أصبحت العناية بالرشاقة وخسارة الوزن الشغل الشاغل للكثيرين في العالم، وبات الجميع يحلم بجسم نحيف لا دهون فيه، وصُرفت أموال طائلة لخسارة الوزن، الوصول إلى حلم النحافة وتقليد المشاهير، خاصة النساء منهم.
ويتعرض الذين يعانون من الوزن الزائد للتنمّر في شتى أنحاء العالم خلال حياتهم اليومية، بسبب شكل أجسادهم، لكن يبدو أن التنمر في عالمنا العربي لا يقتصر على هؤلاء، بل طال النحيفات ذوات الأجسام النحيلة أو الممشوقة أو الرشيقة، بالمفهوم الصحي والجمالي، كما يطلق عليهن في الدول الغربية.
ورغم تغني شعراء العرب قديما برشاقة المرأة، وتشبيهها بشجرة البان ذات الأغصان الرقيقة، مثل أبو الطيب المتنبي الذي قال فيها: "غصنٌ من البان في وشاحِ ركَّب في مَغْـرِس رَداحِ... يهتز طوعاً لغير ريـــــــح والغصن يهتز للريــــاحِ"، إلا أن بعض المجتمعات العربية لازالت تعتبر الفتاة النحيلة ناقصة أنوثة وجمال، ومازالت المرأة ذات القوام الممتلئ رمزاً لهما.
"عود الحطب"
تقول فاطمة (56 عاماً)، ربة منزل من تونس: "لا أرى أياً من مقومات الجمال في بنات اليوم، لأنهن نحيفات كعيدان الثقاب، على عكس نساء زمان اللاتي كن ممتلئات وأجسامهن تنطق أنوثة".
شبّه الشعراء المرأة النحيفة بغصن البان، إلا أن بعض المجتمعات العربية ضربت بذلك عرض الحائط وسلبت من غصن البان خضرته، لتشبّه كل فتاة نحيلة بعود الحطب اليابس، كما تقول ميس، (24 عاماً)، طالبة جامعية من الأردن: "وزني 50 كيلوغراماً، وأنا مقتنعة بأنه الوزن المثالي بالنسبة إلي وسعيدة بذلك، لكنني تعرضت للتنمر عدة مرات، آخرها من زوجة عمي التي شبهتني بعود الحطب".
توجد عادة لقبيلة جنوب تونس، يقيمون بها وزن العروس وهي أن تقف على صندوق من الخشب يوم زفافها، فإذا كسرته يشيدون بمدى أنوثتها وجمالها، أما إذا لم يكسر فينعتونها بـ"الضعيفة" أو "المسبوعة" أي الفاقدة لمعالم الأنوثة
"ديري بالك تطيري مع نسمة الهواء يلي جاية"، سمعت لمى (22 عاماً)، طالبة من فلسطين، هذه الكلمات من شاب وهي في طريقها إلى الجامعة، عندما رفضت أن تمده برقم هاتفها، تقول لرصيف22: "آلمتني كلماته كثيراً، حتى إنني أفكر جدياً في الذهاب إلى طبيب لزيادة وزني".
"لست حصاناً عربياً أصيلاً"
"مسبوعة، ريشتا، مسلعقة، اسمني كي تتزوجي"، هي صفات يطلقها التونسيون على الفتاة النحيفة استهزاء، وتتواتر مراراً على مسامع النحيفات في الشارع، في الأماكن العامة أو الحفلات.
يقول مراد، (31 عاماً)، من تونس: "حقيقة لا أحبذ نحافة المرأة كمعيار للجمال. لا أدري إن كنت على صواب أم لا، لكني أحس أنها رجل مثلي ولا اختلاف بيننا".
ولا تختلف النظرة للنحيفات كثيراً في بقية الدول العربية، ففي مصر مثلاً يوجد مثل شهير يقول: "الرفيعة قد تغري جيشاً من الرجال أما المدملكة- التخينة- يقع في غرامها قائدهم".
تقول أمنية (26عاماً)، من القاهرة: "رفيعة أوي، هذه أول كلمة قالتها أم خطيبي عندما رأتني لأول مرة، رغم أن ابنها لا يحب الزيادة في الوزن، ويعتبر أن وزني مثالي، بل يشجعني على المحافظة عليه بعد الزواج".
أما مزدلفة (25عاماً)، ممرضة من السودان، فقد فسخت خطبتها بسبب تنمر عائلة خطيبها على وزنها، تقول لرصيف22: "لا تترك أمه مناسبة إلا وذكرتني بوزني، وأن زوجة ابنها الأخرى ممتلئة وجسدها عربي أصيل"، وتضيف مزدلفة ضاحكة: "مللت من تعليقاتهم وتذمرهم، ففسخت الخطبة، فأنا لست حصاناً عربياً أصيلاً للأسف".
فاطمة (35 عاماً)، ربة منزل من ليبيا، متزوجة ولها طفلان، تقول لرصيف22: "كادت رياح التنمر تعصف بزواجي، حيث قالت له أمه عندما أتت لخطبتي بالحرف الواحد: هذه غير مناسبة لك، سأزوجك غيرها، لكن تمسك بي وها قد زاد وزني غصباً عني بعد الزواج"، تنهي حديثها ضاحكة بسخرية.
"ببطنك دود؟"
"الناس لا يعجبهم العجب"، تقول سماح، (36 عاماً)، معلمة من تونس، والتي كانت تعاني من التنمر بسبب وزنها الزائد، إلى أن قررت إتباع حمية غذائية قاسية ليصل وزنها إلى 50 كيلوغراماً بعد أن كان 95 كيلوغراماً، لكنها لم تخلص من التنمّر، لكن هذه المرة بسبب نحافتها، تقول لرصيف 22: "إرضاء الناس غاية لا تدرك، وأنا سعيدة بوزني الذي وصلت إليه حفاظاً على صحتي، ولا يهمني كلام أحد".
"ببطنك دود؟"، بهذا السؤال الإنكاري يتنمر بعض السوريين على الأشخاص النحيفين، ويقصد بها أن الشخص نحيل جدا، أما في المغرب فينعتون النحيفة بـ"المسلوتة" أو يصفونها بـ"ضعيفة بحال القلم"، أي تشبه القلم.
"لا تترك أمه مناسبة إلا وذكرتني بوزني، وأن زوجة ابنها الأخرى ممتلئة، وأن جسدي ليس حصان عربي أصيل"
ويرتبط وزن جسم البنت في بعض المجتمعات العربية بمدى جدارتها بالحصول على زوج، ففي عشيرة من عشائر محافظة مدنين، جنوب تونس، توجد عادة يقيمون بها وزن العروس وهي أن تقف على صندوق من الخشب يوم زفافها، فإذا كسرته يشيدون بمدى أنوثتها وجمالها، أما إذا لم يكسر فينعتونها بـ"الضعيفة" أو "المسبوعة" أي الفاقدة لمعالم الأنوثة.
والمشاهير أيضاً
لم يقتصر التنمر على نحيفي الأجسام على عامة الناس فقط، بل طال مشاهير من كافة أنحاء العالم أيضاً، حيث لم تخل التعليقات الساخرة على فنانات مثل الكندية سيلين ديون، التي نشرت صورة لها قبل جولتها الأمريكية، أبرزت فقدانها الوزن، إضافة إلى الممثلة أنجيلينا جولي التي فقدت وزنها بعد مرض والدتها، كما تعرضت الممثلة التركية بيرين سات للتنمر بسبب نحافتها، حين نزلت صورتها في أحد حفلات العشاء التي كانت فيها برفقة زوجها. أما الممثلة المصرية يسرا اللوزي، فقد تعرضت هي الأخرى للتنمر، عندما نشرت صوراً لها بالفستان الأبيض في إحدى جلسات التصوير، حيث وصفها المعلقون بالهيكل العظمي.
رغم ما يتعرض له نحيفو الأجسام من تنمر ومضايقات نفسية، إلا أنهم يتمتعون بمزايا تعتبر "حلماً" بالنسبة للكثيرين، كأن يلبسوا ما يحلو لهم دون التفكير في دهون زائدة قد تفسد إطلالتهم، وأن يمارسوا حياتهم اليومية بشكل أسهل من غيرهم، إضافة إلى تمتعهم بنسبة أقل من التعرض لأمراض القلب وتصلب الشرايين التي تسببها السمنة.
من أبسط الحقوق التي يتمتع بها المرء، حريته في التصرف بجسده، وألا يتنمر عليه أحد، سواء كان مازحا أو جادا، لأن الآثار النفسية العميقة التي تلحقهم جراء ذلك ليست بالهينة، ولا أحد ينكر مزايا النّحافة الصحية، التي لا تعد ولا تحصى، وغابت عن المتنمرين، وأنصفت المتنمَّر عليهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...