"ضربت أمي، وتسببت لها بارتجاج، مع ذلك عدت اليوم لأبني علاقةً جديدة مع عائلتي"... كانت هذه كلمات أحد المدمنين المتعافين في مصر، وهو أصبح شخصاً بثوبٍ جديد، تحترمه أسرته وتحبه، وتحاول احتواءه مرةً أخرى.
قد يواجه المدمن المتعافي العديد من الأزمات والمشكلات والصعوبات، بسبب نظرة المجتمع، وتعامله معه، فلا يقتنع الأشخاص بمعنى التعافي، أو أهمية دعم المتعافين بأي وسيلة كانت، بل يلجؤون إلى الخيار الأسهل، وهو التجنّب، فلا يعترف إلا قليلون بأن الإدمان مرض يمكن التعامل مع من تعافى منه كأي شخص طبيعي، وأنه قد يكون نتيجة انكسارات وأزمات نمر بها في حياتنا، ويتعامل كل منا معها بشكل مختلف، فالبعض يختار المواجهة، وآخرون يختارون طرقاً غير مشروعة منها الإدمان.
ولكن ماذا بعد الإصابة بهذا المرض؟ كيف ينظر المجتمع إلى من تمكّنوا من الخروج من هذه الأزمة؟ هذه الأسئلة يجيب عليها أبطال اختاروا طريق التعافي.
"لا يشرّفني أن تكوني أمّ أولادي"
تتحدث س. أ. (35 عاماً)، عن أنها دخلت في الإدمان بعد انفصال والديها، وشعورها بعدم الأمان والطمأنينة، وتؤكد أنها اليوم لا تستطيع مواجهة المجتمع، ولا استمرار حياتها بشكل طبيعي، على الرغم من مرور خمس سنوات على تعافيها، وذلك بسبب نظرة الجميع إليها.
كيف ينظر المجتمع إلى من تمكّنوا من الخروج من أزمة الإدمان؟ كيف يتعامل مع المتعافين في الزواج والعمل وغيرها من الأمور؟
أشارت س. في حديثها إلى رصيف22، إلى أنها لا تبحث عن الزواج، وكل ما تتمناه الاستقرار، لأنها فشلت في الارتباط مراتٍ عدة، بسبب صراحتها حول فترة تعاطيها التي استمرت سبع سنوات.
"مرةً انفصل عني خطيبي لتحدُّثي معه عن هذه الفترة، ورفض الاستمرار معي. قال لي بكل صراحة: ‘لا يشرّفني أن تكوني أماً لأولادي’، والمرة الثانية كان أهل خطيبي يهمسون ويتحدثون عني بشكل غير لائق، ورفضوا إتمام الزواج، فضلاً عن أنني لم أجد وظيفةً حتى الآن، وأكبر دليل على ما يلقاه المتعافي من رفض، هو عدم قدرتي على الإفصاح عن شخصيتي الآن، وأنا أتحدث"، تضيف بحزن.
"لن أندم على فترة الإدمان"
يروي يوسف كمال، وهو صاحب دار "الإخوة" لعلاج المدمنين وتأهيلهم في منطقة المقطّم، بعض تفاصيل تجربته في الإدمان، والتي انتهت منذ نحو 13 عاماً: "كنت أمارس جميع الأمور التي ينفر منها الناس خلال فترة التعاطي التي استمرت 18 سنةً، وأبرزها الضحك على سيدةٍ صاحبة كشك كانت كفيفةً، فضلاً عن العديد من عمليات النصب على البنات، وغيرها".
يضيف الرجل ذو التسعة وأربعين عاماً: "كان يساهم في ذلك وضعي الاجتماعي، فأنا خرّيج جامعة أمريكية، وأسرتي ذات مكانة اجتماعية مرموقة، وحالياً أشكر الله على كل يوم يمر، وأنا متعافٍ، ولن أندم على فترة التعاطي، لأنها شكّلتني وصنعت مستقبلي".
مرة انفصل عني خطيبي لتحدثي معه عن هذه الفترة، ورفض الاستمرار معي. قال لي بكل صراحة ‘لا يشرّفني أن تكوني أماً لأولادي’، والمرة الثانية كان أهل خطيبي يهمسون ويتحدثون عني بشكل غير لائق، ورفضوا إتمام الزواج، فضلاً عن أنني لم أجد وظيفة حتى الآن
ويؤكد يوسف أن وجود الدعم القوي الدائم، وحضور الاجتماعات في أماكن التأهيل، والإيمان بالله، هي ما تجعل المتعافي صامداً أمام نظرة المجتمع، وفي تحدي مرض الإدمان، مستطرداً: "بعد بدء مرحلة التعافي بفترة وجيزة، تقدمت لخطبة العديد من الفتيات اللواتي رفضن الارتباط بسبب مرحلة الإدمان، فالمجتمع يحكم على فترة خطأ في حياتي، من دون النظر إلى الجديد الذي أصبحت فيه".
"النظرة تسبب لنا انتكاسةً"
يقول محمد صلاح (29 عاماً)، إنه ظل مدمناً مدة 11 عاماً. بدأ بالحبوب مثل الترامادول، ثم الحشيش والخمور، وصولاً إلى الهيرويين، مشيراً إلى ما مر به خلال فترة التعاطي، بدايةً من حزن أمه عليه، حتى وفاتها، وصرف كل ميراثه منها على المخدرات، ثم بيع منزله، وحزن والده حتى وفاته، ما يجعله يشعر بأنه تسبب بقتل والده ووالدته.
وعما يواجهه المتعافي بعد الخروج من فترة الإدمان، يؤكد صلاح أنه بحث عن الزواج، وذهب لخطبه فتاة، وكانت أسرته تنصحه بعدم الإفصاح عن ماضيه، ولكنه رفض، وذلك يرجع إلى المبادئ التي يسير عليها منذ تعافيه، وهي عدم الكذب والخداع. وعندما عرفت أسرتها، رفضوا الأمر بشدة، متابعاً: "تعلّمنا في فترة البرنامج العلاجي أننا نتقبل أنفسنا ونظرة الآخرين إلينا، لأن المجتمع ينفر من المدمن المتعافي، وكأنه جرثومة".
بدوره يقول محمد عاصم، وهو يبلغ من العمر 42 عاماً، إنه أدمن مدة 18 عاماً، وأقلع منذ 13 عاماً، مؤكداً أن نظرة المجتمع إلى المدمن المتعافي، في الزواج أو العمل، تكون سبباً في انتكاسة العديد من الأشخاص، ولكن البرامج القوية تجعلهم يتقبلون جميع الآراء ووجهات النظر. وعن أبشع المواقف التي مر بها يقول: "ضربت والدتي على دماغها، وأصيبت بارتجاج في المخ، لأنني كنت أريد منها نقوداً، ورفعت سلاحاً في وجه أخي، وأجبرت زوجتي على بيع ذهبها".
إيصال بمليون جنيه للزواج
ويكمل أحمد الخواجة، وهو يبلغ من العمر 45 عاماً: "أقلعت قبل ثلاث سنوات، بعد 25 سنةً من الإدمان. بدأت بالحشيش والبانجو في التسعينيات من القرن الماضي، وعندما عملت في السياحة، أدمنت الخمور مدة 18 عاماً، ثم اتجهت إلى الهيرويين، وانفصلت عن زوجتي بسبب الإدمان، وكانت أصعب مرحلة بعد التعافي هي مواجهة الناس".
تعلّمنا في فترة البرنامج العلاجي أننا نتقبل أنفسنا ونظرة الآخرين إلينا، لأن المجتمع ينفر من المدمن المتعافي وكأنه جرثومة.
وعن أحد المواقف التي مر بها يقول لرصيف22: "في أثناء التقدم لخطبة فتاة، علمت والدتها بأنني أعمل مرشداً علاجياً في أحد الأماكن، فتطرقت إلى أني كنت مدمناً، وعندما صارحتها بأني متعافٍ، وجدتها تقول لي: ‘يعني أنت كنت شمّام’، وطلبت مني التوقيع على إيصال بمليون جنيه للموافقة على زواجي من ابنتها".
وأضاف: "قوة البرنامج الذي حصلت عليه خلال فترة التعافي، جعلني أستقبل الأمر بهدوء وضحك. يجب على المتعافي عدم التركيز على نظرة المجتمع، بل الاهتمام بما يقدمه لنفسه، ولا يجب أن يفصح الشخص عن ماضيه لصاحب عمل، لأن المجتمع لا يعترف بالتعافي، فهم يرون أننا متسوّلون".
وفي هذا السياق، يؤكد أحمد الجندي، وهو مدير مكتب للاستشارات القانونية، رأي المتعافين حول نظرة المجتمع إليهم، برفضه التام للتعاون في العمل مع مدمنٍ متعافٍ، معللاً ذلك بأنه في أي لحظة من الممكن أن يتعرض لانتكاسة، وهو لا يستطيع أن يثق به، ويعطيه الأمان بما يخص أسرار العمل.
خط ساخن للعلاج
في حديث إلى رصيف22، يشير مساعد وزيرة التضامن، ومدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، عمرو عثمان، إلى افتتاح خمس عيادات تابعة للخط الساخن "16023"، تعمل على استقبال طالبي الخدمات العلاجية من الإدمان، وتقديم المشورة، وإحالة المرضى لتلقى العلاج في المراكز التابعة للصندوق، والشريكة مع الخط الساخن، والبالغ عددها 28 مركزاً علاجياً في 17 محافظةً مصريةً حتى الآن.
ويضيف أنه تم تقديم أكثر من 8،200 خدمة لطالبي خدمات الخط الساخن لعلاج الإدمان، مشيراً إلى أنه يتبين من خلال تحليل قواعد البيانات، وجود حالات التشخيص المزدوج، أي الأمراض النفسية المصاحبة للإدمان بنسبة تصل إلى 15%، ويُرجع تعاطي الفرد للمخدرات إلى ضغط الرفاق وأصدقاء السوء بنسبة 67%، مؤكداً على أولوية الاهتمام بالشباب، من خلال تنفيذ برنامج "اختار حياتك"، للوقاية من المخدرات في المدارس الموجودة في المناطق المستهدفة، وتعليق إعلانات طرقية للتعريف بخدمات الخط الساخن، وعلاج الإدمان.
يؤكد أحمد الجندي، وهو مدير مكتب للاستشارات القانونية، رأي المتعافين حول نظرة المجتمع إليهم، برفضه التام للتعاون في العمل مع مدمنٍ متعافٍ، معللاً ذلك بأنه في أي لحظة من الممكن أن يتعرض لانتكاسة، وهو لا يستطيع أن يثق به، ويعطيه الأمان بما يخص أسرار العمل
الاستفادة من المتعافي وليس النفور منه
على جانب آخر، يقول استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الدكتور جمال فرويز، في حديث إلى رصيف22: "توجد مشكلة كبيرة مع المتعافي من ناحية نظرة الأهل والأسرة والمجتمع إليه، خاصةً المقربين الذين تعرضوا للسرقة أو النصب منه، وعندما يحاول إقناعهم بأنه أصبح شخصاً مختلفاً لا يصدّقونه، وهذا قد يتسبب للبعض بانتكاسات، مبررين ذلك بأن أقرب الأقربين لا يصدّقونهم".
ويشير إلى أن زملاء المدمن المتعافي في العمل ينقسمون عادةً إلى متضررين من إدمانه، وتالياً يصعب عليهم تصديق فكرة أنه تخلص من مشكلته تماماً، والقسم الآخر هم المنتفعون من إدمانه، وليس من مصلحتهم أن يتعافى، مضيفاً أن المدمن الذي يتعافى، ويركز في عمله، يكون الأداء الوظيفي لديه عالياً جداً، فمن كان يستطيع الكذب والتغطية على أفعاله والبحث عن وسائل لجلب المخدرات، يصبح موظفاً ممتازاً عندما يتحول ذلك التركيز كله إلى العمل فحسب.
ويؤكد أنه يجب استغلال المدمنين المتعافين في العمل، طالما تم التأكد من تعافيهم، وتتم متابعتهم بالتحاليل، متابعاً: "يجب معاملة المتعافي كأي إنسان آخر، وبالنسبة إلى الزواج، على المتعافي أن ينتظر عاماً على الأقل لكي يمارس حياته الطبيعية، بعد التأكد من عدم وجود انتكاسات خلال هذا العام، ثم بعد ذلك إذا تقدم لخطبة فتاة، أو لعمل، على الجميع أن يقيّمه كأي شخص عادي، ولا ينظر إلى ماضيه، أو إلى فترة إدمانه نهائياً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع