"بينا نزرع أراضينا ونخليكِ يا قرية جنة قراوينا... وإن قلت فيكِ الميه نرويكِ بدمع عينينا... وعلى كل شجرة خضرة نكتب ذكرى لبعضينا".
مع بداية كل صباح يردد مزارعو الخضر والفاكهة هذه الكلمات التي ارتجلها المهندس الزراعي مفتاح عبد الرحمن، رئيس قطاع غرب المنيا الزراعي الصحراوي مع زياراته إلى المزارع، والتي يمضي إليها يومياً مسافة 60 كيلومتراً بدراجته النارية، حتى يصل لمقر عمله ومنه إليهم.
لكن هذه الأغنيات لا تمر بسلام، حينما تضرب العواصف الرملية الصوب الزراعية أو البيوت البلاستيكية، أو عندما تقسو موجة حارة على شتلة الطماطم الصغيرة. فما الذي يحدث هناك، وكيف باتت تقلبات المناخ الأخيرة تؤثر على دورة حياة النباتات وإنتاجيتها؟
عانى المزارع المصري هذا الموسم بسبب الرياح الشديدة البرودة التي تسببت في اضمحلال الثمار وتساقطها.
فشل التلقيح
في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، ضربت مصر عاصفة رملية ساخنة استمرت عدة أيام، يقول مفتاح إنها تسببت في اقتلاع شتلات الطماطم الصغيرة من جذورها، إضافة إلى تعريض النباتات للأتربة والتلف، ويضيف في حديثه لرصيف22: "أدت العاصفة إلى اقتلاع أغطية صوب الخيار، وهي أقل قدرة على تحمل العوامل البيئية المفاجئة والمتغيرة".
ويعلق الدكتور الزراعي محمود عبد الغفار، وهو باحث في مجال زراعة الفاكهة، مشيراً للتأثيرات السلبية للرياح الشديدة على تلقيح النباتات، وقسمها إلى تأثيرات مباشرة كالضرر الميكانيكي إذ قد تقتلع أشجاراً بكاملها، وقد تكسر فروعاً وأغصاناً، وتجرح أعضاء النبات من أزهار وأوراق أو ثمار نتيجة التصادم مع الأفرع والأشواك، والتأثيرات الأخرى ناتجة عن فقد الماء وخصوصاً إذا كانت الرياح جافة.
يتابع: "الرياح الساخنة أشد ضرراً من الرطبة الباردة، خاصة على الحشرات الملقِّحة مثل النحل".
كما يلفت عبد الغفار إلى موسم الفاكهة الذي تعرض هذا العام مرات عديدة لعامل الرياح الشديدة الساخنة والباردة، ويشرح: "تسببت هذه الرياح في سرعة جفاف المياسم أي عضو التأنيث في الزهرة، وقللت مدة استعدادها لاستقبال حبوب اللقاح وبالتالي أدت في كثير من الأحيان إلى فشل التلقيح، إضافة إلى تسبب الرياح الساخنة في فقد الأوراق للماء وسقوط الثمار وفقدانها لجودتها. وقد عانى المزارع المصري هذا الموسم بسبب الرياح الشديدة البرودة التي تسببت في اضمحلال الثمار مثل العنب وتساقطها خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام".
بدوره يقول مصطفى محمد، مهندس زراعي بالشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية: "في مرحلة ما قبل التزهير يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في الإضرار بخلايا النباتات، ويظهر ذلك في صورة إجهاد للنباتات ثم ذبولها"، لافتاً إلى أن هذا الارتفاع يتسبب في حرق قمة النبات ومن ثم موت حبوب اللقاح، مما يترتب عليه قلة التلقيح والإخصاب وزيادة نسبة العقم، وهذا يؤثر على امتلاء الحبوب وتالياً الإنتاجية.
ويضرب المهندس الزراعي بالقمح مثالاً للنباتات الأكثر تضرراً في مرحلة التزهير بفعل العوامل المناخية المتغيرة، وتحديداً ارتفاع درجة الحرارة، فذكر بأن القمح يتعرض لضعف النمو الخضري في مرحلة التزهير، مما يضعف حيوية حبوب اللقاح، ويتسبب ذلك في قلة الحبوب الممتلئة بالسنابل، إضافة إلى تأثير الحرارة على إنتاج البذور.
يظهر تأثير التغيير المناخي على دورة حياة النباتات بدءاً من مرحلة الإنبات ثم نمو الجذور والساق والأوراق، ففي مرحلة الإنبات قد يحدث خلل لأن البذور لن تجد المناخ المناسب، وبالتالي تكون عملية الإنبات ضعيفة، وفي حال عدم وجود مناخ مناسب قد تنتج جذور ضعيفة
كما يذكر أن نبات القمح يتأثر بالجفاف، خاصة في مرحلة تكوين السنابل، إذ يتسبب في ضمور السنبلة وقلة إنتاجها، ويضيف: "في هذه الحالة نلجأ إلى تقريب فترات الري، وتكون صباحاً أو مساءً لتقليل تبخر المياه قدر الإمكان".
دورة حياة "ناقصة"
يظهر تأثير التغيير المناخي على دورة حياة النباتات بدءاً من مرحلة الإنبات ثم نمو الجذور والساق والأوراق، ففي مرحلة الإنبات قد يحدث خلل لأن البذور لن تجد المناخ المناسب، وبالتالي تكون عملية الإنبات ضعيفة، وفي حال عدم وجود مناخ مناسب قد تنتج جذور ضعيفة، وتالياً سقيان وأوراق ضعيفة بدورها.
ومن العوامل المؤثرة على إنتاجية النبات وتنوع المحاصيل الزراعية قلة الأمطار، وفق محمد برهام، وهو مهندس زراعي استشاري في البنك الزراعي المصري، ويضيف خلال حديثه لرصيف22: "سوف تقل عمليات الإنتاج الزراعي في المستقبل بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يظهر واضحاً انخفاض إنتاج معظم المحاصيل الحقلية وأيضاً الخضروات".
إلى جانب ذلك، فإن ملوحة التربة تؤثر على النباتات ضمن مراحل عدة، حسبما ذكر إبراهيم محمود وهو مهندس زراعي في جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة. ففي المرحلة الأولى تتلف الأعضاء الجينية للبذور ويترتب على ذلك تأخر نمو النباتات أو توقفه، وفي مرحلة النمو تتأثر وظائف الجذور ويقل حجمها ويقصر طولها.
ويقول لرصيف22: "تؤثر الملوحة أيضاً على السيقان وتتسبب في تقزم النباتات وضعفها، وتتأثر عملية البناء الضوئي التي تحدث في الأوراق كما يقل حجم الورقة وتذبل".
تتسبب الرياح الشديدة في سرعة جفاف المياسم أي عضو التأنيث في الزهرة، وتقلل مدة استعدادها لاستقبال حبوب اللقاح وبالتالي تؤدي في كثير من الأحيان إلى فشل التلقيح، ما يؤثر في نهاية المطاف على إنتاجية النبات
أما في مرحلة التزهير وتكوين الثمار، فإن نسبة الملوحة الزائدة في التربة تمنع النباتات من الوصول لهذه المراحل بالأساس، وتنخفض قدرة النباتات على إنتاج حبوب اللقاح والبويضات، ويترتب على ذلك عدم استكمال النمو الخضري بالصورة المطلوبة، وينتج عنه ثمرة صغيرة الحجم وضعيفة.
ووفق حديث المهندس الزراعي إبراهيم عمر، تعد الخضروات مثل الخيار والطماطم والكوسا وغيرها، من النباتات الأكثر تأثراً بالعوامل البيئية المفاجئة، إذ تتعرض الأزهار للسقوط بسبب درجة الحرارة المرتفعة، وتتعرض الثمرة للضعف، وتصاب بلسعة أو ضربة شمس تتلف الثمرة، أما ثمرة الشمام على سبيل المثال فقد تصل خسائرها إلى 50% من إجمالي حجم الإنتاج بسبب الحرارة الزائدة، وكذلك عشب اليانسون فإنه يتأثر مباشرة بالرياح الباردة ويحدث له تمايل شديد ومن ثم قد يسقط المحصول ويتلف.
ويضيف العمر أن نبات عباد الشمس بتأثر بدوره بالمناخ المتطرف، وقد يكون الجزء المثمر كبيراً وذا مظهر ممتاز، ولكن عند جني المحصول فإن الناتج يكون قليلاً جداً مقارنة بحجم الزهرة، ويؤكد أن الأشجار المثمرة يكون إنتاجها بالأماكن المعرضة للرياح أقل لقلة التلقيح.
كما لفت إلى أن النباتات الذاتية التلقيح مثل المشمش قد لا تتأثر كثيراً، لكن الثمار قد تسقط بعد التلقيح بفعل الرياح التي تجفف نقاط اتصال الثمرة بالأم، ومع قوة الرياح يصبح سقوطها مرجحاً أكثر.
أمراض تجلبها التغيرات المناخية
نشرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تقريراً مفصلاً تستعرض فيه الأمراض الأشد خطراً التي تهدد صحة النباتات، ويسجل مرض اللفحة المتأخرة كأحد أبرز الأمراض التي تهاجم نبات البطاطس والطماطم، ويظهر في شكل تقرّحات على سيقان وأوراق النباتين، ويساهم التغير المناخي في تهيئة الظروف لانتشار هذا الفطر، خاصة عند ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة.
وتساهم عوامل المناخ المتغيرة في ظهور مرض ذبول الموز، وينتقل الفطر من الجذر إلى الأوراق بشكل تدريجي، ويتسبب في منع وصول المياه والغذاء لخلايا النبتة، مما ينتج عنه موتها، وينتشر هذا المرض بفعل ارتفاع درجة الحرارة والأعاصير.
من المهم رفع قدرة النباتات على مقاومة التغيرات المناخية والآفات.
كذلك ينتشر مرض البياض الزغبي في العنب بفعل الحرارة المرتفعة، ويظهر في شكل إصابات خشنة صفراء اللون على قشرة حبات العناقيد، وربما يؤدي إلى خسائر فادحة في المحصول.
حلول لحماية النباتات
يشير المهندس مصطفى محمد إلى ضرورة مراعاة زراعة النباتات في مواعيدها، حتى تتم عملية التلقيح والإخصاب، إضافة إلى ضرورة استخدام أساليب الري الحديثة للمساهمة في التغلب على درجة الحرارة المرتفعة، بحيث يتم تركيب جهاز الري المحوري لري المساحات الواسعة المستهدف زراعتها، والري بنظام التنقيط للمساحات الصغيرة، مما يساعد النبات على وصول المياه التي يحتاج إليها في الوقت المناسب.
ويضيف: "من المهم رفع قدرة النباتات على مقاومة التغيرات المناخية والآفات واستخدام طرق المكافحة البيولوجية، مثل الحشرات النافعة التي تقاوم تلك الضارة، بدلاً من المبيدات الكيماوية".
من جهته، تحدث المهندس مفتاح عبد الرحمن حول مقترحات للتصدي لمخاطر التغيرات المناخية على النبات، مشيراً إلى ضرورة استخدام طارد الملوحة للمياه عند تسميد الأرض وعند زراعة الأراضي الصحراوية، وعمل اختبار للمياه والتربة في معامل وزارة الزراعة قبل البدء في الزراعة، لمعرفة نوعية المحاصيل المناسبة لكل تربة سواء من الخضروات أو الفاكهة.
وأضاف: "في فصل الصيف يجب أن تروى النباتات المزروعة في أراضي صحراوية مرتين يومياً صباحاً ومساء، ويمكن توفير المياه عن طريق الآبار باستخدام الكهرباء أو الطاقة الشمسية".
ولفت إلى ضرورة تغطية الشتلات الزراعية الصغيرة في بداية مرحلة النمو، لتدفئة النبات حتى لا يضعف بسبب البرودة الشديدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...