شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من شرطة تلاحق المحجبات إلى شرطة تلاحق غير المحجبات... ثياب الإيرانيات طوال 80 عاماً

من شرطة تلاحق المحجبات إلى شرطة تلاحق غير المحجبات... ثياب الإيرانيات طوال 80 عاماً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

From policing veiled women to policing unveiled women: Iranian women’s garments over the years

جملة من الأحداث طرأت على إيران، تم بموجبها تمرير قانون حظر الحجاب في البلاد عام 1936، في عهد رضا شاه. حينها، مُنعت الإيرانيات من ارتداء الحجاب والأوشحة منعاً باتاً.

بناء الدولة الحديثة الفارسية، كان على عاتق رضا شاه، فالرجل العسكري "العنيف" أراد أن يُحدث تغييراً سياسياً واجتماعياً وثقافياً بسرعة مدوية في المجتمع المحافظ الذي لم يكن مهيأً للظرف الجديد.

طلب الشاه في البداية أن يكون الزي موحداً في البلاد، فلم تعجبه كثرة الأزياء النابعة من الثقافات والقوميات المتعددة وهي الفارسية والتركية والكردية والبلوشية والعربية والتركمانية. آمن الشاه بأن الزي الموحد على طريقة البدلات الإفرنجية، سيُظهر إيران متقدمةً تماماً.

أصبح الزي الموحد مع قبعة اشتهرت بـ"القبعة البَهْلَوية"، على غرار لقب الشاه، قانوناً لا يمكن تجاوزه، فغُرّم من غُرّم من المواطنين البسطاء والعابرين بسبب عدم تمكينهم للقانون الملكي الذي أقره المجلس الوطني، وسلِم رجال الدين فقط من القانون.

شاركت زوجة الملك وبناته ومجموعة من زوجات الوزراء والوكلاء والنواب من دون حجاب في الاحتفال، وألقى رضا شاه كلمةً أكد فيها على أن النساء يشكلن نصف سكان البلاد، ولا بد من مشاركتهن في الحياة الاجتماعية، وهذا لا يمكن سوى بخلع الحجاب

ثم زار الشاه عام 1934، تركيا، وتعرف على نظامها الجمهوري الحديث برئاسة مصطفى كمال أتاتورك وأعماله وقراراته، فأُعجب بالرئيس التركي ورؤيته التقدمية. حينها فقد شاه إيران ثقتَه بنفسه، وقال للسفير الإيراني في إسطنبول: "ما زلنا متأخرين، ويجب أن نتخذ إجراءاتٍ كاملةً على الفور من أجل التقدم السريع للمواطنين، خاصةً شريحة النساء".

كان واضحاً أن قانون الزي الموحد لم يشفِ غليل الملك، فقرر الإسراع في هذا الشأن، وعاد يتحدث في الحكومة عن حجاب المرأة، وما يشكله من عقبة أمام تطورها وتطور البلد، وقامت الحكومة بدعايات وإعلانات لتهيئة الرأي العام لخلع الحجاب، وعُقدت الاجتماعات وبدأت المحادثات، وكتبت الناشطات في مجال حقوق المرأة في صحفهن ومجلاتهن.

قرار جديد

ورد في مذكرات الأمير عين السلطنة: "يريد (الشاه) أن يتّبع سياسات وأفعال (مصطفى) كمال باشا وتركيا، وهي خلع الحجاب، أي أن إزالة الشادور ستتم عاجلاً أم آجلاً..". 

وكانت ترتدي المرأة الإيرانية في ذلك الوقت، حجاباً كاملاً مع برقع، فلا يظهر منها شيء، وأحياناً لا تستخدم البرقع، بل تستخدم الشادور (CHADOR)، وهو يشبه العباءة العربية، ويكون على شكل نصف دائرة مفتوحة من الأمام، وليست فيه فتحتان للذراعين، فيغطي الوجه بدل البرقع، ولا يظهر من الوجه سوى العينين والأنف.

تم إنشاء جمعية المرأة عام 1935، ترأستها بنت الشاه، تحت إشراف وزارة المعارف، بغية التخطيط لخلع الحجاب. كتبت الناشطة في حقوق المرأة صديقة دولت آبادي، التي كانت ضمن الجمعية: "في ذلك اليوم، تشرفت بتنظيم اجتماع حضره جلالة الملك وزوجته و(ابنتاه) الأميرتان أشرف وشمس. وافتتح الشاه بانضباط خاص الجلسةَ التي شارك فيها أعضاء الحكومة والمعلمات بالزي الموحد، وعلى هذا الأساس كنت أرى أملي الذي سعيت إليه منذ سبع سنوات قد تحقق".

وصدرت قرارات الاجتماع من قبل وزارة المعارف (التربية والتعليم)، ومنها: إقامة احتفالات نسائية من دون حجاب داخل المدارس، تسليم إدارة المرحلة الإبتدائية للنساء وضرورة تشكيل صفوف مختلطة للذكور والإناث حتى الصف الرابع.

قمع رجال الدين

احتج رجال الدين في مدينة مشهد الدينية في شمال شرق إيران، وقمع جنودِ الشاه اجتماعَهم في جامع جوهرشاد، ثم اعتُقل بعض علماء الدين، ومعظم الذين قاموا بتنظيم الاجتماع ودعوا المواطنين للقيام ضد الملك توارو داخل البلاد أو فرّوا إلى مدينتي النجف في العراق وهرات في أفغانستان. أما المعتقلون، فقضوا فترات طويلةً داخل السجن، أو واجهوا عقوبة الإعدام.

ذهب الشاه بعد ذلك إلى مدينة قم الدينية الواقعة في جنوب العاصمة طهران، وواجه علماء الدين بصرامة حول قراره المصيري ضد الحجاب لئلا يقفوا سداً منيعاً أمام تقدم البلاد.

في الشهور الأولى من عام 1936، صادق المجلس الوطني على قانون خلع الحجاب، فما كان قراراً للشاه بالأمس، أصبح قانوناً رسمياً في البلاد وجب تطبيقُه على جميع شرائج المجتمع، فأعلنت الحكومة إقامة احتفال بهذه المناسبة.

شاركت زوجة الشاه وبناته ومجموعة من زوجات الوزراء والوكلاء والنواب من دون حجاب في الاحتفال، وألقى الشاه كلمةً أكد فيها على أن النساء يشكلن نصف سكان البلاد، ولا بد من مشاركتهن في الحياة الاجتماعية وهذا لا يمكن سوى بخلع الحجاب: "عفة المرأة لا علاقة لها بالحجاب، إنما تكمن عفتها في روحها وأخلاقها وليس في حجابها الذي ترتديه".

لا خدمات للمحجبات

حظرت الحكومة استخدام الحجاب بشتى أنواعه، فقامت وزارة التربية والتعليم بحظر دخول المعلمات أو الطالبات المحجبات، وتقديم خدمات للمحجبات في الدوائر الحكومية في عموم البلاد.

ولا يحق للمحجبات التسوق وركوب السيارات، ولا يُسمح للمتاجر ببيع البضائع إليهن، كما واجهت الشرطة المحجبات بصرامة حتى وصل الأمر إلى دخول منازلهن والبحث عن وشاح أو عباءة، فإذا ما وُجد شيء من هذا يتم تمزيقه أو مصادرته.

وكانت الشرطة معنيةً بالنساء غير المحجبات، للحد من أي تحرش يصدر من قبل الآخرين.

كثفت الحكومة دعاياتها لخلع الحجاب وشنّت موجة حملات إعلامية ضد المحجبات حتى انزوين في معظمهن، وبعضهن حاولن الحفاظ على الحجاب الإسلامي عن طريق ارتداء المعاطف الطويلة ووشاح العنق وارتداء القبعات الكبيرة التي تغطّي شعر الرأس كله.

خلت الشوارع من النساء، وبقي قانون الحجاب يطبَّق بصرامة حتى نهاية حكم رضا شاه في عام 1941، إذ في أعقاب وقوع الحرب العالمية الثانية نفت القوات البريطانية والروسية الشاه الإيراني الذي أبدى تعاطفاً مع الزعيم الألماني هتلر، وحلّ ابنه الشاب محمد رضا محله.

حقبة استقلال الإيرانيات في ارتداء ملابسهن

من جديد حضرت المحجبات في الشوارع ومارسن حياتهن الاجتماعية من دون اعتراض الشرطة طريقهن، وشيئاً فشيئاً تمرّد كثيرون وكثيرات في تطبيق قانون خلع الحجاب، إلى أن أمر الملك بإلغاء القانون عام 1944 بناءً على طلب علماء الدين.

أصبحت بعد ذلك المرأة الإيرانية مستقلةً في اختيار نوع ملابسها وحجابها، فحصل اعتدال في الشارع بعيداً عن الإفراط والتفريط بين العلماء والشاه، أي بين الدين والديمقراطية، حتى عام 1983، وخلال 4 عقود تعوّد المجتمع على مشاهدة النساء بحجاب أو من دونه، كما سعى القانون إلى أن يكفل حقوق الجميع.

جاء انتصار الثورة الإسلامية ضد النظام الملكي في مطلع عام 1979، وأعلن زعيمها روح الله الخميني، موافقته على فرض الحجاب بعد شهور من قيام نظام الجمهورية الإسلامية: "على المرأة المسلمة أن تخرج بالحجاب الإسلامي لا أن تتبرّج. الموظفات يزاولن أعمالهن بمظهرن السابق ولا بد من إصلاح أنفسهن... يمكن للنساء أن يعملن في الأمور الاجتماعية ولكن مع حجاب إسلامي".

اشتباكات بين النساء حول حقوقهن

عارضت العديد من النساء خطاب الخميني، في مظاهرات تطالب بحرية ارتداء الحجاب، في المقابل خرجت مسيرة للمحجبات طالبن فيها بفرض الحجاب، فشهدت شوارع طهران اشتباكات بين مؤيدات الحجاب ومعارضاته.

"عقدت 15 ألف امرأة اجتماعاً في كلية الهندسة في جامعة طهران، وبعد التصويت قررن أن يخرجن في مسيرة احتجاجية نحو مكتب رئيس الوزراء، ورافقتهن مجموعة من الرجال، حينها هتفت النساء: "نحن ضد الاستبداد"، و"لا نريد الحجاب الإلزامي"؛ هكذا نقلت الصحف تفاصيل المظاهرات.

وبعد هذا بقليل، صرح رجل الدين الثوري وأول خطيب جمعة في طهران، آية الله محمود طالقاني، في موقف معارض للخميني: "نحن لا نمانع عمل المرأة، ولم يقل أي أحد ذلك... السيدات هن أعضاء نشطات في مجتمعنا... الإسلام والقرآن ومراجع الدين يريدون الحفاظ على شخصية المرأة، ولم يكن هناك أي فرض، من الذي أمر بخروج النساء في المظاهرات بحجاب أو من دون حجاب؟ بل خرجت كل واحدة حسب شعورها بالمسؤولية، فارتداؤهن الوشاح على الرأس لم يكن بالقوة".

النساء وخلال السنوات القليلة الماضية بدأن يرفعن أصواتهن علناً بمخالفتهن للحجاب الإسلامي حتى خرجت حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، بعد وفاة الشابة مهسا أميني على يد شرطة الحجاب 

مات طالقاني وخلافاً لوعوده، تمت المصادقة على قانون فرض الحجاب عام 1983، مرفقاً بمواد قانون العقوبات الإسلامية لعدم مراعاة الحجاب في الساحات العامة، فكتبت المتاجر هذه المرة: "نعتذر عن عدم استقبال الزبائن غير الملتزمين بالشؤون الإسلامية".

وواجهت الشرطة والقوات الثورية السيدات من غير حجاب، وبدأ الإعلام الحكومي يكتب ويبث تقارير وبرامج حول أهمية الحجاب وذمّ غير المحجبات.

بعد أربعين عاماً من استقلال المرأة وحريتها في ارتداء الحجاب في إيران، عاد فرضه على النساء لفترة أربعين عاماً حتى اليوم، إلا أن النساء وخلال السنوات القليلة الماضية بدأن يرفعن أصواتهن علناً بمخالفتهن للحجاب الإسلامي حتى خرجت حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، بعد وفاة الشابة مهسا أميني، على يد شرطة الحجاب في شوارع طهران عام 2022.

بعد الاحتجاجات، كثفت السلطات الإيرانية مواجهتها مع النساء اللواتي قررن أن يخلعن حجابهن، وما زالت السلطات مستمرة بجهودها البووليسية والدستورية للحد من ظاهرة الحجاب الاختياري، فرغم تشديد دوريات الحجاب في الأماكن العامة كالمطارات والمحطات والباصات والمترو والصالات والمجمعات والقاعات، تحاول المصادقة على قانون يزيد من حدود المواجهة القانونية مع الفتيات ويحرمهن من الخدمات العامة والحكومية.

اجتماعياً رفض الكثير من العلماء والأكاديميين جهود السلطات العبثية، منهم أستاذ علم النفس في جامعة شيراز الدكتور محمد خدا ياري‌ فرد، الذي ردّ على قرارات السلطات قائلاً: "الجمهورية الإسلامية لن تقدر على فرض الحجاب ومواجهة حركة المرأة، الحياة، الحرية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image