اعتبر ناشطون وحقوقيون سعوديون، أن قرارَ مجلس الشورى السعودي، الصادرَ في الآونة الأخيرة والقاضي "بمنع عقد النكاح لمن لم يتم الخامسة عشرة، ذكراً كان أو أنثى، ووضعِ ضوابط جديدة لزواج من هو أقل من 18 عاماً بأن تكون وفق قرارٍ من المحكمة المختصة، أو من يقوم مقامها"، انتصارٌ حقوقيٌّ طال انتظارُه، ويمثل بدايةً حقيقية لإصدار تشريعٍ يمنع زواجَ القاصرات بشكل كامل.
جاء القرار بعد سنوات طويلة من المطالبات الحقوقية لوضع حدٍّ لاستغلال الأطفال، تحت مسمى الزواج، وأكد الدكتور يحيى الصمعان، مساعد رئيس مجلس الشورى أن "المجلسَ اتخذ قراره بعد أن اطلع على وجهة نظر لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بشأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم التي أبدوها تجاه موضوع دراسة "الزواج المبكر للفتيات، زواج القاصرات".
من جانبها أكدت لطيفة الشعلان عضو المجلس أن الموافقة كانت بالأغلبية، بناء عليه تم قصر عقد النكاح لمن هو دون 18 من العمر ذكراً كان أو أنثى على المحكمة المختصة، ومنع عقد النكاح تماماً لمن لم يتم 15، ذكراً كان أو أنثى. أضافت: "قرار المجلس كان خطوة مرحلية جيدة ولم يكن الوصول لها أمراً سهلاً، وبرأيي إننا نقترب في المملكة من وضع نظام (قانون) يمنع زواج من هم دون الـ18.. سيحدث هذا يوماً".
خلاف قديم
الجدلُ حول زواج القاصرات في السعودية ليس حديثاً، بل يعود لنحو عشر سنواتٍ، بعد أن بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تكشف الكثير من الحالات، ما دفع وزارة العدل عام 2013 لوضع بعض الضوابط لكن دون جدوى. وكشفت تقارير عدلية رسمية أنه تم تسجيل 3855 حالةَ زواج لفتيات دون الخامسة عشرة آخر ثلاث سنوات، فيما تم تزويج 5822 فتاةً دون السادسة عشرة، وتم تزويج 7758 فتاةً دون السابعة عشرة عاماً، وبلغ معدل هذا النوع من الزيحات ستةَ آلاف حالةٍ سنوياً، وكشفت دراسة للمركز الوطني للحوار صدرت قبل عامين أن مدينتي الجوف وجازان تتضمنان أعلى عددٍ من عقود زواج القاصرات.
الكثير من القصص شغلت الرأي العام مؤخراً، آخرها خبر عقد قران شيخ قبيلة تجاوز السبعين سنةً من فتاة قاصر لم تتجاوز السادسة عشرة، في مدينة تبوك (شمال السعودية). أثار الخبر جدلاً كثيراً، ما دفع جمعية حقوق الإنسان للتدخل، غير أن موافقة الفتاة ساهمت في إتمام الزواج.
أما فتاة القصيم البالغة من العمر 12 عاماً، وكان ينوي والدها تزويجها من شيخ في الثمانين مقابل 85 ألفَ ريال كمهر، كان حظّها أفضلَ، بعد أن أشعلت والدتها الرأي العام، ونجحت في إيقاف الزواج.
تؤكد مصادر في جمعية حقوق الإنسان السعودية، لرصيف 22 أن المشكلة التي حالت دون نجاح مساعيهم، هي وجود فتاوى دينية تجيز زواج القاصرات، حتى وإن كنَّ دون العاشرة، وهو ما كان يقوي موقف التيار الديني المعارض لتحديد سن الزواج. وبحسب المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لكونه غير مخول بالحديث للإعلام: "تنص المادة 16 من الفقرة 3 من اللائحة التنفيذية على أنه يلزم قبل إبرام عقد الزواج للتأكد أن من يقل عمره عن 18 عاماً لن يلحق به الضرر ويحقق مصالحه الفضلى، ذكراً كان أو أنثى لكن معظم القضاة لا يفعلون ذلك".
فتاوى متغيرة
قبل عامين، بدأت الأمور تسير نحو التعديل، بعد أن طالب مفتي عام السعودية ورئيس هيئة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الجامعاتِ السعودية بضرورة دراسة هذا الزواج من الناحيتين النفسية والاجتماعية، نظراً إلى كثرة الفتاوى التي أوصلته لهذا الأمر، ما دفع مجلس الشورى للتحرك، وإصدار قانون الأربعاء الماضي.
وقفت وزارة العدل، العامين الماضيين، ضد إتمام زواج القاصرات ممن يكبروهن كثيراً في العمر، لكن كونَها جهةً تنفيذية لا تشريعية، لم تنجح مساعيها كثيراً. في مايو الماضي، اعترف مدير الإعلام والنشر في وزارة العدل، إبراهيم الطيار، أن الوزارة جهة تنفيذ وتوثيق لا جهة تشريع، وقال في بيان صحفي: "أي إجراء تنظيمي أو وقائي يخرج عن نطاق صلاحياتها التنفيذية يتطلب نصاً تشريعياً، مع هذا اتخذت الوزارة إجراءاتٍ وقائية تخرج عن الإطار التشريعي وفق صلاحياتها التنفيذية، ما حدَّ من بعض هذه الزيجات، التي لم تكن تصل للمرحلة الظاهرة".
اختلف الأمر اليوم، بعد قرار مجلس الشورى، بات لدى وزارة العدل الحقُّ في السعي نحو إصدار التشريع اللازم، حسب نظام مجلس الشورى لا يُعتبر قرار المجلس ملزماً حتى يتم اعتماده من المقام السامي، بعد موافقة مجلس الخبراء في مجلس الوزراء عليه.
يؤكد المختص النفسي عبد العزيز الرشيد، أن قرار مجلس الوزراء، كان متوقعاً، بعد تزايدِ الأصوات المطالبةِ به، كي تلتزم القوانين السعودية بالاتفاق الدولي لحقوق الطفل الذي ينص على تجريم زواج القصّر مهما كانت الأسباب، ويقول لرصيف 22: "لا يمكن حصر الآثار النفسية السلبية الواقعة على الطفلة التي يتم تزويجها، خاصة أنه خلل نفسي لا يمكن السكوت عنه".
يضيف: "المشكلة ليست في زواج طفلة من طفل، فهذا رغم مشاكله الكثيرة، يكون أهون بكثير من زواج شيخ في الستين من طفلة في عمر أحفاده، هذه بيدوفيليا صريحة يحتاج من يعانيها للعلاج.
يوضح الرشيد أن أهم المشاكل النفسية التي تعاني منها الزوجات القاصرات تتمثل في القلق الدائم والاكتئاب الحاد ومحاولة إيذاء النفس.
من جانب آخر، تشدد الناشطة الحقوقية، سميرة باعود، على أن الخلل يكمن في العادات والتقاليد، التي لبعضها قوةٌ أكبر من الدين والقانون "كل محاولات أصدارِ قانون يحدّ من زواج القاصرات كانت تواجَهُ بمعارضة شديدة من التيار الديني المتشدد الذي يتمسك بتفسيرات غير صحيحة لأحاديث زواج الرسول الكريم من السيدة عائشة"
تضيف لرصيف 22: "في كل مرة كان يتم الحديث عن هذا الأمر تظهر الفتاوى المتشددة التي تعتبر المحاولات مخالفة للشرع، مع أنها باتت ضرورة حياتية". مؤكدة أن قرار مجلس الشورى خطوة سعودية جديدة نحو التطور "وهو يتسق مع الخطوات الواسعة التي قام بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحديث البلاد، ورفع الظلم عن النساء فيها".
مجلس الشورى السعودي أصدر قراراً يقضي بمنع عقد النكاح لمن لم يتم الـ15، ذكراً كان أم أنثى، ووضعِ ضوابط جديدة لزواج من سنه دون 18 عاماً، قرارٌ يعتبره ناشطونَ بدايةً حقيقية لإصدار تشريعٍ يمنع زواجَ القاصرات بشكل كامل
الجدلُ حول زواج القاصرات في السعودية ليس حديثاً، بل يعود لنحو عشر سنواتٍ، بعد أن بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تكشف الكثير من الحالات، ما دفع وزارة العدل عام 2013 لوضع بعض الضوابط لكن دون جدوى. وكشفت تقارير عدلية عن تسجيل ستة آلاف حالة زواج لقاصرات سنوياً.
تشدد الناشطة الحقوقية، سميرة باعود، على أن الخلل يكمن في العادات والتقاليد، التي لبعضها قوةٌ أكبر من الدين والقانون "كل محاولات أصدارِ قانون يحدّ من زواج القاصرات كانت تواجَهُ بمعارضة شديدة من التيار الديني المتشدد الذي يتمسك بتفسيرات غير صحيحة لأحاديث زواج الرسول الكريم من السيدة عائشة".
خلاف ديني
تصدى الخلاف الديني لمحاولات وزارة العدل سابقاً، وتمسك الرافضون بأن الرسول الكريم تزوج من السيدة عائشة وهي في السابعة من العمر. روايةٌ يرفضها أكثر من مختص في الشريعة، تتصدرهم أستاذة الشريعة وعضو الجمعية السعودية لحقوق الإنسان، الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، التي أكدت في أكثر من مقال لها أن الرسول الكريم تزوج السيدة عائشة وهي في سن التاسعة عشرة، واصفةً الأحاديث التي تقول إنه تزوجها وهي في السابعة بالضعيفة التي لا يجب أن يُعتد بها "أصح الروايات تؤكد ما لا يدع مجالاً للشك أن زواجه منها لم يكن وهي قاصر بعمر التاسعة، بل التاسعة عشر من عمرها".
جدل واسع
لم يتوقف الجدل على موقع تويتر قبل بضعة أيام، بين أغلبية مؤيدة لقرار مجلس الشورى، وأقلية رافضة له، فأكد الناشط يوسف الهديبان، أن تحديد سن الزواج في هذا الوقت أصبح ضرورةً لحماية القاصر، متسائلاً: "ماذا لو تقدم رجل بالسبعين للزواج من فتاة بالثامنة عشر هل تعالج بإصدار قانون أم بالتوعية! وقد حدثت مثل هذه الزيجات، وهو ظلم للفتاة".
في الاتجاه ذاته أكد القاضي وعضو مجلس الشورى الدكتور عيسى الغيث أن "موافقة الشورى على ضوابط زواج القُصّر إضافةٌ يُشكر الجميع عليها، عدا الأقلية في اللجنة والأعضاء المعارضين، وسعيد أن لي مع الشعلان والخلف والمساعد وأبي الخيل السبق بتوصية، واقتراح تعديلين جوهريين أُخذ بهما، أحدهما تحديد سن أدنى يمنع زواج من دونه كلياً، فالمشروع الوارد لم يحقق ذلك".
بدورها أكدت منى سراج الحاجة إلى القانون الصارم المنظم دون أية استثناءات، مضيفةً: "نعم الوصول لم ولن يكون سهلاً كما تفضلت أ. لطيفة وكل من عانى أو سمع أو صادف حالة زواج قاصر وشهد تبعاته، أي الكل.. خطوة موفقة وجبارة وأخذت من الوقت الكثير وستكتمل".
طرفٌ ليسَ بعيداً، أَملَ بعقوباتٍ صارمة ضد المخالفين، كي ينجح القرار، هو سليمان عبد العزيز الذي كتب: "إذا لم تتم معاقبة المخالف لن يتغير شيء فقط سيوثقون الزواج بعد بلوغ السن المحدد". مريم السلطان وافقته بقولها: "لابد من نص عقوبات على والدي أطراف الزواج، والشيخ الذي سجل عقد الزواج، والشهود، بل ويتم إعلان القانون بشكل رسمي مع نص عقوبات المخالفين وإبطال الزواج، وتثقيف الناس بشأن الأخطار التي تواجهها الطفلة (كون البنات أكثر الضحايا) وكذلك توعيتهم بشأن التبليغ في حال معرفتهم بحدوثه".
نشط وسم #منع_زواج_القاصرين بشكل واسع الأسبوع الماضي وظهر في أكثر من 198 ألفَ تغريدة، أبرزها تغريدة بندر الدريبي الذي اعتبر أن زواج القاصرات "استغلالٌ للفقر والظروف الاقتصادية، حرمان من الطفولة والبراءة، حرمان من التعليم، شراء واستمتاع بالجسد جنسياً، انعدام التكافؤ العقلي والنفسي، مضيفاً: "هو بحق جريمة ترتكب بحق طفل، ولا أحد يرضى أن يرى أحد أطفاله وخاصةً بناته ضحية لها".
في المقابل، يرى معارضون أن تحديد سنٍّ معين للزواج يخالف الشرع، منهم ماجد الرويلي الذي كتب: "بينما لو كان عمره أو عمرها 14 أو 15 سنة وارتكب جريمة قتل فإنه يقتل لأنه بالغ عاقل راشد مدرك لتصرفاته.. لكن يتزوج بهذا العمر؟ لا طبعاً لأنه طفل وغير مدرك لحجم المسؤولية على ذمة الغرب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 12 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت