شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صدورنا وجودة الهواء... ضحيتان مسكوت عنهما في مشروعات

صدورنا وجودة الهواء... ضحيتان مسكوت عنهما في مشروعات "التطوير" المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لسنوات، اعتادت سارة ربيع الخروج بصحبة أطفالها من بيتها بمنطقة زهراء المعادي جنوب العاصمة، قبل غروب الشمس بقليل، لنزهة منعشة في المساحات الخضراء المحيطة بالعقار الذي تقطنه، لكن في فبراير/ شباط الماضي، تحولت تلك المساحات الخضراء جميعها إلى تلال ترابية لا تكتفي بخلق صعوبة في المشي والحركة من وإلى المنزل، وإنما تتطاير كي تغزو شرفتها ونوافذ بيتها، عندما صدر قرار مفاجئ من إدارة محافظة القاهرة بـ"تطوير" منطقة زهراء المعازي وربطها بالعاصمة الإدارية الجديدة.

معدات ثقيلة وكراكات لا تتوقف عن الحفر طوال 24 ساعة من دون راحة، وتحويلات مرورية وغلق شوارع تسببت في كثافة مرورية كبيرة، انطمست معها معالم الحي الهادئ سابقاً الذي أطيحت معظم مساحاته الخضراء، واقتلعت أشجاره واكتفى المسؤولون بتعويض السكان الغاضبين ببضع نخلات زينة، لا تطرح ثمراً ولا تلقي ظلاً. وباتت الشوارع الهادئة طرقاً هادرة لا تتسامح مع الراجلين الذين قد يفقدون حياتهم إذا ما اضطروا للسير عليها في ظل تقلص مساحات الأرصفة واتساع نهر الطريق.

حكاية زهراء المعادي هي الأخيرة في سلسلة من أعمال "التطوير" التي طالت شوارع العاصمة بدءاً من شرقها، وانتهت إلى إزالة 390 كيلومتراً مربعاً من المساحات الخضراء في القاهرة وحدها، و920 كيلومتراً مربعاً في تقديرات أكاديمية أخرى، حتى مطلع العام الجاري الذي استمرت بعده مشروعات "التطوير" التي أزاحت المزيد من المساحات الخضراء. إلى جانب ما أزيل في محافظات الأسكندرية وبور سعيد والدقهلية، والأخيرة أزيلت كافة الحدائق العامة في عاصمتها المنصورة، إلى جانب مساحات خضراء أخرى. 

في مساء الأحد 23 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، وصل معدل التلوث في هواء القاهرة بحسب رصد الأقمار الصناعية إلى 124 درجة، ما يجعل الهواء غير مناسب "للمجموعات الحساسة أو ذات الصحة الحرجة" بحسب الشبكة الدولية لتقييم جودة الهواء

أثر جانبي؟

"أصبحنا نستنشق الغبار بدلاً من الهواء طوال ال24 ساعة". بهذه الكلمات بدأت سارة الحديث مع رصيف22 واصفة معاناة سكان زهراء المعادي مع نتائج التطوير.

في مساء الأحد 23 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، وصل معدل التلوث في هواء القاهرة بحسب رصد الأقمار الصناعية إلى 124 درجة، ما يجعل الهواء غير مناسب "للمجموعات الحساسة أو ذات الصحة الحرجة" بحسب الشبكة الدولية لتقييم جودة الهواء، التي تتيح متابعة جودة الهواء لحظة بلحظة في المدن الكبرى عبر موقعها. تتغير تلك الدرجات على مدار الساعة فتنخفض كلما أوغل الليل وهدأت حركة السيارات لن تحسب متابعة الموقع فإنها لا تنخفض أبداً إلى ما دون 50 درجة وهو الحد الأدنى من التلوث كي يمكن اعتبار هواء المدينة صحياً وآمناً لكافة السكان.

هذا الواقع جعل سكان شرق القاهرة ومن بعدهم سكان زهراء المعادي، يبتكرون اسماً يجدونه أكثر تعبيراً عن الواقع للمبادرة الحكومية التنموية، ويتفق مع تراجع اللون الأخضر في العاصمة لصالح ألوان أخرى، فمنحوا المبادرة مسمى "اتحضر للأصفر".

لا تعرف سارة ربيع تلك التفاصيل، وإنما تدركها بدرجة ما من خلال تجربتها وسكان الحي، تقول الأم الشابة: "في البداية فوجئنا بعمل محور جديد وإقامة عدة كباري تمر من داخل زهراء المعادي، بحجة القضاء على الاختناقات المرورية وربط المنطقة بالعاصمة الجديدة. لكن الصدمة الحقيقة جاءت عندما عرفنا أنه في سبيل ذلك، تم طمس جميع معالم المنطقة التي عشنا بها لمدة تزيد عن 40 عاماً، لتتحول من منطقة خضراء إلى إسمنت مسلح نستنشق فيه الغبار بدلاً من الهواء".

بحسب منظمة الصحة العالمية، كان تلوث الهواء خارج المنازل سبباً رئيسياً في الوفيات المبكرة لما زاد عن 44.5 مليون من سكان العالم في العام 2016 فقط. في السنة نفسها كانت مصر بين دول الفئة الأولى الأعلى في نسب وفيات المواطنين بسبب تلوث الهواء، فقد سجلت وفاة 60 مواطناً من بين كل 100 ألف بسبب التلوث.

أحمد عبدربه أحد سكان المنطقة يرى أن من اتخذوا قرار التطوير لم يأخذوا في اعتبارهم الكثافة السكانية بالمنطقة واحتياجات القاطنين "تحولت الشوارع السكنية إلى طرق سريعة، وصارت حياة المارة في خطر، خاصة من كبار السن وطلاب المدارس. أصبحنا نخشى من تخطي الطريق ولم يعد لنا مأوى للتنزه، ولا نجد ظل شجرة نحتمي فيه من أشعة الشمس الحارقة".

غلق النوافذ كان الحل الوحيد أمام سكان زهراء المعادي في محاولة لمنع دخول الغبار وتخفيف حدة أصوات الكراكات.

بحسب منظمة الصحة العالمية، كان تلوث الهواء خارج المنازل سبباً رئيسياً في الوفيات المبكرة لما زاد عن 44.5 مليون من سكان العالم في العام 2016 فقط. في السنة نفسها كانت مصر بين دول الفئة الأولى الأعلى في نسب وفيات المواطنين بسبب تلوث الهواء، فقد سجلت وفاة 60 مواطناً من بين كل 100 ألف بسبب التلوث

يبدي سكان المنطقة مثل سابقيهم من سكان مصر الجديدة وأحياء عين شمس والمرج والمطرية، تعجبهم من موجة التطوير التي أزالت 390 ألف متر مربع من المساحات الخضراء في العاصمة، أن تأتي هذه الموجة بعد إطلاق رئيس الجمهورية مبادرة تحت مسمى "اتحضر للأخضر" تحث المواطنين على الحفاظ على الحدائق والمساحات الخضراء والمساهمة في تنميتها، وتسارع وتيرة ذلك "التطوير" بعدما أعلنت مصر في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي استضافتها قمة المناخ المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

"اتحضر للأصفر"

تتبنى المبادرة التي يرعاها رئيس الجمهورية ضمن خطة التنمية المستدامة 20/30، نشر التوعية بأهمية التشجير وإعادة تدوير المخلفات وترشيد استهلاك الغذاء والطاقة، والحد من استخدام البلاستيك، والحفاظ على الكائنات البحرية، والحد من تلوث الهواء، وحماية المحميات الطبيعية.

في الوقت الذي تتبنى فيه الدولة نمطاً اقتصادياً يعتمد في التنمية بشكل يكاد يكون كلياً على التشييد والبناء والصناعات المرتبطة بها، وجميعها مجالات اقتصادية عالية التلويث للبيئة. فبحسب ورقة سياسات أصدرها منتدى حلولاً للسياسات البديلة – منتدى بحثي مستقل يتبع الجامعة الأمريكية في مصر أكاديمياً- تحت عنوان "نموذج التطوير العقاري الجديد في مصر: إلى أي مدى هو أخضر؟"، يرصد الباحث العمراني أحمد زعزع أن صناعة الأسمنت في مصر مسؤولة عن 51% من انبعاثات الكربون من القطاع الصناعي في مصر، فيما يشكل قطاع التشييد والبناء ما لا يقل عن 23% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

بينما تعد لاستضافة قمة المناخ COP27، لا تزال مصر مصنفة بين أكثر 30 دولة تلويثاً للبيئة في العالم

هذا إلى جانب كون تلك الصناعات الداخلة في التشييد والبناء، سواء كانت الأسمنت أو الطوب أو الحديد، كلها صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومن أعلى الصناعات تلويثاً للبيئة وبثاً لانبعاثات في الكربون في وقت تزال المساحات الخضراء التي من شأنها التقليل من تركيز العناصر الثقيلة في الهواء وتخفيف التلوث والتخلص من بعض الانبعاثات الكربونية.

هذا الواقع جعل سكان مصر الجديدة ومن بعدهم سكان زهراء المعادي يبتكرون اسماً يجدونه أكثر تعبيراً عن الواقع للمبادرة الحكومية التنموية، ويتفق مع تراجع اللون الأخضر في العاصمة لصالح ألوان أخرى، فمنحوا المبادرة مسمى "اتحضر للأصفر".

واقع يصعب إنكاره

في نهاية سبتمبر/ أيلول 2020، أصدر البنك الدولي بياناً يعلن فيه عن مشروع جديد يتعاون فيه مع الحكومة المصرية، بتوفير التمويل اللازم لأجل خطة لتحسين جودة الهواء في العاصمة التي نجحت مراراً في الحفاظ على لقبها كثاني أعلى العواصم تلوثاً في العالم، بحسب قائمة منظمة الصحة العالمية.

بحسب النشرة التي أصدرها البنك الدولي لمتابعة المشروع في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فقد بلغت معدلات التلوث في مصر على المستوى الوطني أكثر من ضعف الحد الأقصى المرصود عالمياً.

ورصد التقرير أن نسبة "الغبار الطبيعي" في هواء القاهرة، قد زاد لدرجة تتسبب في "زيادة تدهور نوعية الهواء وأعراض [أمراض] التنفس".

ويمول البنك الدولي مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى "تضم 3 محافظات هي القاهرة والجيزة والقليوبية) بمبلغ قدره 200 مليون دولار. ولا يستهدف المشروع ضمن أجندته المعلنة استهداف وتحسين إدارة الأنشطة الاعلى تلويثاً للهواء من أجل تخفيف الانبعاثات الضارة أو زيادة المساحات الخضراء، وإنما "مساعدة المواطنين على التكيُّف مع نسب التلوث العالية".

البنك الدولي في تقرير جديد: نسبة "الغبار الطبيعي" في هواء القاهرة، قد زاد لدرجة تتسبب في "زيادة تدهور نوعية الهواء وأعراض [أمراض] التنفس"

ويضع البرنامج التمويلي للبنك الدولي الذي بدأ تطبيقه في 2021، خطة تتضمن تخفيف الاعتمادات على السيارات الخاصة من خلال التوسع في نشر وسائل النقل العامة الصديقة للبيئة، وتقليل حرق المخلفات الطبية والصلبة. وسبق أن طرح البنك الدولي الخطة نفسها على مصر مراراً منذ 2008 إلى 2021. إلا أن مصر لم تنجح طوال تلك السنوات في وضع برنامج قومي جاد من أجل توفير المواصلات العامة الصديقة للبيئة والتي تتناسب مع دخول المواطنين في العاصمة.

في الوقت، وبينما تعد لاستضافة قمة المناخ COP27، لا تزال مصر مصنفة بين أكثر 30 دولة تلويثاً للبيئة في العالم.

ما علاقة مشروعات "التطوير" بجودة الهواء

  في دراسة نشرت حول نوعية الهواء في القاهرة، وارتباطها بالانبعاثات الحارة الصادرة عن المدينة، وأجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، عبر دورية العلوم البيئية والتلوث التابعة لمنشورات سبرينجر، وجد الباحثون محمد حرحر ورشا عيسى وعبد الدايم القاسمي وأحمد القناوي، أن هناك "جزيرة من الملوثات الثقيلة" تظلل سماء القاهرة، تجمع في تركيبها بين عدة غازات ومواد سامة منها أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت so2 وثاني أكسيد النيتروجين.

هذه السحابة تعاظمت بين عامي 2018 و2021، وهي الفترة التي أجريت فيها الدراسة. وتظل هذه السحابة ثقيلة طوال العام مع اختلاف نسب تركيز الملوثات فيها بحسب الفصول والنشاط البشري.

في دراسة أخرى (غير محكمة) أعدت بالتعاون بين باحثين في قسمي الهندسة المدنية والتخطيط العمراني بجامعتي عين شمس المصرية وستراثكلايد البريطانية، وجدت داليا جعفر علي وبلانكا ديمتريجيفيك، أن القاهرة تسير في اتجاه معاكس لما تسير عليه معظم المدن في العالم، فعوضاً عن تعظيم المساحات الخضراء القليلة وزيادتها، تعمل سلطات التخطيط الحضري في مدينة القاهرة بشكل متسارع على تقليص تلك المساحات.

   وفقاً للدراسة "يتم حالياً تهميش المساحات الخضراء في القاهرة وفقدت المدينة كميات كبيرة من المساحات الخضراء المحدودة بالفعل لصالح مشاريع تنموية أخرى".

وأظهرت البيانات التي جمعتها الباحثتان عن المساحات الخضراء في القاهرة أن المدينة "بها وجود محدود للمساحات الخضراء"، وما بين عامي 2017 و2020، فقدت القاهرة 910894 متراً مربعاً (نحو 911 كيلومتراً مربعاً) من مساحاتها الخضراء المحدودة بالفعل. هذا الرقم يعادل أكثر من ضعفين ونصف الضعف للرقم المعلن حكومياً والذي سبقت الإشارة إليه، والبالغ 360 كيلومتراً مربعاً.

تواصل الدراسة أنه مع زيادة عدد السكان، انخفضت حصة الفرد من المساحات الخضراء من 0.87 إلى 0.74 متر مربع، وكان أكبر خسارة في المساحات الخضراء بشكل رئيسي في مصر الجديدة وشرق مدينة نصر، خسرت مصر الجديدة 272،274 متراً مربعاً بين عامي 2017 و2020 بينما خسرت مدينة نصر شرق 311،283 متراً مربعاً خلال الفترة نفسها.

ومن الملاحظ أنها توازي الفترة التي رصدت فيها الدراسة المحكمة المنشورة سبرنجر انهياراً في جودة الهواء وزيادة سمك سحابة الملوثات التي تظلل القاهرة الكبرى.

وذكرت الباحثتان علي وديمتريجيفيك أن القاهرة لا تواجه فقط مشكلة في الكمية الإجمالية للمساحات الخضراء؛ بل أيضاً في توزيعها "غير المتكافئ" عبر مناطقها. "في عام 2020 كان هناك 22 منطقة من أصل 37، يعيش فيها 66٪ من السكان، كان نصيب الفرد فيها من المساحات الخضراء أقل من 0.50 متر مربع".

فيما كانت تحوي 7 أحياء في القاهرة بين 0.50 و1.50 متر مربع من المساحات الخضراء للفرد الواحد، وهذا يعني أن 83٪ من سكان القاهرة يعيشون في مناطق تقل فيها حصة الفرد من المساحات الخضراء عن 1.5 متر مربع.

تتحفظ وزارة البيئة في مصر في اتخاذ أية تحركات أو إصدار أية تعليقات رسمية حول أثر مشروعات التطوير على المساحات الخضراء وجودة الهواء. وأجرى رصيف22 بحثاً في التقارير الصحافية المنشورة بالعربية حول تلك القضية، ووجد أن معدوها نقلوا امتناع وزارة الدولة للبيئة في مصر عن الرد والتعليق

الوزارة المعنية لا يعنيها الأمر

تتحفظ وزارة البيئة في مصر في اتخاذ أية تحركات أو إصدار أية تعليقات رسمية حول أثر مشروعات التطوير المتسارعة على المساحات الخضراء وجودة الهواء في القاهرة. وأجرى رصيف22 بحثاً في التقارير الصحافية المنشورة في مصر والمنصات الناطقة بالعربية حول أثر مشروعات التطوير العمراني والإنشاءات على المساحات الخضراء في القاهرة والمحافظات الأخرى، ووجد أن التقارير والتحقيقات التي تمكنت مراسلة رصيف22 من الاطلاع عليها، أُبلغ معدوها بامتناع وزارة الدولة للبيئة في مصر عن الرد والتعليق، سواء على لسان وزيرة البيئة أو المتحدث الرسمي باسم الوزارة.

يؤكد محمود القيسوني المستشار الأسبق لوزير البيئة المصري، ما تذهب إليه تقارير دولية تصنف القاهرة كواحدة من أعلى العواصم العالمية تسبباً في الانبعاثات السامة والملوثة للبيئة، على الرغم من كونها ليست على الإطلاق من بين المدن الصناعية الكبرى.

مشيراً في تصريحاته لرصيف22 إلى أن مصر كانت تعاني تلوث الهواء بسبب السحابة السوداء ثم دخول الفحم والاعتماد عليه كأحد مصادر الطاقة، إلا أنه أصبح لدينا الآن المشكلة الأكبر وهي المحاور الجديدة والمشاريع السكنية التي أدت إلى خلق غابات الأسمنت ولافتات الإعلانات العملاقة وانتزاع نعمة الأشجار من الشوارع والحدائق المصرية.

القيسوني المهموم بالبيئة وجودة الهواء والذي لم يعد ضمن مستشاري الوزارة، يرى أن المساحات الخضراء في مصر "أصبحت شبه معدومة". ويضيف "كنت أتوقع بعد تصنيف القاهرة كواحدة من أكبر عواصم العالم تلوثاً، أن تسارع الدولة إلى تغيير المشهد. وتأخذ الحكومة المصرية قراراً بإقامة مشروع عملاق لنشر المساحات الخضراء في جميع الأماكن المتاحة بكثافة، لأن الشجر يمتص المواد السامة ويفرز الأكسجين النقي لصالح المواطن المصري".

لافتاً إلى أن الدولة في جورها على المساحات الخضراء إنما تعارض الدستور الذي يؤسس شرعيتها، "الدستور المصري يفرض حماية البيئة لصالح المواطن المصري، لكن خلال الفترة الأخيرة ما رأيناه عكس ما نص عليه الدستور وعكس المنطق".

ومن جانبه انتقد الدكتور أحمد صلاح أستاذ التخطيط العمراني بجامعة عين شمس إزالة المساحات الخضراء المتنفس الوحيد للمواطنين لأنها الرئة التي نتنفس بها على حد وصفه، في مقابل إنشاء المحاور وتوسعات الطرق وحل مشاكل الاختناقات المرورية، الأمر الذي يساعد على انخفاض جودة الهواء وزيادة التلوث خاصة في القاهرة الكبرى.

ويرى صلاح أن إقامة العشرات من الكباري في المحافظات المصرية، ساعد في حل أزمة المرور في بعض المناطق، إلا أن بعضها لم يكن له داع، وحمَّل الدولة نفقات اقتصادية كبيرة، بل تستمر أزمة الكثافة المرورية رغم إقامة كباري جديدة، "لم تجن الدولة ثمن التضحية صحة المواطنين مقابل حل الاختناق المروري".

وتساءل صلاح عن سبب عدم تعاون الحكومة المصرية مع أصحاب الخبرات في مجال الطرق، لتفادى وقوع أو أخطاء ومراعاة البعد البيئي، وقال :"ليس من المقبول تقديم الحلول السهلة دائماً، فالتضحية بالمساحات الخضراء في مقابل إنشاء الكباري وتوسعات الطرق وزيادة مساحات الأسفلت يساعد على تلوث البيئة في الوقت الذي يتجه فيه العالم كله إلى مواجهة التغير المناخي بالتوسع في المساحات الخضراء".

ونظرة الوزارة

على الطرف الآخر، يؤكد الدكتور حسين أباظة عضو اللجنة الوطنية للمشاريع الخضراء ومستشار وزارة البيئة للتنمية المستدامة، على اهتمام الدولة المصرية بنشر المساحات الخضراء، مدللاً على ذلك بمبادرة "100 مليون شجرة"، ويقول "حرصت الحكومة على زراعة الأشجار في الأحياء الشعبية مثل حي الأسمرات جنوب العاصمة المصرية".

وأشار أباظة إلى ضرورة إحداث توازن بين توسعات الطرق لخلق انسياب مروري وتوفير مساحات خضراء للمواطنين من خلال زراعة أشجار ونباتات صديقة البيئة لمواجهة تحديات التغير المناخي ورفع جودة الهواء .

وانتقد أباظة ثقافة بعض المواطنين في نفس الوقت تجاه زراعة الأشجار في مصر، خاصة في المناطق الشعبية، وقال: "ترى أحياء مصرية كثيرة تضع سياجاً حديدياً حول الأشجار في الشوارع، ويمتنع عن ريها بل قد يقطعها من أجل توفير ركنه لسيارته".

وطالب أباظة بمشاركة القطاع الخاص مع الحكومة التي لا تستطيع تحمل النفقات وحدها على حد قوله، مضيفاً "لا بد من الأخذ في الاعتبار البعد البيئي عند إقامة المشروعات الجديدة، وتستطيع الدولة القيام بعملية توازن بين إحداث سيولة مرورية من جانب والحفاظ على المساحات الخضراء من خلال زراعة النباتات الصحراوية والأشجار المعمرة التي لا تهدر المياه ولا تحتاج إلى صيانات مُكلفة".

يذكر أن الحكومة بادرت إلى قطع مئات الكيلومترات من الأشجار المعمرة المحلية مثل أشجار الجميز والكافور الوافرة الظلال والتي تقلل من بخار المياه من جوار النيل وتفرعاته بالترع والمصارف، لصالح مشروعي ممشى أهل مصر، وتبطين الترع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image