يمكن اعتبار صديقة دولت آبادي من ضمن أوائل النساء بعد الثورة الدستورية (الثورة الشعبية التي مع انتصارها في عام 1908 باتت أرضية لتحديد السلطة الملكية وتشكيل البرلمان في إيران)، وتحقيقاً لقيم الثورة في حياتها الخاصة، قد استهدفت كسر الحريم الخاص للزواج المفروض، وهدمت تابو الإطاعة الزوجية، والبنية الذكورية، ونشطت ما يقارب ستين عاماً في حقل النسوية.
كانت تعتقد صديقة بأنّ خروج النساء من صندوق البيوت، والدخول في النشاط الفعّال والمسؤول في المجتمع، والاشتراك في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، يجب أن تسبقه تمهيداتٌ من أهمِّها التعليمُ والعمل والابتعاد عن طريقة الحياة القاجارية، والخروج من إطار احتقار المرأة والتخلف المفروض، والذي كان قد بات أمراً روتينياً للنساء. أرادت صديقة إيقاظَ المجتمع النسائي الذي غفا وغار في هذا الحلم، أو استسلم للوضع خوفاً. نلقي هنا نظرة على حياة هذه المرأة الرائدة في حقوق المرأة المدنية في إيران.
حياة صديقة دولت آبادي
ولدت صديقة دولة آبادي في عام 1882 في مدينة دولَت آباد بمحافظة إصفهان. تعلمت في طفولتها اللغةَ العربية والفرنسيةَ، ودرست المرحلة المتوسطةَ على يد معلمين خصوصيين. تزوجت في سنّ العشرين من حسين اعتضاد، الملقب باعتضاد الحُكّام، حكيم البلاط.
كتبت گيتي باغْگُلي: "تزوجت في السادسة عشرة، وعلى خلاف إرادتها، من رجل مسنّ".
مع انتصار الثورة الدستورية وقفت صديقة مباشرةً مع صفوف المطالبين بالحرية. ولأنّ زواجها لم ينجح، حاولت رفع مستوى التعليم بين النساء. لذلك في عام 1910 أصبحت عضواً في مركز "مخدرات الوطن" -والمخدرات إشارة إلى النساء-. ثم أصبحت بعد فترة قصيرة السكرتيرة العامة للمركز.
هدمت تابو الإطاعة الزوجية والبنية الذكورية، ونشطت ما يقارب ستين عاماً في حقل النسوية... صديقة دولَت آبادي، امرأة رائدة في حقوق المرأة المدينة في إيران
أسست صديقة أول مدرسة للبنات باسم "مكتب الشرعيات" في إصفهان، وبسببها سُجنت وضُربت وجُرحت، وألزموا عائلتها بعدم عودتها لمثل هذه النشاطات. وعلى هذا بعد مضي فترة أُغلقت المدرسة. لكن صديقة لم تتراجع عن قرارها في توعية نساء بلدها، وبعد عام ساعدت في تأسيس مدرسة "أمّ المدراس" في إصفهان أيضاً. ومن أجلها جمعت سيدات هذه المدينة بالشراكة مبلغاً من أموالهن. وبعد فترة دخلت صديقة كعضو في جمعية "النسوان محبات الوطن".
استطاعت أخذ ترخيص من وزارة المعارف لصحيفة "لسان النساء"، وصدرت هذه الصحيفة في إصفهان. وصلت صحيفة "لسان النساء" إلى العدد 48، وأغلقت بعد مقال انتقد الحكومة.
تكتب الباحثة گيتي باغگُلي عنها:
"حين وصل البلاغ إلى رئيس المخفر لتوقيف الصحيفة قال لها: لقد جئتِ إلى العالم مبكراً مائة عام. فأجابته: لقد ولدتُ متأخرة مائة عام، فأنا لن أسمح للنساء بالبقاء في مثل هذا الذُّلّ والسلاسل التي أسرتموهن أنتم الرجال بها.
في عام 1921 أسست جمعية "اختبار المرأة" بمساعدة امرأة كات تطارحها الفكرة لدعم السِّلع المنتجة داخلياً، وتأسيس مدرسة ابتدائية للفتيات المعسرات.
يكتب الباحث بامداد عنها:
تزوجت في السادسة عشرة من رجل كبير في السن. إذ لم يكن في تلك الفترة رضا الفتاة في الزواج أمراً مهماً. أعطاها أبوها حينها دفتراً جلدياً لتفتحه بعد موته. اتضح في ما بعد أنّ العصمة كانت في يد الفتاة لتستخدمه إذا لم تنجح في زواجها.
تقول هي:
"كانت حياتنا الزوجة غير مستقرة بسبب اختلاف الأعمار".
في أذار/مارس 1922 غيّرت صحيفة "لسان النساء" إلى مجلة، وأخذت تصدرها شهرياً بعد إنهاء توقيفها.
يخاطب ممتاز الدولة (وزير المعارف حينها) دولت آبادي:
"لقد صدر ترخيص مجلة (لسان النساء) وتمّ إرساله، لكني مجبر على التذكير -لأن أول إصدار يصدر باسم النساء ونشاط النساء في أي دولة له قيمة- حاولي إيقاف هذا الطفل على رجليه ليصل إلى الرّشد. اسعي في إصدراها وإلا هذه الخطوة ستوكل إلى وقت أفضل، وستصدر (لسان النساء) في مدينة أكثر حريةً، لأنّ أضرار خطوة للخلف أكثر من خطوتين للأمام".
السفر إلى خارج إيران
بعد مرور عام سافرت صديقة لعلاج مرض كلوي، إلى سويسرا، عن طريق كِرمانشاه الإيرانية، وبغداد، وبيروت، وحلب، ثم من هناك إلى ألمانيا. استطاعت التعرف هناك على أوضاع نساء البلدان. وبعد أشهر من العلاج، ذهبت إلى باريس، ودخلت في نفس المدينة كليةً نسائية. ومن ثم استطاعت التخرج من جامعة السوربون حاصلةً على شهادة في التعليم.
في نفس هذه الفترة كتبت في صحف باريس المعروفة مثل تان والتيمس، عن استقلال المرأة الإيرانية، وأحدثت ضجة كبيرة. أدّت نشاطاتها في باريس إلى اختيارها عضواً في المنتدى الدولي للمساواة في حقوق المرأة. شاركت دولت آبادي في نفس مؤتمر المنتدى متحدثةً عن حقوق المرأة بالنيابة عن النساء الإيرانيات. عادت إلى إيران في عام 1928. تكتب عن عودتها:
توفيت صديقة دولت آبادي عام 1961 متأثرة بمرض السرطان في طهران، وخاطبت النساء في وصيتها: لا تشارك ولو امرأة واحدة بالحجاب في جنازتي، ولن أسامح النساء اللاتي يأتين إلى قبري مرتديات الشادور
"أنهيت في عام 1928 دراستي في السوربون، فأحسستُ ببُعدي عن إيران العزيزة؛ سبع سنوات كأنها سبعين سنة! أثناء العمل والتضحية كتبتُ إلى أخي من باريس: لقد أدّيت واجبي لخدمة الثقافة، وأنا مستعدة للعودة.
ومنذ عودتها إلى إيران أخذت تتواجد في الجتمع دون شادور وحجاب. وكانت من ضمن الموافقين على إسقاط الحجاب.
بعد إعلان أمر إسقاط الحجاب من جانب رضا شاه (أول ملك من العائلة البهلَوية) حضرت بدعوة منه إلى الأكاديمية الممتازة كسيدة دون حجاب. وبعد عام صدر مرسوماً لتصبح مديرة مركز النساء. واهتمت بإحقاق حقوق المرأة، ورفع مستوى وعيها.
توفيت صديقة دولت آبادي في 28 تموز/يوليو 1961متأثرة بمرض السرطان في طهران، وخاطبت النساء في وصيتها:
"لا تشارك ولو امرأة واحدة بالحجاب في جنازتي، ولن أسامح النساء اللاتي يأتين إلى قبري مرتدياتٍ الشادورَ.
كانت حياة صديقة دولت آبادي طوال ثمانين عاماً متزامنة مع فترة مهمة من التحوّلات الاجتماعية والسياسية والثقافية في إيران، لا سيما تلك التي تتعلق بالمرأة. بعبارة أخرى يمكننا تلخيص هذه الفترة التكوينية (النسوية الحداثية)، بتعريفها كحركة قد بدأت قبل قرن بفكرةٍ، بيد أنّ أثرها وثمارها على المستوى الاجتماعي كانت صعبة للغاية، ودُفعت تضحيات كبيرة من أجلها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.