شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"كنتُ أشاهد كرة القدم مع أصدقائي"... رجال يتهرّبون من حضور ولادة أطفالهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 سبتمبر 202103:49 م

تعيش المرأة أوقاتاً مميزة للغاية، يوم ولادة طفلها/ طفلتها. قد يشاركها الأب هذه اللحظات، ويسير معها خطوة خطوة، ليقدّم لها الدعم والمساندة. وقد يتراجع، ويختفي من المشهد تماماً، رافضاً حتى الوجود بقربها.

في عيادة الطبيب/ ة، أو في غرفة العمليات، قد نجد زوجاً يدخل بجرأة مع زوجته، ليشهد لحظة وصول طفلهما، وقد تجد المرأة نفسها، وهي تتألم وحدها، إما لأن الأب مشغول، أو لأنه لا يتحمل الوجود في هذا "الظرف"، معتقداً بأن الرجال لا يصلحون لهذه المهام "الصعبة".

"شغل ستات"

ينظر بعض الرجال إلى شؤون الحمل، على أنها لا تخصهم بأي شكل، وليوم الولادة على أنه يوم عادي يقضونه في العمل، أو حتى النوم.

"زوجي لم يحب الذهاب معي إلى الطبيب، للمتابعة وقت الحمل. كنت ألحّ عليه كثيراً ليحضر ولو مرةً، لكنه كان يرفض قائلاً إن هذه الأمور لا تناسب الرجل، وكان يطلب من شقيقته، أو والدته، أن تنوبا عنه، ولم يكن حتى مهتماً بالاطمئنان على النتائج"، تقول هبة حلمي، وهي سيدة ثلاثينية من محافظة الشرقية.

ينظر بعض الرجال إلى شؤون الحمل، على أنها لا تخصهم بأي شكل، وليوم الولادة على أنه يوم عادي يقضونه في العمل، أو حتى النوم.

تضيف هبة، ربّة منزل، لرصيف22: "كنت أظن أن الأمر سيكون في أثناء الحمل فحسب، لأنه مشغول بالعمل، لكني يوم الولادة شعرت بآلام شديدة، وناديته ليساعدني، فلم يدخل الغرفة، وسألني من الخارج عما أشعر به. وعندما سمع صراخي، اتصل بوالدتي ووالدته، واختفى. قالت حماتي إن الرجال ليست لهم علاقة بالولادة، وإنه لن يفيدني في شيء".

لم ترَ هبة زوجها إلا بعد ولادتها بأيام، وكأنه كان يتعمد الابتعاد عنها. وعندما سألته عما كان يفعله، وهي في غرفة الولادة، قال: "كنتُ نائماً".

يوم الولادة هذا، يشعل الغضب في صدر آيات عز الدين (28 عاماً)، كلما تذكرته، وتقول لرصيف22: "لن أنسى موقف زوجي يومها. ظل يطمئنني، ويعدني بأنه سيكون معي خطوة خطوة، خاصةً أن والدتي رحلت قبل زواجنا. لكنه تركني بعد متابعات عدة مع الطبيب، وأخبرني بأنه سيطلب من شقيقته الحضور، مبرراً بأن المرأة تحتاج إلى امرأة مثلها".

وتضيف السيدة المقيمة في محافظة كفر الشيخ: "يوم الولادة، حضر إلى المستشفى، وظل ينظر إليّ، وكأنه مصدوم، ثم تركني لأكثر من ثلاث ساعات، حتى اتصلت به شقيقته، لتبشّره بوصول ابنتنا. جاء إلى الغرفة ليراها، لكنه لم ينظر إليّ أبداً، وكأن شكلي وأنا ألد كان مفاجئاً بالنسبة إليه".

بشكل مشابه، لا يرى محمد عطية (44 عاماً) أي داعٍ لحضور الرجل ولادة زوجته. وعن مكان وجوده في أثناء ولادة ابنه، قال ضاحكاً: "كنت أشاهد مباراة كرة قدم مع أصدقائي".

محمد أب لأربعة أولاد، ويسكن في محافظة القليوبية، أشار في حديثه لرصيف22، إلى أنه لم يشعر بالقلق على زوجته في أثناء الولادة، فهي محاطة بالأطباء وبعائلتها، وأضاف: "لا أطيق هذه المناظر، ولا أحب هذه المبالغة والموضة التي تجعل من بعض الرجال يدخلون غرفة العمليات مع زوجاتهم. هو أنا اللي هولد!".

الأعراف تتحكم بالرجل

استشاري الصحة النفسية ومدرب العلاقات الإنسانية الدكتور عنتر سليمان، قال لرصيف22: "للموضوع أبعاد نفسية، وعاطفية، وعرفية. بعض الرجال يهتمون بمتابعة أمور الطفل، وآخرون يرتبكون لمجرد رؤية الدماء، أو لا يقدرون على مشاهدة شخص يتألم. هناك رجال يرون أنه ليس لهم دور في عملية الولادة، وأن مهمتهم توفير الماديات فحسب، وقد يرتبطون أيضاً بالأعراف التي تقول إن الولادة شأن نسائي".

خبير التنمية البشرية أضاف: "قد يرغب الزوج في الحضور، ولكن أهله يمنعونه. دخول الرجل مع زوجته إلى غرفة العمليات، أمر غير شائع على نطاق واسع في مجتمعاتنا، كما أن البعد الاقتصادي قد يتحكم بالأمر الذي يكون أحياناً بغرض تصوير اللحظة فحسب، ويكون مكلفاً جداً".

وتضيف خبيرة الإرشاد النفسي الدكتورة سيهار صلاح، أن الرجل أحياناً يبتعد تماماً عن هذه الأمور، ربما بإيعاز من والدته، أو شقيقته. "النساء الكبيرات في السن، يرين بأن للرجال تخصصاً ومهاماً لا علاقة لها بمهام المرأة، حتى أنهن ينتقدن الرجل لو حاول مساعدة زوجته في أعمال المنزل"، تقول في حديثها لرصيف22.

"يوم الولادة، حضر إلى المستشفى، وظل ينظر إليّ، وكأنه مصدوم، ثم تركني لأكثر من ثلاث ساعات، حتى اتصلت به شقيقته، لتبشّره بوصول ابنتنا. جاء إلى الغرفة ليراها، لكنه لم ينظر إليّ أبداً، وكأن شكلي وأنا ألد كان مفاجئاً بالنسبة إليه"

"هربت بمجرد انتهاء الولادة"

"لا أنصح أي رجل بالدخول مع زوجته إلى غرفة العمليات، في أثناء الولادة"، يقول عماد متولي لرصيف22، شارحاً بأنه مر بتجربة قاسية، فالتزم بوعده لزوجته، وحضر معها ولادتها الطبيعية، لكنه شعر بتعب جسدي شديد.

عماد (41 عاماً)، حكى عن تجربته، مستخدماً اسماً مستعاراً: "حاولت أن أدير رأسي إلى الناحية الأخرى، فمنظر الدماء كان قاسياً. كنت أردد بعض العبارات لأساندها، حتى تتجاوز الموقف، ولكني بعد ذلك وجدت نفسي أتجمد، وهربت بمجرد انتهاء الولادة".

عماد، الذي يسكن في محافظة الجيزة، أضاف بأن الأمر شكّل له صدمة كبيرة، فظل مشهد الدماء عالقاً بباله، ويراه كلما نظر إلى زوجته، وسبب لهما هذا مشكلة دفعته للاستعانة بمساعدة طبية، لتجاوز الموقف، وإكمال حياته بشكل طبيعي.

الحكاية نفسها، وبأبعاد أعمق، حصلت مع لمياء عبد الله (اسم مستعار). فعندما ألحّت على زوجها لحضور ولادة طفلهما الأول، لم يخطر ببالها أن الأمر سيصل إلى الرغبة في الانفصال.

وتحكي السيدة العشرينية قصتها لرصيف22: "طلبت منه في أول حملي، أن يحضر معي الولادة. لم يحب الفكرة بداية، لكنه وافق، ويوم الولادة كاد أن يُغمى عليه، وظل ينظر إلى كل جزء فيّ، وكأنه يراني للمرة الأولى، ثم غادر الغرفة. لم يأتِ إلى منزل والدتي، حتى بعد الولادة بأسابيع، وعندما سألت والدته، لامتني لأنني طلبت منه حضور الولادة، قائلةً إن نظرته إليّ، وإلى جسدي تغيّرت".

لا أحب هذه المبالغة والموضة التي تجعل من بعض الرجال يدخلون غرفة العمليات مع زوجاتهم. هو أنا اللي هولد!

أكملت لمياء بألم، قائلةً إن زوجها عاد إلى المنزل، لكنه بات ينام في غرفة منفصلة، ولم يعد يقترب منها، كما كان لا يحب شكلها وهي تُرضِع. استمر الزوجان مع بعضهما، على الرغم من الكثير من المشكلات التي وصلت إلى حد التفكير بالطلاق، ولم تنسَ لمياء أبداً ما حدث، ما جعلها تؤجل قرار إنجاب طفلها الثاني.

"أحياناً لا نستطيع أن نجاري النساء في قوتهن. في أثناء ولادة طفلي، ظننت أنني سأكون قوياً، لكني خفتُ. لم أستطع تحمل آلام زوجتي، كما شعرت بالاختناق من المشهد كله. لا يعني ذلك أنني لا أحب زوجتي، أو أحترمها. حتى الآن، لا أجد تفسيراً واضحاً لما حدث، لكني شعرت بدوار شديد، وانسحبت، ولم تغضب زوجتي، لأنها تفهمت الموقف. لمَ يُطلب منا نحن الرجال تحمل ما لا نطيقه؟"، هكذا قال ممدوح عمران (44 عاماً)، لرصيف22.

صورة وهمية عن المرأة

ترى عضوة الجمعية الأمريكية للإرشاد النفسي سيهار صلاح، أنه لا يجب أن يُجبَر الرجل على دخول غرفة العمليات، لو كان غير قادر على استيعاب الموقف، والتأييد والدعم يكونان بأشياء كثيرة أخرى، قبل الولادة، وبعدها، خاصةً نفسياً ومعنوياً.

وتُكمل الخبيرة حديثها: "أما عن حالة التغير التي تصيب بعض الرجال تجاه زوجاتهم، فهي تحتاج إلى متابعة نفسية مع متخصص. أحد أسبابها أن الرجل يكوّن صورةً غير واقعية، ومثالية، عن المرأة، منذ الصغر، ولا يكون قادراً على فهم حاجتها إلى الدعم في أثناء الحمل، وأيضاً في فترة الحيض. لن تُحلّ هذه المشكلة، إلا عندما يدرك المجتمع مدى الضغط الواقع على المرأة، خلال هذه الفترات الصعبة".

لحظات لا تُنسى

"شعرت بسعادة لا نظير لها، عندما سمعت صوت ابني للمرة الأولى، وهو يصرخ فور ولادته"، يقول أحمد مدحت (33 عاماً)، لرصيف22، مؤكداً أنه سيكرر التجربة، وهي من أمتع التجارب التي مر بها في حياته.

أضاف أحمد الذي يسكن في القاهرة: "لم أتردد في الدخول مع زوجتي إلى غرفة العمليات، لحضور الولادة، فهي كانت في حاجة إلى مساندتي، ولا أستطيع أن أخذلها لأنني متخوف فحسب، وهي بالتأكيد كانت خائفة وقلقة. كانت لحظات صعبة، ولكنها لا تخلو من متعة جميلة أتمنى أن يعيشها كل زوج".

"أثناء ولادة طفلي، ظننت أنني سأكون قوياً، لكني خفتُ. لم أستطع تحمل آلام زوجتي، كما شعرت بالاختناق من المشهد كله. لا أجد تفسيراً لما حدث، لكني شعرت بدوار شديد، وانسحبت، ولم تغضب زوجتي، لأنها تفهمت الموقف. لمَ يُطلب منا نحن الرجال تحمل ما لا نطيقه؟"

بشكل مشابه، حضر زوج دينا عبد الفتاح (32 عاماً)، يوم ولادة ابنتهما، وتقول السيدة لرصيف22: "استعدّ زوجي لهذا الحدث جيداً، وأحضر كاميرا لتصويري منذ لحظة دخولي المستشفى، وحتى ولادة ابنتنا جودي، لكنه عندما رآني أبكي خوفاً قبل التخدير، نسي التصوير تماماً، واهتم بتهدئتي، ولم يتذكره إلا بعد الولادة".

ترى دينا، التي تعيش في الإسكندرية، أن زوجها كان أكبر داعم لها: "كان يستمتع باللحظة، ويعرف مدى خوفي وقلقي، وكان متفهماً للغاية".

متلازمة "الحمل التعاطفي"

في الوقت الذي لا يهتم فيه بعض الرجال بمشاركة زوجاتهم لحظات الولادة، يتعرض آخرون لمتلازمة "كوفاد"، وهي أعراض نفسية وجسدية قد يعاني منها الرجل، في أثناء حمل الزوجة. ظهر المصطلح عام 1865، وأطلق عليه الأنثروبولوجي الإنكليزي إدوارد بيرنت تايلور، اسم "نفاس البعل".

وشرحت الأخصائية الاجتماعية السورية سمر أيوب، في لقاء تليفزيوني، كيف أن هذه الأعراض تظهر غالباً على الرجل، في الفترتين الأولى والأخيرة من حمل الزوجة، وقد يعاني الرجل من أعراض الوحام، وغالباً يكون ذلك في الحمل الأول، إلى جانب أعراض نفسية أخرى، منها الأرق والتوتر، ويمكن أن تصل إلى الاكتئاب، وقلة الرغبة في العلاقة الحميمية مع زوجته.

الأخصائية الاجتماعية قالت إن الدراسات حول الحمل التعاطفي ليست كافية، ولكن يمكن القول إن انغماس الرجل في تفاصيل الحمل، ومراقبة زوجته وهي تتغير جسدياً، قد يكونان سبباً لذلك، فتظهر عليه أعراض لا إرادية، وهو يرغب في تقديم الدعم والمساندة لها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image