شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أصبحتُ بنظر عائلتي عبئاً ثقيلاً"... نساء لا ينجبن يبحثن عن الزواج على فيسبوك

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 21 يونيو 202102:27 م

في "سوق الزواج" كل شيء يقاس بمعيار، وعندما تكون المرأة غير قادرة على الإنجاب تصبح اختياراتها قليلة، وتقتصر أحياناً كثيرة على الزواج من أرمل له أولاد أو رجل مسنّ لا يريد الإنجاب.

رفضاً لهذه الفكرة، ولتوسيع تلك الخيارات، أنشأت سيدات مصريات مجموعة خاصة على فيسبوك، تساعد النساء اللواتي لا ينجبن، للبحث عن الشريك المناسب والتعارف والزواج دون إنجاب. وبجولة على ما تحتويه هذه المجموعة، يمكن اكتشاف الكثير عن عالم المرأة "العاقر" واحتياجاتها، المصاعب التي تعترضها ونظرة الرجل والمجتمع بشكل عام لها.


عرض وطلب

مع المتابعة، تحوّلت الصفحة إلى ساحة للتفريغ والتنفيس لبعض السيدات والرجال أيضاً، ومن خلالها تحكي المرأة قصتها ومشكلتها وتطلب النصيحة، وأيضاً تبحث عن الزواج وتختار الصفات التي تريدها من شريك المستقبل، بينما يطلب بعض الرجال أيضاً الزواج من نساء لا ينجبن، إما لأن لديهم أولاد فعلاً أو لأنهم لا يريدون أطفالاً.

وبسؤال عددٍ من السيدات اللاتي انضممن للمجموعة، قالت هالة سعيد (42 عاماً) لرصيف22: "أنا مطلقة، ولا يمكنني الإنجاب. انضممت إلى الصفحة فقط للتسلية وتقضية الوقت. لم أشارك منذ انضمامي إلا بمنشور واحد فقط، وظننت وقتها أنني يمكن أن أجد الشريك المناسب، فطرحت رقم هاتفي وطلبت من الشخص الجاد الاتصال بي، لكن ما حدث كان كارثة".

أنشأت سيدات مصريات مجموعة على فيسبوك، تساعد النساء اللواتي لا ينجبن، للبحث عن الشريك المناسب والزواج دون إنجاب.

تابعت هالة، التي فضلت الحديث باسم مستعار: "فوجئت بتلقي اتصالات من رجال يسخرون مني، وسيدات ينصحنني بألا أرخّص من نفسي وألا أطلب الزواج، وأن أنتظر وأدعو الله أن يرزقني بزوج مناسب. غيّرت رقم هاتفي ودخلت الصفحة من جديد بحساب مزيف بغرض المتابعة والتسلية فقط".

لمريم عبود (47 عاماً) حكاية أخرى شاركتها مع رصيف22: "تزوجت مرتين، لكنني لا أنجب، فتطلقت. كنت أظن أن المجموعة ستنجح في توصيلي لشريك حياتي المناسب، وبالفعل وضعت منشوراً طلبت فيه الزواج من رجل في الأربعينات، لأنني لا أحب الرجل كبير السن بسبب تجربة سابقة مريرة. اتصل بي الكثير من الرجال وذهبت لمقابلة واحد منهم ظننت أنه جاد".

ما اكتشفته مريم وقتها كان مفاجأة غير سارة، فالرجل كان كاذباً: "علمت بأنه متزوج وفي الخمسينات من العمر، وكلمني بطريقة غير لائقة: هو أنتِ لاقية راجل تتزوجيه عشان تتشرطي".

وعندما أعلنت د. ص (38 عاماً) على المجموعة أنها مستعدة للزواج من رجل صالح حتى لو كان غير مقتدر لأنها مقتدرة مادياً، فوجئت باتصالات كثيرة، وصُدمت عندما عرض عليها رجل الزواج مقابل أن تشتري له شقة وسيارة، وأن تساعده في إنشاء مشروع خاص. "وقتها قرّرتُ التخلي عن الفكرة تماماً"، هكذا قالت لرصيف22.


"أرض بور"

لأسباب مختلفة لا تستطيع المرأة الإنجاب. ربما تجاوزت العمر الذي يسمح لها بذلك، أو تعرّضت لمشاكل صحية اضطرتها لاستئصال الرحم أو أي سبب عضوي آخر، ووقتها تصبح في نظر المجتمع "معيوبة".

تزوجت رضا سعيد (34 عاماً) منذ سبعة أعوام، ولم تستطع الإنجاب رغم محاولاتها المتكررة ومراجعتها أكثر من طبيب. "من وقتها، أصبحت بنظر زوجي وعائلتي عبئاً ثقيلاً وتغيّرت معاملته معي"، تحكي قصتها لرصيف22، وتضيف: "في البداية أخبرني أنه لا يهتم للأولاد وأنه يحبني ويريدني أنا فقط، ولكن بعد ذلك تغير كلامه ومعاملة أسرته، وعرفت أن والدته تضغط عليه للزواج، وبعد 5 سنوات من العلاج أخبرني أنه يريد الزواج من أخرى وأنا اخترت الانفصال".

وعند سؤالها عن مجموعات فيسبوك المخصصة للنساء اللواتي لا ينجبن أجابت: "لم أسمع بها من قبل ولكن لا أستطيع أن أغامر مرة ثانية، فأنا أعتقد أنه عالم وهمي وأن الناس تظهر فيه بصورة غير حقيقية، وإن كنا لا نستطيع معرفة حقيقتهم ونحن نراهم وجهاً لوجه، فكيف من وراء شاشات إلكترونية؟".

بدورها تحكي رحاب (32 عاماً) لرصيف22 عن إصابتها بورم في الرحم عندما كانت في العشرينات، وبعد رحلة قاسية مع العلاج تم استئصال الرحم وكانت نقطة فاصلة في حياتها.

"الرحم لم يذهب وحده بل طار معه حب ابن عمي، الذي تخلى عني وتركني ليعلن ارتباطه بامرأة أخرى تزوج منها سريعاً، فأنا في رأيه أصبحت أرضاً بوراً غير صالحة للزواج، وبعدها تقدم لخطبتي رجل في الخمسين لا ينجب، وأكد لي أهلي أنها فرصتي الأخيرة للزواج فقبلت".


ضحية ضغوطات المجتمع

الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية قال في حديث لرصيف22: "الإنجاب بنظر كثيرين يعطي للمرأة قيمة عالية، من دونه تفقد شيئاً ثميناً ويقلّل المجتمع من قيمتها، فتصبح ضحية لضغوطات كثيرة وأعباء قد لا تقوى على حملها، فتقرّر الفرار منها بالموافقة على أي زواج".

"الرحم لم يذهب وحده بل طار معه حب ابن عمي، الذي تخلى عني وتركني ليعلن ارتباطه بامرأة أخرى تزوج منها سريعاً، فأنا في رأيه أصبحت أرضاً بوراً غير صالحة للزواج، وبعدها تقدم لخطبتي رجل في الخمسين لا ينجب، وأكد لي أهلي أنها فرصتي الأخيرة للزواج فقبلت"

أضاف صادق بأن الضغط على المرأة يبدأ منذ زواجها، فالمجتمع ينظر إلى دورها كأم على أنه دور رئيسي بل هو الأول، ولذلك فور الزواج تبدأ الأسئلة عن موعد الإنجاب وإن كان الحمل قد تم بالفعل أم سيتأخر، وعندما يتأخر ولو قليلاً يبدأ الضغط من الأسرة للذهاب إلى الطبيب، وتتكاثر الدعوات والأمنيات بألا تكون هناك مشكلة كبيرة، ولو تأكد بأن المرأة لا تنجب ستتحول الضغوطات لشكل آخر تماماً.

الخبير الاجتماعي قال إن الأسر لا تسمح للزوجين حتى بأن يؤجلا قرار الإنجاب، ففي نظرهم هذا فأل سيئ، فيتعرضان للضغط كي يغيّرا من قرارهما، ولو تبين أن الزوجة لا تنجب، حينها تضغط الأسرة على الزوج إما ليتركها ويبحث عن غيرها، أو يتزوج من امرأة أخرى، فمسألة استمرار النسل لا جدال فيها في بعض المجتمعات.

وتابع الدكتور حديثه بالقول: "لكل امرأة في مجتمعاتنا العربية وضع، فالشابة تختلف عن المطلقة أو تلك التي لا تنجب، والأخيرة تكون فرصها بالزواج إما من أرمل لديه أولاد أو مسن يريد الونس ولا يهتم بالأولاد. في الوقت نفسه، توسع مواقع التواصل فرص الزواج والاختيار، لهذا تلجأ إليها المرأة كفرصة للتخلص من الضغط الذي تتعرض له".


فريسة لكبار السن

في كثير من الأحيان، ينظر الرجل للمرأة التي لا تنجب على أنها "فريسة"، وهذا ما أظهرته منشورات المجموعة التي بيّنت عروضاً لرجال كبار في السن، وبعضهم يعاني العقم، يطلبون الزواج من نساء لا ينجبن، شرط أن يكون سنهن صغيراً، وقد تقبل المرأة بهذا العرض لشعورها بعدم امتلاكها القدرة على الاختيار.

لأسباب مختلفة لا تستطيع المرأة الإنجاب، وحينها تصبح في نظر المجتمع "معيوبة".

"الزواج من رجل تجاوز السبعين وأنت في سن الثلاثين هو الموت نفسه، بل الموت أهون"، هكذا قالت صفاء الشباسي (43 عاماً) لرصيف22، وشرحت قائلة إنها كانت في سن صغير عندما انفصلت عن زوجها لأنها لم تتمكن من الإنجاب، ورفضت أن تبقى معه ويتزوج عليها. وبعد سنوات مع العيش مع أسرتها بدأوا يضغطون عليها للزواج مرة ثانية، وعندما بلغت الثالثة والثلاثين، تقدم لها رجل في السبعين، رحلت زوجته ولا يهتم بالإنجاب، وتزوجت منه بسبب ضغط أهلها، ولكنها كانت تكره حياتها معه كل يوم.

"لمت نفسي بعد ذلك، لأنني تصورت أنني امرأة ناقصة لا تستطيع الزواج من رجل يناسبها، ولم أشعر بالحرية إلا بعد موته، منذ عامين"، أضافت صفاء أثناء حديثها.

صفاء قالت إنها ربما تفكر في الانضمام لمجموعات فيسبوك التي تسهّل البحث عن زوج، ولكنها لن تعتمد عليها بشكل أساسي، لأنها تعرف أن تأسيس زواج ناجح لن يكون سهلاً، ولا تريد أن تغامر بتجربة فاشلة مرة أخرى.


"كأنه ليس حقاً للطرفين"

تحدثت الاستشارية النفسية الدكتورة سوسن الشريف لرصيف22 عن نظرة موجودة في كل المجتمعات، وخاصة العربية، للمرأة: "يُقال بأن الرجل لا يعاب وحتى لو لم يكن قادراً على الإنجاب، والبعض يلزمون المرأة أن تبقى معه للحصول على الأجر والثواب في الآخرة، وأن ترضى بمعيشتها حتى لو حرمت من الأطفال، ولكن لو كانت الزوجة غير قادرة على الإنجاب يقولون إن من حق الرجل فوراً الزواج من أخرى للبحث عن الذرية، وكأنه ليس حقاً للطرفين".

البعض يلزمون المرأة أن تبقى مع الرجل حتى لو كان غير قادر على الإنجاب، وأن ترضى بمعيشتها حتى لو حرمت من الأطفال، ولكن لو كانت الزوجة غير قادرة على الإنجاب يقولون إن من حق الرجل فوراً الزواج من أخرى للبحث عن الذرية، وكأنه ليس حقاً للطرفين

الاستشارية تحدثت عن وقوع المرأة في عدة حالات فريسة للرجال: "من حق المرأة عموماً أن تبحث عن الحب وترتبط بالرجل المناسب، لكن الطرف الآخر ينظر للمرأة المطلقة أو غير القادرة على الإنجاب وكأن بها عيباً، ولذلك عليها أن تتنازل وتقبل بأي وضع. كثيراً ما نرى رجلاً تجاوز الستين يطلب الزواج من فتاة لم تبلغ الثلاثين كي تقوم على خدمته ورعايته، دون أن تكون لها أي حقوق، فقط لأنها لن تحظى بفرص زواج أفضل".

سوسن الشريف تحدثت كذلك عن ظلم المرأة للمرأة نفسها، وقالت إن والدة الزوج لها دور كبير في الظلم الذي تتعرض له الزوجة التي لا تنجب، فهي التي تضغط على ابنها للانفصال أو الزواج من أخرى، وهناك أيضاً بعض الرجال الذي يعرفون أنهم لا ينجبون ويرفضون الاعتراف بذلك ويوهمون الزوجة أنها هي التي لا تنجب، لتقضي حياتها فريسة أوهام تحرمها من أبسط حقوقها في الأمومة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard