شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"دلوعة وخايفة ولا تحمد الله أبداً"... آلام نسائية لا يعرفها الرجال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 16 فبراير 202103:44 م

"كنت أتألم وغير قادرة على وصف ألمي، وكاد يغشى علي، وأنا صامتة كصمت القبور، حتى لم أكن أعرف ماذا أقول عن ألمي"، تقول إحدى قريباتي عندما سألتها عن تجربتها في الحمل والولادة، هل كانت سهلة أم صعبة؟ هل توجعتْ ولم تبُح؟

ليست قريبتي الوحيدة التي تألمت في صمت، بل آلاف النساء حولنا، يمررن بمصاعب، ومتاعب يومية، قد تكون زميلتك أو حبيبتك أو أختك أو والدتك، يتألمن وهن يطهين الطعام، ويرتبن الأسرّة، ويعملن على مكاتبهن.

طرحنا سؤالاً على عيّنة من الرجال: ماذا عرفت عن شريكتك بعد الدخول في علاقة طويلة، بل ماذا عرفت عن النساء أنفسهنّ؟

الطمث

"لم تكن تجربتي سهلة، بل واجهنا مصاعب عدة أنا وشريكتي، التي أصبحت زوجتي فيما بعد" يروي أحمد، صحافي (29 عاماً) يسكن في القاهرة.

يقول لرصيف22: "في بداية علاقتنا كنت ألاحظ أن حالتها المزاجية تتغير جذرياً عند قدوم الدورة الشهرية، ولم تكن تنقلب للحالة السيئة فقط، بل كانت تتأرجح بين السيئة والمعتدلة طوال الوقت، لم أكن أفهم ما الذي يحدث أو سببه، كنت أبرر تلك الحالة بأنها قد تكون تعاني اضطراباً ما، أو أن طبيعتها النفسية متقلبة، ولم أكن أربط ذلك بالدورة الشهرية".

"المجتمع أحاط تلك الآلام التي تختبرها المرأة وحدها بهالة من التقزز، خاصة الدورة الشهرية، الأمر الذي أثر على النساء، وجعلهن يشعرن بالتقزز منها، والنتيجة الجميع لا يهتم"

ويتابع: "ذات يوم وجدتها تتشاور معي في الذهاب لطبيب أمراض نسائية، لتجد حلاً لهذا التقلب المزاجي الذي يحدث بالتزامن مع الطمث، وقتها ظللت أسألها عن مشاعرها، وما الذي يدور بداخلها، وماذا تشعر وقتها، وكيف تتعامل مع كل تلك الضغوط النفسية".

"ظللت أبحث وأقرأ بعض المقالات العلمية والدراسات التي أجريت عن هذه الأمور، حتى فهمت طبيعة تلك المرحلة، فبدأت بالاهتمام بها بقدر أكثر من المعتاد مقارنة بالأيام العادية، لأخفف قليلاً من الضغط النفسي الذي يحدثه تغير الهرمونات بداخلها في تلك الأيام"، يقول أحمد.

الولادة

ظل ألفريد عناني (41 عاماً)، مهندس يسكن في الجيزة، يحلم ويتخيل أسرة تضم عدداً كبيراً من الأبناء، بسبب الوحدة التي عانىها في الصغر، كأخ بلا أشقاء. يقول لرصيف22: "كنت أتمنى أن أقلب تلك الآية، وأنجب على الأقل ثلاثة أبناء يمدون بعضهم البعض بمشاعر الحب والدعم، الأمر الذي افتقدته في طفولتي وشبابي".

ويضيف: "مرت تجربة الإنجاب الأولى بسلام، ولكن بعدها، اكتشفت أن رعاية الأم لطفلها الرضيع يكاد يكون أمراً خارقاً يحتاج لطاقة تحمل وحب غير محدودين، فلا يمكن لأحد أن يتحمل عدم النوم لشهور طويلة إلا ساعات قليلة، والتدقيق في كل ما يخص الرضيع وما يتناوله من طعام، إلا إذا كان يشعر بكم هائل من الحب والاهتمام، ورغم أن زوجتي لم تعانِ بشكل كبير خلال تجربة الحمل الأولى لأنها خضعت للولادة الطبيعية، لكن كانت مرحلة النفاس والرضاعة فيما بعد، صعبة إلى حد ما".

"صُدمتُ عندما عرفت تفاصيل إجراء عملية الولادة القيصرية".

تناسى عناني حلمه، وأثناء الولادة الثانية اكتشف حجم الآلام التي مرت بها زوجته في لجوئها لعملية قيصرية أثناء الولادة، يقول: "وقتها صدمت عندما عرفت تفاصيل إجراء عملية الولادة القيصرية، بداية من أن المرأة تشعر بكل شيء نظراً لأنها تأخذ بنجاً نصفياً وليس كلياً، فتشعر بفتح البطن وإخراج الجنين ثم الغلق والخياطة ثم الضغط لإخراج الدماء الزائدة، لم أكن أعلم كل تلك الأمور قبل مرورنا بتلك التجربة. ثم هناك آلام الجرح واختفاء آثار التخدير وحالة الوهن والضعف والشعور بالوجع في الجرح، لو اضطرت الوالدة للعطس أو السعال مثلاً، وغيرها من تلك الأمور التي لم يكن يخطر على بالي أن النساء تتحملها، وتمر بها خلال تجربة الولادة القيصرية".

تعلق دعاء عبد الرحمن، معالجة نفسية، في حديث لرصيف22: "النساء لا يملن بشكل عام لإشراك أزواجهن في مثل تلك الأمور، ويحدث هذا تحت ضغط العادات والتقاليد، التي تعتبر تلك الأمور أشياء حميمية خاصة بالنساء فقط، وكذلك اعتبارها "عيبة"، ويجب أن تمر بدون لفت الانتباه لها".

ولفتت دعاء إلى أن المجتمع أحاط تلك الآلام التي تختبرها المرأة وحدها بـ "هالة من التقزز، خاصة الدورة الشهرية، الأمر الذي أثر أيضاً على النساء، وجعلهن يشعرن بالتقزز منها، لذلك فإن المحصلة أن المجتمع بأكمله لا يهتم بتلك الأمور".

من جانب آخر، تقول عبد الرحمن، إن هناك اتجاهاً "يحاول تجاهل تلك المصاعب البيولوجية، حتى لا تؤخذ كمبرر لوصم النساء بأنهن غير متزنات عقلياً ونفسياً، وهو ما يؤكد النظرة الذكورية التي تضع النساء في مكانة أقل من الرجال، سواء دينياً كناقصات عقل ودين أو بشكل عام، الأمر الذي يجعل النساء لا يعلن عن متاعب الحمل أو الرضاعة أو الولادة نفسها أو الدورة الشهرية، حتى لا تؤثر على مطالبهن بالمساواة مع الذكور".

وتضيف: "الرجل لا يهتم بمعرفة طبيعة تلك الأمور، سوى بما يخصه منها، مثل أن زوجته لا تمارس العبادات الدينية ولا تمارس الجنس معه".

الفجوة وعدم التفاهم

رغم أن التوعية بكل تلك الأمور هامة جداً من خلال مؤسسات الدولة، مثل المجلس القومي للمرأة، أو وزارة الصحة، أو المؤسسات النسوية، ولكننا نحتاج لنقف أولاً لنسأل ما المتوقع من هذه التوعية، ولماذا تحتاج النساء أن يفهم الرجال وأن يعوا ما يمررن به؟

والإجابة على هذا السؤال تتلخص في اضطرابات نفسية شهيرة، مثل اكتئاب ما بعد الحمل والولادة، تقول عنه عبد الرحمن: "هو اضطراب مجهول بالنسبة إلى الرجال، وعدد كبير جداً لا يعرف أنه مرض حقيقي، وآثاره كثيراً ما تكون عنيفة على الأم والمولود نفسه".

وتتابع: "كذلك تلك الحالة من الجهل لها آثارها السلبية على العلاقة بين الطرفين، مثلاً أن يكون طرف يمر بمصاعب نفسية وبدنية، والشريك غير متفهم لها، مما يزيد الفجوة وحالة عدم التفاهم التي قد تتراكم لتصل للانفصال".

الفجوة وعدم التفاهم اختبرتهما فريدة زاهر (38 عاماً)، ربة منزل، تقول لرصيف22: "كنت أعبر عن نفسي، وأحكي ما أمر به من متاعب وآلام، ولكن كل من حولي بما فيهم زوجي، لم يسمعوني، خاصة في فترة الحمل، والولادة، والرضاعة، وما بعدها، بل كانت الردود الجاهزة في كل موقف، هو أنني لا أحمد الله أبداً، وأنه سيعاقبني بزوال تلك النعمة مني، ويجب ألا أشتكي".

الرجل سواءً الزوج أو الأخ أو الأب لا يهتم بمعرفة طبيعة تلك الأمور، سوى بما يخصّه منها، مثل أن أخته لا تصلي ولا تصوم، وزوجته لا تمارس الجنس معه

وتضيف: "لم أكن أغضب منهم، فأنا أعرف أن تلك هي حدود تفكيرهم، ولكنني كنت أحزن فقط، لأنني كنت أتمنى أن يسمعني أحد، وأن أجد من يدعمني أو يساندني، وليس كل ما أجده هو العتاب واللوم".

ومع متابعة تحليل دوافع النساء لإخفاء ما يتعرضن له من متاعب، توضح عبدالرحمن: "نجد مثلاً في فترة الحمل أن المرأة تعبّر عن نفسها، ولكن المجتمع المحيط بها يقابل تلك الشكوى إما باتهامات الادعاء و"الدلع"، أو أنها خائفة من الحسد، والاتهام الأهم هو أنها تشكو من نعمة ربنا، والمعجزة التي يستخدمها الله فيها، وهي أن تكون حاملاً في طفل وروح، كيف تشكو من هذا، وخطورة تلك الاتهامات، هي أن المجتمع لا يمنع النساء من التعبير عن أنفسهن فقط، وإنما يجعلهن يشعرن شعوراً سيئاً حيال متاعبهن".

وترى المعالجة النفسية أن علاج مثل هذه الحالات يمكن أن يكون "مجرد الحكي والوصف، وإنهاء حالة المصابين/ات بها جميعاً بالقصور وعدم القدرة عن التعبير عن مشاعرنا، وهو ما نقابله كثيراً داخل جلسات العلاج النفسي، أغلبنا لم يعتَدْ التعبير عن نفسه ومشاعره، والحقيقة أن هناك حالة عامة تجمع الذكور والإناث معاً حول الجهل بأجسادهن".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image