شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"على السُّنة" الاسم البديل للزواج العرفي... والضحايا فتيات قاصرات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 17 ديسمبر 201701:15 م
أحبت نورهان أحمد (20 عاماً) رجلاً وهي في سن الـ15، و قررت أن تتزوجه. كتب العقدَ مأذون لكنه أبقاه عرفياً دون أن يوثقه في سجلات الدولة لعدم بلوغها السن القانوني للزواج: 18 سنة. تزوجت بلا ضمانات أو حقوق أو اعتراف قانوني، زواج غير مثبت في أي سجل رسمي في الدولة، استمر لثلاث سنوات دون توثيق إلى أن أنجبت طفلها الأول. تقول نورهان لرصيف22: "كانت الأمور تسير على ما يرام، ولم يؤرقنا تسجيل الزواج من عدمه، لكن اضطررنا إلى توثيق العقد بعد إنجاب الأطفال حيث لا يدخلون المدارس دون شهادات ميلاد". بعد فترة، حدثت مشاكل ومشاجرات بين زوجها وحماتها التي أسكنتهم في بيتها، لعدم استقرار الزوج في عمل ثابت، ثم طردتهم من المنزل وذهبا للعيش في غرفة صغيرة، حتى نفد ما لديهم من مال. أخذت نورهان نفساً عميقاً وسكتت برهة ثم قالت لرصيف22: "لم يستطع (زوجي) تحمل كل هذه الأعباء... فانتحر". مات الزوج. كان قد وثّق زواجهما قبل أن ينتحر بشهر واحد، لولا ذلك لكانت اليوم تخوض معاركَ في المحاكم المصرية لإثبات زواجها، لكنها وقعت في مشكلة أخرى، فلا يوجد لطفليها شهادة ميلاد. الطفلان في نظر الحكومة كالعدم، أُنجبا في الفترة التي كان زواجها غير موثق. يحدد القانون المصري السن القانونية للزواج بعد 18 سنة ميلادية كاملة، ويحظر تسجيل زواج الأطفال، لكنه لا يجرمه. لكن زواج القاصرات استراتيجية للبقاء الاقتصادي، حيث إن الأسر الفقيرة تزوج بناتها في سن مبكرة للحد من الأعباء الاقتصادية. يحصل ذلك بعقود عرفية يكتبها مأذون تحت مسمى "زواج على السُّنة"، لا يتم تسجيله في سجلات الدولة حتى بلوغ العروس السن القانونية. فما هي نتائج هذا الارتباط؟

الفتاة وأطفالها، ليس لهم حقوق

تقول نهال عمران المديرة التنفيذية لمركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان: "قليلاً ما تلتزم العائلات بتطبيق القانون، نظراً للعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية الراسخة في عقول البعض حيث يعتقدون أن الزواج المبكر يحمي الفتيات من الاعتداءات الجنسية والعنف، وآخرون يعتبرونه وسيلة لستر الفتاة، فيما يؤثر المال على آخرين". وتضيف عمران لرصيف22 : "ويكون نتيجة لذلك أن تصبح الفتاة (المتزوجة) وأطفالها بلا حقوق لدى الدولة حيث يكونوا هم والعدم سواء حتى يتم إثبات الزواج".
بعد إتمام زواج القاصر يأخذ المأذون على عائلة العروس إيصالات أمانة بمبالغ مالية حتى لا يشتكي أحد عنه...
"على السُّنة" الاسم الجديد للزواج العرفي "سيء السمعة"، والغطاء المستخدم لتزويج القاصرات في مصر
يقول محمود البدوي رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، "تلجأ بعض العائلات إلى محام لكتابة عقد الزواج، ومن ثم يذهبوا بالعقد إلى مأذون بعد بلوغ الفتاة السن القانونية ليصدق على العقد ويعطيهم وثيقة تمكنهم من توثيق الزواج". أما بخصوص ترك الزوج للفتاة قبل التوثيق، يقول البدوي لرصيف22، "يُفرض على الفتاة الانتظار حتى بلوغها 18 عاماً، ومن ثم تبدأ إجراءات توثيق الزواج وبعد ذلك تسجيل الطفل، هذا إذا كان الزوج موجوداً، أما إذا تركها، فستكون في ورطة، و سيترتب عليها إثبات العلاقة الزوجية".

ملايين الفتيات زوّجن تحت 18 سنة

وفقاً لدراسة صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في 2016، فإن 17% من الفتيات في مصر متزوجات قبل بلوغهن الـ18، و2% قبل بلوغهن الـ15. على المستوى الحكومي قالت الدكتورة هالة يوسف وزيرة الدولة للسكان في مايو 2015 إن نسبة الزواج المبكر للفتيات دون 18 عاماً تبلغ 15%، وتزداد في المحافظات الأكثر فقراً، وهي نسبة متقاربة مع التي صدرت في المسح السكاني، الصادر من مجلس الوزراء عام 2014، التي أوضحت أن نسبة الزواج المبكر 14%. لكن التقرير الذي صدر في ديسمبر 2014 من منظمة العدل والتنمية، وهي منظمة غير حكومية، بيّن أن نسبة الزواج المبكر من سن 15 إلى 17 عاماً للفتاة، أي دون السن القانونية، تصل داخل الصعيد والمحافظات الحدودية إلى نحو 30%.

"على السُّنة" بديلاً للعرفي "سيء السمعة"

تكون الكلمة الأولى والأخيرة لكبير العائلة في المحافظات التي تنتمي إلى أعراف وتقاليد تتبنى مبدأ تزويج الفتيات بدأً من سن 15 عاماً، سواء كان الجد أو الأب، والأولوية دائماً تزويج الفتاة في أسرع وقت ممكن. وينكر أهل الفتاة أهمية توثيق العقد قياساً على عدم وجود مأذون في العصور الإسلامية، بدأً من عصر الرسول ثم الصحابة، لذلك يعتقدون بأن التوثيق ليس ضرورياً، وهم لا يسمون هذا العقد عرفياً، رغم عدم تسجيله في الدولة، بل يعتبرونه "على السنة" إذ أن الذي يعقده مأذون. هذا ما حدث مع منال عبد الحميد (اسم مستعار) 19 عاماً في محافظة بني سويف جنوب مصر، حيث تزوجت قبل أن تكمل الـ16 عاماً وقيل لها أن عقد الزواج سيوثق بعد أن تبلغ الـ18 عاماً أضافت: "التوثيق حدث بعد إتمامي 18 عاماً بيومين وكتب به تاريخ زواج حديث يوم التوثيق وليس يوم زواجي". تقول عمران: "إن عدم توثيق العقد من جانب المأذون يعتبر تدليساً على الناس وتزويراً في الأوراق الرسمية ينصرف أثره إلى المستقبل".

كيف يتم الزواج على السنة؟

يقول أحمد كمال لرصيف22، وهو مأذون شرعي في حي حلوان، جنوب القاهرة، "إن خطوات عقد قران "على السُّنة بسيطة". يجلس العريس والعروس، أحدهما أو كلاهما دون السن القانونية، وتتم كل إجراءات الزواج المتعارف عليها لكن بعقد زواج عرفي مدون فيه 5 شروط، أولهما قبول الطرف الأول الزواج من الطرف الثاني زواجاً شرعياً على كتاب الله وسنة رسوله بأحكام الشريعة الإسلامية، وثانيهما الاتفاق على مبلغ الصداق. أما ثالث الشروط فينص على قبول الطرف الثاني الزواج من الطرف الأول برضا تام، رابعهما قبول الطرفين أحكام هذا العقد بما تقتضي به الشريعة الإسلامية، وأخيراً تحرير نسخة من العقد لكل طرف. ويوقع الطرفان أسفل العقد، بالإضافة إلى توقيع الشاهدين على الزواج لكن هنا لا يوجد صورة لأطراف العقد مثل العقد الرسمي. "بعد إتمام إجراءات هذا الزواج أمام العامة، يكتب المأذون على عائلة العروسة سندات أمانة بمبالغ مالية وذلك كي يضمن أن لا يبلغ عنه أحد، حيث سيتعرض للمساءلة القانونية لعدم إصداره وثيقة زواج". ويتقاضى المأذون مبالغ متفاوتة حسب طبيعة المنطقة والمستوى الاجتماعي للعائلة، يقول كمال "البعض يحصل من 500 إلى 6 آلاف جنيه أو أكثر فهي ورقة عرفية لا يدري الناس ما كتب بها، ويستطيع أي محام إتمامها". ويتابع المأذون الشرعي بضاحية حلوان قائلاً: " يستطيع أي شخص أن يؤدي هذه الإجراءات لكن الأهالي في بعض المناطق داخل مصر، خاصة المناطق الصعيدية تفضل شيخاً مأذوناً حتى يكون لموضوع الزواج صبغة دينية".

الأعراف والتقاليد تجهض القانون

بعد إتمام عقد الزواج على النحو الذي سلف، تفقد الفتاة كل حقوقها المالية والقانونية التي تحميها الدولة، و تصبح في وضع صعب. تقول عمران: "تكون الفتاة دون 18 عاماً في نظر القانون طفلة غير مؤهلة لأداء علاقة جنسية وغير قادرة على إتمام إجراءات الزواج، وتستطيع الفتاة التي تتزوج قبل السن القانونية مقاضاة الزوج باغتصابها وانتهاك طفولتها كما تستطيع توجيه اتهامات أخرى للزوج ولوالدها". ليونة القوانين جعلت العائلات لا تخشى عقاب تزويج بناتها مبكراً، فمدة عقوبة الحبس صغيرة ومبلغ الغرامة بخس، هذا في حال أبلغت الفتاة (المتضررة) عن الواقعة، أما دون ذلك فلا عقاب عليه. أما إذا أنجبت الطفلة فلن توثق وليدها في السجلات الرسمية إلا بعد بلوغها 18 عاماً وبعد توثيق زواجها، لكنها تستطيع استخراج شهادة إثبات واقعة الإنجاب فقط. تقول عمران: "ينص القانون 126 لسنة 2008 على أنه للأم الحق في الإبلاغ عن وليدها وقيده بسجلات المواليد، واستخراج شهادة ميلاد له مدون بها اسمها، ولا يعتد بهذه الشهادة في غير إثبات واقعة الميلاد".

زوجة ثانية أمام الناس وأولى لدى الدولة

تقول هند مصلحي (اسم مستعار)، 35عاماً، من مدينة المحلة الكبرى التابعة لمحافظة الغربية، إنها تزوجت وهي دون السادس عشرة، وبلا توثيق لعقد الزواج، وأنجبت طفلاً في عامها الأول، وشاء القدر أن يموت زوجها قبل توثيق العقد لدى وزارة العدل من قبل المأذون، مما أدى إلى ضياع حقوق كثيرة لها ولطفلها. في البداية أُرغمت على الزواج من شقيق زوجها المتوفى وأصبحت زوجة ثانية أمام الناس وزوجة أولى في السجلات الرسمية، ظناً من العائلة أن ذلك يحافظ عليها وعلى الطفل، ويحمي الميراث من الضياع. تقول لرصيف22: "نظراً لوفاة جد ابني، وزع ميراث زوجي بين إخوته وأمه، وأخذ شقيقهم الذي تزوجني مبلغاً أكبر، كونه يربي الطفل". وتضيف عمران أنها لن تحصل بالطرق القانونية على أغلب حقوقها، من إرث ونفقة ومؤخر ومعاش، لكن يمكنها بطرق ودية.

التحايل على القانون بمباركة الدولة

تمنع القوانين المصرية الزواج المبكر لكنها لا تضع حلولاً للعائلات التي تُصر عليه، لذلك يلجأ البعض إلى حيل كتقديم شهادة تسنين تصدرها إدارة صحية حكومية، وفي بعض الحالات يزور بعض الموظفين في هذه الإدارات الشهادات بالاتفاق مع أسرة الفتاة. كما يمكن أن يثبت الزواج في بعض المحافظات و يعترف به لدى تقديم شهادة من اثنين من الأقارب كما هو الحال أحيانا بين البدو وبعض القبائل في النوبة وفي الوادي الجديد والبحر الأحمر ومرسى مطروح وسيناء. تكون الفتاة هنا محاصرة من الجميع، من عائلتها التي تزج بها في حياة زوجية غير مؤهلة لها جسدياً وعقلياً ونفسياً، ومن زوجها الذي يوافق على تعريضها للخطر بعدم توثيق زواجه منها، ثم من الدولة التي ترعى و تغض النظر عن إيقاع عقوبة قاسية على كل من يجعل طفلة تنجب طفلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image