يطلبها للزواج فتوافق، ثم بعد فترة تكتشف أنه مدمن. تحاول الزوجة حينها أن تتغلب على المشكلة وتتحمل، خاصةً إذا كان لديها أولاد، ولكن قد ينفجر الوضع، وتتحول الأمور إلى الأسوأ عندما تجد نفسها مهددةً بالقتل في أي لحظة.
الزوج المدمن مشكلة كبيرة تواجه النساء في مدن مصر وريفها. يحدث أن يكون الرجل مدمناً، فيحاول أهله أن يزوجوه، ويخفوا حالته، أملاً في صلاحه، وقد يبدأ الإدمان بعد الزواج لتواجه الزوجة وقتها واقعها المؤلم.
خراب بيوت
"تزوجت قبل ثماني سنوات. في البداية لم تكن لزوجي أي علاقة بالمخدرات. كان يملك محلاً، يبيع فيه ويشتري ويكسب ويوفر لنا كل ما نريده. رُزقت منه ثلاثة أولاد. منذ عامين بدأت الدنيا تتغير، وأصدقاء السوء دعوه لتناول المخدر. أحياناً أراه يتناول أقراصاً مخدرةً لا أعرف اسمها، وأحياناً أخرى يدخن الحشيش والأفيون. لاحظت أن الرزق أصبح قليلاً، ثم لم يعد هناك أي مكسب تقريباً، فكل الأموال يشتري بها المخدرات. كان يستيقظ باكراً للعمل، ثم لم يعد يهتم بعمله، ويصرخ فينا طوال الوقت، ثم بدأ يضربني وسبب لي فضائح كثيرة بين الجيران وعائلتي"، قالت عزة محمد (38 سنةً)، من محافظة كفر الشيخ لرصيف22.
الزوج المدمن مشكلة كبيرة تواجه النساء في مدن مصر وريفها. يكون الرجل مدمناً، فيحاول أهله أن يزوجوه، ويخفوا حالته، أملاً في صلاحه.
أضافت عزة: "لاحظت أن هناك أشياء في البيت تنقص. اكتشفت أنه باع بعض أواني المطبخ، والثلاجة، ثم محبس زواجي، وخاتماً من الذهب كنت أخبّئه في الغرفة. لم يترك لي شيئاً، وبعد ذلك حدثت الكارثة عندما اكتشفت أنه باع الشقة التي نسكن فيها لشقيقته بالتقسيط. لم أستطع أن أتحمل. صرخت واجتمع الناس وشهّدتهم عليه، ورفع علي سكيناً. كان سيقتلني. نصحني الناس بأن أترك البيت من دون مشكلات، واستأجرت شقةً لي ولأولادي، وأهلي يساعدونني".
لم تفكر عزة في الانفصال أملاً بأن تنصلح حال زوجها، لكنها تقول إنها ستطلب الطلاق وترفع دعوى قضائية لو طالت المشكلة ولم تجد ما تصرف منه على أولادها، خاصةً أن زوجها لا يستمع إلى نصيحة أحد، بمن فيهم أهله.
حكاية وفاء سعيد (28 سنةً)، من محافظة البحيرة، مشابهة نوعاً ما. بعد عام من زواجها، بدأ الزوج بشرب الخمر والمخدرات، وبان التغيير على كل ملامحه. "وقتها كنت قد أنجبت ابني الأول. تحدث أهلي وأهله إليه، ووعدهم بأنه سيمتنع عن شرب الخمور فصدّقته، وكانت حياتنا مستقرةً لعامين، ثم أنجبت ابني الثاني".
عاد الزوج إلى الإدمان على الخمر، أو ربما لم يكن قد تخلى عنها، لكنه كان يخدع زوجته فحسب، كما أصبح يدخن بشراهة سجائر ملغومةً بالحشيش. "مع كثرة المشكلات أخبرني أهله بأنهم لن يتدخلوا، وقال لي والده إن من حقي أن أطلب الطلاق، خاصةً بعد أن توقف عن الصرف علينا، وباع كل شيء، وبات يضربني ويهددني".
بعد خمسة أعوام من الزواج، حصلت وفاء على الطلاق. "الأمور خرجت عن قدرتي على التحمل. في كل مرة كانت تقول لي والدتي تحمّلي من أجل أولادك، ذات يوم رفع المقص ووضعه على رقبتي وهددني بالقتل. اتصلت بأمي وقلت لها إن زوجي سيقتلني. هل تريدينني جثةً متزوجةً أم على قيد الحياة ومطلّقة؟ فأمرتني بأن أترك البيت، وأخذت أولادي وذهبت للعيش معها. انفصلت عن زوجي، وأريد أن أحصل على حقوقي وحقوق أولادي، ولكنه لا يفكر فيهم".
منذ عامين بدأت الدنيا تتغير، وأصدقاء السوء دعوه لتناول المخدر. أحياناً أراه يتناول أقراصاً مخدرةً لا أعرف اسمها، وأحياناً أخرى يدخن الحشيش والأفيون. لاحظت أن الرزق أصبح قليلاً، ثم لم يعد هناك أي مكسب تقريباً، فكل الأموال يشتري بها المخدرات
غش وكذب
"منها لله عائلة زوجي. تصوروا أنه بزواجه مني سيتبدل حاله، وسيترك الخمور. في المرات القليلة التي تقابلنا فيها خلال الخطوبة، كان شديد التهذيب ويعاملني بلطف. بعد الزواج صُدمت عندما اكتشفت أنه مدمن على الخمر والحشيش، وعندما نصحته بأن يبتعد عنها، وإلا سأنفصل عنه، انهال علي بالضرب". قالت سامية (26 سنةً) من محافظة الجيزة.
أضافت سامية في حديثها إلى رصيف22: "أخبرت عائلتي بما حدث، ونصحني والداه بأن أصبر عليه، وأنه مع الوقت سيبتعد عن الخمر. صبرت لأكثر من ستة أشهر، وكنت وقتها أتناول حبوب منع الحمل حتى لا أنجب منه. لم أُطِق فكرة أن يكون والد أولادي مدمناً. منعني عن العمل ومنع عني المصروف، وكان يضربني تقريباً كل يوم، فيأخذني أهلي إلى بيتهم، ثم يأتي أهله ليعتذروا ويقنعوني بالعودة. استمر الأمر كذلك لمدة عام ولكني لم أقدر على الاستمرار، وشجعني أهلي على الانفصال".
تصف سامية تجربتها بأنها "سيئة جداً ومبنية على الغش والخداع"، وتقول إنها ندمت لاستعجالها في الزواج. "يحاول من وقت إلى آخر أن يتصل بي، ولكني لا أعطيه فرصةً. لم أطالبه بأي حقوق لأني أعرف أنه لن يعطيني شيئاً. وقد قبضت عليه الشرطة قبل شهرين، وأتمنى أن يتلقى عقابه وأتخلص منه إلى الأبد"، تختم حديثها.
اتصلت بأمي وقلت لها إن زوجي سيقتلني. هل تريدينني جثةً متزوجةً أم على قيد الحياة ومطلّقة؟
حالة الخداع هذه عاشتها غادة سالم أيضاً، إذ شعرت بأن خطيبها يعاني من أمر غير طبيعي، لكن عمه أخبرها بأن ذلك بسبب ضغط عمله كسائق في إحدى الشركات. "بعد الزواج بدأت الأمور تتضح، بأنه طلب الزواج مني ليغطّي على إدمانه بالارتباط"، توضح السيدة المقيمة في القاهرة، والتي تحدثت إلى رصيف22، باسم مستعار.
"لم أكن أحبه، وتقريباً أجبرني أهلي على الزواج منه، وكنت على استعداد للعيش معه لولا أنه كان مدمناً، وكان يشبعني ضرباً وإهانةً. أخبرت والدي بأن زوجي مدمن وأنه يأتي بأصدقائه إلى المنزل ويشربون الأفيون والحشيش، وأنا أحبس نفسي في الغرفة، وأخاف من الخروج، ووقتها أمرني بأن أترك البيت".
بعد مغادرتها، اكتشفت غادة أنها حامل، وحاولت التحدث إلى زوجها، لكنه لم يستمع إلى أي نصيحة. "قال إن المخدرات جزء من حياته، وإن على زوجته أن تقبل به كما هو، وعندما سألته لماذا تزوّج مني، قال: واجهة اجتماعية. وقتها اتخذت قراراً صعباً وأجهضت الجنين كي لا أرتبط به إلى الأبد".
قنبلة موقوتة
في حديث إلى رصيف22، يصف الخبير الاجتماعي الدكتور سعيد صادق، الزوج المدمن بأنه "كارثة حقيقية تواجهها المرأة، وخاصةً أنها تكون تحت التهديد باستمرار، وتتعرض للخطر، إذ يمكن أن يقتلها زوجها، أو يقتل أحد أولاده من دون أن يدرك. ووقتها يستند المحامي في دعواه إلى أنه كان تحت تأثير المخدر، ولم يكن في وعيه"، ويؤكد على ضرورة أن تطلب الزوجة المساعدة فوراً من عائلتها وعائلة زوجها، وأن تتحدث إلى زوجها وتحذّره وتنذره بأنه إذا لم يترك المخدر ستنفصل عنه، ويمكن أن تحرمه من حقوقه، فالموضوع لا يحتمل أي مماطلة.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع حول مشكلة أخرى تعاني منها الزوجة، وهي الأهل الذين لا يسمحون لها بالانفصال، ويضغطون عليها لتتحمل زوجها المدمن، خاصةً إذا لم يكن لديها عائد مادي. "نرى الأم تقول لابنتها: تحمّلي... كل الأزواج كذلك. ماذا ستفعلين بأولادك؟ فتتحمل الزوجة وتخاف على سمعة أولادها، ومع الوقت تقع الكارثة، فقد تتعرض للقتل أو يعيش الأولاد في جو أسري غير مناسب. على الأهل الذين يعرفون حقيقة إدمان أولادهم أن يتخلوا عن أمنية أن الزواج سيصلح أحوالهم، لأن هذا التفكير غير صحيح".
أخبرت عائلتي بما حدث، ونصحني والداه بأن أصبر عليه، وأنه مع الوقت سيبتعد عن الخمر. صبرت لأكثر من ستة أشهر، وكنت وقتها أتناول حبوب منع الحمل حتى لا أنجب منه. لم أُطِق فكرة أن يكون والد أولادي مدمناً
"فضّلت أن تتطلق ابنتي"
ليس كل الأهل كذلك بالطبع. يتحدث سيد عبد العال (58 سنةً)، وهو من محافظة البحيرة، عن حكاية ابنته قائلاً: "البدلة تخفي ما تحتها. تعرضت ابنتي للغش عندما تقدم للزواج منها مهندس كان يعمل في الخارج لسنوات، ومستواه المادي جيد جداً. وبعد عام من الزواج، اكتشفنا أنه مدمن، وسرق شبكتها وباع أجزاءً من عفش البيت، وكان يضربها كل يوم".
سيد أضاف: "كان من المستحيل أن تستمر معه. فضّلتُ أن تصبح ابنتي مطلقةً، وهي في الثانية والعشرين من عمرها، بدلاً من أن ترجع إلي جثةً هامدةً، وعندما تحدثت إلى أهله أقسموا بأنهم لم يكونوا يعرفون أنه مدمن. انفصلت ابنتي ولم تحصل على أي من حقوقها، لكنها كانت مهددةً طوال الوقت بالقتل، خاصةً أنه ضربها مرةً بآلة حادة، وسبب لها إصابةً بالغةً في الساق".
أما سميرة حمود، وهي من محافظة الدقهلية، فكانت تظن بأن ابنها يشرب المخدرات فقط ليكون قادراً على العمل لساعات طويلة، ولذلك لم تمانع زواجه، وأخفت على أهل زوجته الأمر.
لكن الأمر لم يجرِ كما كانت السيدة الخمسينية تخطط، وفق ما أوضحت لرصيف22: "للأسف كان زوجاً سيئاً. ندمت على أنني كذبت على أهل زوجته، ولكني حاولت أن أعطيها حقوقها. ابني الآن في السجن بسبب قيادة سيارة وهو تحت تأثير المخدرات. ضرب زوجته وأهانها ومستقبله في علم الغيب. كنت أظن أن الزواج سيغيّره ولكن تأثير المخدر أقوى بكثير".
على الأهل الذين يعرفون حقيقة إدمان أولادهم أن يتخلوا عن أمنية أن الزواج سيصلح أحوالهم، لأن هذا التفكير غير صحيح.
ظلم للمرأة
للإدمان أسباب عديدة، وغالباً يدمن الإنسان لأن لديه استعداداً نفسياً لذلك، كما تقول الأخصائية النفسية شيماء العيسوي، وتشرح في حديثها إلى رصيف22: "الإنسان العصبي والعنيف يكون أكثر قابليةً لتقبل الإدمان، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات لا يريدون أن يكونوا واعين طوال الوقت، لذلك قد يلجؤون إلى الحشيش، بينما الترامادول مثلاً يعطي الشخص طاقةً وهميةً، ولذلك يظن أنه قد يحل له مشكلاته. المشكلة أن الأهل يشعرون بأن ابنهم لو تزوج فإن زوجته ستساعده على التخلص من الإدمان، وهذا خطأ وفيه ظلم كبير يقع على المرأة".
العيسوي أضافت: "الاعتماد النفسي على الإدمان قابل للعلاج، فيمكن للشخص أن يدخل المصحة أو يستخدم أي طريقة للعلاج. هنا نرى بأن الانفصال حتى يتم العلاج، هو أسلم حل، فالإدمان يُورَّث للأولاد، ومن الضرر بالأطفال جداً أن يعيشوا في وسط يعزز من احتمالات وجود شخص مدمن مستقبلاً. وإن لم تتمكن الزوجة من الطلاق، فعليها أن تدفع زوجها للعلاج خوفاً على أطفالها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...