458 مليون شخص تقريباً يتعرضون للعبودية بأشكالها المختلفة. نصف سكان العالم إذاً يواجه "العبودية المعاصرة"، بحسب منظمة Walk free الأسترالية، التي أصدرت تقريراً بعنوان "مؤشر العبودية العالمي 2016"، في 31 مايو الماضي. وذكرت فيه أن 58% من هذا الرقم الهائل هو في خمس دول فقط، على رأسها الهند. وللمرة الأولى لا تتصدر الدول العربية المشهد في قضايا مشابهة، لكن التقرير شمل دولاً عربية. خصوصاً بعد أزماتها وحروبها عقب 2011، فماذا عن هذه الدول؟ وما هو وضع العبودية العام فيها؟
تتنوع أشكال العبودية المعاصرة، بحسب التقرير، بين التجارة بالبشر، والدعارة القسرية، وتجنيد الأطفال، والعمالة القسرية، واستغلال الأطفال في تجارة المخدرات الدولية وغيرها. وهي تتضاعف اليوم نتيجة الفقر والحروب والاستعباد الجماعي.
يجمع التقرير بيانات بشأن 167 بلداً، مستخلصةً من 42 ألف مقابلة بـ53 لغة، لتحديد عدد البشر المستعبدين، وكيفية تعامل الحكومات مع أحوالهم. ويتحدث عن ارتفاع بنسبة 28% في عدد الأفراد الذين تطالهم هذه الظاهرة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عامين. لكن هذا يعكس تحسناً في جمع البيانات، أكثر مما يشير إلى تضاعف مشكلة يصعب تقييمها الكمي.
وتحتل آسيا النصيب الأكبر من الدول المتصدرة لقائمة العبودية المعاصرة، بأرقام هائلة. فدول الصدارة الخمس، آسيوية، هي الصين بعد الهند، وباكستان وبنغلاديش وأوزباكستان.
العالم العربي
أما في الدول الـ23 التي تحتوي على أعلى نسب للعبودية، نسبة إلى عدد سكانها، فتحتل 8 دول عربية مراتب متقدمة في النسب المئوية للأشخاص، الذين يعانون من العبودية. وهي قطر والسودان، والعراق واليمن، وسوريا، والصومال وليبيا. وتترأس قطر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالنسبة المئوية للأشخاص الواقعين تحت سطوة العبودية بأشكالها، نسبة إلى عدد سكانها. بينما تتصدر مصر قائمة الدول نفسها، في أكبر عدد أشخاص يتعرضون للعبودية في المنطقة. ويشير التقرير إلى أن العدد الكلي للمستعبدين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، 2,936,800. بينما النسبة المئوية المقدرة، نسبة إلى عدد سكان المنطقة هي 6.4%، ومعدل استجابة الحكومات في الدول نفسها، هو 32.7/100.بعض التفاصيل
داعش والنساء والأطفال
عام 2016، تعرّض أطفال سوريا واليمن والعراق وفلسطين، إلى عمالة الأطفال الإجبارية. وتم تدريب مجموعات كبيرة من الأطفال على القتال، كما أرغموا على الخوض في صراعات مسلحة. وتزداد التقارير الفاضحة لتدريب الأطفال من قبل تنظيمات إرهابية كداعش وغيرها، واستخدامهم في عمليات تفجيرات انتحارية. بالإضافة إلى انتشار فيديوهات تظهر أطفالاً يشهدون على عمليات إجرامية، كقطع الرؤوس وغيرها. أما بالنسبة إلى النساء، فتستمر عملية بيعهن وشرائهن في المناطق المذكورة سابقاً، خصوصاً في المناطق التي تنتشر فيها داعش. فبعد أن أسر التنظيم أكثر من 3000 امرأة من الإيزيديات، في عملية تعتبر الأكبر في القرن الحالي، ما زالت عمليات التجارة بالنساء المأسورات جارية. حتى أن تقارير وفيديوهات منشورة على الانترنت، تظهر أمراء من الدولة الإسلامية، يعرضون على أهل الضحايا إعادتهن إليهم بيعاً، مقابل مبالغ قد تصل إلى 40 ألف دولار. فضلاً عن نقل النساء بين الموصل والرقة، معاقل داعش الكبرى في سوريا والعراق.زواج القاصرات أيضاً عبودية
يستمر حتى يومنا هذا زواج القاصرات، وقد تفاقمت الظاهرة بشكل كبير، بحسب التقرير، في دول معينة كمصر ولبنان والأردن والمغرب. كما تكثر ظاهرة ما يعرف بزواج السياحة أو المتعة، إذ يذهب رجال خليجيون بمعظمهم إلى لبنان والمغرب ومصر، بغرض السياحة، ويتفقون مع عائلة فقيرة ليقوموا بعقد زواج شرعي ومؤقت لمدة محددة، مقابل مبلغ معين من المال. وقد تصل أعمار الطفلات اللواتي يتم تزويجهن في مصر إلى 11 عاماً. وتشير التقارير إلى 100 ألف عروس طفلة في المغرب عام 2014 فقط. أما في بلدان اللجوء المضيفة، المجاورة لسوريا والعراق، كتركيا ولبنان والأردن، فيتم تزويج الطفلات السوريات والعراقيات زواجاً مؤقتاً، وفي أعمار مبكرة جداً، بسبب ما يعانيه أهاليهن من فقر وتشرد واضطهاد، فيجدون في المبالغ المالية المتوفرة من عمليات كهذه، حلولاً لسد الحاجة. لكن هذه الزواجات تسبب تدميراً نفسياً كاملاً للطفلات، تنتج منها تشوهات حقيقية في أجيال المنطقة الناشئة.العمالة الآسيوية في الخليج
يعاني العمال المهاجرون من الدول الآسيوية الشرقية بشكل عام، ودول الصحراء الجنوبية الإفريقية بشكل خاص، من الاستعباد والإذلال في دول الخليج. لكن شعوب الدول ما زالت تهاجر إلى الخليج للعمل، كمنفذ وحيد للتخلص من الفقر. وتشير التقارير إلى أن عام 2015 كان حافلاً بهذا الخصوص. فهناك الكثير من الحوادث المسجلة لاعتداءات وتعنيف وإرغام على ممارسة الجنس، ضد نساء من سيريلانكا وبنغلاديش وكينيا وأندونيسيا والباكستان والنيبال والهند، في بيوت خاصة في الإمارات وقطر. كما يتم استغلال عمال من بنغلاديش وباكستان والنيبال، في المتاحف والملاعب الرياضية وغيرها من المرافق العامة، التي يعملون فيها غالباً في التنظيف أو أعمال مشابهة. ويأتي مصدر القوة التي يحصل عليها أصحاب وكالات التشغيل واستيراد العمالة، من القوانين الصعبة جداً المتعلقة بالإقامات وشروط البقاء في البلدان الخليجية، وخوف العمال الأجانب من خطر الترحيل في أي لحظة.اللاجئون موضوع آخر
اللجوء العراقي لم يتوقف منذ عام 2003 إلى دول الجوار ودول أخرى، واللجوء السوري سبب أكبر أزمة لجوء في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية عام 2015. وهما يستمران في كونهما المسبب الأفظع لكل أنواع العبودية في الدول المضيفة المجاورة. ومع أن اللاجئين السوريين اليوم يتوجهون إلى أوروبا، فإن 90% منهم ما زالوا في دول الجوار. وقد ولد 142 ألف طفل سوري من دون أن يسجّلوا في دول اللجوء. كما أن 75 ألف طفل سوري ليسوا في المدرسة، يالأمر الذي جعلهم مشاريع قابلة لشتى أنواع الاستغلال خصوصاً في لبنان وتركيا. ومن أبرز المسببات لمشكلة حاجة اللاجئين الكبيرة إلى الأموال كيلا يموتوا جوعاً، هو أنظمة الاستقبال والقوانين التي تضعها الدول العربية، لتحد من تدفق الشعبين إليها. فيأتي نظام الكفالة، الموجود في قطر ولبنان والأردن، وغيرها من الدول العربية، من أكثر ما يدفع اللاجئين إلى الدخول بشكل غير قانوني إلى الدول المجاورة، أو إلى الخضوع لشروط الكفيل.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...