الخروج لشراء ملابس جديدة أمرٌ محبب للسيّدات، ولكنه غير مرحّب به لسلمى عوض، التي لا تجد مقاسها بسهولة، إذ ترغب في شراء ملابس مميزة، مناسبة لوزنها الذي يبلغ 82 كيلوغراماً، وطولها وهو 163 سم، فلا تجد طلبها إلا نادراً، وفي ركن جانبي مدوّن عليه "مقاسات خاصة".
سلمى التي تحدثت إلى رصيف22، قالت: "لا أرى جسدي ممتلئاً إلى تلك الدرجة. هو مثل غالبية أجساد المصريات، لكن المحالّ كلها التي أدخلها لا أجد فيها مقاسي، والملابس المتوفرة لمن وزنهن أقل من 65 كيلوغراماً فحسب".
عبارة "المقاسات الخاصة" تزعج سلمى، وعلى الرغم من ذلك لا تجد ضالّتها فيها أيضاً. "هذه العبارة ثقيلة على قلبي، ومع ذلك أذهب إلى المحالّ التي تعلن عن بيع تلك المقاسات الخاصة، ولكن أجد ملابس عادية من دون تفصيلات مميزة. أريد ملابس تناسب سنّي".
ترى الشابة التي تبلغ من العمر 32 عاماً، أن الفئة التي يمكن تسميتها بأصحاب الوزن الزائد قليلاً، تعاني للحصول على ما يناسبها من ملابس في مصر، خاصةً الباحثات عن ملابس بتفصيلات مميزة، وغير تقليدية. "الملابس المستوردة من الصين أو تركيا، فيها مقاسات من ‘سمول’ حتى ‘2 إكس لارج’، لكن المقاس نفسه صغير، ولا يتناسب مع أجساد المصريات.
لا أرى جسدي ممتلئاً إلى تلك الدرجة. هو مثل غالبية أجساد المصريات، لكن المحالّ كلها التي أدخلها لا أجد فيها مقاسي.
"لا يُعقل أن تكون هناك محالّ للنحيفات فحسب، خاصةً أنهن لسنَ السواد الأعظم من المصريات، ولا يُعقل أيضاً أنه إذا ازداد وزن السيدة قليلاً، فلن تجد ملابس مناسبة لها. تلك الرحلات للبحث عن ملابس، تخلق لدى النساء حالةً من الكره لأجسادهن، في مقابل حملات تطلب طوال الوقت ارتداء الفساتين، وحبّ الجسد، والتصالح معه، لكنه أمر غير موجود على أرض الواقع".
الأزمة ذاتها تتكرر مع زيزي علي، التي بدأت تلك الرحلة بعد وضعها طفلها الأول. "بعد الولادة، ازداد وزني من 65 إلى 88 كيلوغراماً، وطولي 170 سم. لم تكن لدي أزمة قبل الولادة في الخروج للتسوق لشراء الملابس. بل على العكس، وكانت هناك ثلاثة محالّ مفضّلة لدي، ولكن بعد الولادة تغيّر شكل جسمي، ولم يعد إلى طبيعته، وهنا بدأت الأزمة".
أصبحت المحالّ التي كانت تذهب إليها زيزي للتسوق، مكاناً مخيّباً للتوقعات، كما تقول لرصيف22. "أدخل إلى البروفة (مكان تغيير الملابس)، ومعي أكتر من ثلاث قطع، جميعها ليست من مقاسي، فأرتديها وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة، وأتساءل: هل أنا من فئة مرضى السُمنة الذين يتجاوز وزنهم مئة كيلوغرام؟".
مقاييس الجسم المثالي
الترويج لمقاييس الجسد، من خلال عروض الأزياء، التي تستعين بعارضات بأجسام رفيعة، يرسّخ في الأذهان أن هذا الشكل من الجسم هو المثالي للمرأة، فتبحث العديد من السيدات عن كيفية الوصوله إليه، وتصاب أخريات بالإحباط عند الفشل.
في مقابلةٍ أجرتها بي بي سي مع خبيرة الموضة ومنسقة الأزياء، رنا صعب، قالت إن هناك اتفاقاً ضمنياً على أن المقاسات الكبرى تبدأ من 16 في القياس البريطاني، أو "إكس لارج"، مشيرةً إلى أن مقاسات الملابس المتعارفة لا تعكس بالضرورة مقاساً مثالياً للأفراد، ولا تأخذ في الحسبان الأشكال المختلفة للأجسام وخصائصها، كما أن هذه المقاسات استُحدثت مع فكرة إنتاج الملابس الجاهزة التي تناسب أكبر عدد ممكن من الأفراد، لكن كثيرين لا تناسبهم أي منها، أو يقعون بين مقاسين أحدهما كبير والآخر صغير.
ومن ناحية تنسيق الأزياء، تقول رنا إن الشكل المثالي للجسم يعتمد على التناغم والتوازن البصريين، بحيث يكون حجم الجزء العلوي متساوياً مع الفخذ، ويكون الخصر محدداً في شكل أقرب إلى الساعة الرملية، وهنا يبرز التباين بين الهدف من اختيار عارضات الأزياء، والهدف من اختيارنا كأفراد للملابس.
تحب زيزي ارتداء الفساتين ذات الألوان المبهجة، لكن الأمر أصبح غير متاحٍ عقب الولادة. وبعد نصيحةٍ من صديقتها، ذهبت للتسوق في المحالّ التي تعرض ملابس صُنعت في مصر في شارع فيصل. "وجدت مقاسات مناسبة، لكن من دون تصميمات أو ألوان مميزة. وغالبيتها كانت ‘بلوزات’ و’جونلات’ سادة، وأشياءً من الممكن أن ترتديها حماتي، ووالدتي"، وانتقلت إلى رحلة بحث جديدة في محالّ وسط المدينة. "هناك أيضاً الوضع نفسه. وبعد الكثير من البحث، وجدت قطعتين مناسبتين لي فقط".
"لا يُعقل أن تكون هناك محالّ للنحيفات فحسب، خاصةً أنهن لسنَ السواد الأعظم من المصريات، ولا يُعقل أنه إذا ازداد وزن السيدة، لن تجد ملابس مناسبة. الأمر يخلق لدى النساء حالةً من الكره لأجسادهن، في مقابل حملات تطلب ارتداء الفساتين وحبّ الجسد والتصالح معه"
"لا أدري لماذا لا تقدّم محالّ الملابس مقاسات مختلفة من الموديلات المتاحة، أو تصنع المصانع المصرية تفصيلاتٍ مثل التي نراها في المقاسات الصغيرة، تناسب أصحاب الأجسام العادية، التي فوق الـ70 كيلوغراماً؟"، تتساءل زيزي.
ملابس مستوردة لا تناسب المصريات
مصمم الأزياء المصري، محمود كمال، قال إن الملابس المستوردة التي تبحث عنها غالبية السيدات والفتيات، لا تناسب شكل الجسم المصري، لأن الاعتماد يكون على جداول مقاسات البلدان المصنِّعة. "جداول الخارج ليست متطابقةً مع الأجسام المصرية، وفي أغلبها تكون منطقة الصدر والوسط مختلفةً عن الأرداف، فهنا تحتاج السيدة إلى مقاسين، واحد أصغر من الأعلى، وواحد أكبر من الأسفل، أو العكس".
كمال أضاف لرصيف22، أن المصانع المصرية تنتج مقاساتٍ أكبر، لأنها تستهدف المحالّ التي تعتمد على إنتاجها، ولكن أعداداً كبيرةً من السيدات يرغبن في شراء الملابس من محالّ الماركات، بحثاً عن الجودة، وأيضاً الموديلات الجديدة التي لا توجد بكثرة في المحالّ التي تعرض المنتَج المحلي.
وأوضح محمد الجنايني، صاحب أحد مصانع الملابس التي تتعامل مع محالّ في منطقتَي فيصل والهرم، أن السيدات يبحثن عن "البراند"، حتى لو كان سعره أعلى، لذلك لا يحظى المنتَج المحلي بتلك الأهمية. "لو عملت القطعة، وتكلّفت 75 جنيهاً (خمسة دولارات تقريباً)، صاحب المحل سيشتريها بـ100 أو 150 جنيهاً، ويبيعها من 200 إلى 250 جنيهاً، على الرغم من أن محالّ ‘البراندات’ تعرض ملابسها بضعف هذا السعر، لكن الزبون يرفض دفع هذا الثمن لقاء المنتَج المحلي، مع أن الجودة هي نفسها، وهنا يصبح الحل بالنسبة إلينا، الاختصار في الأقمشة، واعتماد نوع واحد، أو نوعين، بالإضافة إلى عدم الاستعانة بإكسسوارات كثيرة، أو بأنواع مختلفة من الأقمشة، مثل ‘الجوبير’، أو الشغل اليدوي، حتى لا ترتفع التكلفة".
وجدت مقاسات مناسبة، لكن من دون تصميمات أو ألوان مميزة. وغالبيتها كانت أشياءً من الممكن أن ترتديها حماتي، ووالدتي.
ترغب كل من زيزي وعلا في ملابس أنيقة، بتصميمات حديثة تناسب وزنهما، وتقابَل تلك الرغبات بصعوبة تحقيقها على أرض الواقع، وهو الوضع نفسه مع رحاب محمود، التي قررت مواجهة المشكلة، والاتجاه نحو التفصيل. "هذا الموضوع أعاني منه منذ أيام الجامعة، وزني 90 كيلوغراماً، وطولي 169 سم، ولا أجد ملابس مناسبة لي، بل أجد إما تصميماتٍ أكبر من سنّي، أو مقاساتٍ صغيرة".
التفصيل هو الحل
البحث عن "ترزي شاطر"، كما وصفته رحاب، أمر لم يكن سهلاً. "كنت أبحث عن شخصٍ محترف، يقدر يطلع الموديل مضبوط، ويكون التقفيل جيّد. جرّبت في البداية واحداً قريباً من منزلي، فصمم لي بنطالاً لم يكن جيداً، ثم انتقلت إلى خياطة أخرى، وأيضاً لم تخرج الموديلات بالجودة نفسها التي كنت أبحث عنها، والترزي الأخير الذي اكتشفته قبل عامين، بعيد عن مكان سكني، لكنه يحقق ما أرغب فيه من موديلات وتقفيلات جيدة".
تبحث رحاب عن الموديلات التي ترغب في تفصيلها، من خلال المحالّ، أو مواقع الشراء على الإنترنت، وترسلها إلى الترزي، لتحديد كمية القماش اللازمة. "اكتشفت أن شراء الأقمشة، والتفصيل، أرخص من الملابس الجاهزة المستورَدة. آخر فستان طلبته كلّف 350 جنيهاً، قماشاً وحياكةً (22 دولاراً)، وكان سعره في المحل 560 جنيهاً، وفي النهاية أرتدي ما أحب بتصميم من اختياري، وربما العيب الوحيد في الأمر أنه يحتاج إلى وقت لإنهاء خياطة القطعة، أسبوع على الأقل".
مصممة الأزياء المصرية، سمر مبروك، قالت إنه أصبح هناك اتجاه مؤخراً لتصنيع الأزياء للمقاسات الممتلئة، وبدأت العلامات التجارية المشهورة بالتعامل مع عارضات أزياء بقالب جسدي غير المتعارف، لتوصيل رسالة أنه من حق الجميع ارتداء ما يحبّونه.
تصمم سمر كما شرحت لرصيف22، الملابس التي تناسب مقاسات الجميع، والتي يُطلق عليها "فري سايز" (المقاس الحر)، وتتابع خطوط الموضة العالمية لتصمم موديلات متماشية معها، وتناسب الذوق المصري، وحسب رأيها فإن "التفصيل هو الحل لغالبية السيدات، وفي النهاية لن يكون السعر أغلى من الجاهز".
وأوضحت سمر أنها تعرض التصميمات الخاصة بها على صفحتها على فيسبوك، وتتلقى الرسائل حول إمكان تنفيذ الموديل نفسه بمقاسات مختلفة، وتتراوح أسعار الفساتين بين 350 و500 جنيه (22-31 دولاراً)، حسب الموديل والخامات المستخدمة، وما إذا كانت محليةً أو مستوردةً، والبلوزات من 250 إلى 300 جنيه.
"أبحث عن الموديلات التي أرغب في تفصيلها، من خلال المحالّ، أو مواقع الشراء على الإنترنت، وأرسلها إلى الترزي، لتحديد كمية القماش اللازمة. التفصيل أرخص من الملابس الجاهزة المستورَدة، وفي النهاية أرتدي ما أحب بتصميم من اختياري"
الأهم هو الجسد الصحي
الفتيات الثلاث اللواتي تحدثن لرصيف22، قلن إن الوزن المثالي هو الطول، ناقص الرقم 100، لكن استشاري التغذية، الدكتور محمد حلمي، يوضح أن هذا الأمر لا علاقة له بالصحة، فلكل شخص شكل جسم مختلف، مع كتلة عضلات وأيضاً نسبة دهون مختلفة. "هناك أشخاص نسبة الدهون لديهم عالية، والعضلات كتلتها قليلة، فهنا يحتاجون إلى مقاسات كبيرة، والعكس عند أشخاص نسبة الدهون لديهم قليلة، وكتلة العضلات كبيرة".
حلمي أوضح أن مصطلح الجسم المثالي يتغير عبر السنوات، ففي الخمسينيات من القرن الماضي، كان الجسم الممتلئ على شكل الساعة الرملية هو المثال، وكانت المرأة تلقى تشجيعاً لزيادة وزنها، وراجت المكمّلات الغذائية التي تساعد على زيادة الوزن، ثم تغيّر حتى وصل إلى الشكل الحالي، موضحاً أن الأهم هو البحث عن صحة الجسد، وليس شكله.
"هناك مرضى يأتون إلى عيادتي، ولديهم/ ن مشكلات صحية، لأنهم اتّبعوا أنظمةً غذائيةً غير مناسبةٍ، حصلوا عليها عبر الإنترنت أو الأصدقاء، وعند سؤالهم/ ن عن السبب، يكون الرد بأن شكل أجسادهم/ ن لا يرضيهم/ ن، ويفشلون في اختيار ملابس مناسبة، ففي مخيلتهم دائماً شكل عارضي/ عارضات الأزياء اللذين/ اللواتي تستعين بهم/ ن الإعلانات، وهو ما يترسّخ في الأذهان على أنه الجسد المثالي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...