"التعليم هو الحل". هكذا يأتي الإجماع العالمي للمحاربين ضد قضية الزواج المبكر، صوتاً واحداً واثقاً بقدرة التعليم على تغيير واقع النساء في البلدان التي ما زالت الفتاة فيها تحرم من استكمال تعليمها، وتجبر على الزواج قبل بلوغها الثامنة عشرة.
ذلك أن التعليم يُعد مساهماً أساسياً في تكوين شخصية الفتاة وبناء حريتها الشخصية واستقلاليتها، التي بدورها ستكوّن لديها حرية الاختيار وتعينها على مواجهة أهلها حين يرغبون في تزويجها باكراً.التعليم الإلزامي في الدول العربية
اتجهت أوروبا في مطلع القرن التاسع عشر إلى فكرة "التعليم الإلزامي"، بناء على فكرة أفلاطون في كتابه الشهير "الجمهورية". إلا أنّ العرب، بسبب اضطراب المنطقة الدائم، تأخروا في اللحاق بهم، فنشأت فكرة التعليم الإلزامي في العالم العربي في منتصف القرن الماضي.
لكن القوانين التي سنتها البلدان العربية للتعليم الإلزامي، تتفاوت مع التطبيق في الكثير من الدول، فيستفيد أبناء المدن الكبرى مثلاً، من التعليم الإلزامي ويتسرّب أبناء الأرياف عنه. ويأتي التسرب بين صفوف الإناث أكثر منه بين صفوف الذكور، تبعاً لأسباب اجتماعية وبيئوية عدة، منها الخوف على البنات عند ابتعادهنّ عن البيوت، وعدم تقبّل فكرة تلقيهنّ التعليم على يدّ معلّمين ذكور، والعامل الأهمّ هو عدم قدرة الآباء على دفع تكلفة تعليم جميع الأولاد، فتعطى أولوية التعليم للذكور، في مجتمعات تركّز على إعداد الذكور.
تتباعد الفترات التي أقرّت فيها الدول العربية قوانين تعليمها الإلزامي، فيسري القانون في المغرب مثلاً منذ عام 1976، ويطبّق على الفئات العمرية من السادسة حتى الثامنة عشرة. بينما أقر في المملكة العربية السعودية عام 2004، ويشمل الأعمار من السادسة حتى الخامسة عشرة. أمّا اليمن، التي تعدّ من أكثر الدول العربية تخلّفاً على هذا الصعيد، فلم يتم إقرار القانون إلا عام 2011، ويعدّ وضع التعليم اليمني من الأسوأ إطلاقاً، إذ إن 70% من سكان الريف لا يتعلّمون، ويماثلهم 38% من سكان المدن، و45% من الذين شملهم الإحصاء كمتعلمين، لا يحملون الشهادة الثانوية. ولا يقترب من اليمن في بؤسها إلا بعض من الدول العربية كالسودان والصومال وجيبوتي، التي لم يطبّق فيها التعليم الإلزامي بعد.
على الرغم من أنّ القوانين المتعلّقة بالتعليم في الكثير من البلدان العربية، هي جيّدة، وناجحة بشكل أو بآخر في نقل الواقع العربي عموماً، والنساء خصوصاً، خطوةً إلى الأمام، فإن الموروث المجتمعي القديم لقضية كالزواج المبكر، يعدّ أكثر تعقيداً من ذلك. فمقارنة نسب التعليم المرتفعة في المغرب العربي مثلاً، مع نسب حالات الزواج المبكر فيه، تبرز فرقاً هائلاً. إذ إن المغربيين ما زالوا يؤمنون بالزواج المبكر ويزوجون بناتهن قبل سن الثامنة عشرة، على الرغم من إلزامية التعليم ومجانيّته.
تعد سوريا مثالاً واضحاً آخر لعدم تفعيل التعليم في محاربة واقع المرأة. فالمناهج التي يتعلّمها الأطفال السوريون منذ دخولهم إلى المدارس في عمر السادسة، تكرّس التفرقة بين الجنسين، كقصص كتب الأطفال في المرحلة الابتدائية، التي يقوم الذكور من شخصياتها بالأعمال المهمة على المستوى الفكري، بينما تقوم الإناث بالأعمال المنزلية دائماً.
بالإضافة إلى ذلك، هناك خلل كبير في أنظمة المحاسبة أو الملاحقة لظواهر التسيب المدرسي في بعض البلدان العربية، على الرغم من تطبيقها قوانين التعليم الإلزامي، كمصر على سبيل المثال، التي لا تمارس أي رقابة على آباء الأطفال المتسيبين ولا تفرض عليهم أي نوع من المحاسبة. ففي دراسة قام بها نبيل صبيح، وهو أستاذ مصري في جامعة عين شمس، عن ظاهرة التسيب المدرسي، جاء أنّ هذه الظاهرة مرتبطة بعدم جدّية الحكومة في التحقق من التزام الطلاب بالمدرسة بين عمري السادسة والخامسة عشرة، وهو العمر القانوني للتعليم الإلزامي في مصر.
نقطة مضيئة
عام 2014 نشر البنك الدولي التقرير الاقتصادي الموحد للمعدّل الإجمالي لعدد الطلاب المسجلّين في كل مرحلة من مراحل التعليم من الذكور والإناث، نسبةً إلى مجموع السكان في سن التعليم الدراسي الرسمي في تلك المرحلة لـ21 دولة عربية، باستثناء فلسطين بسبب الفقر في المعلومات.
وقد ذكر التقرير أن زيادة نسبة النساء العربيات في التعليم الأساسي قفزت من 77% إلى 98%، بين عامي 1990 و2012، بينما قفزت نسبة دخولهن مرحلة التعليم الثانوي من 48% إلى 63%، وهو الرقم الذي يعادل ضعفَي زيادة عدد الذكور الملتحقين بالثانوية. أما نسبة دخولهنّ في الجامعات فارتفعت من 12% إلى 36%.
يعدّ الزواج المبكر ثقافةً كاملةً يتشربّها الجميع، ذكوراً وإناثاّ، فتحتاج المجتمعات إلى ثقافةٍ مضادّة كاملةٍ أيضاً، ليس من الممكن إنشاؤها خلال فترة قصيرة، وهذا ما يجعل التعليم حلاً للتغيير قد يستغرق زمناً طويلاً، لكنه يعدّ الحل الأمثل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع