في مواجهة التغيرات المناخية والأمراض التي تفتك بالمحصول وتسبب خسائر فادحة، عملت مصر على استنباط أصناف عالية الإنتاجية من القمح، وتتميز بكونها قليلة الاحتياج للماء، خاصة مع معاناة البلاد من شح مائي حاد، إذ تنخفض كميات المياه المتوافرة فيها لأقل من نصف المعدل العالمي المطلوب.
وقد بدأت مساعي مصر للحصول على أصناف جديدة من القمح منذ التسعينيات، كما يشير الدكتور خالد جاد مدير المكتب الفني لرئيس معهد بحوث المحاصيل الحقلية وعضو الحملة القومية للقمح، وقد أعلن وزير الزراعة مطلع العام الحالي عن أربعة أصناف جديدة وهي مصر 3، سخا 95، سدس 14، بني سويف 8، استمرت رحلة العمل على كل صنف منها 12 عاماً، في حين سيطرح صنف خامس وهو مصر 4 العام المقبل. ويستغرق الصنف الواحد 12 عاماً من العمل والتجريب قبل طرحه في الأسواق، ثم يتم إكثار البذور إلى أن تصبح جاهزة لتوزيعها على المزارعين.
بدأت مساعي مصر للحصول على أصناف جديدة من القمح منذ التسعينيات.
ويشرح جاد لرصيف22 بن الأصناف المستحدثة حققت إنتاجية عالية، وكانت سبباً في زيادة أرباح المزارعين، علاوة على انخفاض الفاقد مقارنة بالأصناف الاعتيادية، ويؤكد بأن التوسع في إنتاج هذه الأصناف سيكون مكسباً مهماً لمصر، في وقت تتكبد الدولة فاتورة استيرادية ضخمة من القمح، إذ ارتفعت وارداتها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بنحو 668 مليون دولار مقارنة بـ341 مليون دولار عام 2021.
التكيف مع الطقس المتغير
يرجع الدكتور عاصم عبد المنعم، الأستاذ المساعد والباحث في المعمل المركزي للمناخ الزراعي بمركز البحوث الزراعية، قيام الباحثين باستنباط أصناف جديدة من القمح، إلى الرغبة بالتكيف مع الطقس المتطرف، وزيادة الإنتاجية لهذا المحصول الاستراتيجي المرتبط بالأمن الغذائي.
وساهم ذلك في زيادة إنتاجية الفدان، من متوسط 8 أردب (الإردب يساوي 150 كيلوغراماً) في الثمانينيات إلى نحو 19 أردباً كمتوسط عام في مصر اليوم، مع وجود بعض الأصناف التي تصل فيها الإنتاجية لأكثر من 30 أردباً للفدان، وذلك وفقاً للبرنامج القومي للقمح والذي يتم العمل عليه في أكثر من محطة بحثية مثل سخا في كفر الشيخ، وسدس في بني سويف.
وبلغت المساحة المزروعة بالقمح نحو 3.6 مليون فدان بحسب بيانات وزارة الزراعة، بعد أن كانت 3.4 مليون فدان خلال عامي 2019 /2022، ويعد قسم بحوث القمح بمعهد المحاصيل الحقلية والتابع لمركز البحوث الزراعية صاحب الريادة في هذا المجال بوضعه الخريطة الصنفية الملائمة لكل محافظة، ونشر توصيات وتقنيات زراعة الأصناف الحديثة العالية المحصول المقاومة للأمراض، مثل مصر 1، 2، 3، 4، سدس 14، سخا 95، جيزة 171 وهي من أصناف قمح الخبز، وبني سويف 5 و7 وهي من قمح المعكرونة، وغيرها من الأصناف الحديثة التي لا تقل متوسط إنتاجيتها عن 24 أردباً للفدان.
تجارب زراعة أصناف القمح الجديدة في مصر
حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين في مصر وأحد مزارعي أصناف القمح الجديدة، يقول لرصيف22: "زرعت هذا العام 12 فداناً من الأصناف المستنبطة حديثاً مثل بني سويف1 و2 وسخا 95، ورصدت زيادة في الإنتاجية من 17 إلى 28 أردباً للفدان لدى المزارعين الذين استبدلوا الأصناف البلدية بالمستنبطة حديثاً".
مزايا إنتاجية
من المزايا التي تحققها زراعة الأصناف المستنبطة حديثاً من القمح، خفض التكلفة نتيجة تقليل المدخلات من مياه وبذور، نظراً لتحملها الأراضي ذات درجات الملوحة العالية مقارنة بالأصناف القديمة، وفي هذا السياق يشير الدكتور خالد جاد لتكلف زراعة الفدان الواحد من تلك الأصناف 12 ألف جنيه (قرابة 390 دولاراً)، شاملة القيمة الإيجارية للأرض، ويزرع الفدان بكميات أقل من البذور تراوح بين 40 و 50 كيلوغراماً بدلاً من 70 كيلوغراماً في الأصناف القديمة.
تعتبر سياسة التوسع الأفقي في زراعة الأصناف العالية الإنتاجية والمقاومة لكثير من الصفات البيئية غير المرغوبة في غاية الأهمية، لكونها أحد محاور تقليل حجم الفجوة الحالية بين الإنتاج والاستهلاك لمحصول القمح
وفقاً لجاد تمت زراعة الأصناف الخمسة في ظروف صعبة، مثل الأراضي المتأثرة بالملوحة، ودرجات الحرارة العالية، كما جُرب استخدام كميات مياه ري أقل، ففي الأصناف الاعتيادية يحتاج المحصول سبعة أشهر ليتم حصاده، وبالتالي يستهلك كميات أكبر من المياه تقدر بـ2500 متر مكعب للفدان، أما الأصناف المستنبطة فتستغرق خمسة أشهر ليتم حصادها، وبالتالي يستهلك الفدان كميات أقل من المياه تصل لـ2000 متر مكعب.
إلى جانب ذلك، فإن الأصناف الجديدة أثبتت مقاومتها للصدأ الأصفر، وهو أحد أخطر الأمراض التي تصيب محصول القمح في مصر، وقد انتشر في السنوات الأخيرة في دول عدة، ومن المرجح أن العدوى تأتي بواسطة الرياح التي تنقل جراثيم الفطر من الدول المجاورة.
استنباط الأصناف المقاومة للأمراض والتغيرات المناخية رصيد استراتيجي للأمن الغذائي المصري.
وضمن هذا السياق، يشير الدكتور محمد فهيم مستشار وزير الزراعة ورئيس مركز معلومات تغير المناخ في الوزارة، إلى أن التغيرات المناخية أثرت على دول العالم بأسره مما أدى لتأثيرات كبيرة على قطاع الزراعة والأمن الغذائي.
ويضيف: "على الرغم من عدم تعرض مصر للتقلبات الجامحة أو الحادة، بتنا نتعرض أحياناً لطقس غير اعتيادي ليستمر الشتاء مع فصل الربيع، وهو ما يترك أثراً إيجابياً على بعض المحاصيل وسلبياً على الأخرى، وبالنسبة للقمح فإن الشتاء الطويل يسبب إصابته بالصدأ الأصفر".
وبحسب فهيم، تلزم وزارة الزراعة حالياً المزارعين بالخريطة الصنفية للمحاصيل، فكل منطقة في مصر تختلف عن الأخرى من حيث درجات الحرارة، وتالياً نوع القمح الملائم للمناخ والمقاوم للأمراض. ويضيف: "استنباط الأصناف المقاومة للأمراض والتغيرات المناخية رصيد استراتيجي للأمن الغذائي المصري، والحفاظ عليها وزيادة إنتاجيتها أمر هام لمصر".
روشتة علاجية
ووفق عاصم، تساهم زراعة القمح على مصاطب بتحقيق الهدف المنشود من زيادة المحصول، وتعتبر سياسة التوسع الأفقي في زراعة الأصناف العالية الإنتاجية والمقاومة لكثير من الصفات البيئية غير المرغوبة في غاية الأهمية، لكونها أحد محاور تقليل حجم الفجوة الحالية بين الإنتاج والاستهلاك لمحصول القمح، فإحلال الأصناف الحديثة العالية الإنتاجية محل المنخفضة له أثر كبير في زيادة الإنتاج الكلي.
زراعة القمح على المصاطب
والزراعة على المصاطب هي إحدى طرق الزراعة الحديثة لمحصول القمح، يسعى من خلالها المزارعون لتلافي طرق الري التقليدية، خاصة خلال الشتاء، فيتم التخلص من مياه الري الزائدة عن الحد في أماكن وحود المحصول، لينجو القمح من تراكم المياه والتلف. وبحسب عاصم تُقام المصاطب ويزرع القمح عليها، ويتم الري في المسافات بين المصاطب فقط بحيث لا تصل المياه إلى ظهرها.
من المزايا التي تحققها زراعة الأصناف المستنبطة حديثاً من القمح، خفض التكلفة نتيجة تقليل المدخلات من مياه وبذور، نظراً لتحملها الأراضي ذات درجات الملوحة العالية مقارنة بالأصناف القديمة، إلى جانب مقاومتها للصدأ الأصفر، وهو أحد أخطر الأمراض التي تصيب محصول القمح
ويشير المتحدث إلى دراسة صدرت عن معهد بحوث الاقتصاد الزراعي، ولفتت إلى أنه "في حالة إحلال صنف جميزة 9 بالوجه البحري محل الأصناف الأخرى منخفضة الإنتاجية، سيؤدي ذلك لزيادة كلية بنحو 4.13 مليون أردب التي تعادل زيادة في الإيراد الكلي بنحو 1.7 مليار جنيه خلال فترة الدراسة".
من جهته يطالب حسين أبو صدام بتعميم الأصناف الجديدة على المساحات المزروعة بالقمح في مصر، وهو أمر تكبله بعض المعوقات مثل إمكانية توفير البذور لكل المزارعين.
وينوه بأهمية الزراعة في المواعيد المناسبة دون تقديم أو تأخير، واستبدال طرق الزراعة والري التقليدية بالحديثة كالزراعة ضمن المصاطب، والعمل على توفير المبيدات اللازمة لمقاومة الأمراض والحشائش للمحافظة على المحصول، بالإضافة لاستخدام الآلات الحديثة في الحصاد لتقليل الفاقد، مع قيام المرشدين الزراعيين بدورهم بالتوعية والإرشاد، والهدف هو الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي من محصول القمح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...