شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"يبدأ الكابوس عندما يزول المفعول"... زوجات غزيات دفعهن أزواجهن إلى إدمان "الترمال"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 2 يوليو 202004:52 م
لم يخطر ببال غزل أسعد، (اسم مستعار)، أن تصبح يوماً مدمنة عقار الترامادول أو "الترمال" كما يطلقون عليه في غزة، فما تقاسيه من هموم في حياتها الزوجية لم يترك لمزيد من الأسى مكاناً، لكن الظروف التي أحاطت بحياتها دفعتها دون وعي منها إلى الإدمان.

تقول غزل أسعد، ربة بيت أربعينية، لرصيف22: "تزوجت منذ ثلاثة عشر عاماً، وأعيش حياة زوجية مزرية، كون زوجي يتعاطى الترمال، رغم أننا نعيش وضعاً مادياً صعباً للغاية، كونه لا يعمل والسبب أنه يعاني مرضاً عقلياً (الصرع)".

تضيف غزل، وهي تفرك يداً بيد: "زوجي أصبح مدمناً، ولا يفيق إلا بعد أن يتناول الحبة السحرية، التي يحصل عليها من بعض أصدقائه، والتي أجدها أحياناً كثيرة بمحض الصدفة في ملابسه أو تحت وسادة نومه"، تضيف غزل.

وتبدأ معاناة غزل حين لا تتوفر هذه الحبة لدى زوجها، تقول: "يبدأ الكابوس اليومي عندما يزول مفعول الحبة، فيتحول زوجي إلى ذئب بشري، يصرخ ويضرب الأولاد، ويصل به الجنون إلى أنه قد يحطم كل ما يجد في طريقه".

"يتحول زوجي إلى ذئب بعد انتهاء مفعول الترمال".

"أضطر حينها إلى الاختباء أنا وأولادي في غرفة النوم بعد إقفال الباب بالمفتاح، خوفاً من ثورة غضبه، فهو قد يرتكب جريمة بحقنا لأنه يكون وقتها فاقداً للوعي"، تقول غزل.

اعتقدت غزل أن الترمال سينسيها الألم الذي تعيشه، ولكن الواقع كان العكس، وعن ذلك اليوم الذي بدأت فيه غزل تعاطي الترمال، تقول بحسرة: "في يوم احتدم الخلاف بيني وبين زوجي، فذهبت إلى المطبخ لإعداد فنجان من القهوة، وفجأة وجدت نفسي أمام حبة كان قد خبأها زوجي بين أغراض المطبخ، نظرت إليها كثيراً وقلت في نفسي هي الحبة التي تهدئ الأعصاب، فلماذا لا أجربها، فأنا في قمة التعب النفسي والجسدي، وهنا اعتدت عليها يوماً بعد يوم".

"في يوم احتدم الخلاف بيني وبين زوجي، فذهبت إلى المطبخ لإعداد فنجان من القهوة، وفجأة وجدت نفسي أمام حبة كان قد خبأها زوجي بين أغراض المطبخ، نظرت إليها كثيراً وقلت في نفسي هي الحبة التي تهدئ الأعصاب، فلماذا لا أجربها"

وتختم غزل حديثها بالقول: "لا يمكنني التفاهم مع زوجي إلا إذا كنا تحت تأثير حبة الترمال التي أصبحت أبيع بعضاً من أغراض البيت لتوفيرها".

يقبل البعض في غزة على تعاطي المخدرات والمهدئات النفسية، وعلى رأسها عقار "الترمال"، والذي يعرف طبياً باسم الترامادول، إذ تحول هذا العقار من مخدر ومهدئ طبي يتعاطاه الفرد إلى ما يشبه منظومة إدمان، بسبب سوء الأوضاع المعيشية للأفراد والأسر.

"أعيش كابوسا"

أما أم رامي، فدفعها إدمان زوجها على الترمال، خاصة أثناء العلاقة الحميمة، إلى الإدمان هي الأخرى على الترمال، في محاولة لتحمل طول مدة المعاشرة التي يتسبب فيها تعاطي الحبة في إطالة العملية الجنسية، خاصة لدى الزوج، بحسب حديثها لرصيف22.

تقول أم رامي، أربعينية، وربة منزل، بحياء شديد: "زوجي مدمن على تعاطي الترمال، خاصة من أجل إطالة مدة المعاشرة الجنسية، وفي كل مرة يحدث بيننا خلاف حيال ما يحدث، فإطالة المدة تجعلني لا أحتمل مدة المعاشرة التي قد تتجاوز الساعة أحياناً".

وتضيف أم رامي: "عشت سنوات طويلة وأنا أعيش كابوساً وجحيماً أثناء العلاقة الجنسية، وفي يوم عرض على من أجل احتمال مدة المعاشرة أن أتناول حبة علها تخدر الإحساس بالألم لدي، وفي البداية رفضت رفضاً مطلقاً، ولكن من شدة ما أقاسي أثناء الجنس لم يكن أمامي من حيلة سوى تناول الحبة، وهذا ما حصل إلا أنني بدأت يوماً بعد يوم أعتاد على تناولها، من أجل إشباع رغبات زوجي".

"ورّطني معه"

ولم تكن قصة حنان كامل (27 عاماً)، خريجة خدمة اجتماعية ولا تعمل، مع الترمال، بعيدة عن تفاصيل من سبقنها، ولكن في شكل آخر، فقد دفعها زوجها عمداً إلى الأدمان، لتصبح شريكته في تعاطي "الترمال"، بعدما هددته أن تفضح أمر إدمانه أمام عائلته.

تقول حنان، وهي تتنهد: "بعد زواجي بأشهر اكتشفت أن زوجي يتعاطى الترمال بعدما ظهرت عليه بعض علامات الإدمان، فقد كان ينام نهاراً ويستيقظ ليلاً، وحينها لم يكن أمامي خيار سوى تهديده بأن يصل الأمر إلى أهله، ويومها وعدني أنه سيقلع عن تعاطي الترمال".

"قلت لزوجي إن لم تتوقف عن التعاطي سأخبر أهلك".

وتضيف حنان بصوت تملؤه الحسرة لرصيف22: "لقد ورطني معه بعدما هددته، ففي يوم أخبرني بأنه قد جلب لي نوعاً من المنشطات التي تحسن مزاج الإنسان وتنقله من عالم إلى آخر، لم يخطر ببالي أنه نوع من الترمال، والتي ما أن تناولتها حتى شعرت بالدنيا تتأرجح من حولي وشعرت بالدوار، لكنني بعد ساعة شعرت بأني خفيفة ولا أبالي بشيء".

"بعد أسبوع تقريباً، شعرت بنوع من التعب والألم، فطلبت من زوجي أن يحضر لي تلك الحبوب المنشطة، وكونها مكتوبة باللغة الإنجليزية، لم أكن أعلم أنني سأبدأ مرحلة الإدمان، وفي يوم علمت أن زوجي لا يزال يتعاطى الترمال، فما كان مني إلا أن عدت إلى تهديدي السابق بفضح أمره أمام أهلي، ويومها كانت الصاعقة حين أخبرني بأني متورطة معه وأنني أتعاطى مثلي مثله فقررت السكوت"، بحسب حنان.

استغلال جنسي

يعلق الأخصائي الاجتماعي النفسي، محمد حلس، حول أسباب وتداعيات الإدمان لدى الزوجات، قائلاً: "الإدمان هو الطريق الأسهل للخروج من المشكلة لدى الضعفاء نفسياً، فالوضع الاقتصادي السيئ لدى الأسر يولد الضغوط النفسية التي يلجأ البعض للهروب منها من خلال تعاطي الترمال".

ويضيف حلس: "إدمان الزوج على الترمال، والذي في بعض الحالات يكون الهدف منه إطالة مدة العلاقة الحميمة، الأمر الذي يؤثر سلباً على الزوجة التي قد تضطر هي الأخرى لتعاطي العقار من أجل تحمل طول مدة العلاقة، لدينا حالات كثيرة تصل بالزوجة إلى حد الاستغلال الجنسي مقابل حصولها على هذا العقار".

"يبدأ الكابوس اليومي عندما يزول مفعول الحبة، فيتحول زوجي إلى ذئب بشري، يصرخ ويضرب الأولاد، ويصل به الجنون إلى أنه قد يحطم كل ما يجد في طريقه"

ويحتاج عقار الترمال لوصفة طبية، كونه يعد نوعاً من المخدرات، ولكن هناك صنفاً يباع في السوق السوداء "تهريب"، ويصل سعر الحبة إلى 100 شيقل (28 دولار) كما وهناك بديل وهي "حبوب السعادة" و"روتانا" وهي الأرخص، إذ يصل سعر الحبة إلى 25 شيقل (دولار واحد)، بحسب من تحدثوا إلى رصيف22.

في لحظة ضعف تلجأ الزوجات إلى تعاطي الترمال، في محاولة يائسة لتحمل واقعين أحلاهما مر: زوج مدمن وواقع كان السبب في هذا الإدمان، فالظروف الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها غزة لا يستوعبها عقل، فنسبة البطالة وصلت إلى 75%.

وقد انتهى المطاف مؤخراً ببعض المدمنين في غزة إلى الزج بهم في السجن على ذمم مالية، نتيجة التوقيع على كمبيالات تدينهم بمبلغ معين، كما قد ينتهي المطاف ببعض الزوجات إلى الوقوع ضحايا ابتزاز جنسي من أجل الحصول على تلك الحبة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image