يُعدّ الاستغناء عن المشروبات الغازية طريقة سريعة لتحسين الصحة وفقدان الوزن، لكن التخلي عن هذه العادة ليس بالأمر السهل دائماً.
ما الذي يجعل الصودا، سواء كانت عادية أو "الدايت"، مسببة للإدمان؟ وما هي الأضرار التي تسببها هذه المشروبات السكرية على مستوى الجسم والدماغ؟
الإدمان على الصودا
لماذا يبدو أن بعض الأفراد يتوقون لشرب المشروبات الغازية الواحدة تلوة الأخرى، في حين أن البعض الآخر يمكن أن يكتفي بصودا واحدة فقط؟
الجواب قد يكون مرتبطاً ببعض الجوانب الطقسية لشرب الصودا، والتي تلعب أيضاً دوراً في كيمياء الدماغ.
بدءاً من سماع صوت "فتحة" العبوة، مروراً بمشاهدة الفقاعات وهي تتطاير في الكوب، وصولاً إلى احتساء مشروب بارد ومنعش، كلها عناصر من جوانب المكافأة التي تساعد في الانخراط في تجربة قد تتحوّل إلى إدمان.
ما الذي يجعل الصودا، سواء كانت عادية أو "الدايت"، مسببة للإدمان؟ وما هي الأضرار التي تسببها هذه المشروبات السكرية على مستوى الجسم والدماغ؟
لم يكن يعلم باسم (اسم مستعار) أن إدمانه على الكولا سيسبب له العديد من المشاكل الصحية، بخاصة في الجهاز الهضمي.
والحقيقة أن هذا الشاب البالغ من العمر 37 عاماً، كان يستبدل الماء بالمشروب الأحبّ على قلبه: البيبسي الدايت.
وعن عشقه لهذا المشروب، قال لرصيف22: "الحقيقة أني لا أحب الماء كثيراً وعندما أشعر بالعطش، كنت أسارع إلى فتح زجاجة الصودا من دون تفكير... كنت أشرب البيبسي الدايت بكميات كبيرة، مقتنعاً بأنها خيار صحي لكونها لا تحتوي على سعرات حرارية، ويكاد لا يمر يوم واحد من دون تناول عدة أكواب، بالأخص مع وجبتي الغذاء والعشاء".
وأشار باسم إلى أنه في فترة الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة، كان يلاحظ أن استهلاكه للمشروبات الغازية يزداد بشكل كبير مقارنة بفصل الشتاء، ويقول ضاحكاً: "البراد بضل مفوّل من قناني البيبسي، يلي بشوف شو عندي بفكر عم بتاجر فيهن".
بعدما عانى من آلام في رأس المعدة، قصد باسم طبيبه، فطلب منه هذا الأخير الابتعاد عن المشروبات الغازية واتباع نظام غذائي صحي، غير أن التخلي عن هذه العادة لم يكن سهلاً، وفق تأكيده: "صعبة الواحد يوقف عادة بسهولة بالأخص إذا كان فيها لذة"، وختم قائلاً: "الصودا طيبة كيف ما كان وبأي وقت لأنها بتبورد وبتنعش الواحد، بس الأهم إنو ما يوصل الشخص متلي لحدّ الإدمان لأنها للأسف بتهري المعدة".
تركيبة "سحرية"
كشف مدير علم الأعصاب في جامعة أوهايو ومؤلف كتابYour Brain on Food، غاري وينك، أن التركيبة هي التي تلعب دوراً رئيسياً في جعل المشروبات الغازية تسبب الإدمان.
وشرح وينك لموقع سي إن إن، أن المشروبات الغازية تحتوي على الكمية المناسبة من المحليات، الكافيين والكربون، لجعل المرء يرغب باستهلاك هذه المشروبات بشكل مستمر.
في الواقع، تحتوي علبة واحدة من الكولا سعة 12 أونصة على 39 غراماً من السكر، أي ما يعادل حوالي 10 ملاعق صغيرة، وهو معدل يفوق ما يجب أن نستهلكه من السكر في يوم كامل.
وأوضح وينك أن وجود هذه الكمية المرتفعة من السكر في المشروبات الغازية يتسبب في تنشيط نفس مراكز المكافأة في الدماغ التي تحفزها المخدرات، بحيث يتم إطلاق مادة الدوبامين في الدماغ، ما يجعل المرء يشعر بالنشوة ويقع في فخ الإدمان، بحسب ما شرح غاري: "السكر الموجود في المشروبات يتدفق في الدماغ، نحصل على الدوبامين، وبعد ذلك يختفي تأثير زيادة الدوبامين بالسرعة التي وصل إليها، مما يجعل عقلنا يريد المزيد".
وفي السياق نفسه، وجدت إحدى الدراسات أن السكر قد يكون أكثر جاذبية من مادة الكوكايين نفسها.
واللافت أن السكر ليس العنصر الوحيد الذي يجب إلقاء اللوم عليه عندما يتعلق الأمر بتركيبات الصودا التي تسبب الإدمان، فهناك أيضاً الكافيين، وهي مادة منبهة لها تأثير كبير على الدماغ، وفق قول وينك: "عقلنا يتوق إلى الأشياء التي تحفزه، لا يعمل الكافيين على تسريع تفكيرنا فحسب، بل له أيضاً القدرة الفريدة على تنشيط مسارات المكافأة التي تتضمن الدوبامين".
"السكر الموجود في المشروبات يتدفق في الدماغ، نحصل على الدوبامين، وبعد ذلك يختفي تأثير زيادة الدوبامين بالسرعة التي وصل إليها، مما يجعل عقلنا يريد المزيد"
في السياق نفسه، أوضحت الدكتورة مارلين كورنيليس، الأستاذة المساعدة للطب الوقائي في جامعة نورث وسترن، أن الكافيين هو من أكثر المنشطات النفسية استهلاكاً على نطاق واسع في العالم وله خاصية تسبب الإدمان: "مع الصودا، نحصل على ارتفاع السكر مع الكافيين، وهذا الشعور الجيد جداً الذي نختبره يجعلنا نستهلك المزيد في اليوم التالي أو في أي وقت آخر".
إلى جانب السكر والكافيين، هناك عامل ثالث يلعب دوراً مهماً في جعل المشروبات الغازية "مغرية": الفوران الذي يحدث بسبب الكربون.
والحقيقة أن الفقاعات تضيف كمية صغيرة من الحموضة، والتي عندما تقترن بالسكر تزيد من الشعور "بالمكافأة"، كما تساعد على تخفيف المذاق الحلو بما يكفي لجعل المرء يتوق إلى استهلاك المزيد والمزيد من المشروبات الغازية.
ماذا يحدث لجسمنا عند الإكثار من تناول المشروبات الغازية؟
كشفت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأميركية، أن الاستهلاك المفرط للمشروبات السكرية قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الأمعاء قبل سن الخمسين.
وقد حلل الباحثون السجلات الغذائية والطبية لأكثر من 95000 امرأة، ووجدوا أن النساء اللواتي تناولن أكثر من نصف لتر من المشروبات السكرية في اليوم، من المرجح أن يتم تشخيص الإصابة بسرطان الأمعاء لديهن في وقت مبكر مرتين أكثر من اللواتي شربن أقل من نصف لتر في الأسبوع.
وفي السنوات الأخيرة، تم ربط استهلاك المشروبات السكرية بزيادة احتمال الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب وزيادة معدلات السمنة، كما اتضح أن هذه المشروبات هي سبب رئيسي لأمراض اللثة وتسوس الأسنان، إذ يحدث تسوس الأسنان عندما تحول البكتيريا الموجودة في فمنا السكر إلى حمض، ما يضعف السن مع مرور الوقت.
وعليه، كلما شربنا المزيد من المشروبات السكرية، كلما زادت نسبة الحموضة، الأمر الذي يسبب مشاكل في صحة الأسنان.
واللافت أن مرضى السكري يميلون إلى أن يكونوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض اللثة، لأن أجسامهم تعاني من ضعف السيطرة على السكر.
بدءاً من سماع صوت "فتحة" العبوة، مروراً بمشاهدة الفقاعات وهي تتطاير في الكوب، وصولاً إلى احتساء مشروب بارد ومنعش، كلها عناصر من جوانب المكافأة التي تساعد في الانخراط في تجربة قد تتحوّل إلى إدمان
بالإضافة إلى ذلك، يحوّل الكبد السكر إلى دهون، ما يزيد من مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، فقد وجدت دراسة أجريت في العام 2009 أن المشروبات السكرية يمكن أن تسبب مرض الكبد الدهني، وشرب علبتين فقط في اليوم يمكن أن يؤدي إلى تلف الكبد.
هذا ولا تقتصر أضرار المشروبات الغازية على الصحة فقط، قد تبيّن أن هذه المشروبات مرتبطة بحدوث مشاكل في الذاكرة والسلوك السيء، بخاصة لدى الأطفال.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال البروفيسور سيمون كابويل، أستاذ علم الأوبئة السريري في جامعة ليفربول، لصحيفة التلغراف البريطانية: "السكر عند الأطفال منبه، ويمكن أن يؤدي إلى فرط النشاط والسلوك السيئ. غالباً ما يصف الآباء الأطفال الذين يقفزون عن الجدران إذا تناولوا الكثير من المشروبات السكرية، ثم يصابون بالتعب والبؤس بعد نصف ساعة".
هذا وهناك أدلة تثبت أن المشروبات الغازية يمكن أن تؤدي إلى العنف واحتمال حمل السلاح لدى المراهقين/ات، فقد وجد الباحثون من جامعة فيرمونت أن المراهقين الذين يشربون علبتين فقط من هذه المشروبات في الأسبوع كانوا أكثر عدوانية تجاه أصدقائهم، وأولئك الذين شربوا خمس علب أو أكثر في الأسبوع كانوا أكثر عرضة لتناول الكحول أو التدخين مرة واحدة على الأقل في الشهر السابق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون