يدلل على ذلك، فيلم "الإنس والنمس"، الذي طرحه هنيدي مؤخراً، والذي يدور في إطار خيالي كوميدي، من خلال قصة موظف في أحد الملاهي، يتورط في حب فتاة تنتمي إلى عالم الجن. وبعيداً عن الإيرادات التي تخطت، حتى هذا الوقت، الـ36 مليون جنيه، وهو رقم كبير في ظل جائحة كورونا، والقيود المفروضة، فقد أعاد هنيدي الناس إلى حالة التلهف التي تدفعهم للاتفاق في ما بينهم، للذهاب إلى السينما، وهي حالة لم ألمسها منذ فترة، على الرغم من طرح أفلام كثيرة لنجوم الصف الأول. في رأيي، هذه الإيرادات الكبيرة لا علاقة لها بـ"الإنس والنمس"، الذي يمكن تصنيفه كفيلم متوسط، أو جيد، في أفضل الأحوال، وإنما تتعلق بهنيدي الذي أثبت أنه نجم سينمائي قادر على دفع الناس نحو دور السينما، والاستمتاع برؤيته، لكن كيف حدث ذلك؟
بالعودة إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عند بزوغ نجم هنيدي، نجد أن السينما عاشت حالة من الجمود. فنجوم منتصف السبعينيات، ظلوا مسيطرين على الشاشة، حتى نهاية القرن، وبعضهم بات لا يصلح لأدوار الشباب، بينما بعضهم الآخر اختفى، أو مرض. وباستثناء عادل إمام، كانت هناك حاجة إلى وجوه جديدة قادرة على التعبير عن الأجيال الشابة، وقادرة على تجسيد مشكلاتهم. بمعنى أدق، ظهر هنيدي في الوقت الذي كان من المفترض أن يظهر فيه، فدفعه ذلك إلى الأمام، بعد سنوات من الأدوار الثانوية.
هذه الإيرادات الكبيرة، لا علاقة لها بـ"الإنس والنمس"، الذي يمكن تصنيفه كفيلم متوسط، أو جيد، في أفضل الأحوال، وإنما تتعلق بهنيدي الذي أثبت أنه نجم سينمائي قادر على دفع الناس نحو دور السينما
إلى جانب التوقيت، فإن خيار هنيدي في أن يكون "كوميديان" الألفية الثانية، وتمسكه بهذا اللون من دون أي تغيير، كان خياراً ذكياً مكّنه من الاستمرار في موهبته. فمن ناحية، ليس في جيله من يمكن وصفه بـ"الكوميديان" المقبل، بالإضافة إلى أن "جانز" الكوميديا، يعيش أطول في الغالب، مقارنة بـ"الأكشن"، المرتبط بقدرة الممثل الجسدية. وقد ذهب إلى هذا الاتجاه أحمد السقا الذي تعطّلت مسيرته بمجرد وجود فنانين يؤدون الحركات الجسدية نفسها، أو الشخصية الذي ذهب إليها محمد سعد، التي سرعان ما ملّها الجمهور.
ذهب أقرب منافسي هنيدي في اتجاهات لم يستطيعوا الاستمرار فيها. ومع الرحيل المبكر لعلاء ولي الدين؛ الند القوي، ورفيق مشوار هنيدي، أصبح الطريق أمام الأخير خالياً، ليحقق نجاحاته. وقد استغل هو الفرصة من خلال توليفاته الفنية التي اعتمدت الموضوعات الاجتماعية، بالإضافة إلى قدرته على تجديد "الإفيهات"، والحركات الجسدية، التي ميّزته مع ملامحه "الطفولية"، وضحكته المميزة.
أضف إلى ذلك سبباً ثالثاً، وهو الأهم في رأيي، وهو إدارة هنيدي لموهبته الفنية، وإدراكه أبعاد عمله الذي يُحتم عليه التمثيل من دون انتظار رأي الجمهور، في كل عمل. وهي كارثة وقع فيها أهم نجمين للكوميديا بعد هنيدي، وأعني أحمد حلمي، وكريم عبد العزيز، اللذين اتّبعا نظرية تقديم عمل فني، وانتظار رأي الجمهور، الذي يكون شرطاً للاستمرار، ما يستنزف وقتاً كبيراً من عمريهما الفنيَين. ها هو أحمد حلمي يتخطى سن الخمسين، بـ29 فيلماً فقط، أما كريم عبد العزيز، فتخلى عن تلك النظرية مؤخراً.
نتيجة إخلاصه للسينما، تمكن من خلق علاقة مع الجمهور الذي بات يذهب لمشاهدة أفلامه، بغض النظر عن مضمونها
برز ذكاء إدارة هنيدي لموهبته، بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، التي أحدثت حالة من الارتباك لدى فنانين كثر، خاصة في ظل انتعاش سوق الدراما الرمضانية التي هرول إليها النجوم، ويجسد تلك الحالة هاني سلامة، أحد نجوم الألفية الثانية، والذي لم يقدم عملاً سينمائياً واحداً، منذ عشر سنوات. لكن هنيدي؛ المدرك أن السينما هي الوسيلة الأكثر انتشاراً، والأبقى أثراً في ذاكرة الجماهير، لم يندفع إلى الدراما، وإن شارك في بعض الأعمال. إلا أن ولاءه الأول والأخير ظل للسينما، حتى مع خفوت نجمه قليلاً، وتراجع الإيرادات في أكثر من عمل. ظل ينافس، وبقوة، حتى استطاع العودة مع "الإنس والنمس"، ثم أعلن أنه في صدد تقديم ثلاثة أفلام سينمائية خلال الفترة المقبلة.
سبب النجاح الأخير الذي يتعلق بإدارة هنيدي لموهبته، هو إصراره على أن يصبح بطلاً وحيداً في أفلامه، ليظل الأول في عيون جمهوره. على عكس نجوم آخرين شاركوا في بطولات جماعية، ما أثّر على مكانتهم لدى جماهيرهم.
تلك الأسباب مجتمعة، جعلت هنيدي نجم جيله، بعد أن استطاع بتوليفته الفنية، وإدارة موهبته، أن يظل "بطلاً" لأكثر من عقدين، وأن يواجه الظروف التي واجهها زملاؤه الذين لم يحسنوا التصرف، فابتعدوا عن الصدارة. ونتيجة إخلاصه للسينما، تمكن من خلق علاقة مع الجمهور الذي بات يذهب لمشاهدة أفلامه، بغض النظر عن مضمونها، في أوقات كثيرة. وللحق، لم يخذل هنيدي جمهوره كثيراً.
لعل هنيدي ليس نجم جيله الحالي فحسب. ففي حال استمر في نهجه، قد يكون الوحيد الذي يستكمل سلسلة نجوم السينما الكبار الذين سبقوه، والذين يملك كل واحد منهم رصيداً ضخماً من الأفلام التي جعلتهم خالدين في عيون الجمهور.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 17 دقيقةبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 6 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون