انطلقت أعمال قمة المناخ COP27، في مدينة شرم الشيخ المصرية الأسبوع الفائت، بمشاركة رؤساء وفعاليات من مختلف دول العالم، إلا أن الناشطين البيئيين حول العالم ومن بينهم ناشطون من مختلف الدول العربية، سجّلوا حضوراً بارزاً، فحضروا ليتابعوا عن كثب ما يُعمل عليه للتخفيف من حدة التغير المناخي، وليشاركوا في ورش عمل مشتركة مع مختصين وخبراء، تُعنى بالتغيّر المناخي وخفض الانبعاثات والمشاريع الخضراء الصديقة للبيئة.
ومن ضمن الأهداف المعنية بالمحافظة على كوكب الأرض، ستعالج القمة نقاطاً عدّة، أبرزها الحد بشكل فوري وعاجل من الانبعاثات المسبّبة للاحتباس الحراري، والتكيّف مع التغيرات المناخيّة، وتعويض الدول النامية من قبل الدول الصناعية الكبرى المعنيّة بشكل أساسي بتصدير الانبعاثات.
وبما أن الدول العربية هي من الدول التي لا تنتج كميات ضخمةً من ثاني أوكسيد الكربون، المسؤول الأساسي عن الاحتباس الحراري، وفي الوقت نفسه تدفع اليوم ضريبة الاحترار المناخي الذي تتسبب فيه الدول الصناعية الكبرى، فهي ترى في قمة المناخ، فرصةً لإطلاق الصرخة لما تتحمله من نتائج كارثيّة على المناخ والاقتصاد والشعوب، وخصوصاً أن الدولة المضيفة لها عربية.
ترى الدول العربية في قمة المناخ، فرصةً لإطلاق الصرخة لما تتحمله من نتائج كارثيّة على المناخ والاقتصاد والشعوب.
"قمة وسط أزمات عالمية كبيرة"
لا يخفى على أحد أن مصر تعاني من أزمة وجودية بفعل انخفاض منسوب نهر النيل الذي يشكل شريان الحياة الأوحد للمصريين، مع لحظ سد النهضة وآثاره الكارثية على النهر، الأمر الذي يشغل الحكومة المصرية والناشطين البيئيين الذين يبحثون عن الحلول الممكنة قبل فوات الأوان.
تتحدث ندى البدوي (30 عاماً)، وهي ناشطة بيئية مصريّة من مدينة طنطا، تعيش في القاهرة، لرصيف22، عما تعانيه مصر جرّاء تلوث مياه النيل بسبب مخلفات المصانع والمعامل الكبيرة ومياه الصرف الصحي، وتلفت إلى العمل الجبار الذي يقوم به الناشطون بالتعاون مع السلطات المعنية لمراقبة هذه المعامل وإجبارها على معالجة المياه الناتجة عنها بالطرق العلمية الصديقة للبيئة.
وتنبّه البدوي، وهي خريجة إعلام وصحافة ومتخصصة في الصحافة البيئية، إلى خطورة مشكلة المخلّفات الزراعية التي تنتج عن المزارعين والتي تقدَّر بملايين الأطنان، والتي تُرمى بشكل عشوائي، وتشكل مصدر تلوث كبير للتربة والمياه. وكذلك المخاطر الجمة المتعلقة بالجفاف والتصحر وندرة المياه وشحها، وهذه لها تداعيات كبيرة على موضوع الزراعة والإنتاج الحيواني اللذين تعتمد عليهما ملايين الأسر.
وفي هذا السياق تضيف: "الحياة الريفية في مصر تشغل النسبة الأكبر من المصريين، وتالياً التغيّر المناخي له آثار مباشرة على السكان، فتناقص المحاصيل يؤدي إلى أعباء معيشية واقتصادية كبيرة على المواطنين، والمناطق الساحلية مهددة أيضاً ومصر تحاول أن تحميها من الغرق"، وتشير إلى الهجرة الداخلية التي يسببها تغيّر طبيعة الأنشطة الاقتصادية وتأثيرها على البلاد عموماً.
ندى البدوي
تشارك الناشطة في مؤتمر المناخ اليوم، وتتحدث عن سعادتها بلقاء مسؤولين وناشطين بيئيين من مختلف دول العالم، وتؤكّد على أهمية هذه القمّة بالنسبة إلى مصر والمنطقة العربية وكذلك القارّة الإفريقية، خاصةً أن معدل الاحترار العالمي فيها يتزايد بوتيرة غير مسبوقة ويفوق المعدل العالمي.
وتعوّل البدوي على القمة ونتائجها وخصوصاً لناحية نظرة العالم إلى قضايا التلوث في المنطقة العربية ومصر تحديداً، وتقول: "القمة تقام اليوم وسط أزمات عالمية كبيرة، ما يجعل العالم ينتبه إلى وجود مشكلات حقيقية بحاجة إلى التزام. لا ننتظر المعجزات من هذه القمة، ولكننا كناشطين نعدّها خطوةً إيجابيةً ومهمةً جدّاً، خصوصاً أن عدد المشاركين فيها تخطى 45 ألفاً، ما يعني أن هناك حراكاً كبيراً في العالم للوقوف على الواقع المناخي والبيئي الذي نعيشه".
وتأمل ندى أن يكون هناك التزام لأن العالم تحدّث بما يكفي: "لأكثر من ثلاثين عاماً تتنصّل الدول من التزاماتها وتعهداتها المناخية، حتى التعهّد بـ100 مليار دولار سنويّاً لم يتم إيفاؤه، وهو رقم هزيل مقابل تكلفة تداعيات التغيرات المناخية، لذلك نتمنى أن يكون هناك تقدّم في هذا الخصوص".
سوريا من أكثر البلدان تأثراً
فرح الأسعد (26 عاماً)، من سوريا، وهي متخصصة في مجال تنمية اليافعين والشباب وأهداف التنمية المستدامة، ومؤسسة ومديرة مبادرة "رياديو المناخ السوريون"، تأمل خلال حديثها إلى رصيف22، بأن يتم الانتقال ضمن هذا المؤتمر من التخطيط إلى التنفيذ، وأن يضع قادة العالم خلافاتهم جانباً ويكونوا جادّين لحل مشكلات المناخ المخيفة.
وتقول: "نحن في سوريا بتنا نلتمس خطورة التغيّر المناخي وأثره على حياتنا اليومية، وبدأنا بالبحث عن أبرز المشكلات المناخية التي تؤثر بطريقة مباشرة على حياة السوريين، بالتعاون مع أساتذة جامعيين واختصاصيي مناخ وزراعة وبيئة، وأجمعنا على ثلاثة محاور أساسية هي الأمن المناخي والاقتصاد الغذائي والأمن المائي، والتي يؤثر عليها التغير المناخي بشدة"، وتضيف أن معالجة هذه المحاور يمكن أن تخفف من الآثار الكارثية على حياة المواطن السوري أولاً، وتغيّر إيجابيّاً في المناخ العام، خصوصاً أن سوريا تصنّف ضمن أكثر ثالث مناطق العالم احتراراً.
نتمنى أن يتحمّل الجميع مسؤولياتهم، كدول ومؤسسات، وأن يفكّروا في موضوع التغيّر المناخي على أنه كارثة قادمة على الكوكب، وأن نلتمس حلولاً جذريةً في سوريا خصوصاً لناحية الحرائق والنتائج الكارثية للحرب وآثار التغير المناخي على النمط المعيشي والاجتماعي
وبالرغم من عدم مشاركة سوريا رسمياً في المؤتمر، وتعذّر مشاركة الناشطين السوريين مثل فرح، إلا أنهم يتابعون أخبار ونشاطات المؤتمر من خلال الملخصات والنشرات اليومية من الأمم المتحدة والناشطين حول العالم، ويشاركون في العديد من الاستبيانات التي تهدف إلى الوقوف على آراء الناشطين البيئيين وطموحاتهم من القمة.
وتتمنى الأسعد أن "يتحمّل الجميع مسؤولياتهم، كدول ومؤسسات، وأن يفكّروا في موضوع التغيّر المناخي على أنه كارثة قادمة على الكوكب، وألا يفكروا فقط في الجوانب المصلحية والآنية للدول، وأن نلتمس حلولاً جذريةً في وطننا خصوصاً لناحية الحرائق والنتائج الكارثية للحرب وآثار التغير المناخي على النمط المعيشي والاجتماعي".
فرح الأسعد
في العراق جفاف وتلوث
أبرز ما يجمع سوريا والعراق ومصر، هو أزمة المياه والجفاف، خصوصاً أن الأنهار الأساسية التي تغذيها ليست وطنية المنشأ، ما يضع رقبة هذه الدول بيد دول المنبع، فالعراق يعاني اليوم من أزمة جفاف بعد بناء تركيا للسدود على نهر الفرات، وانحسار المناطق الرطبة خصوصاً في الأهوار، وتهديد ذلك لحياة عشرات الأنواع من الكائنات الحية فيها.
رعد حبيب الأسدي، ابن الجنوب العراقي، ويقطن في محافظة ذي قار، أسس منظمة "الجبايش للسياحة البيئية"، يتحدث إلى رصيف22، عن حجم الكارثة البيئية في العراق بقوله: "تأثير الجفاف كبير جداً على العراق والعراقيين، فنحن نعتمد بنسبة 100% على مياه نهري دجلة والفرات، وللأسف الشديد في السنوات الأخيرة قُطعت جميع الروافد من الجانب الإيراني المغذّية لنهر دجلة، كما بنت تركيا عدداً كبيراً جدّاً من السدود على نهري دجلة والفرات، وتالياً أصبحت إيرادات الماء القادمة إلى العراق قليلة جداً.
رعد الأسدي
ويشير الأسدي إلى مشكلة أخرى وهي تلوث المياه، فهي غير صالحة للاستخدام البشري، وتالياً فإن مشكلة المياه في العراق تهدد وجود بلد بأكمله، ولن تؤثر عليه وحده، بل على كل دول الجوار، "وعليه سوف نشاهد خللاً في التوازن البيئي، وستكون هناك فجوة بيئية في بعض الدول، وللأسف الشديد هذه الدول لا تعي خطورة ما تقوم به"، وفق ما يؤكّد الأسدي.
ويتمنى الناشط أن يكون هدف مؤتمر قمة المناخ من أجل البيئة والعدالة البيئية، وهذا كل ما يصبو إليه الشعب العراقي، بالإضافة إلى التوزيع العادل للثروات البيئية والطبيعية، والتركيز على مصطلح التكيف المناخي، ويلفت إلى أن وجهة نظر الناشطين العراقيين ينقلها إلى المؤتمر أولئك المشاركون في القمة، فهناك تواصل يومي بينهم لنقل صورة حقيقية عن واقع العراق.
لبنان والتكيّف مع التغيرات المناخية
تختلف الأزمات البيئية التي يعيشها لبنان عن محيطه العربي من ناحية الجفاف، كونه غنياً بالثروة المائية إلا أنها مهدورة وملوّثة في آن معاً، إلى جانب عشرات الأزمات البيئة التي يدفع ثمنها المواطن اللبناني، بدءاً من أزمات النفايات المتجددة إلى المولدات والنقل العام وانبعاثاته، والقائمة تطول.
يتمنى الناشط أن يكون هدف مؤتمر قمة المناخ من أجل البيئة والعدالة البيئية، وهذا كل ما يصبو إليه الشعب العراقي، بالإضافة إلى التوزيع العادل للثروات البيئية والطبيعية، والتركيز على مصطلح التكيف المناخي
الدكتورة فاطمة ياسين، المختصة بتصنيع المواد الصديقة للبيئة، والمشاركة في COP27، لفتت في حديثها إلى رصيف22، إلى أن لبنان من ضمن الدول التي دخلت حيّز التكيّف والتأقلم مع التغيرات المناخيّة، وهو ملتزم بالقواعد العلمية لهذا التكيّف، إذ لم يُطلب منه تخفيف الانبعاثات كونه لا ينتجها، وإنما مطلوب منه التكييف مع الواقع المناخي، ومن الأمور الأساسية التي سيفوض فيها الوفد اللبناني في القمة موضوع الدفع للمتضرر، إذ سيستفيد لبنان من هذه الأموال من خلال دعم قطاعات مختلفة كالزراعات البديلة والمستدامة، والعمل على بنية تحتية صديقة للبيئة.
وتلفت ياسين، إلى أن الدول المتقدمة ستدفع عن الأضرار التي تسببت بها، وهذا الدفع يختلف عن تلك المبالغ المرصودة للتأقلم والتكيّف مع التغيرات المناخية، وتؤكّد السعي إلى عدم دمج الموضوعين، فالدفع للتكيّف يختلف عن الدفع من أجل التعويض عن الضرر.
فاطمة ياسين
وتشير ياسين إلى أن الفريق اللبناني يضم تسعة مفاوضين بينهم وزير البيئة ناصر ياسين، وعدد من المستشارين والباحثين، وتأمل بأن تحقق هذه القمة أهدافها لوقف التدهور البيئي.
مطالب بالجملة تحملها الدول المتضررة إلى الدول الصناعية الكبرى المسببة لكل ما نحن عليه اليوم من أزمات مناخية، وتأمل هذه الدول بأن تحصل على الوعود التي قُطعت سابقاً في قمم مشابهة، من تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها جرّاء الوضع البيئي، وإلا فسيخرج المؤتمرون بالطريقة نفسها التي خرجوا بها سابقاً؛ جعجعة بلا طحين، والمتضرر الأكبر سيبقى دول عالم الجنوب وشعوبها الفقيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين