مشاعر الأمومة قد لا تكون قدراً حتمياً لكل امرأة. ثمة نساء في المغرب يرفضن بشدة فكرة الإنجاب، مقتنعات بمبرراتهن الخاصة، ويدافعن عنها، ولكن ثمة نوعاً آخر من النساء، منقسمات بين الرغبة في الإنجاب والخوف من المسؤوليات التي تترتب على قرار كهذا، وتتطور المشاعر السلبية لديهن بشكل مفرط.
وبالنسبة لهذه الفئة من النساء، فإن قرار الإنجاب صعب للغاية، وإذا حدث، فسيعشن طيلة أشهر الحمل في حالة من الخوف والقلق المفرطين، وفي بعض الأحيان، تتطور الأمور ليحدث إجهاض.
من هؤلاء النسوة، فاطمة الزهراء، ربة بيت، في الخامسة والعشرين من عمرها، متزوجة منذ خمس سنوات، روت لرصيف22 تفاصيل ذكرى الحمل الأليمة التي عاشتها قبل سنة. تقول في نبرة متوترة، إن زوجها، مارس عليها ضغطاً رهيباً، من أجل الحمل والإنجاب، لافتة الانتباه إلى عدم رفضها في أن تصبح أماً، ولكن يراودها شعور بالخوف من الفكرة نفسها.
ما أتعب فاطمة يتمثل في استهزاء المقربين من مخاوفها، لا سيما زوجها ووالدتها، تعلق على هذه النقطة: "لم يستوعبا ما كنت أحس به من مخاوف، بل على بالعكس، كانا يعتبران ذلك مجرد غنج لا مبرر له".
ليس مجرد قلق، أو توتر، أو خوف، وكذلك ليس مجرد رفض لإنجاب طفل في عالم مضطرب، أو تغير شكل جسد الأم، ونمط حياتها... هي حالة مرضية تستدعي العلاج اسمها "رهاب الحمل"
وبعد مرور ثلاث سنوات على زواج فاطمة، بدأت تعليقات الفضوليين تزعجها، وكذلك تساؤلات زوجها عن سبب تأخر الحمل، ما دفعها إلى إيقاف موانع الحمل، وطرق أبواب اختصاصيين في الحمل والولادة، لتسريع حدوثه، ولم يخطر في بالها يوماً أن تكون مريضة بـ "التوكوفوبيا"، وهو مرض يسمى برهاب الحمل والولادة.
كوابيس لا تنتهي
عند حدوث الحمل عاشت فاطمة، التي تقطن في مدينة الدار البيضاء، أسوأ أيامها، كما تصفها، عانت من كوابيس لا تنتهي، أثرت بشكل سلبي على حملها الذي لم يكتمل. قالت إنها كانت تخشى من إنجاب طفل يعاني أمراضاً خطرة، وأحياناً كان تراودها كوابيس مثل أنها ستموت أثناء الولادة.
كل هذه المخاوف أتعبتها، ولكن ما زاد الوضع سوءاً عدم اهتمام زوجها بها.
تضيف فاطمة: "زوجي لم يفقه أنني مصابة برهاب الحمل، بل سخر منه، وعلق على هذا الأمر بأنني أتصرف مثل الأطفال، وعليّ أن أنضج أكثر".
وهي كانت تتألم في صمت، تقول: "وأنا حامل فكرت في أن أرمي نفسي من أعلى شرفة المنزل لينتهي كل هذا"، وتردف مسترسلة: "حاولت فعلاً أن ألقي بنفسي من أعلى الشرفة، في تلك اللحظة كان دماغي متوقفاً، لم أكن أفكر في أي شيء، سوى في الرحيل عن هذا العالم، لكن جارتي رأتني وأنا على وشك السقوط، فصرخت لكي أنتبه لوجودها، وبالفعل صراخها أيقظني، وكأني كنت أحلم، وبعد ذلك دخلت إلى منزلي مسرعة، وأغلقت باب الشرفة، وهنا، قلت لنفسي إنني لست بخير فعلاً".
أمام كل هذا القلق، فقدت فاطمة جنينها. أصيبت بإجهاض بشكل مفاجئ، لكن الأمور لم تنته إلى هذا الحد. أصر زوجها على أن يصبح أباً من جديد، بل بدأ بتهديدها بالطلاق، هذه العبارة أشعرت فاطمة الزهراء بالحزن الشديد، كما أدخلتها في داومة من القلق. تعلق: "لا أخفي أنني كرهت زوجي، بعد تهديده لي بالطلاق"، وتسترسل: "لكنه ليس الوحيد الذي سخر مني، وضغط علي، والدتي هي الأخرى، حينما كنت أشاطرها مخاوفي، ضحكت كثيراً، أما جدتي، فقالت إنها لا تستغرب من تصرفات بنات هذه الأيام".
في النهاية، تطور الوضع بشكل سيىء، ففاطمة بات يتملكها خوف شديد لدى التفكير في أنها ستصبح أماً من جديد، وعرق شديد، وخفقان في القلب، حتى أنها أصبحت تكره العلاقة الحميمية مع زوجها، خوفاً من أن يحدث حمل غير مرغوب فيه للمرة الثانية، وبعد كل هذا اقتنع زوجها أن عليها التوجه إلى اختصاصي، والبدء في العلاج بشكل فوري.
ما هي التوكوفوبيا؟
تشرح الدكتورة نادية كاس النوار، وهي طبيبة بقسم المستعجلات في مستشفى "الحسني" بالدار البيضاء، مرض التوكوفوبيا، الذي هو نوع من أنواع الرهاب الخاص بالحمل والولادة.
وأوضحت لرصيف22: "المرأة المصابة بالتوكوفوبيا، يعني أنها مصابة بحالة من الخوف والقلق المفرطين، يصاحبها طوال فترة الحمل حتى لحظة الولادة، ويسمى كذلك رهاب الحمل، وهو نوعان: النوع الأول يسبب الخوف الشديد لمجرد التفكير في الحمل، والنوع الثاني يبدأ عند الحمل، ويستمر إلى الولادة".
من أسباب التوكوفوبيا، بحسب المتحدثة نفسها، تعرض المريضة إلى اعتداء جنسي سابق، أو الخوف من الألم الشديد لدى المخاض، علاوة على إنجاب طفل معوّق أو مريض، فضلاً عن الخوف من عدم القدرة على تربية الطفل.
كذلك من أسبابه تعرض المرأة إلى تجربة حمل سابقة انتهت بإجهاض أو ولادة متعسرة أو فقدان الجنين، أو خوف إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعن أعراض التوكوفوبيا، تقول الطبيبة النوار: "التوتر، القلق، والتعرق الشديد، بالإضافة إلى ارتفاع خفقان القلب، وصعوبة التنفس، وجفاف في الحلق والفم، فضلاً عن التقيؤ، والرجفة، والاكتئاب ورغبة في الانتحار، وألم مفاجئ في البطن".
"الأمومة ليست سهلة"
إذا كان زوج فاطمة الزهراء يرغب في أن يصبح أباً، ويضغط عليها بهدف تحقيق رغبته، فإن ما يطمئن قلب سناء، أن لزوجها أطفالاً من زوجته الأولى، وبالتالي، فهي مرتاحة من هذا الجانب، لكن ماذا عن رغبتها؟
احتفلت سناء قبل أيام بمضي ثماني سنوات على زواجها، وعلى الرغم من مظهرها الذي يعطي انطباعاً بأنها سيدة مرتاحة في كنف زوجها، تبدو مضطربة بين رغبة في الإنجاب وخوف من المسؤوليات، وهذا ما أخّر حدوث حمل بعد مضي كل تلك السنوات.
تقول سناء، التي تنحدر من مدينة الدار البيضاء: "مرت ثماني سنوات على زواجنا كسرعة البرق"، كما عبرت عن سعادتها في ارتباطها من رجل متفهم مثل زوجها، لكن، بحسبها، لا شيء ينغص حياتها سوى فكرة الإنجاب.
وتشعر سناء بالذعر من الإنجاب، سيقلب حياتها الهادئة رأساً على عقب، لكن في المقابل، تقول إن عليها الإنجاب من أجل أن تحظى برعاية أبنائها حين بلوغها من الكبر عتياً.
تغيرت ملامح وجه سناء الجميل عندما حكت عن مشاعر الخوف والقلق التي تنتابها حين تراودها فكرة الإنجاب، لا سيما بعد مرور ثماني سنوات على زواجها، إذ تبدو منقسمة بين أفكار متناقضة، وهذا يظهر جلياً أثناء حديثها لرصيف22، تقول: "أخشى أن يتغير مظهري بعد الإنجاب"، وتستطرد بسرعة: " كما أنني أرفض أن أكون سيدة بكرش"، وتستدرك: "سمعت أن آثار الإنجاب المزعجة تبقى بادية على المرأة، أليس كذلك؟".
"حاولت فعلاً أن ألقي بنفسي من أعلى الشرفة، في تلك اللحظة كان دماغي متوقفاً، لم أكن أفكر في أي شيء، سوى في الرحيل عن هذا العالم، لكن جارتي رأتني وأنا على وشك السقوط"
سألتها: "أهذا كل ما يقلقك، تغييرات فسيولوجية طبيعية، تظهر على النساء أثناء الحمل وبعد الإنجاب"، أجابت سناء بسرعة: "لا أبداً، لا بأس في أن أصبح أماً، فأنا يوماً ما سأصبح مسنة ووحيدة، أخاف من الوحدة كثيراً، وأريد من أطفالي أن يسألوا عني حين أصبح مسنة"، وتستطرد: "لكن هؤلاء الأطفال أنفسهم سيعيشون في عالم مضطرب، وغير مستقر، اجتماعياً واقتصادياً، يسوده الشر، أخشى أن يلومني طفلي لأني أتيت به إلى هذا العالم".
تصمت فجأة، لاستجماع أنفاسها، وتردف مسترسلة، في فكرة أخرى، تبرر رفضها للحمل: "كما أن تربية الأطفال ليست سهلة، سأستيقظ باكراً، علاوة على أنني سأتحمل بكاءهم المزعج، ولن أسافر رفقة زوجي واكتشف العالم".
هل تسافرين كثيراً؟ تجيب سناء بالسرعة نفسها: "لا لا أسافر كثيراً، كما أنني لا أعمل، فكرة الإنجاب والأمومة تخيفني".
استشارت سناء عدة أطباء في مجال الحمل والتوليد، أكدوا لها أنها مصابة بالتوكوفوبيا، ترفض فكرة الحمل والإنجاب بشدة، وهذا أحياناً يعطل حدوث الحمل.
سناء وفاطمة الزهراء عينة من المغربيات اللواتي يعانين رهاب الحمل والأمومة، فبحسب الدكتورة النوار أن في المغرب حوالي 15%من الفتيات غير المتزوجات يعانين من هذا المشكلة، وحوالي 40% من الحوامل لأول مرة.
إضافة إلى ذلك، فإن حوالي 65% من الحوامل لأكثر من مرة اللواتي حدثت لهن مضاعفات وخيمة خلال الولادة الأولى، بسبب إصابتهن بهذا المرض.
أما بشأن علاج مريضات التوكوفوبيا، فهو ينقسم إلى قسمين، الأول هو العلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي، أما النوع الثاني، تقول الطبيبة نفسها، فهو أدوية لعلاج الاكتئاب والقلق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...