تستضيف مصر قمة المناخ العالمية "كوب27"، وتجتمع وفود من العديد من دول العالم لبحث قضية التغيرات المناخية، في شرم الشيخ، والوقوف على آليات يمكن الاستفادة منها في الحد من تأثيرات هذه التغيرات.
بشكل عام، لم يكن الاهتمام الحكومي كافياً خلال السنوات القليلة الماضية، بملف البيئة، لكن ازداد هذا الاهتمام خاصةً مع أزمة سد النهضة والتصحّر، وازدياد كميات النفايات. وقد نفّذت الحكومة العديد من المشاريع منها تبطين الترع، كما تستهدف مصر توليد 42% من الكهرباء التي تستهلكها من الطاقة المتجددة بحلول عام 2035.
وإذ يبدو أن المبادرات التي تتخذها الحكومة المصرية للتوعية بقضية المناخ ليست كافيةً أمام الحجم الهائل المتوقع من الأضرار محلياً، أطلق أفراد مصريون ومصريات، على المستوى الشعبي وبعيداً عن الرسميات، مبادرات عدة للتوعية بهذه القضية، وأصبح هناك مجال للمشاريع المجتمعية غير الرسمية مؤخراً لاستغلال قمة المناخ وتسليط الضوء على قضايا البيئة في مصر.
أطلق أفراد مصريون ومصريات، على المستوى الشعبي وبعيداً عن الرسميات، مبادرات عدة للتوعية بقضية المناخ.
"رسائل البحر"
بأيدٍ نسائية، ظهرت مبادرة "رسائل البحر"، لمؤسستها سارة بيصر، وهي مديرة مركز "زيتونة" لدعم حقوق المرأة والطفل، وتعمل هذه المبادرة على إعادة تدوير المخلفات لصنع مشغولات يدوية منها.
وقالت بيصر لرصيف22، إن "رسائل البحر" تأتي بالتزامن مع قمة المناخ، وهي مشروع منبثق من برنامج "سفراء المناخ والبيئة" الذي تنفّذه مؤسسة Yalla Volunteer، مع مركز الخدمات والتنمية، وتهدف إلى توعية الشباب بقضايا البيئة والمناخ والتنوع البيولوجي، وإعادة التدوير بشكل مبسط.
في البداية، انطلق البرنامج في ثلاث محافظات مصرية، هي أسوان والبحر الأحمر ومطروح، ثم فكرت سارة في أن يخرج مشروع من وراء هذه التوعية، وفي تشجيع السيدات على إعادة التدوير واستخدام مواد قابلة للتحلل وصديقة للبيئة، وبذلك انبثقت فكرة "رسائل البحر".
ترى بيصر، أن الموارد أصبحت محدودةً على كوكب الأرض، لذلك ينبغي التفكير في استخدام الموارد المتاحة وإعادة تدويرها، سواء على شكل ملابس أو حقائب أو ديكورات منزلية، ومن ناحية أخرى يساهم المشروع في تمكين النساء اقتصادياً من خلال بيع وتنفيذ هذه المشغولات.
بعد انطلاق المشروع، تمكنت السيدات من عرض منتجاتهن في مناطق عدة، خاصةً في البحر الأحمر والغردقة ودمياط، ويبدو أنه ولّد تفاعلاً من نساء أخريات كثيرات، قررن المساهمة بقطع قماشية وأدوات كن على وشك التخلص منها.
وبالرغم من أن "رسائل البحر" بدأ بالتزامن مع قمة المناخ، إلا أن استمراريته ليست مرتبطةً بها، فهو مشروع مستدام ومستمر، ويسعى إلى ضم أكثر من 100 سيدة خلال هذا العام، وله خطة توسع في السنوات المقبلة.
رحالة مصري يصل إلى شرم الشيخ
عبر دراجته الهوائية التي تسير على الكهرباء، يجوب الرحالة المصري والمغامر علي عبده، محافظات مصر، منذ العام الماضي، في رحلة تستهدف الوصول إلى قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ، وضمن جولته يلتقي بأشخاص جدد، خاصةً أصحاب المشاريع التي تختص بمجال التنمية البيئية والتوعية بأضرار التغير المناخي.
حقق عبده أرقاماً قياسيةً سابقةً على دراجته، وكان أول عربي يسجل رقماً قياسياً على دراجة كهربائية العام الماضي، ففي عام 2016، حقق رقماً في رحلة حول مصر في 7 أيام للسياحة، وسجل رقماً آخر في مدينة الجونة عام 2017، في سياحة المغامرات. واللافت هو أنه يستغل دراجته للتوعية بقضايا البيئة، كما يقول في حديثه إلى رصيف22.
تقوم مبادرة عبده، على رحلة على الدراجة الكهربائية تجوب محافظات مصر الـ27، وتنتهي في شرم الشيخ، لتعريف الناس بالتغير المناخي، وخلال رحلته مر على جامعات في محافظات مختلفة، وعقد ندوات وزرعوا أشجاراً
بدءاً من عام 2019، بدأ عبده بالتركيز على قضايا البيئة والمناخ، وعقد شراكات مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي وعدد من الوزارات المصرية لاستخدام هوايته في الترويج لأهداف التنمية المستدامة. وفي عام 2021، حقق رقماً قياسياً جديداً في مدينة العلمين الجديدة، بالتركيز على المدن ووسائل النقل المستدامة. كما استخدم دراجته للمشاركة في عدد من الاحتفاليات العالمية، مثل احتفالية يوم البيئة العالمي بالتعاون مع وزارة البيئة وصندوق الأمم المتحدة للبيئة.
أما مساهمته في قمة المناخ، فتأتي من خلال مبادرة أطلق عليها اسم "رحلة إلى قمة المناخ The Ride to COP27"، وهي تخص الأفراد وليس المؤسسات، وهدفها تحسين سلوكيات الأفراد الذين تصدر منهم انبعاثات مضرة، وأن توضح للناس أن الشراكات الفعلية لها مميزات مختلفة، خاصةً عند الحديث عن مواجهة التغير المناخي. واستطاع أن يربط ضمن مبادرته قرابة 30 شريكاً مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ووزارات البيئة والشباب والتخطيط والإسكان والإنتاج الحربي، والوكالة الأمريكية للتنمية، وجمعيات مجتمع مدني مهتمة بالبيئة، وأفراد ومتطوعين في محافظات مختلفة.
تقوم مبادرة عبده، على رحلة على الدراجة الكهربائية تجوب محافظات مصر الـ27، وتنتهي في شرم الشيخ، لتعريف الناس بالتغير المناخي، وخلال رحلته مر على جامعات في محافظات مختلفة، وعقد ندوات وزرعوا أشجاراً.
ومن خلال رحلته تعرّف على تأثير التغير المناخي على حياة الناس، فمثلاً في مدينة شلاتين في محافظة البحر الأحمر، يشكو الناس من ندرة المطر وقلة مساحة المراعي. في الوقت نفسه، تعرف على العديد من المشاريع الإنمائية، ففي الأقصر هناك الغابة الشجرية التي تُستخدم فيها مياه الصرف الصحي بعد معالجتها في الري، وفي مطروح هناك محطة لمعالجة مياه البحر لحل أزمة نقص المياه والتصحر، وفي سيوة هناك محطة أخرى لمعالجة مياه الآبار ونزع الحديد والمنغنيز منها، وتعمل على الطاقة الشمسية.
يجوب علي المحافظات بأدوات بسيطة، أهمها معدات التخييم والشاحن الكهربائي للدراجة والإسعافات الأولية، وكان أكبر تحدٍ يقابله هو إمكانية الشحن، إذ تحتاج دراجته في المتوسط إلى أربع ساعات لشحنها لقطع مسافة تبلغ 150 كيلومتراً.
الموارد أصبحت محدودةً على كوكب الأرض، لذلك ينبغي التفكير في استخدام الموارد المتاحة وإعادة تدويرها.
وبعد رحلته الطويلة، وصل علي إلى شرم الشيخ، في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، لعقد ندوة عن مبادرته وعرض فيلم تسجيلي عن الرحلة التي قطع فيها قرابة 12 ألف كيلومتر، والهدف من الفيلم كما يقول "طرح طرق مختلفة ومبتكرة يمكن من خلالها محاربة التغيرات المناخية".
حدوتة مناخية
قبل أسابيع من انطلاق قمة المناخ، أطلقت الصحافية هدير الحضري، المختصة بشؤون البيئة، ومنذ ثلاث سنوات، مبادرة "حدوتة مناخية"، وتسعى من خلالها إلى توعية الناس بقضية المناخ من خلال حكايات أو "حواديت" بأسلوب جذاب وشيق.
في لقاء مع رصيف22، تقول الحضري إن الفكرة جاءت بعد تشجيع أصدقاء لها على تحويل قصصها الصحافية التي عملت عليها في ملف البيئة والمناخ، إلى حكايات فيديو تُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم شكّلت فريق عمل مكوّناً من خمسة أشخاص لكتابة النصوص والمونتاج والتصوير والتسويق. "بعد نشر الحلقة الأولى، فوجئت بالنجاح الذي حققته بعد تشجيع تلقيته من الأصدقاء والمقربين وعدد من المهتمين، وجذبت اهتمام العديد من القنوات المحلية"، تضيف.
تركز مبادرة "حدوتة مناخية" على تبسيط القضايا المناخية، وربطها بقصص إنسانية، فالتغير المناخي قضية معقدة بحسب الحضري، كما أنها مليئة بالمصطلحات العلمية والأكاديمية، لذلك كانت الفكرة في تبسيط هذه المعلومات وسردها في صورة قصص لأشخاص حقيقيين تأثروا بالتغيرات المناخية، مثل قصة سيدة لدغها عقرب في أسوان حين حدثت السيول العام الماضي، وهي ناتجة عن تبعات التغير المناخي.
تستهدف الحضري الأشخاص الذين لا يملكون معرفةً كافيةً عن قضية المناخ، أو من لديهم معرفة لكنهم يريدون التعمق أكثر، خاصةً حول تأثير التغيرات المناخية على حياتهم اليومية، وتشير إلى أنها "ليست رفاهةً بل قضية تؤثر علينا بشكل مباشر".
وفي الحلقات الأولى من البرنامج، تحدثت الصحافية عن تأثير التغيرات المناخية على مختلف القطاعات، خاصةً الزراعة والمدن الساحلية والمياه، لكن في الفترة القادمة ستركز على الحلول المناخية، سواء على مستوى الأفراد وتقليل انبعاثاتهم، أو على مستوى التكيف مع التغيرات المناخية.
تركز مبادرة "حدوتة مناخية" على تبسيط القضايا المناخية، وربطها بقصص إنسانية، فالتغير المناخي قضية معقدة ومليئة بالمصطلحات العلمية والأكاديمية، لذلك كانت الفكرة في تبسيط هذه المعلومات وسردها في صورة قصص لأشخاص حقيقيين تأثروا بالتغيرات المناخية
وبالرغم من أن المبادرة لا علاقة مباشرة لها بقمة المناخ، لكنها استفادت من الزخم الحاصل حولها في جذب الاهتمام بالقضايا المناخية. تقول هدير: "هي مبادرة مستقلة ومستمرة، ولدينا أفكار لتطويرها، واهتم الناس بها في ظل اهتمامهم بقمة المناخ".
لا يزال أمام مصر الكثير من التحديات للتعامل مع التغيرات المناخية، وما تخلّفه من آثار على قطاعات كبيرة، مثل الزراعة والري والمناخ والتلوث وغيرها، وستحتاج إلى زيادة عدد المبادرات الرسمية وتشجيع أخرى غير رسمية للعمل على القضية نفسها بزخم أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت