شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الولادة القيصرية... وجه آخر للعنف ضد المرأة

الولادة القيصرية... وجه آخر للعنف ضد المرأة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 28 نوفمبر 202010:23 ص

هنالك أنواع من العنف ضد المرأة تكاد تكون مستترة، تمارَس تجاه النساء باختيارهن أحياناً، ويلجأن إليها بكامل إراداتهن. من هذه الأنواع الولادة القيصرية، فقد تطمح النساء في ولادة دون آلام أو عناء، ويهربن إلى إجراء عمليات قيصرية، دون أن يعلمن بالضرورة أن لهذا النوع من الولادة آثار سلبية ومخاطر تجعلهم فريسة لأملهنّ الزائف.

وفقاً للإحصاءات الرسمية، تلجأ الكثير من النساء إلى الولادة القيصرية دون دواعٍ طبية، ما قد يضعهنّ تحت مقصلة مضاعفات التوليد من خلال عملية جراحية.

تقول طبيبة النساء والتوليد المصرية ياسمين أبو العزم لرصيف22 إن السيدات الحوامل يلجأن إلى الولادة القيصرية هرباً من آلام الولادة الطبيعية، وتؤكد أن مخاطر الولادة القيصرية هي نفسها مخاطر أي عملية جراحية، لذلك من الأفضل ألا تلجأ إليها النساء إلا في حال وجود موانع صحية تعرّض السيدة الحامل للخطر بحال ولّدت بشكل طبيعي، مثل أن تعاني من أمراض تمنعها من تحمّل آلام الولادة الطبيعية كأمراض القلب والضغط العالي أو السكري، أو أن تكون حاملاً بتوأم وحالتها الصحية لا تتحمل الولادة الطبيعية.

وأضافت أبو العزم أن للولادة الطبيعية أيضاً مخاطر، لكن مخاطر القيصرية تفوق الأولى لعدة أسباب منها احتمال النزيف بعد إجراء العملية، بالإضافة إلى أن خطر الإصابة بجلطة دموية يكون أكبر بعدها مقارنةً بالولادة الطبيعية، كما أن المرأة من الممكن أن تصاب بتلوث الجرح بعد إجراء العملية.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد وصفت الولادة القيصرية بـ"الوباء"، وأوضحت أن "معدل الوفيات الأمومية لدى النساء اللواتي خضعن للعملية القيصرية (يبلغ) أربعة إلى عشرة أضعافه لدى النساء اللواتي وضعن عن طريق المهبل".

وفي دراسة أعدها الدكتور طارق توفيق، نائب وزيرة الصحة والسكان لشؤون السكان المصرية، وأجرت مسحاً لمعدلات الولادة القيصرية خلال الفترة بين عامي 2008 و2017، ظهر أن نسبة الولادة القيصرية بين السيدات في الولادة الأولى بلغت 60%، وبلغت 51.9% في الولادات الثانية والثالثة، بينما بلغت 38.8% في الولادات الرابعة 38.8%، و33% في السادسة أو أكثر، ما يعني أن النساء اللواتي أجرين عملية قيصرية في الولادة الأولى تراجع بعضهن عن هذه الخطوة في ولادتهن الثانية والثالثة.

"كنت أظنها أسهل ولكن..."

تروي ليلي عمر (30 عاماً) قصتها مع الولادة القيصرية وآثارها عليها، وتقول لرصيف22: "كنت أظن أن الولادة القيصرية أفضل وأسهل من الطبيعية بسبب آلام الطلق التي تشعر بها النساء أثناء الولادة الطبيعية، ورغم أن الولادة القيصرية أسعارها سواء في العيادات أو المستشفيات أعلى من نظيرتها الطبيعية، إلا أنني طلبت من طبيبي الخاص تحديد موعد لإجراء ولادة قيصرية ولم يمانعني في ذلك".

وبحسب طارق توفيق، تتحمل الأسر المصرية تكلفة مادية تزيد على 466% عمّا لو كانت جرت بشكل طبيعي.

تكمل ليلى قصتها وتضيف: "بعد التجربة الأولى التي مرّ عليها أكثر من أربع سنوات، ندمتُ كثيراً على هذه الخطوة، فقد تركَت العملية آثارها الصحية والنفسية عليّ وما زلت أعاني منها حتى الآن، فقد تعرّض جرحي للتلوث ما اضطرني للخضوع للعلاج لمدة تزيد عن الشهر والنصف بعد الولادة وهو ما أثّر عليّ نفسياً بشكل كبير، هذا بجانب الآلام التي شعرت بها بعد إجراء العملية"، وتتابع: "حتى الآن، أتذكر هذه الآلام جيداً، ما جعلني خائفة جداً من الحمل مرة ثانية".

بسبب المخاطر الصحية المتعددة التي قد تتعرض لها الأمهات بسبب الولادة القيصرية، يُعَدّ هذا النوع من التوليد من أنواع العنف المستتر الذي تتعرض له المرأة دون دراية

لم تطّلع ليلى مسبقاً على أضرار الولادة القيصرية أو آثارها السلبية، كما تروي لرصيف22، لكنها رأت أن هنالك الكثير من السيدات اللواتي يلجأن إليها ما جعلها تعتقد أنها الأفضل، لكن بعد التجربة اكتشفت أنها الأصعب.

وتشير إلى أن ولادتها تركت آثاراً على جسدها فقد زاد وزنها وتغيّرت معالم جسمها، وخصوصاً منطقة البطن. وتختتم حديثها قائلة: "إذا قررت الحمل مرة ثانية لن أفكر في الولادة القيصرية".

لداليا موسى (36 عاماً) قصة أخرى مع الولادة القيصرية. تروي لرصيف22: "لم يكن لدي أي موانع صحية للولادة الطبيعية، لكني لجأت إلى القيصرية لعدة أسباب أولها خوفي من تغيّر شكل المهبل، وهو ما قد يؤثر على العلاقة الجنسية بيني وبين زوجي، إذ أنني قرأت من قبل أن الرجال لا يستمتعون خلال علاقتهم الجنسية في حال اتساع المهبل".

وتتابع: "السبب الثاني الذي جعلني ألجأ إلى الولادة القيصرية هو تجربة قاسية عشتها مع شقيقي من زوجة أبي الثانية، فقد رفض طبيبها توليدها قيصرياً رغم الطلق المستمر وبطء فتح الرحم، وظلت تتألّم لساعات ما أثر صحياً على شقيقي بعد الولادة. خفت من تكرار الأمر وفضلت القيصرية عن الطبيعية".

وعن تجربتها الخاصة، تقول: "مكثت في المستشفى ثلاثة أيام بسبب تعرّضي لنزيف عقب إجراء الولادة القيصرية وهو ما أخّر موعد خروجي من المستشفى، وفي العادة يكون في نفس يوم إجراء الولادة أو في اليوم التالي على الأكثر، لكن تعرّضي للنزيف والإعياء أجّل موعد خروجي".

"عنف توليدي"

في إطار الحملات التي تقدّمها بعض مؤسسات المجتمع المدني في مصر لمناهضة العنف ضد المرأة، اعتبرت مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وهي منظمة مدنية مصرية غير حكومية، أن تقديم خدمات صحية آمنة للنساء خالية من العنف هي أحد أهم أهداف نبذ العنف ضد النساء داخل المجتمع المصري، ورأت أن الولادة القيصرية دون حاجة طبية تُعَدّ عنفاً ممارساً ضد النساء.

تقول انتصار السعيد، رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إن النساء اللواتي يجرين ولادة قيصرية دون حاجة إليها، يتعرضن لأحد أشكال العنف التوليدي وهو عنف مستتر يواجه السيدات خلال الولادة.

"لجأتُ إلى القيصرية لعدة أسباب أولها خوفي من تغيّر شكل المهبل، وهو ما قد يؤثر على العلاقة الجنسية بيني وبين زوجي، إذ أنني قرأت من قبل أن الرجال لا يستمتعون خلال علاقتهم الجنسية في حال اتساع المهبل"

وتضيف لرصيف22 أن هنالك حوالي مليون و400 ألف امرأة مصرية يجرون عمليات قيصرية سنوياً، غالبيتها دون مبرر طبي واضح يمنع الولادة الطبيعية، ما يجعل مصر ثالث أعلى دولة في العالم في نسبة الولادة القيصرية.

وبحسب إحصاءات رسمية صادرة عن وزارة الصحة والسكان، ينفق المصريون حوالي 14 ملياراً و525 مليون جنيه على الولادات القيصرية سنوياً، في مقابل 3 مليارات و675 مليوناً في الولادات الطبيعية.

وتجري 77.6% من إجمالى الولادات القيصرية في مستشفيات خاصة. ووفقاً للمسح القومي الصحي لعام 2014، شهدت مصر 351 ألف ولادة طبيعية في المنازل، ومليوناً و625 ألف ولادة في القطاع الخاص، من بينها مليون و67 ألفاً قيصرية، و680 ألف مولود في القطاع الحكومي، بينهم 30.8 ألف مولود بعمليات قيصرية.

ويشرح الدكتور روبير فيل، أخصائي طب النساء والتوليد، لرصيف22 أن "نسبة إقبال السيدات على الولادة القيصرية ترتفع أكثر بين السيدات المتعلمات وأبناء الطبقات المتوسطة، بينما ترتفع نسبة الولادة الطبيعية بين أبناء الطبقات الفقيرة، لأنهم يلجأون أثناء الولادة إلى المستشفيات الحكومية التي تفرض على السيدة نوع الولادة نظراً لحالتها الصحية".

ويشير إلى أن بعض الأطباء يدفعون السيّدات لإجراء ولادة قيصرية كنوع من أنواع توفير الوقت، لأن الولادة الطبيعية تأخذ وقتاً أطول منه، وهذا يعطله عن عمله في متابعة مريضات أخريات في عيادته.

كما يلفت إلى أن هنالك مستشفيات خاصة تستغل إقبال السيدات على الولادة القيصرية وبالتالي تضع أسعاراً تصل إلى 25 و30 ألف جنيه، وهذه أسعار مبالغ فيها جداً مقابل ما تحتاجه الولادة القيصرية من فريق طبي وفتح غرفة العمليات والأدوية.

بالنتيجة، نسبة الولادات القيصرية في مصر تعدّت 70%، كما تشير السعيد، لتكسر قاعدة منظمة الصحة العالمية بعدم تجاوز النسبة 10% من إجمالي الولادات.

وأكدت أنه بسبب المخاطر المتعددة التي قد تتعرض لها الأم بسبب الولادة القيصرية، مثل جلطات الدم ومخاطر جرعات التخدير والتقاط العدوى أثناء الجراحة، يُعَدّ هذا النوع من التوليد من أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة دون دراية، وذلك وفقاً لتعريف الأمم المتحدة للعنف الممارس ضد المرأة بأنّه "أيّ فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image