شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كيف أفسدت العواصف الترابية فرحة المزارعين المصريين بحصاد محاصيلهم؟

كيف أفسدت العواصف الترابية فرحة المزارعين المصريين بحصاد محاصيلهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأربعاء 5 يوليو 202302:01 م

صباح يوم الخميس 1 حزيران/ يونيو الفائت، استيقظ محمود جاد على صراخ زوجته "الحق يا محمود الزرعة باظت".

هرول المزارع الخمسيني إلى حقله ليفاجأ بعاصفة ترابية وهبات رياح حارة، وسقوط ثمار المانجو واقتلاعها من أشجارها بصورة عنيفة، حاول التقاط العشرات منها، واتصل بشريكه قائلاً: "العاصفة خربت بيوتنا وربنا يعوض علينا في المحصول"، ثم مد يده إلى السماء وردد بأعلى صوته "انجدنا يا رب شقانا ضاع".

على بعد 120 متراً من محافظة القاهرة، تستقبلك مزارع المانغو بألوانها الحمراء والصفراء والخضراء، ويتباهى المزارعون في محافظة الإسماعيلية بأنهم ملوك المانجو في العالم كله، وأنه لا مثيل لـ"حلاوتها"، فالمحافظة التي تطل على قناة السويس تنتج وحدها ثلث إنتاجية مصر بحسب إحصائيات وزارة الزراعة، لكن يبدو بأن المحصول هذا العام سيخيب آمال المزارعين بسبب التقلبات المناخية الحادة والسريعة.

لم تعد الأشجار مثل الماضي، فالآفات استعمرت جذورها ولم تعد تتحمل تذبذب درجات الحرارة وتقلبات الجو المستمرة.

ويُطلق المزارعون على موسم حصاد المانغو "موسم الفرج"، إشارة منهم إلى الخير الذي يعم على الجميع بداية من صاحب المزرعة وحتى أصغر عامل، إلا أن المنخفض الخماسيني الذي أثر على جميع المحافظات المصرية تسبب في تساقط الثمار في أخطر مراحل نموها، فخرجت من فترة حضانتها على حد وصف المزارعين.

بدورها، لا تمل وفاء صالح من إقناع زوجها المزارع أحمد سالم بشكل يومي باقتلاع أشجار المانغو التي أصبحت هماً وعبئاً ثقيلين على الأسرة محدودة الدخل، واستبدالها بمحاصيل بديلة أكثر قدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.

ينظر إليها بنظرات بائسة ويذكّرها بعمر الأشجار الذي يقارب عمر أبنائهم، وأن كل شجرة تحمل ذكريات حلوة ومرة، إلا أنه من الواضح أن الفكرة أصبحت قابلة للتنفيذ بعدما تخطت خسائر المحصول 50% هذا العام.

يشير سالم إلى إحدى الشجيرات في مزرعته ويربت على جذوعها ويحدثنا عنها قائلاً: "هذه الشجرة لقبتها عايدة على اسم ابنتي الكبرى، كانت وش الخير علينا من 30 سنة وكانت تحمل مئات الثمار، إلا أنها الآن لم تعد مثل الماضي، فالآفات استعمرت جذورها العتيقة ولم تعد تتحمل تذبذب درجات الحرارة وتقلبات الجو المستمرة".

خسارة نصف المحصول

"نشعر بالإحباط"، بكلمات مقتضبة قال المزارع أحمد زهران لرصيف22: "لأول مرة نرى فصول السنة كلها مجتمعة في يوم واحد، أمطار وعاصفة ترابية وحرارة كسرت حاجز الأربعين درجة، وجميعنا كان يشعر بالعجز وهو يرى محصوله يضيع أمام عينيه، فثمرة المانجو معروفة بحساسيتها من التقلبات المناخية، وتحتاج إلى استقرار مناخي وحرارة معتدلة وسكون الرياح حتى يكتمل نضجها، وخسارتنا هذا الموسم تتخطى 40%".

مرحلة ما بعد انتهاء العاصفة تعد الأصعب عند المزارعين، فهي تحتاج إلى مكافحة الآفات التي تظهر مع العاصفة وتُكلف مبالغ باهظة قد لا يستطيع جميعهم سدادها، وبعض الآفات تلتزق بأوراق الشجر وتحتاج إلى المرور على جميع الأشجار للتأكد من التخلص من بيض الحشرات وهو أمر مرهق

يخشى المزارعون من تساقط الثمار في شهر حزيران/ يونيو كل عام، وهي الفترة التي تتعرض فيها المحاصيل لموجات حرارية مرتفعة، تؤدي إلى سقوط ثمرات الفواكه خاصة المانغو والرمان، إلا أنهم لم يتوقعوا أن تكون الموجات الحارة بهذه الحدة، وهو ما أرجعه المزارع محمد طلعت إلى التغيرات المناخية الحادة التي طالت جميع المحاصيل الزراعية، في ظل غياب دور أجهزة الدولة لإجراء حلول عاجلة للتكيف المناخي وإنقاذ القطاع الزراعي.

وقال طلعت لرصيف22: "اعتقدنا أننا نجونا من برودة ليالي الشتاء إلا أننا اصطدمنا بتقلبات الربيع، وطوال عملي في الزراعة لم أرَ عاصفة ترابية تستمر لمدة 24 ساعة كاملة دون توقف، فكان من المعتاد أن تستغرق ساعة، الأمر الذي زاد من صعوبة التعامل مع المحاصيل، وأدى إلى ارتفاع نسبة الخسارة المعتادة خلال هذه الفترة من العام والتي ينشط فيها منخفض الخماسين".

وتعرضت مصر في بداية حزيران/ يونيو الفائت لعاصفة ترابية وصفت بأنها "مخيفة" ودرجات حرارة قياسية في فصل الربيع وصلت إلى أربعين مئوية، وأشارت الأرصاد الجوية إلى أن "فصل الربيع معروف بكونه فصل المنخفضات الخماسينية ويكون مركزها الصحراء الغربية، فيصاحبها انخفاض في مستوى الضغط الجوي وبالتالي ارتفاع درجات الحرارة ونشاط للرياح المثيرة للرمال والأتربة على فترات متقطعة قد تصل لحد العاصفة".

ولا توجد أرقام رسمية بعد عن نسبة خسارة المزارعين بسبب العاصفة، حسب تصريحات المهندس أحمد البعلي مدير الإرشاد الزراعي في وزارة الزراعة، وأشار لرصيف22 إلى أنه لم يبادر أحد من المزارعين بالكشف عن نسبة خسارته بسبب العاصفة.

ومن جانبه أكد وحيد سعودي خبير الأرصاد الجوية أننا نشهد تطرفاً مناخياً ليس في مصر فقط ولكن على مستوى العالم، بسبب زيادة الملوثات في الغلاف الجوي، الأمر الذي أدى إلى تطور في دورة الرياح.

لا توجد أرقام رسمية بعد عن نسبة خسارة المزارعين بسبب العاصفة.

وقال سعودي لرصيف22 إن كل موسم له بداية متفق عليها دولياً، لكن البداية المناخية بدأت تختلف، وهو ما شعرنا به في موسم الشتاء الذي جاء دافئاً وكانت الأمطار شحيحة، ما أثر على المناطق التي تعتمد على مياه الأمطار في ري محاصيلها الزراعية.

وحول تكرار حدوث الموجات الحارة في غير مواسمها والعواصف الترابية والرملية المتطرفة، أشار سعودي إلى أن ذلك يتوقف على مدى التزام الدول الصناعية الكبرى بالحد من الملوثات، وهو ما سيكون له مردود إيجابي على الصحة والزراعة والاقتصاد.

إنشاء صندوق للكوارث

عملية "الكمر" حيلة يلجأ إليها المزارعون مع ثمار الفاكهة التي سقطت من على أشجارها بسبب العواصف ولم تصل لمرحلة النضج بعد، أشار محمد طلعت إلى أنها قد تصيب مع بعض الثمار مثل الطماطم التي تغطى بشكل محكم لعدة أيام ليتحول لونها من الأخضر إلى الأحمر، إلا أن وسيلة الكمر لا تصلح مع المانغو لأن الثمار التي وقعت بفعل الرياح وهي صغيرة وغير ناضجة لن تصل لمرحلة النمو من خلال الكمر.

مرحلة ما بعد انتهاء العاصفة الترابية تعد الأصعب عند المزارعين، فهي تحتاج إلى مكافحة الآفات التي تظهر مع العاصفة وتُكلف مبالغ باهظة قد لا يستطيع جميعهم سدادها، على حسب رواية المزارع محمد أمين، ويوضح بأن بعض الآفات تلتزق بأوراق الشجر وتحتاج إلى مروره على جميع الأشجار للتأكد من التخلص من بيض الحشرات، وهو أمر مرهق ويزيد من الأعباء التي يتحملها المزارع وحده.

ويطالب المزارعون بإنشاء صندوق كوارث لصرف تعويضات لهم في ظل الأضرار والخسائر التي تلاحقهم بسبب التغيرات المناخية التي لا يستطيع أحد التعامل معها.

لأول مرة نرى فصول السنة كلها مجتمعة في يوم واحد، أمطار وعاصفة ترابية وحرارة كسرت حاجز الأربعين درجة، وجميعنا كان يشعر بالعجز وهو يرى محصوله يضيع أمام عينيه، فثمرة المانجو معروفة بحساسيتها من التقلبات المناخية، وتحتاج إلى استقرار مناخي وحرارة معتدلة وسكون الرياح

وأكد الدكتور شاكر أبو المعاطي أستاذ المناخ الزراعي لرصيف22 أن ظهور العواصف الترابية بهذه الحدة خلال فصل الربيع وعلى فترات متتالية أثر على الخريطة الصنفية لجميع المحاصيل الزراعية، وأدى إلى ظهور آفات حشرية جديدة لم تكون موجودة في مصر، مثل دودة الحشد الخريفية التي لها قدرة فائقة على تدمير المحاصيل في أيام معدودة.

وأوضح المتحدث أن العواصف الترابية لها تأثير كبير على الأشجار الصيفية صغيرة العمر أو البساتين المصابة بحشرة المن أو الندوة العسلية، التي تساعد في التصاق الأتربة والعواصف بأوراق الأشجار، الأمر الذي يعطل عملية التزهير ويخفض من إنتاجية المحاصيل.

ويرى عبد المعاطي بأن القطاع الزراعي في مصر من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات المناخية، وأن إنشاء صندوق كوارث للمزارعين لتعويضهم في حال تعرضهم لخسائر جسيمة ليس الحل الأمثل، فالتكيف مع التغيرات المناخية يحتاج إلى دعم مالي كبير لا تقدر عليه الحكومات في الدول النامية، وإنما لا بد من أن تدفع الدول الصناعية الكبرى قيمة الخسائر التي حققتها بسبب الثورة الصناعية وتسببت في الاحتباس الحراري في القارة الإفريقية، التي تدفع ثمناً باهظاً رغم أنها الأقل في إصدار الانبعاثات.

ونصح بإجراء ريّات سريعة للفواكه قبل بداية ارتفاع الحرارة، وأن يتم الري في الصباح الباكر والابتعاد عن وقت الظهيرة، ورش الأشجار للتخلص من العناكب التي تنتشر عليها بعد هبوب الرياح المحملة بالأتربة.

تغيير طرق الزراعة

أكد حسين أبو صدام نقيب الفلاحين أن العواصف الترابية من أكثر التغيرات المناخية تأثيراً على النباتات، إذ تمنع وصول الضوء إلى الأوراق بما يقلل الإنتاج ويضعف النبات، وتتسبب في سقوط الأزهار والثمار من على الأشجار قبل اكتمال عملية النضج، وقد تؤدي إلى كسر الأشجار في بعض الأحيان وسقوطها واقتلاعها.

العواصف الترابية من أكثر التغيرات المناخية تأثيراً على النباتات، إذ تمنع وصول الضوء إلى الأوراق وتتسبب في سقوط الأزهار والثمار.

ورأى أبو صدام أن العواصف الترابية تؤدي في بعض الأحيان إلى ظهور رقاد القمح والذي يؤدى إلى انخفاض إنتاجيته بشكل كبير، وللعواصف تأثير سلبي على النباتات الطبية ونباتات الزينة التي يصبح شكلها غير مقبولاً بسبب الأتربة، وتحتاج إلى التنظيف وتؤدي إلى خسائر كبيرة لأصحابها.

وللحد من تأثير العواصف الترابية، ينصح المتحدث بزراعة سور نباتات أو ما يسمى بالخط الأخضر، لمنع وصول الأتربة والرياح القادمة من الصحراء الغربية إلى النباتات، ويأمل المزارعون في عمل غابات شجرية تمنع الجفاف والتصحر الذي يحدث بسبب العواصف الترابية، وشدد على ضرورة تغيير نظم الزراعة إلى النظم الحديثة، وتغيير مواعيد الزراعة والابتعاد عن زراعة الشتلات في الأوقات التي تتعرض فيها مصر للعواصف، وزراعة المحاصيل تحت الصوب الزراعية. وطالب باستنباط سلالات زراعية أكثر تحملاً للتغيرات المناخية، منها ما ينضج مبكراً أو يصمد أمام الرياح والعواصف الترابية.

ونصح الدكتور محمد عبد الشكور، رئيس قسم بحوث الزيتون وفاكهة المناطق شبه الجافة في مركز البحوث الزراعية، المزارعين بإقامة حزام قبل زراعة المحصول بعامين على الأقل في جميع الاتجاهات، خاصة الجهتين البحرية والغربية، مكوناً من 3 مصدات للرياح يصل ارتفاعها إلى 20 متراً، للحفاظ على الشتلة وضمان حماية المحصول من العواصف، فوجود مصدات الرياح يمنع سقوط الثمار من على الأشجار، ويضمن الحصول على إنتاجية مثالية تكون ضعف إنتاجية الشجرة التي لم ننشئ لها مصدات.

وذكر المتحدث بأن مصدات الرياح تحافظ على مياه الري بنسبة تراوح ما بين 5 و 7 %، لأنها تحافظ على المياه الموجودة حول جذع الشجرة، وبدونها يحتاج المزارع إلى تأمين مياه أكثر للمحاصيل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard