شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الجوائز الأدبية والحاجة إلى معايير واضحة... بوكر العربية نموذجاً

الجوائز الأدبية والحاجة إلى معايير واضحة... بوكر العربية نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 8 مايو 202110:01 ص

تحظى "الجائزة العالمية للرواية العربية"، المعروفة بجائزة "بوكر العربية" منذ تأسيها العام 2007، باهتمام بالغ من المعنيين بالشأن الأدبي عموماً، وبالفن الروائي بنوع خاص، متقدمة على ما سبقها وما أعقبها من جوائز أدبية تُمنح في العواصم الأدبية العربية المشهورة. هذا ما يحملنا على اتخاذها نموذجاً في تناولنا دور الجوائز الأدبية وأهميتها عموماً ومدى تأثيرها، سلباً أو إيجاباً، في سيرورة الأدب والفن الروائي العربيين المعاصرين. فما ينطبق عليها ينطبق على الجوائز عموماً والعكس بالعكس.

المال في خدمة الأدب

يجدر التذكير أولاً بأن مكافأة الأدباء والفنانين ليست ظاهرة مُستحدثة، فعند كل الشعوب كان هناك دوماً رعاية لهم في البلاطات والقصور وفي أوساط النبلاء والأمراء والأسياد والأثرياء، الذين لأسباب مختلفة، سياسية أو شخصية، شجعوا الأعمال الفنية والأدبية، لاعبين دور الرعاة أو الكفلاء (les mécènes) مساهمين بذلك في تشجيع المبدعين ودعمهم مادياً ومعنوياً لينصرفوا لإبداعاتهم.

حتى اقترنت أسماء بعضهم بأسماء المبدعين ممن نالوا حظوة عندهم أو كانوا محط إعجابهم وتقديرهم، ولا داعي للتذكير بها، فبالتأكيد أن دارسي تاريخ الآداب والفنون يدركون ذلك، ويعرفون أن هذه الظاهرة أو السياسة كانت أساس النهضة الحضارية في الشرق والغرب.

لا شك أن دور هؤلاء الرعاة تراجع في العصر الحديث (من دون أن ينعدم ربما) لصالح دور "الدولة"، بمؤسساتها التربوية والثقافية وسياساتها التطويرية في الاهتمام بالأعمال الإبداعية وأصحابها. ثم جاءت الجوائز الخاصة رديفاً محفزاً، لها مؤسساتها وممولوها، وتُمنح باسم المؤسسة نفسها أو على اسم عَلَم من أعلام الفرع المُكافَأ عليه (جائزة نجيب محفوظ مثلاً).

وقد تقترن بمكافأة مالية دسمة أو رمزية، لكن الأهم هو ما توفره للفائزين من دعمٍ معنوي وترويج نتاجهم الفني ومن شهرة في أوساط المهتمين، بما يؤمن لهم الكسب والإثراء من وراء أعمالهم، وهو ما يشجعهم على المضي في الإبداع ويمكنهم من التفرغ له.

يقودنا ذلك فوراً إلى الكلام على إيجابيات الجوائز، وما أكثرها في العالم العربي، وإن يكن أهمها جائزة بوكر أو جائزة الشيخ زايد. يكفي الاطلاع على موقع "أدبرايز" للجوائز الأدبية لنحصي كماً هائلاً منها تحظى باهتمام الشباب العربي وبمتابعة واسعة منهم للاطلاع أو رغبةً في المشاركة.

من البديهي القول إن للجائزة الأدبية عموماً دوراً مهماً جداً على صعيدين أو عند طرفَيْ العمل الأدبي: القارئ والمؤلف. فهي تشجّع القارئ على المطالعة وتساعده على الاطلاع على الأعمال الإبداعية وتوجهه وتشجعه على ملاحقة تطور الأعمال وأسباب تميزها، وليس العمل الفائز فقط، بل سائر الأعمال التي شاركت ووصلت إلى المراحل النهائية في التصفيات، إذا ما اعتمدنا لغة المنافسات الرياضية مثلاً.

وللجوائز طبعاً دور مهم في عالمنا العربي الذي ما يزال يعاني إلى حد كبير من عزوف عن المطالعة والتثقف، ومن شيوع المعتقدات السطحية وما ينتج منها من فقر ثقافي وضحالة نقدية فنية، ويبقى بعيداً عن حركة التطور الفني السائرة في العالم، وذلك نتيجة قصور في مكانٍ ما في الأنظمة التربوية العائلية والمدرسية والجامعية، ونتيجة تفاهة وسطحية مفرطة في دور الوسائل الإعلامية التي، باستثناء قلة قليلة منها، لا تولي الجانب التثقيفي العميق أهمية، وإن هي فعلت بقيت على الهامش.

أما على الصعيد الآخر، فلا شك أن الجائزة تشجع الطامحين والموهوبين والأدباء على إتقان أعمالهم وعلى محاولات الإبداع طمعاً في الفوز، وهذا حق وحلم كل فرد في مجاله. فالفوز بالجائزة يصنع الشهرة ويروج للأعمال ويساعد على انتشارها والطلب عليها وهو ما يعود بالفائدة المادية على الكاتب، فيأتي ذلك بديلاً من مساعدات "الرعاة الكفلاء" في العصور السابقة، وهو ما يؤمن للكاتب الراحة والطمأنينة ويسهل عليه التفرغ لأعماله الأدبية.

في هذا الجانب تؤدي الجوائز، وتخصيصاً نموذجنا هنا جائزة "بوكر" العربية، دورها مشكورة بامتياز، أولاً من ناحية قيمة الجائزة التي توزع على ستة نهائيين بلغوا القائمة القصيرة، ثم من ناحية الدعاية والترويج للكاتب، إذ يكفي أن يكون الكاتب قد دخل القائمة الطويلة (16 متنافساً) لكي يذيع صيته وينتشر اسمه وتُباع مؤلفاته. (ويجدر التنبيه أيضاً إلى جائزة الشيخ زايد التي تتفوق بقيمة تقديماتها وبمروحة أوسع من الأعمال الأدبية والفنية المُكافأة إلى غيرها من الجوائز المرموقة).

لكن المتابع لجائزة بوكر منذ نشأتها، إن من خلال الاطلاع المباشر على الأعمال أو من خلال آراء النقاد والإعلام والمهتمين، لا بد أن يخرج بانطباعات وملاحظات تلقي الضوء على بعض الجوانب السلبية في سياسة القيمين على الجائزة وفي المعايير المعتمَدة في تصنيف الأعمال المنتقاة.

إذا كانت الجائزة تهدف إلى "مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر"، فنحن لا نعرف تماماً ما هي المعايير المعتمدة لتحديد هذا التميز، إن على مستوى الموضوع أو على مستوى البناء الروائي الفني أو المستوى اللغوي والأسلوبي. إذ غالباً ما نجد في تسويغ منح الجائزة أن الرواية "تتميز بجودة أسلوبية عالية وتعددية صوتية" أو شيء من هذا القبيل، من دون دخول في تفاصيل هذا التميز وأسباب الجودة المتروك ربما للنقاد والدارسين.

لكن بمطالعتنا لهذه الأعمال، ولما قيل فيها، كثيراً ما رأينا أن الأساليب المعتمدة عادية جداً، وغالباً ما تشوبها ثغرات ليس أقلها الكثير من الأغلاط اللغوية والتركيبية. ثم إن الروايات الفائزة على مدى الدورات المتتالية غالباً ما تناولت مواضيع تاريخية أو مواضيع من واقع ووحي الأحداث الجارية في العالم العربي في عصرنا الحديث، وذلك بأسلوب سردي تقريري غالباً ما يفتقر إلى الجدة والإبداع.

بعض الروايات التي بلغت القائمة القصيرة يجد القارئ نفسه مضطراً إلى بذل جهد جبار لإكمال قراءتها، ما يدفعه إلى رميها جانباً، أما القارئ الناقد فيضطر إلى "تكسير رأسه" ليُتم القراءة، ويكتشف أنها لا تقول شيئاً وأن أسلوبها رتيب ومرهق ولا إبداع فيه (أكثر من رواية واحدة على مدى سنوات الجائزة ولن ندخل في تسميتها هنا).

يلاحظ النقاد والمهتمون أن الجائزة تولي اهتماماً بالغاً للرواية التاريخية، إذ إن معظم الروايات الفائزة، والتي بلغت القائمة القصيرة، استقت موضوعاتها من التاريخ القديم، كأن العرب لم يكتفوا بعد من نبش هذا التاريخ والتفتيش فيه سعياً إلى مفخرة أو استعادة لعزة مفقودة، دونما توظيف للرواية التاريخية في سياق الأوضاع الراهنة أو رصد التحولات التي أحدثتها الأحداث التاريخية وصولاً إلى مآلاتها في العصر الحالي.

من حق المهتمين والقرّاء أن يتساءلوا ما هي المعايير الفنّية التي تضعها اللجنة لتقييم الأعمال المرشَّحة لجائزة "بوكر". بمعنى أنه لا يمكن الركون كلّياً إلى الذوق الشخصي في تقييم الأثر الأدبي والحكم فيه. ولا يكفي أن يكون أعضاء لجنة التحكيم من دارسي الأدب العربي أو الأدب المقارن،  الشعراء أو الصحافيين العاديين، بل المفترض أن يكونوا من أهل الاختصاص في الفن الروائي تحديداً

وعندها يحق للقارئ والناقد التساؤل، كما فعل النقاد في فرنسا: "أهي رواية حقاً؟"، في تعليقهم على منح إيريك فويار جائزة غونكور عن روايته التاريخية "جدول الأعمال- L'Ordre du jour"، أو أن هذه الروايات الفائزة تستقي موضوعاتها من الواقع الحديث الراهن الذي ما تزال أحداثه جارية ولم ترتسم بعد مآلاتها النهائية، يصورون فيه معاناة المواطن العربي، ضمن جماعته السياسية أو الطائفية أو الأقلوية، في قوالب سردية حكائية تقريرية تأملية مفرطة، وغالباً من دون أي محاولة إبداعية على صعيد البنية الروائية.

تضخمٌ في المادة التاريخية وهزال في الإبداع الفني، أهذا ما أرادت الجائزة التشجيع عليه؟ وإذا كان المطلوب مكافأة الروايات التاريخية حصراً، فليكن ذلك معلناً في شروط الترشح للرواية، وإلا لماذا لم نرَ رواية تميزت بتطرقها إلى موضع جديد مبتكر استشرافي من خارج قضايا الساعة والتاريخ، ومعالج بأسلوب إبداعي متميز بجدته، يفوز بالجائزة؟

المعايير المفقودة

إن تطوير الفكر الاجتماعي، والعربي هنا تحديداً، والمساهمة في ترقيته للحاق بركب الإبداعات الفنية العالمية، يحتاج أكثر إلى تنمية ذاتية جمالية سامية لصميم الشخصية العربية، وليس فقط من خلال استعادة الماضي واجتراره والتعكز على الأساليب التقليدية الرتيبة المفتقرة إلى خيال مبدع يتجرأ على كسر الأنماط وصياغة جماليات تصقل الذوق العربي وتغنيه وتفتح أمامه مجال التجريب الخلاق. وإلا كيف تكون "مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر"، هذا الهدف الوحيد تقريباً الوارد كبند في شرعة الجائزة؟

فَلْتفرَّعْ الجائزة، بمعنى أن توزَّع كما توزّع جوائز الأوسكار في السينما مثلاً، فيكون هناك جائزة لـ"أفضل موضوع أو قصّة"، وأخرى لـ"أجمل حبكة وبنية روائية"، وأخرى لـ"أفضل لغة وأسلوب"، وهكذا دواليك؟

إن الدفع في هذا الاتجاه هو من مسؤولية مجلس أمناء الجائزة، المفترض أن يكونوا ملمين بتفاصيل الفن الروائي الحديث، وأن يختاروا لجان التحكيم من أهل الاختصاص بهذا الفن. فهل هذا ما يطبق فعلاً؟ من حق المتابع والمهتم أن يتساءل عن ذلك بعد سلسلة النتائج التي صدرت والجدل المتكرر الذي رافقها.

من حق المهتمين والقراء أن يتساءلوا ما هي المعايير الفنية التي تضعها اللجنة لتقييم الأعمال المرشحة. فلكل فن شروط ومعايير عامة أساسية وثابتة (Standard) يجب البناء عليها، وبعدها تأتي المتممات التفصيلية والتنويعية التي تُكمل جمالية العمل وتميزه.

بمعنى أنه لا يمكن الركون كلياً إلى الذوق الشخصي في تقييم الأثر الأدبي والحكم فيه. فلا يكفي أن يكون أعضاء لجنة التحكيم من دارسي الأدب العربي أو الأدب المقارن، أو من الشعراء أو من الصحافيين العاديين، بل المفترض، لسلامة التقييم والحكم، أن يكونوا من أهل الاختصاص في الفن الروائي تحديداً، ليس اطلاعاً فقط، بل معرفة دقيقة ولصيقة بأصوله وتفريعاته وتطوره عالمياً خصوصا في العصر الراهن.

لا يكفي أن يكون العضو شاعراً، أو أستاذاً جامعياً أو كاتباً صحافياً عادياً أو حتى كاتباً روائياً ليُحسن الحكم، مع احترامنا لهؤلاء كل في مجال عمله (بعض هؤلاء حاول التأليف في مجال الرواية وجاءت محاولته فاشلة)، بل يجب أن يكون ملماً بشكل معمق بالفن الروائي وشروط الرواية ولعبتها الفنية، بغية التمكن من الإضاءة على براعة الكاتب في الإبداع والتجديد.

ولذلك فإن وضع المعايير بشكل علمي دقيق وواضح يخفف من حدة الحكم بناء على الأذواق الشخصية وما تستتبعه ربما من مسايرات ومفاضلات. وهذا يفتح أمامنا باب اقتراح ينقذ خيارات مجلس الأمناء ولجنة التحكيم من هذه الحصرية، ويجنبهما "الظلم" اللاحق ببعض الروايات والروائيين. فَلْتفرعْ الجائزة، بمعنى أن توزع كما توزع جوائز الأوسكار في السينما مثلاً، فيكون هناك جائزة لـ"أفضل موضوع أو قصة"، وأخرى لـ"أجمل حبكة وبنية روائية"، وأخرى لـ"أفضل لغة وأسلوب"، وهكذا دواليك؟

لاحظ البعض التأثير القوي لوجود بعض الأعضاء في لجنة تحكيم "بوكر" العربية في منح الجائزة لهذا أو ذاك من المرشّحين، من أبناء البلد الواحد، أو ممّن تربطهم به علاقة ما، كما بدا لافتاً مراعاة التوزيع الجغرافي على الدول العربية. فربّما يجد أعضاء اللجنة حرجاً في إقصاء روائي شهير ومرموق، سبق أن فاز بالجائزة، ويشارك فيها مرّة تلو الأخرى

لا يخفى على أحد ما أثارته نتائج الجائزة سنة بعد أخرى من جدل وانتقادات. لقد لاحظ البعض التأثير القوي لوجود بعض الأعضاء في لجنة التحكيم في منح الجائزة لهذا أو ذاك من المرشحين، من أبناء البلد الواحد، أو ممن تربطهم به علاقة ما. كما بدا لافتاً مراعاة التوزيع الجغرافي على الدول العربية، كأن تذهب الجائزة مثلاً إلى هذه الدولة أو تلك، في المشرق العربي أو مغربه، لأنها لم تُمنَح هناك من قبل.

ونلمس صحة هذا النقد والملاحظة من كون بعض الروايات الفائزة لم تكن هي الفضلى في القائمة القصيرة أو الطويلة، ولا نقول ذلك على أساس الأهواء والأذواق الشخصية بل انطلاقاً من تقييم علمي وبناءً على معايير فنية ولو بحدها الأدنى. إن مقارنة موضوعية بين الروايات يثبت صواب هذه الملاحظة. والأمر نفسه ينطبق على الأسماء. فربما يجد أعضاء اللجنة حرجاً في إقصاء روائي شهير ومرموق، سبق أن فاز بالجائزة، ويشارك فيها مرة تلو الأخرى.

ولذلك نجد بعض الروايات، لهؤلاء، قد بلغت القائمة القصيرة من دون أن تستحق ذلك (نقول ذلك براحة ضمير ونسمي ونسوغ رأينا عند الضرورة).

ينطبق الأمر نفسه على دور النشر التي توظف علاقاتها وإمكاناتها للتأثير بشكلٍ أو بآخر على لجنة التحكيم أو لإرضاء واسترضاء مجلس الأمناء عبر المشاركات المتتالية، وهي تُعطى الدور الأساسي في اختيار الروايات التي ترشحها. وقد يكون هذا حقها من الناحية التجارية إذ إن فوز إحدى رواياتها بالجائزة أو بلوغها القائمتين الطويلة والقصيرة وتزيينها بالشريط الأحمر، سيزيد من حجم مبيعاتها، مبيعات الرواية الفائزة ومؤلفات الكاتب نفسه وسائر منتجاتها.

هل هذه رواية حقاً؟

وليس هذا الأمر محصوراً بجائزة بوكر العربية أو الجوائز العربية وحسب، فها نحن نرى الناقد جان مارك بروست يشير صراحة إلى تأثير وزيرة الثقافة الفرنسية في حينه، فرانسواز نيسن، وهي من كبار أصحاب الأسهم في دار نشر "أكت سود"، في توجيه لجنة جائزة غونكور الفرنسية لتفوز إحدى روايات الدار بهذه الجائزة، هذا الفوز الذي سيزيد فوراً وتلقائياً حجم مبيعات الدار بمقدار ثلاثة ملايين يورو.

ألا ينطبق ذلك على حجم مبيعات دور النشر هنا؟ بالطبع هذا أمرٌ مطلوب ومفروض لتشجيع القراءة ونشر الكتاب عموماً ورفد دور النشر بالدعم اللازم لتأمين استمراريتها، في عالم عربي لا يقرأ كثيراً ولا يشتري الكتاب. لكن ذلك لا ينفي ضرورة اعتماد الموضوعية والإنصاف في توزيع الجوائز ومنحها، ولا ضرورة تفادي التمييز بين دار وأخرى.

إن سوق هذه الملاحظات حول جائزة بوكر العربية ليس من باب التجريح ولا التشنيع بل لأنها الأشهر والأكثر استقطاباً للاهتمام، ويمكن القول إن أهميتها هذه هي التي تثير حولها هذا الجدل، وهو ما لفت إليه جوناثان تايلور صراحة في تناول جائزة بوكر العربية تحديداً: "يكمن جوهر الجائزة الأدبية الناجحة في تأثيرها. يجب أن يكون هناك نقاش وجدال حولها، أن يتم انتقادها بل وحتى مدحها في بعض الأحيان! قد يكون هناك اختلاف حيوي حول ما أُدرِج أو استُبعِد من القائمتين الطويلة والقصيرة. وقد يثير الفائز النهائي جدلا حاداً أو إشادة عظيمة".

ولذلك نرى أن كل مداخلة ومساهمة في هذا المجال إنما تأتيان في سياق إغناء النقاش حولها من باب التصويب والحث على التحسين تحقيقاً للأهداف المرجوة منها والتي رسمتها لنفسها، خصوصاً أن هذه الجائزة هي الأشد تأثيراً في أوساط الأدباء والقراء على حد سواء.

فالخطر إذن هو أن يأتي تأثيرها سلبياً على هؤلاء. فمن حق الكاتب، المرشح أو غير المرشح لها، أن يتساءل، عندما يرى نتائج غير مرضية وغير منصفة، عن جدارته وموهبته ومؤهلاته ونوعية عمله، لأنه بالتأكيد سيقيس أعماله نسبة إلى ما يصدر عنها. وكذلك القارئ، المطلع خصوصاً، سيجد نفسه مشككاً في قدرته على تقييم ما يقرأ والحكم فيه، مع كل ما يمكن أن يتسبب به ذلك من تهيب وإحجام عن الكتابة أو عن المطالعة السليمة، وبذلك ستفقد الجائزة الدور الذي نذرت نفسها له وهو التشجيع على الإبداع والترويج للقراءة ونشر الكتاب.

 الأعمال الفنية والإبداعية لن تحظى بإجماع القراء والنقاد، إذ تبقى خاضعة للأذواق والميول كما للمستويات الثقافية والعلمية. لكن يبقى بالإمكان اعتماد الموضوعية والشفافية قدر الإمكان، عبر وضع أسُسٍ ومعايير فنية واضحة ومعلنة

أياً يكن، لنعترف بأن الأعمال الفنية والإبداعية لن تحظى بإجماع القراء والنقاد، إذ تبقى خاضعة للأذواق والميول كما للمستويات الثقافية والعلمية. لكن يبقى بالإمكان اعتماد الموضوعية والشفافية قدر الإمكان، عبر وضع أسُسٍ ومعايير فنية واضحة ومعلنة.

وعندها تنجح الجوائز، العربية هنا، في المساهمة عبر حضورها وتأثيرها الفعال، في تثقيف الجمهور العربي وتنمية ذائقته الفنية والارتقاء بها ليعرف كيف يلامس الجمال في الفن كما في حياته اليومية، ليسمو بعالمه إلى المستويات الراقية المتوخاة. هذا ما أرادته جائزة بوكر العربية وتعمل على تحقيقه، وهذا ما نرجوه ونأمله منها في دوراتها المتتالية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image