شارفت احتجاجات إيران على مرور شهرين على اندلاعها في أنحاء البلاد، أزمة من أجل المرأة والحياة والحرية، وبمشاركة جريئة من الفتيات والنساء، ونشاطهن المستمر، وأصواتهن التي تعلو يوماً بعد يوم.
العصيان المدني منتشر في كلّ مكان في إيران، لا غطاء على رأس النساء في الشوارع والساحات والمتاجر والحدائق والمترو والباصات، فيبدو أن الشَّعر قد تحرّر لمن أرادت منهن. وكما يقول الخبراء، إن إيران اليوم ليست إيران ما قبل وفاة الشابة مهسا أميني في مخفر شرطة الحجاب في 16 أيلول/سبتمبر الماضي، ولا مؤشر في الأفق يدلنا على التراجع أو العودة إلى الوراء والتقيد بقوانين الحجاب.
تنتشر مقاطع فيديو وصور على منصات التواصل الاجتماعي تظهر فتياتٍ مع غطاء الرأس وأخريات دونه، يسرن جنباً إلى جنب، وهذا من أهمّ ما طالب به الشعب الإيراني في هذه الاحتجاجات، وقد تحقق.
حرية دون مباركة النظام
وهذا قد تحقق دون مباركة النظام، فهو ما زال يستخدم أقصى الضغوط للحدّ من الاحتجاجات، من تضليل إعلامي وسبّ وشتم واعتقالات وتهديدات وضرب وقمع، وحتى القتل، لكن العصيان المدني قد تخطى كل ذلك، فباتت الكثير من النساء لا يخفن شرطة الحجاب ولا أي سلطة أخرى.
عن الفجوة الحاصلة بين النظام والشعب بعد أربعة عقود من الحكم الإسلامي، يقول وزير التراث الثقافي والسياحة الإيراني عزّت الله ضرغامي، في اجتماعه مع طلاب جامعة شريف التي لم تهدأ منذ اليوم الأول من الاحتجاجات: "تحدثت مع محقق مخضرم في السجون، وقد أخبرني بأن التحقيقات مع معتقلي هذه الاحتجاجات كانت الأصعب في حياته، إذ لا هو يفهم ما يقوله المعتقلون، ولا هم يفهمون ما يقوله المحقق".
كشفت الاحتجاجات الأخيرة عن أول صدام وصراع علني بين رجال النظام وجيل لا يعترف بمبادئ تلك الثورة، بل يبحث عن حياة عادية
اعتقلت إيران آلاف المحتجين في الشوارع، وحتى من اقتصر نشاطهم المعارِض على منصات التواصل الاجتماعي فحسب، ومعظمهم كان من جيل z، وهم طلاب مدارس أو جامعات.
هؤلاء يرفضون التقيد بالقوانين الإسلامية التي تُفرض من قبل النظام، فهم يعيشون في بيئة أخرى بعيدة كلَّ البعد عن الجمهورية الإسلامية وطموحاتها، حالهم حال أقرانهم في العالم، يبحثون عن سرعة إنترنت فائقة ولم توجد، يريدون النشاط في شبكات تيك توك وسناب شوت ويوتيوب، وهي محجوبة في بلدهم، يطالبون بحفلات ورفاهية لكنها صعبة المنال، وأضيفوا إلى القائمة عشراتٍ من المحظورات والممنوعات الأخرى.
كشفت الاحتجاجات الأخيرة عن أول صدام وصراع علني بين رجال النظام -وجلهم يتقلدون المناصب منذ ثورة 1979- وبين جيل لا يعترف بمبادئ تلك الثورة بل يبحث عن حياة عادية كما يراها في إسطنبول أو دبي أو بيروت أو باريس أو لندن.
إسقاط العمائم
من ظواهر الاحتجاجات التي انتشرت في المدن الكبرى هي "إسقاط العمائم" من رؤوس رجال الدين في الشوارع، وهي ظاهرة تكشف عن عمق الفجوة بين الشارع والنظام الإسلامي.
رفض ذلك الكثير من المحتجين والنخب الإيرانية بمختلف انتمائاتهم، ولكن ذكّر بعض المحتجين بإسقاط عمامة الشيخ مهدي كرّوبي، وهو أحد قادة الحركة الخضراء المعارضة التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009، كما نشر بعض الناشطين على مواقع التواصل مقطع فيديو لآية الله الخميني وهو يحثّ إبان الثورة بإسقاط عمائم رجال الدين المحسوبين على النظام الملكي آنذاك.
جامعات على مدار الاحتجاج
وبرغم سيطرة الشرطة على الشوارع وإخماد الاحتجاجات، إلا أن ساحات التعليم في المدارس والجامعات ما زالت مشهداً حياً من التظاهر كلَّ يوم.
والمشهد الأبرز كان يوم الثلاثاء الماضي حيث أقام طلاب جامعة شريف الحكومية، وهي أبرز جامعة تقنية في إيران، وقد تَخرَج منها أعداد كبيرة من النخب الإيرانية، وقفةً احتجاجية بمشاركة كبيرة من الطلاب، إضافة إلى عدد من الأساتذة. وقد صدحوا بشعارات تطالب بالحرية للمعتقلين وعدم حضور العناصر الأمنية في حرم الجامعة واحترام مطالب المتظاهرين.
"رسالة النظام للمحتجين، أننا لم نفهم مطالبكم وإذا فهمناها فلم يتوجب علينا أن يكون ردُّنا إيجابياً"... الصحافي عباس عبدي
"لماذا الهجرة؟ ابقى واستعِدْ حقّك"، هو بيت شعر من أغنية "نشيد المرأة"، للفنان مهدي يرّاحي، والتي كتبتها الشاعرة مونا بُرزويي خلال الاحتجاجات القائمة، وسرعان ما تبدلت الأغنية إلى نشيد يتغنى به طلاب الجامعات في عموم البلاد. وهذا المقطع من الأغنية يردّده الطلاب بقوة يطالبون به الشباب والنخب الذين ينوون الهجرة إلى أوروبا بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد، أن يبقوا في البلد، خاصة أن معظم خريجي جامعة شريف التقنية، يعيشون اليوم خارج إيران.
أطباء يتدخلون لحماية حقوق الأطفال
نشر نحو 600 طبيب في مجال الأطفال والمراهقين بياناً يدعون فيه السلطاتِ للحدّ من المواجهات العنيفة تجاه طلاب المدارس كالضرب والإهانة والتهديد والاضطرابات الروحية، وأكدوا على عدم مشاركة الطلاب في برامج الحكومة بالإكراه.
وقد انتشرت صور على المنصات توثق دخول عناصر الأمن إلى المدارس لفحص حقائب الطلاب أو للتحقيق معهم أو لاعتقالهم، وقد كشف وزير التربية والتعليم صحة اعتقال الطلاب، دون الإشارة إلى أعداد المعتقلين، مؤكداً أنهم يخضعون لدورات نفسية، بينما أكد مراقبون أن السجون ليست مكاناً للأطفال والطلاب.
رياضياً امتنع أعضاء المنتخبين الوطنيين لكرة القدم الشاطئية وکرة الماء من قراءة النشيد الوطني أثناء المنافسات الدولية التي أقيمت في دبي وتايلاند، وقبل ذلك لم يبد فريق استقلال في الدوري الممتاز بهجةً أثناء رفع كأس السوبر الإيراني تضامناً مع الاحتجاجات. في غضون ذلك أعلن اتحاد كرة القدم الوطني عن محاسبة اللاعبين وفق قوانين الفيفا.
سياح أجانب في سجون طهران
تصف السلطات الإيرانية، الاحتجاجاتِ بأنها أعمال شغب يعمل على افتعالها الأعداء، حيث أعلن وزير الداخلية أحمد وحيدي أن حوالي 7 دول تقف خلف "الفوضى" منها أمريكا وإسرائيل والسعودية ودول أوروبية. بدوره اتهم وزيرُ الاستخبارات إسماعيل خطيب، بريطانيا والسعودية بدعم أعمال تزعزع أمن إيران.
وفي ظل تعطيل قطاع السياحة في البلاد، حيث تم إلغاء نحو 70 بالمئة من الرحلات السياحية نحو إيران، أبدى رئيس مجلس إدارة جمعية المرشدين السياحيين في البلاد، أسفه بشأن اعتقال السياح مؤكداً: "تم اعتقال بعض السياح الأجانب الذين قاموا بالتقاط صور الاحتجاجات من باب الفضول. مشاهدة السياح في أماكن خاصة ليس معناه بالضرورة أنهم جواسيس".
أصدرت محكمات البلاد نحو ألف لائحة اتهام للمعتقلين تصل بعضها إلى حكم الإعدام
وكانت قد أعلنت وزارة الاستخبارات في 30 أيلول/سبتمبر عن اعتقال 9 أجانب من جنسيات ألمانية وإيطالية وفرنسية وهولندية وسويدية وبولندية أثناء الاحتجاجات، وبينما تم إطلاق سراح بعضهم، ما زالت الإيطالية آليسا بيبرنو، تقبع في سجون طهران منذ 40 يوماً، وطالبت أسرتها بإطلاق سراحها، أما السلطات الإيطالية فلم تردّ على أنباء اعتقال مواطنتهم.
وأصدرت محكمات البلاد نحو ألف لائحة اتهام للمعتقلين تصل بعضها إلى حكم الإعدام، وفي غضون المباشرة بجلسات المحكمة، قدم 227 برلمانياً طلباً للسلطات القضائية لإصدار أشدّ الأحكام بحق "مثيري الشغب"، حسب وصفهم.
"رسالة النظام للمحتجين، أننا لم نفهم مطالبكم، وإذا فهمناها، فلم يتوجب علينا أن يكون ردّنا إيجابياً"،؛هكذا شرح الباحث السياسي والصحافي عباس عبدي في مقال له حول دور الإعلام الرسمي في الاحتجاجات الأخيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 23 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...