شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ليه لأ"... مسلسل يدافع عن حق النساء بالاحتضان خارج الزواج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 28 يوليو 202103:26 م

أخيراً، ثمة من يتحدث عن مشاكلنا كنساء، بعيداً عن الكليشيهات، والقضايا المكررة التي لم تعد تُقنع، أو تشغل بال الفتيات في وقتنا الراهن. هذا ما قلته لنفسي، وأنا أشاهد الجزء الثاني من مسلسل "ليه لأ"، الذي تقوم ببطولته الفنانة منة شلبي، والذي يتناول التبني قضيةً مركزية. 

من خلال المسلسل المكوّن من جزأين، ومن قصتين مختلفتين، ناقش صنّاع العمل قضايا حارقة تدور في عقول الفتيات والسيدات، حتى وإن لم يفصحن عنها. إذ تطرق الجزء الأول إلى معاناة فتاة تلقى أنواع الهيمنة كلها، من قبل أسرتها، التي تحاول فرض رأيها عليها، سواء في العمل، أو الزواج، ما دفعها لأن تتخذ قرار أن تستقل بالعيش بعيداً عنها، وأن تبدأ حياتها بالشكل الذي يتناسب مع فكرها. أما في الجزء الثاني، الذي يُعرض حالياً، فتتم مناقشة قضية الاحتضان، أو التبني، في مصر، وكيف يمكن لفتاة غير متزوجة أن تحتضن طفلاً لتشبع غريزة الأمومة عندها، بعيداً عن قيود الزواج.

أعتقد بأن ما يميز هذا المسلسل ليس التكثيف في القصص التي ترتبط بالقضايا النسوية فحسب، بل مناقشة قضايا غير محسوسة الأثر، على الرغم من تأثيرها الكبير على المرأة. وهي قضايا لا تزال حبيسة غرف الفتيات المغلقة، وعقولهن فحسب. قضايا تؤرقهن، وتشكّل هواجس لديهن. لكنها في النهاية تُعدّ من القضايا التي لا يتحدثن عنها، لعلمهن بأن مجرد التلميح إليها، سوف يضعهن في إطار غير مقبول من المجتمع. وهذا ما جعل مسلسل "ليه لأ"، حسب متابعتي، خاصاً في طرحه أسئلة النساء في القرن الـ21، وذلك بعد أن قضينا سنوات طويلة ندور في فلك مشكلات باتت جزءاً من الماضي. فمنذ بداية السينما المصرية، وقضية المرأة حاضرة، وهناك أعمال فنية استطاعت أن تتسبب في تغيير قوانين كانت تظلمها. هكذا، وبفضل الفن، رُفع الظلم عن النساء.

ما يميز هذا المسلسل ليس التكثيف في القصص التي ترتبط بالقضايا النسوية فحسب، بل مناقشة قضايا غير محسوسة الأثر، على الرغم من تأثيرها الكبير على المرأة

يمكن النظر إلى طرح السينما المصرية للقضايا النسوية من خلال ثلاث مراحل: بدأت الأولى بفيلم "الأستاذة فاطمة" (1952)، والذي ناقش حق المرأة في العمل، وقدرتها على منافسة الرجال. وعلى الرغم من أن الفيلم انحاز إلى الرجل بطريقة واضحة، لكنه في النهاية كان بداية سلسلة أفلام علمانية الملامح مثّلت فترة الستينيات من القرن الماضي، ومنحت المرأة حق العمل، والتواجد، وتولي مناصب عليا في الدولة. ونستطيع إيجاد هذا التوجه في أفلام مثل "هذا هو الحب" (1958)، و"أنا حرة" (1959)، و"للرجال فقط" (1964). ومنذ الستينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريباً، وبالتوازي مع قضايا عمل المرأة وأحقيتها في تولي المناصب العليا، برزت قضايا الأحوال الشخصية التي شهدت تغييراً في منظومة قوانينها في تلك الفترة. وسلّطت السينما الضوء على ما تعانيه المرأة من حقوق مفقودة في منظومة الزواج، كما سلّطت الضوء على الظلم الواقع على بعض الرجال أيضاً. وأبرز الأمثلة على ذلك فيلم "الشقة من حق الزوجة" (1985)، و"إنذار بالطاعة" (1993). كما شهدت تلك الفترة بداية الحديث عن ذكورية المجتمع، وتبرير الخطأ إذا كان من ارتكبه رجلاً، في مقابل تجريم المرأة إن كانت قد ارتكبته. نرى ذلك في فيلم "عفواً أيها القانون" (1985)، والذي ناقش اختلال العدالة لصالح الرجل، خاصةً في القضايا التي تمس "الشرف".

أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، وتستمر حتى اللحظة، ولم تتخل الأعمال الفنية فيها عن قضايا العمل، والأحوال الشخصية، لكنها ركزّت بشكل أكبر على الذكورية في المجتمعات الشرقية، وما تحمله المرأة من أعباء. بالإضافة إلى قضايا أخرى مثل تأخر سن الزواج، والخيانة الزوجية، وغيرها من القضايا التي يمكن ملاحظتها في أعمال مثل مسلسل "حكايات بنات"، و"قلوب"، و"ونحب تاني ليه"، و"إلا أنا"، وغيرها من الأعمال الدرامية. لكن المشكلة تكمن في أنه خلال السنوات العشر الماضية، ظهرت قضايا أخرى تخص المرأة. نسبة من يرفضون أن تعمل المرأة، أو تتعلم، في مصر، قليلة الآن. في المقابل، ثمة وعي أكبر من جانب المرأة لحقوقها في العمل والتعليم في جو من التقبل المجتمعي لهذه الحقوق.

مسلسل "ليه لأ" يؤسس لمرحلة جديدة من تناول القضايا النسوية، بعيداً عن الطلاق، والزواج، والتعليم. يُحسب لصناع العمل أنهم لم يناقشوا قضايا معروفة للجميع

وهذا ما يجعل مسلسل "ليه لأ" يؤسس لمرحلة جديدة من تناول القضايا النسوية، بعيداً عن الطلاق، والزواج، والتعليم. يُحسب لصناع العمل أنهم لم يناقشوا قضايا معروفة للجميع، بل قضايا أقرب إلى "التابوهات" التي لا يريد المجتمع أن يقترب منها. وربما هذا ما يقف وراء تسميته "ليه لأ"؛ أي ما الذي يمنع أن نناقش تلك القضايا، وأن تُكسر التابوهات، وأن نعرف أن لنساء القرن الـ21 قضاياهن الخاصة.  

كذلك، لاحظت هذا التأسيس من خلال متابعتي للتجمعات النسائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فكثيرات منهن بدأن يسألن، ويبدين اهتماماً بقضية الاحتضان، بعد مشاهدة مسلسل "ليه لأ". كما أفصحت كثيرات عن مشكلات يواجهنها تتعلق بالأسرة. وبدأت نساء غير متزوجات بالكشف عن رغبتهن في احتضان أطفال من دور الرعاية، بل ويؤكدن أنهن سوف يتمكنّ من مواجهة تيار الرفض، أو وصف أفكارهن بالجرأة، أو اللامنطقية. نحن نطمح دائماً إلى أن تتّبع الأعمال الفنية النسوية هذا النهج، وأن تفتح باباً أمام المسكوت عنه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard