تصف منال، وهي أستاذة بجامعة دمشق، حالة الاضطراب واختلاط المشاعر في تلك الفترة: "كنت أعيش حالة قلق وتوتر. صراع كبير بين فقدان القدرة على أن أصبح أماً، وما يترتب عن ذلك من خسارة الشريك الذي انتظره، وبين مخاوفي من إجراء العملية ونظرة المجتمع إليّ حين اتخاذ القرار".
تعرّضت منال، وقد فضلت الحديث لرصيف22 باسم مستعار، لبعض الأعراض، كالنفخة وألم الخاصرتين بسبب اتباع بروتوكول تحريض الإباضة، لكنها ترى بأن الآلام النفسية التي عانتها كانت أكبر بكثير: "اليوم بعد مرور عام على التجميد، أشعر بالأمان لأنني استطعت إيقاف الساعة البيولوجية للإنجاب".
هذا الإجراء لم يكن متاحاً لإسراء (43 عاماً)، حين قررت اتباعه منذ حوالي أربع سنوات. تقول الفتاة التي تعمل بالمجال الإعلامي لرصيف22 بحسرة: "فاتني السن الإنجابي، ولم يعد بمقدوري اتخاذ مثل هذه الخطوة الآن. كنت في عامي الأربعين ورفض الأطباء إجراء العملية لعدم توافر الإمكانيات الطبية اللازمة".
يزداد الحديث عن عملية تجميد البويضات بين السوريات مؤخراً، كما ترتفع أعداد المراجعات للسؤال عن إمكانية إجراء العملية.
وتشير إسراء المسؤولة اليوم عن إعالة أسرتها: "في يومنا هذا المسؤوليات كبيرة على عاتق الفتاة في سوريا، فهي في أحيان كثيرة المعيل الأساسي لأسرتها. والدتي المريضة قبل وفاتها كانت بحاجة لوجودي بجانبها مما أخّر قرار الزواج. بعد ذلك اضطررت لمغادرة البلاد، وبسبب الانتقال وعدم الاستقرار لم أجرِ العملية، واليوم لا يسمح وضعي الجسدي بذلك".
اهتمام متزايد
يشرح الطبيب رشيد مقيد، وهو المسؤول عن عملية منال، لرصيف22 حول تجميد البويضات: "هي عملية حديثة لم تكن متاحة هنا قبل عامين، تعتمد استخراج البويضات من مبيضي المرأة وتحفظ بالتجميد غير مخصبة لخمس سنوات على الأقل، لاستخدامها لاحقاً بعد الزواج في حال توقف الإباضة الطبيعية، وعند الحاجة إليها، يمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بالنطاف وزرعها في رحم المرأة ذاتها".
ويصف أخصائي النسائية والتوليد الفائدة من إجرائها: "هي تمديد للزمن الإنجابي للسيدة حتى عمر الخمسين، فالرحم يبقى قادراً على الإنجاب، على خلاف البويضات التي تتأثر جودتها بالتقدم بالعمر. كما أن الدين والقانون يرفضان التبرع بالبويضات من سيدات أخريات، لذلك يكون حفظ السيدة لبويضاتها الحل الأمثل، وخاصة بسبب ظروف الحرب التي زادت نسبة التأخر في الزواج".
ويزداد الحديث عن عملية تجميد البويضات بين السوريات مؤخراً، كما ترتفع أعداد المراجعات للسؤال عن إمكانية إجراء العملية، كما يشير مقيد، مضيفاً بأن ضغوط الحرب والآثار النفسية تؤثر بدورها على القدرة الإنجابية.
وتتحدث رهام (37 عاماً) لرصيف22: "تجاوز العمر الإنجابي أصبح يسبب قلقاً حقيقياً لكثير من السوريات، خاصة مع هجرة الشباب أو وفاتهم والخيارات القليلة المتاحة. لا يمكنني قبول الارتباط بشخص متزوج أو يكبرني بعشرين عاماً لمجرد الإنجاب، فالمرأة في مجتمعنا عندما تصبح في سن الأربعين، تقبل بأي شخص لتتمكن من الإنجاب، ما يسبب كوارث مجتمعية، في الوقت نفسه لدي خوف حقيقي من أن أبقى وحيدة عندما أكبر".
تردف: "أرغب بإجراء عملية التجميد لكي أحفظ حق الأمومة، وما يمنعني حالياً التكاليف المادية، هي جزء هام من حساباتي في الفترة الراهنة وأعمل على ادخار المبلغ لأتمكن من ذلك".
التقنيات المستخدمة
التقى رصيف22 الدكتور مروان الحلبي، أخصائي معالجة العقم وطفل الأنبوب والأستاذ في كلية الطب، وقال في حديثه: "بإمكان أي سيدة تأخرت بسن الزواج تجميد البويضات. نسبة النجاح أصبحت ممتازة، لأنها بتقنية التزجيج أو التجميد السريع، ولم يعد هناك تخريب بالبويضات عند فك التزجيج، على عكس تقنية التجميد البطيء القديمة وكانت نسبة نجاحها لا تتجاوز 40%. مع التقنية الجديدة ارتفعت نسبة عودة البويضة إلى الحياة بعد فك التجميد إلى 90%".
يضيف الحلبي، وهو مدير مشفى الشرق للإخصاب بدمشق: "بداية، نجري تحاليل هرمونية وندرس مخزون الإباضة، فالسيدة عندما تتجاوز 42 عاماً تتراجع جودة البويضات لديها، وتصبح قدرتها على تحمل التجميد قليلة، وبالتالي تنخفض الفائدة من هذا الإجراء الطبي، ويعود الأمر لتقييم الطبيب".
وهناك حالات طبية تفرض على المرأة تجميد البويضات، سواء كانت عازبة أو متزوجة، كما يشرح الطبيب: "تلجأ النساء للتجميد في حال الإصابة بأمراض، مثل الأورام أو قصور أو فشل المبيض الباكر، أو حتى نفاذ البويضات، وهو أمر وارد الحدوث بعمر 30 أو 35 عاماً. في حال كانت السيدة فوق سن البلوغ نجمّد البويضات، وعندما تكون الفتاة صغيرة نجمد الأنسجة المبيضية".
تجاوز العمر الإنجابي أصبح يسبب قلقاً حقيقياً لكثير من السوريات، خاصة مع هجرة الشباب أو وفاتهم والخيارات القليلة المتاحة. لا يمكنني قبول الارتباط بشخص متزوج أو يكبرني بعشرين عاماً لمجرد الإنجاب، في الوقت نفسه لدي خوف حقيقي من أن أبقى وحيدة عندما أكبر
وعند اتخاذ القرار بالأمر، تخضع السيدة لبروتوكول خاص لتحريض الإباضة، ثم تسحب أكبر كمية ممكنة من البويضات وتجمّد. ومن الممكن تكرار العملية عدة مرات للحصول على أكبر عدد من البويضات لتجميدها، وذلك بالإراحة مدة خمسة أيام والبدء بتحريض وسحب دورة ثانية أو أكثر، حسب ما أوضح الحلبي.
تحول بعدها البويضات إلى وحدة التجميد، وهي مخبر متخصص بتقنيات عالية وحاويات للحفظ، وتحفظ في نتروجين سائل لتبقى محافظة على كامل حيويتها لخمس سنوات بصورة مؤكدة، ومن الممكن أن تبقى من 10 إلى 15 سنة.
ويشرح الحلبي مصير البويضات بعد تجميدها: "تحتفظ السيدة بحقها بالبويضات والحصول عليها في الوقت الذي ترغب به، وتتلف في حال الوفاة ولا تستخدم لغايات البحث العلمي، في حال عدم تجديد العقد تتلف البويضات بعد إخبار السيدة بذلك، والعقد مدته خمس سنوات، يوقع بين مركز الإخصاب والسيدة مقابل أجر التجميد".
تبقى البويضات المجمدة محافظة على كامل حيويتها لخمس سنوات بصورة مؤكدة.
وتكلف العملية كاملة حسب حديث مقيد حوالي مليوناً ونصف مليون ليرة (400 دولار وفق سعر الصرف غير الرسمي)، وتتضمن جميع المراحل، من بروتوكول تحريض الإباضة، عملية سحب البويضات، أجور التجميد والحفظ، وهي تكلفة قليلة مقارنة بدول أخرى، حيث تصل لآلاف الدولارات. وتجرى العملية في مراكز متخصصة بالإخصاب ولديها وحدة تجميد متطورة، ولا يتجاوز عددها خمسة مراكز في كامل سوريا.
هواجس ومخاوف
كانت المشكلة الشرعية والقانونية في عملية تجميد البويضات للعازبات في سوريا هي تمزيق غشاء البكارة عند استخراج البويضات وسحبها عن طريق المهبل، وهو موضوع لا يجوز قانونياً، ويحتاج إلى إفتاء، ويعرّض الطبيب للمساءلة القانونية، أما المسموح فهو إجراء العملية دون التأثير على عذرية الفتاة.
لتلافي ذلك، ظهرت طريقة بذل البويضات عن طريق المستقيم، بما لا يؤثر على العذرية، وهي عملية تجري بسهولة تحت التخدير البسيط، بواسطة جهاز الإيكو الموجّه بالأمواج فوق الصوتية، بشكل مشابه لعملية التنظير الهضمي السفلي دون إحداث جروح أو ثقوب، وتحتاج 5 أو 10 دقائق على الأكثر.
من الطرق المتبعة أيضاً، كما يتحدث الطبيب رشيد مقيد، سحب البويضات بالتنظير عبر السرّة، ويرى بأنها الطريقة الأمثل، ويضيف: "مدة العملية نصف ساعة وتحتاج لتخدير عام، وتجرى بواسطة منظار وثقبين صغيرين عند المبيضين لإدخال الإبرة في الحويصلات المبيضية وسحب البويضات، وهي تضمن عدم ضياع البويضات ولا تحدث للسيدة أي مضاعفات".
وعن المخاطر المحتملة على صحة الفتاة يضيف: "لا توجد سوى مخاطر تحريض الإباضة، فأحياناً يحدث فرض نشاط المبيض، أو في حال حدوث مشاكل لها علاقة بالجراحة، وهناك بويضات لا تتحمل عملية التجميد حسب سن السيدة، لذلك من الأفضل أن تجري عملية سحب وتجميد البويضات لمن هن في سن 39 وما دون".
حتى الآن لم يصدر أي قانون يمنع أو ينظم إجراء تجميد البويضات في سوريا، فالعملية غير مخالفة قانوناً وفي الوقت نفسه غير منظمة، إلا في حال وجود كتاب معمم من قبل وزارة الصحة يضع شروطاً وتوصيات، أو عندما يصدر قانون يمنع إجراءها فتعتبر مخالفة
تتخوف الكثير من السيدات اللواتي التقيناهن من احتمال الخطأ في اختلاط البويضات أو ضياعها، وهنا يشير الطبيب مروان الحلبي إلى أن شروط العمل في مراكز الإخصاب حساسة، ولا يمكن منح الترخيص من قبل وزارة الصحة إلا إذا توافرت الشروط كاملة، وبالتالي لا احتمال للخطأ إلا إذا كان مقصوداً، فلكل بويضة حاوية خاصة ورمز، ويوجد سجل خاص لكل مريضة.
يوافقه مقيد الرأي، ويردف: "تقنية الحركة بطفل الأنبوب بشكل عام أو تجميد البويضات منظمة جداً. كل الأدوات بلاستيكية وتستخدم لمرة واحدة، بداية من القشة التي تحوي البويضات، ويكتب عليها الاسم والتاريخ وعدد البويضات الموجودة، إضافة إلى سجل خاص بالمريضة يتضمن كافة المعلومات، فالخلط غير وارد".
أما عن القوانين الناظمة للأمر في سوريا يقول مقيد: "لا يوجد قانون لحد الآن، فلا يوجد ما يعيق إجراء العملية قانونياً، ولكن في نفس الوقت لا قانون ينظمها، ويعود الأمر لتقدير الطبيب". كما يشير الحلبي إلى أن هناك توجيهاً شفهياً من قبل وزارة الصحة بعدم إجراء العملية إلى حين البتّ في أمرها، فالوزارة حالياً بصدد إصدار قانون لتنظيم آلية عمل مراكز الإخصاب.
من جانبه، يوضح المحامي أحمد حازم ملا حويش، لرصيف22 الجانب القانوني المتعلق بالأمر: "تقول القاعدة القانونية 'لا جريمة بلا نص'. حتى الآن لم يصدر أي قانون يمنع أو ينظم إجراء تجميد البويضات، فالعملية غير مخالفة قانوناً وفي الوقت نفسه غير منظمة، إلا في حال وجود كتاب معمم من قبل وزارة الصحة يضع شروطاً وتوصيات، أو عندما يصدر قانون يمنع إجراءها فتعتبر مخالفة، ولكن حتى الآن لا يوجد ما يفرض المنع، ولا تترتب عليها أي مساءلة قانونية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون