كثير من العرب يبجلون الحمل والإنجاب، ولكن غير قليل منهم لا يتوانى عن مضايقة الحوامل، سواء من خلال التنمر على مظهرهن الذي يتغير بسبب الحمل، فيصبحن أكثر بدانة، وتتغير بعض ملامح الوجه، فيكبر الأنف مثلاً، تظهر عدة بثور نتيجة التغير الهرموني، وغيرها من الأعراض الطبيعية، فيؤدي هذا لوضع النساء الحوامل كهدف سهل للتنمر والتندر وإطلاق عبارات الحسرة على جمالهنّ الذي ولّى.
الأمر ليس مقتصراً على التنمر على النساء البعيدات عن الشهرة والأضواء، بل يطال القريبات منها أيضاً، فقد كانت ساحات السوشال ميديا ممهدة أمام المتنمرين الذين أرسلوا مئات التعليقات المؤذية لبعض الفنانات اللواتي نشرن صورهن خلال مرحلة الحمل، مع اختلاف جنسياتهن.
الفنانة المصرية آيتن عامر، روت في أحد لقاءاتها التلفزيونية عن الهجوم الضاري الذي مارسه المتابعون عليها، بعدما زاد وزنها في الحمل الثاني لها. بل إن البعض وصفها بـ "الدبة" على صفحتها على موقع انستغرام، الأمر الذي جعلها تشعر بضيق شديد من تغير شكلها بسبب الحمل، إصابتها بالاكتئاب وعدم تقبلها لنفسها.
أما الفنانة التركية هازال كايا، فقد تعرّضت لموقف سيء جداً من قبل أحد المراسلين بإحدى القنوات التركية، والذي سألها كم وصل وزنها خلال حملها، فردت بحسم: "لا يعقل أن توجه لي هذا السؤال. عيب جداً وتصرف غير محترم من جانبك"، وتركته فوراً واستقلت سيارتها.
بالعودة للفنانات المصريات، فقد كانت إنجي وجدان أيضاً إحدى ضحايا التنمر على الحوامل، فقد كانت هدفاً للتعليقات السيئة على وزنها الزائد خلال الحمل، وهو ما دفعها لنشر صورة جديدة بعد الولادة قائلة: "الصورة ديه مع إنها مش أحسن صورة ليا الفترة ديه، إهداء لكل واحد أو واحدة بيتريقوا على جسمي.. ده شكلي اليومين دول بعد ما خلفت.. اللذيذ بقى في الموضوع إن أنا مش فارق معايا الناس إللي عمالة تعلق.. أنا واحدة حملت وخلفت.. وتخنت في الحمل جامد، عادي إيه المشكلة".
"شكلك مثير للاشمئزاز"
تقول لاما سميح، أردنية، ربة منزل (29 عاماً): "النساء يحكين عن تنمر إخوتهن أو عوائل أزواجهن بسبب التغيرات التي طرأت عليهن بعد الحمل، ولكن أنا المتنمر كان هو زوجي".
أطلق زوج لاما عليها ألقاباً تسخر من بدانتها المفرطة، حتى أصابتها عقدة نفسية من الطعام رغم احتياجها الشديد للتغذية بسبب الحمل. أغمي عليها، ونقلت للمستشفى بسبب سوء التغذية.
"فترة حملي كانت كابوسا، زوجي ووالدته كانا يرسلان لي صور عارضات الأزياء، الممشوقات القوام وهن حوامل، ويقولون لي: ما الفرق بينك وبينهن، ليكنّ بهذا الجمال والكمال، بينما أنت شكلك مثير للاشمئزاز"
تقول لاما لرصيف22: "الطبيبة وبختني بشدة، وكانت مندهشة لأقصى درجة لأنني أرفض تناول الطعام، وعندما أخبرتها أن السبب هو زيادة وزني بصورة ملفتة، أخذت في إقناعي أن هذا عارضاً جانبياً ويمكن التغلب عليه بتناول الأطعمة الصحية، وحتى لو وزني زاد فلا يمكنني الامتناع عن الطعام، وهكذا كانت تجربة سيئة جداً وأثرت على صحتي، بسبب الكلمات الموجعة الذي كان يلقيها زوجي".
أما أحلام، اسم مستعار (33 عاماً)، سعودية من مدينة جدة ولا تعمل، فتحكي عن تجربتها قائلة: "كانت فترة حملي مثل الكابوس. يومياً، زوجي ووالدته يرسلان لي صور عارضات الأزياء الممشوقات القوام وهن حوامل، ويقولون لي: ما الفرق بينك وبينهن، ليكن بهذا الجمال والكمال، بينما أنت شكلك مثير للاشمئزاز".
تضيف أحلام لرصيف22: "بدأت هذه النغمة مع بداية ظهور بطني الكبيرة، وكأنها ليست أمراً طبيعياً. كانت الكلمات تقتلني، وكم من مرة تمنيت ألا يرزقني الله بهذا الحمل لكيلا يتغير مظهري بهذا الشكل. وأشد ما كان يؤلمني عندما كانت أخت زوجي تتحدث عن أن ابني الجنين لا ينتمي لأحد سوى أبيه وعائلته، أما الأم فليست إلا وعاء وسيط. أما زوجي، فكنت كلما حاولت أن أرد عليه، يعنفني جسدياً ويضربني، كان الأمر يشبه التعذيب الممنهج لي، وفي النهاية بسبب حالتي النفسية المتدهورة يوماً بعد آخر، أجهض الجنين ثم انفصلنا في النهاية".
"المجتمع كله تنمّر علي"
"تنمّر علي زوجي وأختي والمجتمع كله"، هكذا تلخص نورا ياسين (32 عاماً)، مصرية من القاهرة، موظفة بأحد المؤسسات الحكومية.
تحكي نورا عن تجربتها: "رزقت بطفلتي الأولى في 2015، وكانت في نفس العام الفنانة ميريام فارس حامل، ووقتها نشرت جلسة تصوير لها، كانت رائعة الجمال بجسد ممشوق، ولولا بطنها الكبيرة لما صدق أحد أنها حامل. ولكن جلسة تصوير تلك كانت كأبواب جهنم التي فتحت في وجهي، فكانت ذريعة للسخرية مني من قبل زوجي الذي ظل يقول إني "خرجت من الخدمة"، أي لم أعد أنثى جذابة، وأختي، بنت أبي وأمي كانت تعايرني بأنفي الكبير".
الأصعب من كل ما سبق، بحسب نورا، هي لحظة خروجها من المنزل، ونزولها إلى الشارع، تقول لرصيف22: "لحظات نزولي من المنزل، وسيري في الشارع، وسماعي بأذني كلمات جنسية، وسباب وتحرش لفظي، كانت هي الجحيم بعينه. الرجال في الشارع يتعاملون معي وكأني عاهرة، حتى قررت ألا أسير على قدمي مرة أخرى، وظللت أتحرك بسيارات الأجرة تفادياً لتعرض لأي موقف يحطمني نفسياً، ويزيد من أعبائي".
انتقام وشعور بالرضا
تعلق الطبيبة آية السيد، ناشطة نسوية ومهتمة بالتثقيف الجنسي، لرصيف22، أن "التنمر على النساء الحوامل ينقسم لنوعين، النوع الأول هو التحرش في الشارع والذي يكون مرتبطاً بذهن المتحرشين بظهور علامات ممارسة الجنس، وهو شيء مربك بالنسبة لهم، لأن النساء نوعان في نظرهم، النوع الطاهر الزاهد في الحياة، والنوع الآخر المنحل والمنحرف والذي يمارس الجنس أو يعبر عن حبه له. ولذلك، ورغم اعتيادية مظهر الحوامل لأقصى درجة، ولكن يظل أي شيء يرتبط بالجنس شيئاً مربكاً جداً. والنوع الآخر من التنمر هو ما يتناقض بالفعل مع ثقافة تقديس الإنجاب والأمومة، وهو استباحة الجسد والمظهر الخاص بالنساء، وهو ما يظهر في كافة التعليقات على تغير جسدها بسبب التغيرات الناتجة عن الحمل، مثل السمنة، النحافة، تضخم الأنف، ظهور كلف الحمل وغيرها من تلك التغيرات".
"بعد أن ظهر على جسدي علامات الحمل، بدأ الرجال في الشارع يتعاملون معي وكأني عاهرة، حتى قررت ألا أسير على قدمي مرة أخرى، وظللت أتحرك بسيارات الأجرة تفادياً لتعرض لأي موقف يحطمني نفسياً ويزيد من أعبائي"
وتتابع السيد لرصيف22: "ولأننا نعيش في مجتمعات شرقية تعتبر التنمر "حقاً مكتسباً" وثقافة راسخة بالأذهان، لذلك تعتبر المرأة الحامل مادة خام لتوجيه التعليقات المتنمرة والتندر بسبب ما يطرأ عليها من اختلافات جسدية. طبعاً هذا يتم دون الأخذ بالاعتبار أي ظروف نفسية أو صحية تمر بها الحامل. كل هذا بالطبع يعود للصورة الذهنية المتجمدة عن ضرورة التزام النساء بمظهر "الدمية الباربي" طوال الوقت وتحت أي ظرف، وأن أي امرأة تسمح لنفسها بالخروج عن معايير الجمال والنمطية في المظهر، تصبح عرضة للعقاب الجماعي، سواء من الرجال أو النساء".
تفسر الطبيبة آية السيد، هذه السلوكيات قائلة: "الحقيقة، أن هناك عدداً من العوامل النفسية أيضاً التي ينتج عنها التنمر على الحوامل بشكل خاص، وعلى أي أحد آخر بشكل عام، أهمها، شعور الإنسان في مجتمعاتنا بالضعف وأنه غير قادر على تفريغ طاقة التحكم في حياته الشخصية، فيحاول تعويض هذا الشعور بالضعف على أي شخص مختلف حوله، من خلال إلقاء التعليقات المتنمرة التي تشعره بالراحة والقوة اللحظية. أما تنمر النساء تجاه بعضهن البعض فيأتي كنوع من الانتقام الشخصي، فالمتنمرة كانت ضحية يوماً ما، وعندما تشعر للحظة بشيء من القوة، تتحول لمصدر تنمر، كمحاولة منها أيضاً للانتقام والشعور بالرضا عن النفس".
"التنمر ينم عن شعور الناس بالضعف، وعدم القدرة على التحكم في حياتهم الشخصية".
ولماذا تصمت النساء تجاه التنمر؟ تجيب السيد: "النساء يصمتن لأن هناك حالة من التطبيع مع ثقافة التنظير على النساء وأجسامهن، والتي تشمل التنمر والانتقاد الدائم، لذلك فبعضهن يشعر بالضعف وعدم القدرة على الدفاع عن النفس، لأنها لو قررت الرد على كل إساءة لها أو تنمر عليها، ستضع نفسها في مواجهة مع المجتمع ككل، وهو ما يتطلب مجهوداً نفسياً كبيراً جداً".
وتنهي السيد حديثها قائلة: "نعم المجتمع يقدس الحمل والانجاب ولكن ليس النساء، فنجد مثلاً أن الجنة تحت أقدام الأمهات، ولكن هذا لا يمنع تعنيفهن أو التحرش بهن، لذلك فنجد مجتمعاتنا تفصل بين مهمة الإنجاب نفسها، وبين النساء المستهدفات دوماً بالعنف النفسي والجسدي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...