بدأت جوائز إيمي، عام 1949، بغرض الاحتفاء بالأعمال التلفزيونية المميزة، من حيث الإخراج، والكتابة، والعديد من العناصر الفنية الأخرى. ولسنوات طويلة، ظلّت خاصةً بالمسلسلات، والأعمال المنتَجة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، قبل أن تبدأ مرحلة النشاط الدولي، عام 1973، وتنبثق منها جوائز إيمي العالمية، الخاصة بالأعمال غير الأمريكية، أو ما يُعرف بالإنكليزية باسم: International Emmy Awards.
بعد عقود، وتحديداً في العام 2005، سيُضاف فرعان إلى هذه الجائزة، هما أفضل ممثلة، وأفضل ممثل، وبفضل الأول، نالت الممثلة المصرية منّة شلبي، ترشيحاً للجائزة مؤخراً، لتصبح أول ممثلة مصرية وعربية، تقطع هذا الشوط، عن عمل بالعربية، وهو مسلسل "في كل أسبوع يوم جمعة".
ربما لم يشاهد الملايين، هذا المسلسل بعد، لكن يسهل للغالبية أن تتفق على أن منّة شلبي واحدة من أكثر نجمات جيلها موهبةً، ولهذا لم يتعجب أحد من الخبر، وإنما ساد الاحتفاء به كثيراً، على صفحات مواقع التواصل.
أدوار غير نمطية ومنهج متوازن
بدأت منّة شلبي مشوارها في السينما المصرية أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وهي المرحلة التي شهدت تجديد دماء، ومولد نجومية أسماء مثل محمد هنيدي، وعلاء ولي الدين، وأحمد السقا، بعد عقدين من سيطرة نجوم كبار بدأوا في الستينيات والسبعينيات، على شباك التذاكر، وعلى رأسهم عادل إمام، ومحمود عبد العزيز، وأحمد زكي.نالت منّة شلبي ترشيحاً لجائزة إيمي، لتصبح أول ممثلة مصرية وعربية تقطع هذا الشوط، عن عمل بالعربية.
على عكس غيرها من الممثلات، وقتها، لم تسعَ منّة شلبي، وسط هذه الموجة، إلى خانة نجومية، ملخصها الفتاة الجميلة التي تظهر كمجرد ظل أو تابع للبطل الذكر. بل سعت أكثر للتواجد في أعمال تعبّر عن عالم النساء، ولأدوار وشخصيات تملك ما هو أكثر من وجه جميل.
نتائج ذلك تباينت بين أعمال نالت إشادة نقدية، وحققت نجاحاً تجارياً معقولاً، مثل "بحب السيما"، و"بنات وسط البلد"، و"أحلى الأوقات"، و"عن العشق والهوى"، و"هي فوضى"، وأعمال أخرى مرّت مرور الكرام في ذاكرة المشاهدين، ومنها مثلاً فيلم "الحياة منتهى اللذة".
بدءاً من العام 2006، يمكن ملاحظة تطور في طبيعة اختيارات الممثلة لأعمالها، وظهور حصاد أوضح للهوية السينمائية التي رسمتها لنفسها. في هذه الفترة، ظهرت مع نجوم مثل أحمد حلمي، في "آسف على الإزعاج"، ومع كريم عبد العزيز، في فيلم "في محطة مصر". وفي كل مرة، يمكن ملاحظة أن الدور يمنح لبطلته مساحة فعل، وتأثيراً أكبر من الإطار الروتيني للفتاة الجميلة التي لا تفعل شيئاً.
في السنوات التالية وحتى اليوم، حافظت منّة على مكانتها في المركزين، مركز الممثلة المتحمسة لتجارب لا تخلو من مغامرة، وغير تجارية الطباع، في أفلام مثل "نوارة"، و"بعد الموقعة"، و"الأصليين"، ومركز النجمة التي تحرص بانتظام على المشاركة في أعمال فيها نجوم، وأدوات جذب جماهيرية واضحة، وهو ما ينطبق على مشاركتها مؤخراً في فيلمين كوميديين هما "خيال مآتة" مع أحمد حلمي، و"الإنس والنمس" مع هنيدي.
هذا منهج متوازن وذكي، للحفاظ على الجماهيرية والفرص، بالنظر إلى معطيات السينما المصرية، كصناعة متعثرة وعشوائية، وإلى طبيعة جمهور موسمي يبحث عن صفات وتركيبات محددة في فيلم العيد، أو فيلم الصيف.في المسلسلات، ونظراً إلى أن الإنتاج أكثر كثافة، وبطابع أكثر انتظاماً، وبالتالي فإن الاختيارات متعددة، كانت الأمور أيسر غالباً لمنّة شلبي للحفاظ على هويتها الفنية، في أعمال مثل "نيران صديقة"، و"واحة الغروب"، و"نمرة اتنين"، ومؤخراً "ليه لأ".
بالنظر إلى قائمة أعمالها السينمائية والتليفزيونية، يصعب وصف مشوار منّة شلبي كونه مليئاً بالجواهر الفنية، وهي نقطة متوارثة من صناعة لا تغلب عليها عامةً، صفات الجودة والإتقان، لكن تسهل ملاحظة أن تمثيلها كان دوماً العنصر الأفضل في كل عمل، أو على الأقل من ضمن أفضل العناصر.
مكاسب شخصية وعامة
ترشيح منّة شلبي لجائزة إيمي العالمية، كأفضل ممثلة، سواء فازت أو خسرت، يضعها تحت الأضواء، وقد يمنحها الفرصة مستقبلاً للمشاركة في أعمال عالمية، خاصةً في عصر أصبحت فيه هوليوود تبحث عن عرقيات غير أوروبية، للقيام بأدوار الأجانب في أعمالها، وهو الإجراء الذي مهّد مثلاً فرصة لمينا مسعود لبطولة فيلم علاء الدين، ولرامي مالك فرصةً لبطولة فيلم الملحمة البوهيمية. كلاهما من أصول مصرية.بالنظر إلى قائمة أعمالها السينمائية والتليفزيونية، يصعب وصف مشوار منّة شلبي كونه مليئاً بالجواهر الفنية، لكن تسهل ملاحظة أن تمثيلها كان دوماً العنصر الأفضل في كل عمل، أو على الأقل من ضمن أفضل العناصر
الأهم أنه ترشيحٌ يمنح كثيرين من المجتهدين في الوسط الفني المصري والعربي، الأمل بغدٍ أفضل، وتتحقق فيه مقولة "من جدّ وجد".
النقطة الثانية المهمة، هي أن المسلسل قادم من عالم المنصّات، منصّة شاهد تحديداً. حتى اليوم، ينظر كثيرون من النجوم إلى المنصّات، على أنها وسيط أقل جماهيرية ومتابعة من الفضائيات، وتالياً لا يجوز إهدار وقت وجهد فيها، وهي نظرية لا تخلو من منطق، إحصائياً.
لكن في الحقيقة، تكفل المنصّات فرصة ذهبية للتخلص من أكبر عيوب مسلسلاتنا، على المستوى الفني، وهي المطّ والتطويل، لأنها لا تشترط، إنتاجياً، أرقاماً من نوعية 30 حلقة على طريقة الدراما الرمضانية، وتسمح بأعمال من ست، أو ثماني، أو عشر حلقات، بحيث تصبح مدة العرض مرتبطة بطبيعة القصة، بدلاً من تطويع كل فكرة وقصة، لتطابق رقماً محدداً.تشجيع الفنانين على التوجه نحو هذا العالم، وتلميع المنصّات كونها جهات تسعى إلى جودة أعلى، وتصل فعلاً أحياناً إلى مستوى تنافسي عالمي، وإلى قوائم ترشيحات جوائز مهمة، مثل إيمي، إجراء مفيد لإنقاذ صناعة المسلسلات العربية من أكبر آفاتها.
سلبيات وأضرار واردة
في المقابل، يمكن توقّع درجة من الهوس، بين النجوم العرب وصناع المسلسلات، بعالم الجوائز والترشيحات، وهو ما يمكن أن تنتج عنه حالة من الجنوح لصالح أعمال وأفكار وأجندات محددة، تخاطب الفنان الغربي صاحب قرارات التصويت، ولا تخاطب ذهنية المشاهد العربي، وهي مشكلة قد تصل بنا أيضاً في النهاية إلى قوالب إنتاجية أخرى غير مفيدة للمتلقي، وإلى هستيريا إعلامية ودعائية لا مكسب لها.تبقى النقطة الأهم، في خبر ترشيح منّة شلبي، أنه انتصار للموهبة، في عصر أصبح فيه من العادي أن يرث كثيرون من عديمي الموهبة، الفرص والتصنيف الفوري، ضمن نطاق النجوم
الحالة الهستيرية المماثلة التي يمكن ذكرها هنا، كانت منذ نحو 20 سنة، عندما شقّ عمرو دياب، والشاب خالد، طريقهما نحو جوائز وتصنيفات عالمية، في عالم الموسيقى، ونتج عن ذلك لاحقاً، وسط نجوم الغناء في المنطقة، هستيريا وألاعيب إعلامية لادّعاء تحقيق إنجازات عالمية مماثلة.
من أشهر هذه الألاعيب وأغربها، الادّعاء بأن المطرب المصري تامر حسني حصل، قبل نحو عامين، على لقب "الفنّان الأكثر تأثيراً وإلهاماً في العالم"، من وكالة غينيس الأمريكية للأرقام القياسية، وهو الخبر الذي نفته غينيس نفسها، مؤكدةً أنها لا تقيس إنجازاتٍ لا تتبع معايير واضحة، وأنها مختصة بالإنجازات القابلة للقياس بالأرقام.
انتصار للموهبة
تبقى النقطة الأهم، في خبر ترشيح منّة شلبي، أنه انتصار للموهبة، في عصر أصبح فيه من العادي أن يرث كثيرون من عديمي الموهبة، الفرص، والتصنيف الفوري، ضمن نطاق النجوم، بسبب تاريخ الوالد/ ة، وتصل فيه أخريات إلى فرص البطولة المطلقة، بسبب زيجة من منتج، أو مخرج!من الجيّد وسط هذه المهازل كلها، التي تُرتكب باسم الفن، أن يبقى شيء ما غير قابل للسرقة والخطف من دون وجه حق. شيء مثل الترشح لجائزة عالمية مثل إيمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...