن أبرز معارضي الحجاب القسري للنساء.
كانت تبلغ من العمر 35 عاماً عندما أسست مدرسة "الشريعة" للبنات في إصفهان، ثم أسست في ما بعد جمعية تسمى "شركة خواتين إصفهان" (خواتين، جمع خاتون: السيدة). كرست هذه المرأة حياتها من أجل تعليم الفتيات وتعزيز حقوقهن الاجتماعية.
حصلت صديقة دولت آبادي عام 1919 على ترخيص لأول مجلة نسائية في إصفهان باسم "لغة المرأة" من قبل وزارة التربية والتعليم. بعد ذلك بوقت قصير، تم حظر المجلة بسبب انتقاداتها الشديدة للسياسات التي كانت تتنازل سياسياً وعسكرياً أمام بريطانيا.
بدأت صديقة نشر المجلة في طهران بعد حظر نشرها في أصفهان، وانتقدت الحجاب في مجلتها. وعلى الرغم من أنها كانت من عائلة متدينة، إلا أنها لم تكن ترتدي الحجاب حتى قبل حكم "كشف الحجاب" من جانب رضا شاه (1935).
توفيت بسبب مرض السرطان في أغسطس 1340 في طهران. وتقديراً لجهودها للحركة النسوية في إيران، قامت مجموعة من ناشطات حقوق المرأة بتأسيس جائزة ومكتبة باسمها عام 2004. كما تمنح جائزة في مجال الروايات النسائية ودراسات المرأة كل عام في يوم 8 آذار/مارس (اليوم العالمي للمرأة) باسم صديقة دولت آبادي.
مِهرأنكيز دولتْشاهي
مِهرأنكيز (1919 – 2008) هي أول امرأة تم تعيينها سفيرة لإيران في بلد أجنبي. ولدت في أسرة متعلمة؛ والدتها كانت من أقارب الكاتب الإيراني الشهير صادق هدايت، وكان والدها أحد مستشاري رضا شاه. ذهبت إلى ألمانيا للدراسة وعادت إلى إيران بدرجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية.
في عام 1946 عملت في "منظمة الخدمات الاجتماعية" و"جمعية حماية السجناء"، وفي نفس الوقت أسست جمعية "راه نو" (الطريق الجديد) النسائية. أقامت هذه الجمعية أول معرض دولي حول "النشاط النسائي" بمشاركة 30 دولة آسيوية وأوروبية في إيران.
مثلت مِهرأنكيز مدينة كرمانشاه في البرلمان لثلاثة دورات، وخلال فترة نيابتها، قامت بصياغة قانون حماية الأسرة الذي يعترف بحق المرأة في الطلاق، كما يشترط في الزواج الثاني للرجال إذن الزوجة الأولى.
أمضت معظم حياتها في تحسين حياة النساء الإيرانيات. ونشطت في تعليم القراءة والكتابة للنساء في جنوب طهران. عام 1975، أصبحت أول سفيرة إيرانية وتم تعيينها سفيرة ايران في الدنمارك، واستمرت في هذه المهمة حتى انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
غادرت مِهرأنكيز إلى باريس بعد الثورة الإسلامية وبقيت هناك حتى وفاتها. ألفت كتباً عدة منها: "المجتمع والحكومة والحركة النسائية في إيران".
قمر الملوك وزيري
قمر خانُم سيد حسين خان (1905-1959) المعروفة بــ"قمر الملوك وزيري"، ولدت في مدينة قزوين، وكانت أول مطربة إيرانية معاصرة تغني على المسرح دون حجاب.
تعرّفت قمر الملوك على الموسيقى من خلال جدتها "خير النساء"، التي كانت تعيش تحت رعايتها قمرُ الملوك اليتيمة، وكانت هذه الجدة تقرأ الأناشيد الدينية في الحفلات الدينية النسائية.
عندما كانت قمر الملوك مراهقةً قامت بإجراء أغنية بطلب من الجمهور في حفل بحضور الموسيقي الإيراني الشهير "نيْ داود". أُعجب ني داود بصوت قمر الملوك، فآل بها المطاف إلى أن غدت تشارك في صفوف ني داوود الموسيقية، فتعرفت إلى الموسيقى الإيرانية بأنواع أساليبها.
استطاعت قمر الملوك تغيير الجو الذكوري للموسيقى الإيرانية في ذلك الوقت، بينما لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً، وكسرت القاعدة التقليدية في حفلها الأول في فندق "غراند هوتيل" الشهير في طهران، حيث غنت عام 1924 أمام الرجال دون حجاب على رأسها، وفي جوّ بالغ الذكورة. ذكرت قمر الملوك إنها أقامت حفلاً موسيقياً من دون حجاب في وقت كانت فيه كل من لا ترتدي "الشادور" تؤخذ إلى مركز الشرطة.
قامت مِهرأنكيز خلال فترة نيابتها في البرلمان بصياغة قانون يعترف بحقّ المرأة في الطلاق
حسب خبراء الموسيقى الإيرانيين، أزالت قمر الملوك بعملها جدار الخوف من أمام الفنانات الإيرانيات الأخريات، ومهدت الطريق لهن للحضور على خشبة المسرح. صاحبة الصوت الأسطوري سجلت ما يقارب 200 أغنية خلال حياتها، ولُقّبت بـ"أم كلثوم إيران".
فَرُّخ رو بارسا
ولدت فرُّخ رو عام 1923 في عائلة مثقفة في مدينة قُم. كانت والدتها رئيسة تحرير مجلة "جهان زنان" (عالَم النساء) وناشطة في مجال حقوق المرأة، والتي أدى نشرها لمقالتين في هذه المجلة إلى سخط رجال الدين، وتسبب في مغادرة العائلة إلى مدينة أراك.
بعد فترة عادت العائلة إلى مدينة قم خوفًا من التعرض للاعتداء. وفي وقت لاحق ذهبوا جميعاً إلى طهران بوساطة من رئيس الوزراء آنذاك.
تخرجت فرّخ رُو من جامعة طهران عام 1950 في فرع الطب، لكنها بدلاً من الطب، فضلت مواصلة أنشطتها الثقافية والتعليمية. وفي عام 1333، أسست "جمعية النساء المعلمات للمدارس الثانوية للبنات"، كما قامت بالتعليم في المدارس الثانوية في طهران لعدة سنوات، ولبعض الوقت شغلت منصب المديرة لأمانة الجامعة الوطنية الإيرانية، وفي عام 1347 أصبحت أول وزيرة في إيران بتوليها منصب وزير التعليم والتربية. يعتقد الكثيرون أن فرخ رو هي التي لعبت الدور الأهمّ في تطوير تعليم الفتيات في إيران خلال عملها في وزارة التعليم.
لم تغادر فرّخ رو إيران بعد الثورة الإسلامية، وبعد أن توجه الضباط إلى منزلها لاعتقالها في بداية الثورة، بدأت حياتها شبه السرية في منازل الأقارب والأصدقاء. وعندما كانت بصدد مغادرة إيران عن طريق التهريب، ألقيت القوات الأمنية القبض عليها. استغرقت محاكمتها تسع جلسات وحكم عليها أخيراً بالإعدام بتهمة الإفساد في الأرض والتعاون مع جهاز مخابرات الشاه "سافاك" في اعتقال المعلمين المعارضين ونهب الأموال العامة وترويج الفساد.
خلال اعتقالها لم يكن لديها محامٍ أو الحقّ في استئناف المحاكمة. وفي تصريحاتها الأخيرة، قالت إن محاكمتها كانت علامة على التمييز بين الرجل والمرأة، معربة عن أملها في مستقبل أفضل للنساء الإيرانيات. أعدمت فرّخ رو بوابل من الرصاص في 7 أيار/مايو 1980 في طهران.
الشاعرة "فُروغ فرّخ زاد" و"طاهرة قرّة العين"، ورغم أهميتهما الكبيرة في مجال حقوق المرأة والأدب، ولكن لم تتم الإشارة لهما في هذا المقال، فقد نُشر عن كلّ منهما من قبل في موقع رصيف22.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.