شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"خيال مآتة"… لماذا جازف أحمد حلمي بهذا الفيلم بعد غياب عن السينما؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 25 أغسطس 201901:10 م

أعرف أنني لم أكن على موعدٍ مع المتعة الكافية والانبهار المثير، فمعظم من شاهد الفيلم أبدى استياءه من العمل الفني "الضعيف"، وعدد كبير من محبي أحمد حلمي لاموه وعبّروا عن خذلانهم من تلك "العودة الباهتة"، وحين بدأ عرض فيلم "خيال مآتة" كان كل ذلك يدور برأسي وأنا انتقل من مشهدٍ لآخر، وأدقق في تفاصيل الفيلم الذي أخرجه خالد مرعي، رفيق درب حلمي في أفلام مثل "عسل أسود" و" بلبل حيران".

تبدأ قصة الفيلم منذ ستينيات القرن الماضي، حين سرق "يكن فؤاد السنهوري" الذي يجسّده أحمد حلمي "بروش" أم كلثوم، ليلتقي بعد ذلك برفقاء سوء اسمهم "الكيان" يريدون شراء هذا البروش بمبلغٍ كبير، وتمرّ فترة ويريد الجد أن ينفذ مهمة فيستعين بحفيده "زيزو" الذي يجسّده أيضاً أحمد حلمي، ويشاركه في العمل منة شلبي وخالد الصاوي وحسن حسني ولطفي لبيب، وتدور الأحداث في هذا الإطار الذي يجسد صراع الحفيد والجد ومفهوم السرقة وكيف أن الكبار دوماً لهم خطاياهم في الماضي.

تعلمتُ أن بعض الأعمال الفنية كالمرآة، لا يمكن اكتشافها من أوّل مرة، يحتاج الأمر للمتابعة، التدقيق، فهم الإشارة واستيعاب المعنى لتتضح الصورة كاملة، يحدث ذلك لي مع أفلام أحمد حلمي، وقد أدركت ذلك حين تركت فيلم "ألف مبروك" (2009) في منتصف العرض بسبب تكرار مشاهده، ثم اكتشفت أنه يحمل الكثير من القيم والمتعة والإفيهات وصار من الأفلام القريبة إلى قلبي، لذلك حين خرجت من قاعة السينما التزمت الصمت، لكني أدركت أن كثيراً من الهجوم على فيلم "خيال مآتة" صحيح.

التفتيش في تاريخ السينما المصرية يُخبرنا أن طريق التنوّع، والرهان على المشوار السينمائي وعدم التقيد بدور واحد هو الأصعب على الإطلاق

ورغم نقاط الفيلم المضيئة مثل تجسيد حلمي لرجل عجوز بأداء مختلف، ورسائله التي أهمها أن خطأ الإنسان جزء من طبيعته البشرية وكلنا نرتكب أخطاء، لكن كل ذلك جاء مقتضباً، في إطارٍ ممل، ومساحات لا تتناسب مع إمكانيات الفنانين، خاصة دور منة شلبي، وغياب تام للإفيهات أو كوميديا الموقف، ما زاد من ملل المشاهدين في قاعة العرض.

لكن إن كان هذا هو انطباعي الأول الذي قد يتغير مع المشاهدة المتكرّرة كما يحدث لي ولغيري، فإن الهجوم على حلمي من محبيه ومعارضيه، وطرح أسئلة من نوعية هل "انتهى كما انتهى" من قبله محمد سعد ومحمد هنيدي... وهل ذكاء الفنان الشاب سيدفعه لتخطي تلك العثرة؟ يشير إلى أن الأمر تخطى الفيلم إلى حلمي نفسه وبات الرجل في مأزق حقيقي.

لماذا جازف حلمي بهذا الفيلم بعد غياب ثلاث سنوات عن السينما؟ هذا السؤال هو المفترض طرحه في حالة "خيال مآتة"، فالخيارات كثيرة ومتاحة وسهلة التنفيذ بل واتبعها غيره، مثلاً كان يمكن إنجاز جزء ثانٍ لأي فيلم سابق له حقق نجاحاً جماهيرياً كـ "إكس لارج" أو " بلبل حيران"، حتى لو كان هذا الجزء مكرّراً كما فعل كريم عبد العزيز في "الفيل الأزرق 2"، واستطاع أن يحقق إيرادات مرتفعة.

أو يلجأ لثيمة سينمائية مضمونة كما فعل أحمد السقا في مسلسله الرمضاني "ولد الغلابة"، وعاد نجماً أول بعد فترة تراجع، كان هناك مسارات كثيرة وسهلة بالنسبة لفنان متمكن مثل حلمي وتحقق إيرادات نظراً لشعبيته بين جيل كامل، لكنه لم يفعل ذلك، لماذا؟

رغم نقاط الفيلم المضيئة مثل تجسيد حلمي لرجل عجوز بأداء مختلف، ورسائله التي أهمها أن خطأ الإنسان جزء من طبيعته البشرية وكلنا نرتكب أخطاء، لكن كل ذلك جاء مقتضباً، في إطارٍ ممل، ومساحات لا تتناسب مع إمكانيات الفنانين

قد يكون "خيال مآتة" عثرة في الطريق أو فيلم ضعيف في مسيرة أحمد حلمي القوية، لكن يُحسب له إنه لم يختر الطريق السهل، ولم تُرهبه قوة الأسماء المنافسة كي يتخلى قليلاً عن مشواره الفني، بل جازف وهو مؤمن إنه قد يخسر وقد يكسب

المتتبع لمسيرة أحمد حلمي منذ أول أفلامه "عبود على الحدود " وحتى "خيال مآتة" يستطيع أن يضع عنوان واحد لتلك المسيرة " التنوع"، ورغم أنه " فنان كوميدي" لكنه لم يستسلم لهذا القالب، فبدأ بمشواره معتمداً على الجمهور الذي دفع به لصدارة شباك التذاكر في معظم أفلامه تقريباً، وحين استقر كنجم من العيار الثقيل بدأ التحرك نحو مشروعه الخاص بداية من 2007 بفيلم "كده رضا"، ثم "آسف على الإزعاج" ذي الطابع الدرامي والذي حقق إيرادات مرتفعة مع نجاح نقدي، ويرى البعض أنه أصبح لعنة، فالجميع يسأل بعد هذا الفيلم أين أحمد حلمي، الذي بات لقبه بالنسبة لجيل الألفية الثانية "حلمنا".

لم يتأثر حلمي بهذا النجاح ولم يقف عند "ثيمة" واحدة، فبعدها مباشرة قدم تجربته "ألف مبروك" حيث المشاهدة المكرّرة بإيقاع مختلف، ونستطيع القول إن كل الأعمال الفنية بعد ذلك مثّلت حالةً خاصة، ومنها ما نجح جماهيرياً مثل " إكس لارج " و"عسل أسود"، ومنها ما أخفق مثل " صنع في مصر" و"لف ودوران" وفي النهاية رضى حلمي بالمكسب والخسارة معاً.

هل هذا الرهان صحيح أم درب من الجنون سيدفع بصاحبه للهلاك؟

التفتيش في تاريخ السينما المصرية يُخبرنا أن طريق التنوّع، والرهان على المشوار السينمائي وعدم التقيد بدور واحد هو الأصعب على الإطلاق، بل لم يسر فيه إلا قلة نادرة على رأسهم الفنان الراحل أحمد زكي، فبين نجوم جيله هو صاحب أكبر تشكيلة من الأدوار، ليس هناك فيلم يشبه الآخر له، لكن في المقابل عانى من إخفاق بعض أفلامه تجارياً، و من بعض المنتجين حتى قرر الإنتاج لنفسه في بعض أفلامه، كما تأخرت نجوميته قليلاً وفي تلك النقطة فإن أحمد حلمي أفضل كثيراً، المهم أن طريق أحمد زكي لم يقدر عليه نجوم كبار أمثال عادل إمام الذي ما إن يخفق فيلم تجاري له حتى يعود مباشرة لثيمة الكوميديا كمنقذٍ له، بغض النظر عن الدور الذي - في الأغلب- يتشابه مع أدوار كثيرة قدمها من قبل.

في المسارين، التنوع والطريق الأصعب أو البقاء في دور واحد، يتحمل كل فنان اختياره، لكن في نهاية المشوار سيتم الانتصار للتنوع لا للتشابه، أفلام كثيرة لأحمد زكي لم تحقق نجاحاً جماهيرياً، لكنها بعد سنوات أصبحت أيقونة للسينما المصرية مثل "أرض الخوف" و"معالي الوزير"، كل دور للفتى الأسمر خالد في الأذهان، وكذلك أحمد حلمي، عكس نجوم كثيرة تشابهت أدوارهم فلم يعد يفرّق المشاهد أي فيلم هذا، أو على الأقل وهو يشاهد دوراً شاهده من قبل وينتظر فقط "الإفيه" الجديد الذي قد يملّه بعد فترة.

فيلم "خيال مآتة" قد يكون عثرة في الطريق أو فيلم ضعيف في مسيرة أحمد حلمي القوية، لكن يُحسب له إنه لم يختر الطريق السهل، ولم تُرهبه قوة الأسماء المنافسة في موسم سينمائي كعيد الأضحى كي يتخلى قليلاً عن مشواره الفني، بل جازف وهو مؤمن إنه قد يخسر وقد يكسب، راهن على حلمه كما نراهن نحن على "حلمنا"، والذي في النهاية سينتصر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image