طوال العامين الماضيين عانى رجب علي السيد، وهو مزارع من قرية كومير بمحافظة الأقصر المصرية، من خسائر شديدة في محصول قصب السكر، إذ تسببت موجات الصقيع التي زادت حدتها في الأعوام الأخيرة، في ظهور آفات وحشرات دمرت المحصول وقللت إنتاجيته التي باتت دون النصف.
يقول لرصيف22: "اعتدت منذ سنوات زراعة قصب السكر، وهو من الزراعات الشتوية الإستراتيجية في مصر، إلا أن المحصول من العام الماضي أصبح قليل الإنتاجية بسبب ظهور آفات جديدة تسببت في وقف نموه وقلة الإنتاج". ويوضح: "ظهرت حشرات قشرية ونمش أسود أو ما يسمى بالعفن الأسود، وهي آفات جديدة علينا، كما انتشرت الآفات الغريبة على جميع الزراعات الشتوية مثل القمح وقصب السكر والبصل والثوم والبرسيم".
ويصيب العفن الأسود أنسجة نبات قصب السكر، ويكوّن فجوات كبيرة، والإصابة بهذا الفطر تعوّق عملية تكوين الجذور، مما يؤدي إلى تعفن البراعم وعدم خروج الأوراق، وتالياً حدوث خسائر كبيرة، ويستعين رجب بالجمعية الزراعية لمساعدته في القضاء على هذه الآفات التي لا يستطيع التعامل معها رغم خبرته الطويلة في الزراعة.
المحصول من العام الماضي أصبح قليل الإنتاجية بسبب ظهور آفات جديدة تسببت في وقف نموه وقلة الإنتاج.
ويعطي رجب للمهندسين بالجمعية وصفاً للحشرة ومساحة الأرض ليحددوا له الكمية المناسبة من المبيدات وكيفية استخدامها ويوفرونها له بسعر زهيد، وإذا لم تتوافر المبيدات في الجمعية يضطر لشرائها من الشركات وتكون تكلفتها مرتفعة جداً، لا تتناسب مع الأرباح التي يحصل عليها من بيع المحصول والتي قلت هي الأخرى إلى ما دون النصف على حد تعبيره.
توقعات بزيادة الحشرات
يقول عاصم عبد المنعم أحمد، وهو أستاذ مساعد في المعمل المركزي للمناخ الزراعي التابع لوزارة الزراعة المصرية، إن التغيرات المناخية ستؤدي إلى زيادة عدد الحشرات التي يمكن أن تسبب زيادة خسائر المحاصيل الزراعية بنسبة تراوح بين 10% و 25%.
ويوضح لرصيف22: "تؤدي زيادة هطول الأمطار على بعض المناطق في فصل الشتاء إلى زيادة النمو الخضري للمحاصيل التي تشكل غذاء للحشرات، ويمكن أن تسهّل تراكم الحشرات كما حدث بالنسبة للجراد الصحراوي، إذ سمحت الأمطار الغزيرة بحصوله على الطعام والتكاثر وسرعة الانتشار، وهو الحال أيضاً بالنسبة لدودة الحشد الخريفية إذ دعمت الأمطار الغزيرة نمو النباتات الداعمة لها".
وفي دراسة تحليلية للباحثة عزيزة سليمان، الأخصائية بإدارة الإحصاء في الهيئة العامة للأرصاد الجوية، أن "مناخ مصر الفصلي تغير بشدة بخاصة خلال العقدين السابقين"، وتوضح سليمان ميل درجة الحرارة في فصل الشتاء في مصر إلى الانخفاض عن المعدل الطبيعي منذ العام 2000. كما شهدت مصر في الأعوام الأخيرة موجات صقيع وثلوج متكررة غير مسبوقة، ما دفع مسؤولين إلى القول إن طقس مصر أصبح "شديد الحرارة والرطوبة صيفاً وقارس البرودة شتاء".
دودة القوقع والصدأ
انتشرت دودة القوقع على جميع النباتات التي يزرعها مجدي أبو العلا، وهو مزارع من قرية ناهيا التابعة لمحافظة الجيزة، وزادت أضعافاً مع تغيرات المناخ، ويقول لرصيف22: "لا أستطيع مقاومة هذه الحشرة التي انتشرت حول النباتات، وهو ما لم أشاهده من قبل رغم عملي بالزراعة خمسة وأربعين عاماً".
ويبيّن مجدي، وهو نقيب الفلاحين في محافظة الجيزة: "قديماً كان انتشار هذه الحشرة محدوداً، يمكن أن نجد منها ثلاثاً فقط في كل متر مربع، وغالباً ما تكون حول الترع، ولكن حالياً هناك نحو خمسين في نفس المساحة وحول النبتة نفسها". ويستطرد: "هذه الحشرة تهدد المحاصيل، فإذا اقتربت من الثمرة تفرز مادتها اللزجة عليها فتتسبب في موت الزهر، وإذا تحركت في قلب النبات توقف نموه وتدمره".
إذا وقع الصقيع على الورقة أو السيقان يتسبب في انتشار الحمرة أو الصدأ، وتالياً بقاء المياه والندى على النبات فترات طويلة وعدم تبخره، أما إذا وقع على قلب عود النبات فيتسبب في انكماشه ومنع التزهير، وإذا كان النبات مجرد بذرة فتتسبب البرودة الشديدة بتوقف نمو الجذور
لا يستطيع مجدي مواجهة دودة القوقع التي لا تقتلها أي مبيدات يعرفها، لذا يضطر إلى استخدام مبيدات السولار أو الجير الحي، ولكن هذه الطرق تسبب موت النبات أيضاً، حسب تعبيره.
وضمن هذا السياق، يشير عاصم عبد المنعم أحمد إلى أن الرياح الشديدة والعواصف تساهم في نقل الجراثيم ومسببات الأمراض لمسافات طويلة حتى عبر القارات، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وخسائر للمزارع أو المنتج والدخل الزراعي عموماً ومن ثم الدخل القومي.
إلى جانب ذلك، يشرح مجدي تأثيرات أخرى للصقيع على إنتاجية النبات: "إذا وقع الصقيع على الورقة أو السيقان يتسبب في انتشار الحمرة أو الصدأ، وتالياً بقاء المياه والندى على النبات فترات طويلة وعدم تبخره لانخفاض درجة الحرارة، أما إذا وقع على قلب عود النبات فيتسبب في انكماشه ومنع التزهير، وإذا كان النبات مجرد بذرة فتتسبب البرودة الشديدة بتوقف نمو الجذور، فلا تأخذ البذور مرحلة نموها الطبيعي، وإذا وقع الصقيع على النباتات التي تثمر طوال العام مثل الطماطم والخيار فتذبل وتموت".
شهدت مصر في الأعوام الأخيرة موجات صقيع وثلوج متكررة غير مسبوقة.
وأشار محمد فهيم، مستشار وزير الزراعة المصري في تصريحات إعلامية، إلى أنه بسبب تأثيرات ظواهر تغير المناخ مثل موجات الحر أو الصقيع الشديدة، قد يحدث انخفاض حاد في الإنتاجية، أو قدرة المحصول على تحمل مراحل التخزين أو التداول، أو حدوث مشاكل فعلية فى فترة ما بعد الحصاد. وأوضح أن "الظروف المناخية الشديدة التقلب مناسبة لتطور دورات حياة الآفات والأمراض النباتية، والتي فاقت قدرة المواد الفعالة للمبيدات المتداولة في الحد منها، كما ظهرت آفات جديدة في مناطق لم تكن موجودة بها، وتحول قطاع كبير من الأمراض الثانوية إلى آفات وأمراض نباتية رئيسية".
القمح خسر نصف إنتاجيته
في السنوات الأخيرة، انتشرت حشرات جديدة على محصول القمح الذي يزرعه طلحة بدوي، وهو مزارع من قرية طمير في محافظة الأقصر جنوب مصر، وذلك مع انتشار موجات الصقيع واستمرارها لأيام طويلة. يقول لرصيف22: "ظهرت حشرات قشرية جديدة وحشائش الفأر على محصول القمح الذي أزرعه على مساحة عشرة فدانين، تسببت في قلة الإنتاج الذي يخرج من الأرض للنصف، وإذا لم أكافحها تضعف الإنتاجية أكثر فأكثر".
وحسب طلحة، هناك عدة عوامل مجتمعة تسببت في ضعف إنتاجية محصول القمح، وهو من المحاصيل الإستراتيجية الشتوية في مصر، ومنها زيادة المياه الجوفية في الأرض التي تظهر أكثر في فصل الشتاء بسبب قلة سطوع الشمس وزيادة موجات الصقيع، ويضيف: "مع موجات البرد القارس وقلة سطوع الشمس، وجدنا المياه الجوفية على بعد نصف متر فقط من سطح الأرض وقت حرثها في الشتاء، مما تسبب في ضعف النبات، وهو ما لم يكن يحدث قديماً، خاصة أن صعيد مصر معروف بشمسه الساطعة صيفاً وشتاء".
ولم تؤثر موجات الصقيع على محصول القمح فقط، فقد أثرت هذه الموجات المتتالية على نبات قصب السكر ونبات الذرة الذي يزرع في الصيف وينتج في الشتاء، فأدى الصقيع إلى ذبول أوراق الذرة وهي الجزء المسؤول عن توفير الغذاء للأوراق.
ويكمل طلحة: "ليست لدي أي إمكانيات مادية لتوفير الحماية المناسبة للنباتات من الصقيع، ولا يوجد أي دعم من المؤسسات والمنظمات الدولية المهتمة بالزراعة، أو الجمعية الزراعية في قريتي لمساعدتي في التكيف مع هذه التغيرات".
"التزريبة" والريّ للتكيف مع الصقيع
اعتمد مجدي أبو العلا على بعض الطرق المبتكرة للتكيف مع موجات الصقيع وحماية نباتاته منها: "أعتمد على طرق تقليدية لحماية البذور، فعندما أعلم بقدوم موجة صقيع من نشرات هيئة الأرصاد الجوية ونشرات وزارة الزراعة أعمل ‘تزريبة’، باستخدام نبات الذرة الناشفة أو التيل، ووضعه في خطوط لحماية البذرة من الصقيع، وهي توضع في عكس اتجاه الشمس، بحيث تستمتع البذور بالشمس وفي نفس الوقت نحميها من الرياح والصقيع حتى تنمو".
أعتمد على طرق تقليدية لحماية البذور، فعندما أعلم بقدوم موجة صقيع من نشرات هيئة الأرصاد الجوية ونشرات وزارة الزراعة أعمل ‘تزريبة’، باستخدام نبات الذرة الناشفة أو التيل، ووضعه في خطوط لحماية البذرة من الصقيع، وهي توضع في عكس اتجاه الشمس
ويقول المهندس الزراعي أحمد مناع لرصيف22 إن الكثير من الشركات العاملة في مجال المبيدات الزراعية تستغل عدم قدرة الفلاحين على وقف ضرر موجات الصقيع على النباتات، وتبيع لهم منتجات تدّعي أنها تساعد على حماية النباتات، منها سيليكات البوتاسيوم، وتروّج لإمكانية عمل دخان في الأرض للتدفئة، ولكن كل هذه الطرق تستنزف الفلاحين مادياً فقط، ولا تجدي نفعاً.
وأكد أن الوسيلة المتاحة أمام الفلاحين لتقليل الآثار السلبية للصقيع على الزراعات هي ري الأرض جيداً قبل موعد الصقيع، ويبرر ذلك بأن المياه تحافظ على العصارة داخل النبات مما يجعل قدرته على مقاومة الصقيع أكبر وبالتالي لا يجف أو يموت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين