"هل تتحوّل المانغا إلى أشجار زينة فقط ولا تؤتي بأي ثمار؟"، هكذا بدأ مزارع المانغا المصري محمد السيد الحلوطي حديثه مع رصيف22، وأضاف: "أشعر بالألم وأنا أمشي بين الأشجار التي كانت منذ سنوات تطرح بكرم، والآن كثرت الأمراض التي نحاول أن نسيطر عليها ولكن التكلفة عالية جداً والخسائر كبيرة".
يواجه مزارعو المانغا في مصر أزمة حقيقية بسبب التأثير الكبير للتغيرات المناخية على الإنتاجية، إذ وصلت خسائر بعض المزارعين إلى النصف حسبما أكده بعضهم، بعد أن تسببت هذه التغيرات في ضعف الإنتاج وظهور أمراض جديدة.
ولزراعة المانغا أهمية كبيرة للاقتصاد المصري، إذ أشار معهد بحوث البساتين أن مصر تزرع هذه الفاكهة ضمن مساحة تقدر بقرابة 305 ألف فدان، تحتل محافظة الإسماعيلية ربع هذه المساحة تقريباً، وتصدر البلاد سنوياً ما يقرب من مليون و100 ألف طن، كما أنها تصنف العاشرة عالمياً في تصدير المانغا.
هل تتحوّل المانغا إلى أشجار زينة فقط ولا تؤتي بأي ثمار؟
تأثيرات الحرارة والرياح والصقيع
يوضح استشاري محصول المانغا المهندس كرم سليمان طبيعة المانغا لرصيف22: "تزرع هذه الفاكهة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وفي المناطق الدافئة إلى الشبه الاستوائية مثل مصر، والمناطق المثلى لإنتاج المانغا هي المناطق التي يكون فيها المناخ بارداً أو جافاً أو بارداً وجافاً قبل التزهير، أي وقت التحول والتكشف الزهري للبراعم، ومتبوعاً بوفرة رطوبة التربة ودرجة حرارة متوسطة الدفء، أي ما بين 30 و 35 درجة مئوية".
وتتمثل التغيرات المناخية في عوامل هي درجة الحرارة المرتفعة أو المنخفضة، والرياح، والأمطار، والرطوبة الجوية، ويشرح الاستشاري أكثر بقوله: "يؤدي انخفاض درجة الحرارة إلى حدوث أضرار بالغة في الأشجار، ربما تصل لتدمير مساحات شاسعة من زراعات المانغا، خاصة في المناطق المنخفضة أو بالنسبة للأشجار الضعيفة التي لم تؤخذ التدابير اللازمة لوقايتها من أضرار الصقيع، الذي يتسبب بانفجار الأنسجة الداخلية للخلايا، وتوقف تام لعمليات الامتصاص وجميع العمليات الحيوية في النبات".
أما ارتفاع درجات الحرارة بصورة مطردة، فيؤدي وفق المتحدث لانتشار مكثف لبعض أجيال الآفات الحشرية الضارة، وانتشار مبكر لأمراض فطرية مثل البياض الدقيقي والأنثراكنوز، وبعض الأمراض مثل لسعات الثمار التي تقلل من القيمة التسويقية لثمار المانغا.
كذلك تؤدي الرياح الشديدة والجافة أثناء مرحلة التزهير والعقد الى تقليل فرص التلقيح والإخصاب، مما يؤثر سلباً على اكتمال العقد وضعف الإنتاج، وأيضاً تتسبب الرياح الجافة المحملة بالرمال الى حدوث جروح وتشوهات في الثميرات الصغيرة والثمار الكبيرة مما يقلل قيمتها السوقية، كما أن سقوط الأمطار أثناء تفتق أزهار الأشجار يعوق عملية التلقيح بواسطة الحشرات التي لا تنشط أثناء المطر والرياح الشديدة، كما أن المطر يزيل حبوب اللقاح من مياسم الأزهار فلا تتم عملية الإخصاب ولا يتم العقد.
من الأمراض التي تصيب أشجار المانغا بسبب التغيرات المناخية
وقالت لرصيف22 الدكتورة سناء عبيد رئيسة قسم الفاكهة الاستوائية بمعهد بحوث البساتين عن أضرار الصقيع على فاكهة المانغا: "انخفاض الحرارة الشديد في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير بشكل زائد عن الحد المعتاد، إذ قد تصل الحرارة ليلاً إلى 5 درجات مئوية تحت الصفر، هو أمر لا يتحمله شجر المانغا، وخاصة لو كان في مرحلة التزهير والتلقيح، فتموت البراعم الحديثة".
"لن أتخلى عنها"
يتابع السيد الحلوطي، وهو أحد مزارعي محافظة الإسماعيلية: "أزرع المانغا منذ ما يزيد عن 15 عاماً وأمتلك أربعة فدانين اعتدت زراعتها. كانت الأمور سهلة، ولم تكن هذه الشجرة تحتاج لتكلفة كبيرة، فكنا نروي في التوقيت المناسب فقط، حتى اختلف الأمر منذ عام 2018 وبدأ يزداد سوءاً. فوجئنا بظهور أمراض وحشرات لم نسمع عنها من قبل، أسوأها مرض العفن الهبابي الذي يصيب الأوراق وينتقل إلى كل الأشجار بسرعة كبيرة".
ويضيف: "التخلص من العفن الهبابي يتطلب أسمدة ورش مبيدات قد تصل تكلفتها أسبوعياً للفدان الواحد إلى ألف جنيه، مما يحمل المزارع تكلفة كبيرة تتعدي 50 ألف جنيه سنوياً (قرابة 1600 دولار)، والمصيبة الأكبر أن الفدان الذي كانت تراوح إنتاجيته بين ثلاثة وخمسة أطنان من المانغا كل عام، أصبح ينتج فقط طناً أو اثنين على الأكثر، ولذلك تخلى عدد كبير من المزارعين هنا عن مزارعهم وباعوها، أو تحولوا لزراعة فاكهة أخرى. أنا قررت الاستمرار فلم أقدر على خلع شجرة مانغا واحدة، ولن أتخلى عنها حتى لو أصبحت للزينة فقط".
يؤدي انخفاض درجة الحرارة إلى حدوث أضرار بالغة في الأشجار، ربما تصل لتدمير مساحات شاسعة من زراعات المانغا، خاصة في المناطق المنخفضة أو بالنسبة للأشجار الضعيفة التي لم تؤخذ التدابير اللازمة لوقايتها من أضرار الصقيع، الذي يتسبب بانفجار الأنسجة الداخلية للخلايا
بدوره يتحدث الحاج رمضان وهو مزارع مانغا في محافظة الإسماعيلية، عن المهنة التي ورثها أباً عن جد ويعمل فيها منذ أكثر من 50 عاماً: "نزرع أكثر من 100 فدان، ونورّد إنتاجنا لكثير من المناطق، وكانت زراعة المانغا من أسهل ما يكون، ولا تحتاج لعمالة كثيرة، ولكن منذ سنوات تغير الجو واختلفت معه الأوضاع، فالمانغا في كل مرحلة تحتاج درجة حرارة معينة. فوجئنا بشدة الصقيع وارتفاع درجة الحرارة في الصيف عن المعتاد، وبدأت الأمراض تظهر، منها ما لم نسمع به من قبل".
ويكمل الحاج رمضان: "للتخلص من كل هذه الأمراض أصبحنا نشتري السماد ونرش بشكل مستمر، فبات الفدان الواحد يكلف سنوياً نحو 25 ألف جنيه، فلو حتى كسب المزارع 70 أو 100 ألف منه، فقد أنفق ثلث الأرباح على علاج الأشجار، وهذه المشكلة تكون أشد وقعاً على المُزارع الصغير الذي يزرع فداناً أو اثنين. أنا لم أشعر بوطأة الخسارة لأن لدي مساحة كبيرة".
تأثير الصقيع على أشجار المانغا
وفي هذا السياق، أوضح المهندس سامح حسين استشاري شتلات المانغا بالإسماعيلية: "عام 2021 وصلت خسائر المحصول إلى 70% بسبب عدم استعداد المزارعين للتغيرات المناخية، وحصد عدد كبير منهم 30% من الإنتاجية المعتادة فقط، وفي العام الماضي بدأ الأمر بالتحسن وانخفضت نسبة الخسارة إلى 40%، مع اتخاذ البعض إجراءات للتكيف لم تكن في الحسبان من قبل، مثل التقليم والرش باستمرار للتخلص من العفن رغم التكلفة، كما بدأنا في زراعة أنواع أخرى من المانغا أكثر تحملاً للحرارة"، ويلفت المهندس إلى أنه مع الوقت بدأ المزارعون بالتعرف على إجراءات أخرى تقلل من الخسائر وتجعلهم يعرفون كيفية التعامل مع أمراض الصقيع والحرارة.
التقليم والتهوية والتدفئة
يتحدث حسين عن مرض العفن الهبابي باعتباره أشهر وأخطر الأمراض التي تواجه مزارعي المانغا، ويشير إلى أن مكافحة هذا المرض تحتاج إلى تهوية وتقليم، وضرورة دخول ضوء الشمس داخل الشجرة، وبالطبع يساعد الرش على القضاء عليه.
وتطرح الدكتورة سناء عبيد حلولاً لمشكلة الصقيع وبعض الخطوات التي على المزارعين اتباعها، وأهمها الري بالرذاذ أو الري السطحي وخاصة عند انخفاض الحرارة في الليل، بإعطاء دفعات من المياه، وتشغيل الرشاشات باستمرار عند حدوث الصقيع حتى تنتهي الموجة تماماً وتذوب طبقة الثلج فوق الأوراق.
للتخلص من هذه الأمراض أصبحنا نشتري السماد ونرش بشكل مستمر، فبات الفدان الواحد يكلف سنوياً نحو 25 ألف جنيه، فلو حتى كسب المزارع 70 أو 100 ألف منه، فقد أنفق ثلث الأرباح على علاج الأشجار، وهذه المشكلة تكون أشد وقعاً على المُزارع الصغير الذي يزرع فداناً أو اثنين
وتضيف: "يجب استخدام كل الوسائل المتاحة لتدفئة الأشجار عن طريق استخدام أي مصادر تشيع حرارة ودفئاً، مثل الكشافات الحرارية أو السخانات الكهربائية، كما يفضل تغطية الأشجار بشكل كامل بالأكياس أو جريد النخل في السنتين الأوليين من عمر الشجرة، أو وضع طبقات سميكة من نشارة الخشب والقش حول الشجرة لتدفئة الجذور، كما يجب الامتناع عن أي تقليم أو إزالة للأفرع حتى دخول الربيع".
وتشير إلى ضرورة مراعاة اختيار الموقع المناسب لزراعة المانغا، مشددةً على ألا يكون ذلك في المناطق المنخفضة حيث تتركز كتل الهواء البارد. كما تنصح بالرش بالكبريت الميكروني كإجراء وقائي من أمراض البياض الدقيقي وأكاروس صدأ المانغا.
ويختم السيد جمعة بأن المزارع الذي يدفع من أجل الرش وغيره سيعود ذلك عليه بالربح ، مشدّداً على ضرورة زراعة أنواع أخرى من المانغا، مثل مانجو "كيت"، التي تصل إنتاجيتها للفدان الواحد 10 أطنان وأكثر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...