"الشكل الخارجي يمثل ضغطاً هائلاً بحياة كثير من النساء، في مجتمع يخبرنا بأن قيمتنا تتمحور حول مدى قدرتنا على جذب رجل ما، وأهم ما يتطلبه ذلك هو مواصفات معينة لمظهرنا. كل شيء حولنا، منذ طفولتنا وحتى هذه اللحظة، مهووس بالشكل الخارجي، وهذا الهوس ينتقل إلينا تدريجياً ليزداد اهتمامنا بكل تفاصيل شكلنا، على حساب أمور أخرى".
من خلال هذه العبارات، مرفقاً معها ثلاث صور شخصية يمكن وصفها بأنها "جريئة"، أطلقت الناشطة النسوية السورية ريم محمود، مطلع هذا الشهر، حملة على صفحتها الشخصية على فيسبوك وعلى عدة منصات تواصل اجتماعي، تحت عنوان ووسم "أهم من جميلة".
وفي التعريف عن الحملة، التي يعتبر محتواها وفكرتها جديدَين إلى حد كبير داخل المجتمع السوري، تكتب ريم: "هي حركة آمل من خلالها أن أساعد النساء على إعادة ترتيب أولوياتهن بما يتعلق بالجمال، الذي يجب أن يتوقف عن كونه محور حياتنا. نحن إنسان قبل أن نكون أنثى فُرض عليها الجمال".
ووجهت الناشطة دعوة للفتيات والنساء في كل مكان لمشاركة صورهن وتجاربهن وأفكارهن حول نظرتهن ونظرة المجتمع لهن ولأجسادهن، الأمر الذي لقي استجابة ملفتة وعشرات المشاركات بالصور والمنشورات، التي تجرأت كثيرات على نشرها لأول مرة بحياتهن.
في التعريف عن الحملة، التي يعتبر محتواها وفكرتها جديدَين إلى حد كبير داخل المجتمع السوري، كُتب: "هي حركة آمل من خلالها أن أساعد النساء على إعادة ترتيب أولوياتهن بما يتعلق بالجمال، الذي يجب أن يتوقف عن كونه محور حياتنا. نحن إنسان قبل أن نكون أنثى فُرض عليها الجمال"
بين "الإيجابية نحو الجسد" وعدم الاكتراث
في بداية حديثها عن الحملة، تتطرق مؤسستها ريم محمود لحركة Body positivity أو "الإيجابية نحو الجسد"، والتي تنادي بأن يتصالح الجميع مع أجسادهم بغض النظر عن مظهرها وشكلها.
وترى الناشطة النسوية بأن عصر هذه الحركة انتهى، مع كل القيم الإيجابية التي قدمتها بما يتعلق بمعايير الجمال، وحان اليوم وقت إعطاء الشكل الخارجي الأهمية التي يستحقها، دون زيادة أو نقصان، أي أن نكون "حياديين" تجاهه، من خلال منهج مريح وعملي يحقق السلام الداخلي، "فالضغط الواقع علينا كنساء كي نرى أنفسنا جميلات بغض النظر عن أي معايير، هو وجه آخر للذكورية التي تضع الجمال كقيمة عليا بحياة المرأة، وبالتالي نصبح وكأننا أمام منهج يعيد هوس المرأة بالجمال من جديد".
وفي لقاء مع رصيف22، تشير ريم إلى أن حملة "أهم من جميلة" انطلقت من دافع مبني على تجربة شخصية، وبهدف أن تقول للنساء في كل مكان حولها، وعلى الأخص المراهقات: "نحن أكثر من مجرد شكل".
وترى ريم بأن تبني هذا الفكر في الحياة والمواقف اليومية ليس بالأمر السهل، ولا يكفي أن نستمر بالقول: "أنا أهم من جميلة، أنتِ أهم من جميلة، نحن أهم من جميلات"، بل ينبغي تقديم طرق عملية تساعد على ذلك، وبشكل أساسي من خلال مشاركة المنشورات التوعوية، والأهم، التجارب الشخصية التي تشجع متابعيها على تطبيق هذا المبدأ في كافة تفاصيل الحياة، خاصة عند تقديمها بصدق وشفافية، وإن حملت بعض التفاصيل المحرجة لأصحابها.
ومن خلال مجموعة مغلقة على فيسبوك، تديرها ريم وتمثّل مساحة آمنة للنساء لمشاركة تجاربهن، لقيت الحملة إقبالاً شديداً، وشاركت العشرات من الأعضاء تجاربهن الشخصية، كما أن عدداً من الرجال من متابعي ريم، عبروا عن آراء إيجابية، تدعم الحملة وفكرتها وهدفها.
ميزات لا عيوب
تحدثتُ لعدد من المشاركات بحملة "أهم من جميلة"، من شرائح عمرية ومجتمعية مختلفة. بالنسبة لكثيرات، كان الهدف اكتساب الشجاعة على مواجهة مواقف شخصية مررن بها، أو التصالح أكثر مع شكل خارجي قد لا يشعرن بالرضا التام عنه. أخريات أحسسن بالمسؤولية لتوعية من حولهن حول فكرة "إعادة ترتيب الأولويات".
شكّلت الحملة لرغد حتاحت، وهي فتاة في الثامنة عشر من عمرها، نقطة إيجابية في حياتها، حيث ازدادت ثقتها بجسدها، وتحول ما كانت تراه فيه عيباً إلى ميزة تحبها، وتشجعت كي تشارك صوراً لها على فيسبوك من دون مكياج، الأمر الذي لم يكن وارداً من قبل بالنسبة لها.
"أعتقد بأن حملات كهذه، رغم انتقادات تتعرض لها وتتهمها بأنها دعوة للنساء للتوقف عن الاهتمام بأنفسهن، تدفع كثيرات للتحرر من قيود وقوالب يفرضها العالم عليهن منذ زمن طويل"، تقول في لقاء مع رصيف22.
دافع المشاركة بالحملة بالنسبة لهناء العقلة، وهي فنانة تشكيلية ومصممة غرافيك في الثلاثين من عمرها، كان مختلفاً: "يمكنك أن تقولي عنه فشة خلق، أي فرصة للحديث عن شيء قديم بداخلي، وحالات تنمّر تعرضت لها بسبب تفاصيل معينة تتعلق بشكلي"، تتحدث لرصيف22.
نشرت هناء صورة لها مع أعمالها الفنية ونصاً طويلاً يتحدث عن حكايتها ضمن المجموعة النسوية المغلقة، وحصلت على عشرات التعليقات الإيجابية والداعمة، ما أعاد لها بعض الأمل بعد مرحلة طويلة من الإحباط. وترى الفتاة بأن المشاركة بحملات كهذه تتطلب شجاعة كبيرة قد لا تتوافر لدى كثير من الفتيات والنساء، رغم رغبتهن بذلك.
"دافعي لمشاركة قصتي في الحملة هو أن نزيد ثقتنا بأنفسنا، وأن نقف إلى جانب بعضنا البعض. بعد تجارب قاسية مررت بها توصلت لأن أحب نفسي وأتقبل جسدي، وأرفض فكرة التغيير فقط لإرضاء أنماط وضعها المجتمع حول أمور تخصني أنا وحدي"
لسنا وحيدات
بعد نشر حكايتها مع جسدها الذي "لم تكن تحبه" كجزء من حملة "أهم من جميلة"، شعرت مها كحلة، وهي طالبة تدرس الهندسة المعلوماتية في ألمانيا، بأنها ليست وحيدة، وبأن كثيرات يشاركنها نفس المشاعر تجاه أجسادهن الممتلئة، والتي تتأرجح بين عدم التصالح وعدم الحب، وحتى الكره.
"ردود الأفعال على منشوري كانت إيجابية للغاية. كثيرات كتبن لي بأنهن يعانين من نفس المشكلة، دون أن تكون لدى الجميع القدرة على تخطيها وعدم الاهتمام بتعليقات الناس والمجتمع حول أجسادهن"، تقول مها لرصيف22، وتضيف بأن الحديث بصوت عالٍ حول أمور ينظر إليها البعض على أنها عيوب، يعني إمكانية تخطيها، ويعطي المزيد من الثقة بالنفس: "علينا انتزاع فكرة المثالية من عقول الناس، فلا يفترض بنا أن نكون كاملين أو مثاليين، ولا أحد كذلك".
هنا، وهي طالبة بكلية الحقوق في مدينة اللاذقية السورية، طرحت ومنذ أول يوم للحملة، فكرة مشابهة لفكرة مها، حول الجسد الممتلئ الذي يشكل مناسبة للتنمّر والإزعاج، ويعتبره كثيرون خارج معايير الجمال.
"دافعي للمشاركة هو أن نزيد ثقتنا بأنفسنا، وأن نقف إلى جانب بعضنا البعض. بعد تجارب قاسية مررت بها توصلت لأن أحب نفسي وأتقبل جسدي، وأرفض فكرة التغيير فقط لإرضاء أنماط وضعها المجتمع حول أمور تخصني أنا وحدي"، تتحدث هنا مع رصيف22.
وتؤكد الفتاة العشرينية على أهمية هذه الحملات التي تزيد من الثقة بالنفس والشعور بأن هذه التجارب الشخصية، على قساوتها، تحدث بشكل متشابه لكثيرات، وتتيح فرصة الحصول على ردود أفعال إيجابية وداعمة.
طريق صعب، لكنه ليس مستحيلاً
تواجه حملة "أهم من جميلة" وغيرها من الحملات ذات التوجه المشابه، تحديات ليست بالسهلة على الإطلاق، في مقدمتها، كما تقول ريم محمود: "انغراس الهوس بالشكل الخارجي عند النساء وللنساء في مجتمعاتنا. أي أن المرأة، وأتحدث هنا دون تعميم مطلق، تضع الشكل الخارجي في رأس سلم أولوياتها، ما ينعكس على سلوكها ونظرتها لنفسها، وإضافة لذلك فإن المجتمع نفسه مهووس بهذا الشكل الخارجي".
يؤدي ذلك في نهاية المطاف ووفق رأي ريم، إلى أن تتحول التعليقات على شكل ومظهر النساء لجزء من حياتنا اليومية، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في الواقع المعاش بشكل يومي.
وتسعى ريم للاستمرار بالحملة وتطوير أدواتها، عن طريق متابعة نشر تجارب لنساء مختلفات، مشاركة محتوى توضيحي عن أهداف الحملة وأفكارها، إضافة لصناعة أفلام قصيرة تخدم هذه الأهداف: "أتمنى أن تكون هذه الحملة حجر الأساس لبناء ثقافة جديدة للنساء والتعامل مع النساء في مجتمعنا"، تضيف الناشطة في ختام حديثها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.