شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
إلفيس بريسلي سوق الصفافير

إلفيس بريسلي سوق الصفافير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 20 مايو 202303:01 م

حياكة الكلام



قلت: "فليكن، سأنتهي من هذا الأمر". لكني زدت في الطين بلة؛ إذ رحت أدور حول زرزور وحنفي حنكو وثوانيهما الثلاث عشرة، أياماً، منشداً تعريبات متباينة لقول ابن المقفع، منتقياً منها: "قارِبْ عَدُوَّكَ بَعْضَ الْمُقارَبَةِ تنَلْ حاجَتَكَ، وَلا تُقارِبْهُ كُلَّ الْمُقارَبَةِ يَرْغَبْ عَنْكَ ناصِرُكَ". كان عدوّي رغبة لحوحة في تدقيق وقائع وذكريات عن سنتي البغداديتين في البتاوين ومدرسة الأرمن المتحدة (1976- 1978)، أما ناصري فزاغ عني؛ ذلك إني أفرطت في المقاربة، أياماً إضافية، حتى استسلمت للتجزئة، فلاح منفرج.

*****

كنت قد عزمت على أن أُقيَّد ما حفظته ذاكرتي عن مدرس الكيمياء. كتبت كلمات، وخزّنتها، ثم شاهدت الثواني الثلاث عشرة، فعدت إليها، محاولاً تجاوز عثرات، وبدأت بما اعتبرته أهونها: اسم والد وردة، فهل كان حقاً نيقوديموس؟ قد يكون هذا قريباً للصحة، إذا كان زملاؤنا الذين كانوا يمازحونه قائلين "نيقوديموس الذي أتى أولاً"، كانوا يشيرون إلى ما جاء في إنجيل يوحنا: "وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً" (يو 19: 39).

هذا ما قصدته بالتدقيق. وقتها كنت جاهلاً بكل هذا. ذاكرتي تحيا على هذا النحو: واقعة تخزّن وتقتات بمرور السنوات على ذكريات ومعارف أخرى حتى تُمحى الفواصل في مجرى الزمن، وأظن أن ذاكرة الكثيرين تفعل الشيء ذاته، إذا كانوا يمدّونها بما أحاول فعله، وحين يفعلون لا تبقى الوقائع والأحداث والشخصيات والكلمات على حالها الأول، حالها الغفل، تتشكّل وتعاد صياغتها، تصحّح أحياناً، وتتشوه أحياناً، وتظلّ في كل الأحوال محض تعبير ذاتي، مهما استند إلى ما هو خارجه كمحاولة إثبات على مطابقة الرواية، أو حتى اقترابها مما جرى بالفعل.

قال وردة، في أول لقاء لنا في باحة المدرسة: "جئتنا بعد أن ضربنا الجفاف". بعد أيام استوضحته، فأفادني: "كانت المدرسة مختلطة في جميع مراحلها، هذا العام استأصلوا من القسم الثانوي ما كان يميزه عن مدارس العراق جميعاً"... مجاز

بلا أدنى اكتراث قال وردة، في أول لقاء لنا في باحة المدرسة: "جئتنا بعد أن ضربنا الجفاف". بعد أيام استوضحته، فأفادني: "كانت المدرسة مختلطة في جميع مراحلها، يدخلها العيال، بنين وبنات، من الروضة، ويتخرجون فيها إلى الجامعة، هذا العام استأصلوا من القسم الثانوي ما كان يميزه عن مدارس العراق جميعاً".

بعد سنتين، في مدرسة السماوة، سأعاني من وطأة القرارات والسياسات التعليمية للسلطة التي عرفت باسم "التبعيث"، في الجامعة سيكون الأمر أعمق وأعنف.

*****

العثرة الكبرى أنني فقير إلى أي دليل يهديني لتذكر اسم مدرس الكيمياء. همس وردة: "يا بختك، إلفيس بريسلي سوق الصفافير راضي عنك". كنا قد خرجنا للتوّ من الفصل، حيث أوقفني المدرس وقال: "صفقوا لزميلكم، حصل على 98%، متقدماً على التالي له بثلاثين درجة، الناجحون أربعة فقط، صفقوا".

قال وردة: "لزج أنت، شاطر في الكيمياء! اذهب إليه وسله سيشرح لك ما قاله وردة باشا"، وعاودت مرات حتى تعطف الباشا وقال: "تعرف إلفيس؟"، أجبته: "طبعاً"، قال: "مدرسنا ملتاث به، تعرف سوق الصفافير؟"، قلت: "طبعاً، السوق الذي تباع فيه الصفارات"، ضحك وقال: "راسب"، ومضى.

ثم أوقفني المدرس وقال: "صفقوا لزميلكم، كنت أظنه عبقرياً، الآن بتّ متأكداً. إنه الراسب الوحيد بينكم، الشهر الماضي 98، هذا الشهر 47"، كركر وردة، مصفقاً بمرح بالغ.

*****

قال وردة: "مدرّسنا مشهور بعشقه الذي لا حدود له لإلفيس بريسلي، زملاؤه في الجامعة أطلقوا عليه هذا اللقب، أبوه وربما جده من قبله احترفا الطرق على النحاس وتشكيله، ليصنعوا منه أواني منزلية وتحفاً فنية تعلق على حوائط البيوت، لهم دكان في سوق الصفافير، تجده في شارع الرشيد قرب ساحة الرصافي، أمتار قبل تمثال الشاعر الذي أعجبك بيته: أنا بالحكومة والسياسة... دعنا من هذه الملعونة، السوق هناك، وعادة أستاذنا منذ كان طالباً وحتى اليوم، أن يذهب للعمل في دكان العائلة بعد نهاية الدوام".

أستاذنا أقرب للشاويش "عطية" منه للملك؛ أقصر وأكثر سمرة من رياض القصبي. فكرت في هذا ولم أقله خوفاً من قطع استرسال الباشا.

قبل أن ينزل بنا الجفاف، قال وردة، وصمت، ومضى. تحسّرت على تفويت فرصة ذكر المقارنة.

تفضل الباشا ووصل ما انقطع: "قبل أن يضربنا الجفاف، كان يحلو لإلفيس برسلي سوق الصفافير وهو يقطع الباحة الكبيرة، وهو يصعد إلى الطابق الثاني، وهو يسير في الممر المفضي إلى الفصل، أن يتوقف لحظات بين كل ثلاث أو أربع خطوات، محركاً وسطه ووركيه وصدره مع ثبات القدمين، ويغني بصوت مسموع:

I got lucky, yes I got lucky

When I found you, oh yeah

وفي النزول يستبدلها بـ You were always on my mind

مع إطالة الوقفة، ودون تحريك أي جزء من جسمه".

كان مزاج وردة رائقاً للغاية، أكثر من كل مرة، وكنت عكسه تماماً، ولاحظ ذلك. سكت دقائق، وكنت مجهداً بإفراط، ذهني يعمل بأقصى طاقته في اتجاهين متضادين، أريد أن أستوعب ما يقول، لكني مغمور في لُجّة مظلمة، وحين انتبهت رأيته يمضي، فلحقته، وكنا وكأننا نتعارك: أنا ممسك بيمناه بقوة معتذراً عما بدى له كأنها غفلة عن حديثه، وهو قابض على حلقومي، صارخاً: "جئت بالجفاف".

لان إذ قبّلت رأسه مرات متوسلاً، ضحك، وحضنني، وقال: "أبوك لم يأتكم بذبيحة العيد"، قلت: "كان عيداً مشؤوماً"، فزع، وقال: "ماذا حدث؟". سكتُ، فأضاف: "لنؤجل حديثنا للغد".

*****

في الغد تحاشيته، فكيف أشرح له شعوري بالكارثة ولهفتي على استكمال الحكاية في نفس الوقت؟ بمودة ربَّتَ على كتفي، وقال: "وقتما تكون مستعداً سأصغي"، قلت: "السادات تصور!"، ضحك، وقال: "قلت لك ما لنا وهذا، مريض أنت وسأعالجك"، ضحكت، قال: "حكيم أنا، اسمع، سأنتهي من أمر إلفيس بريسلي سوق الصفافير اليوم، باقي السنة سنخصّصها للمعالجة والاستشفاء".

أوقفني المدرس وقال: "صفقوا لزميلكم، كنت أظنه عبقرياً، الآن بتّ متأكداً. إنه الراسب الوحيد بينكم، الشهر الماضي 98، هذا الشهر 47"... مجاز

قال: "تغيّر أستاذنا في بداية السنة، غالباً من بداية شباط/ فبراير، كفّ عن الغناء والتحريك، يمشي كمن يلاحقه عفريت، حتى يدخل الفصل فيطمئن ويكون كما خبرته في الشهرين، لاذعاً بحب لا يغيب عن فطنة، سمعنا أن مشادات حدثت بينه وبين بعض المدرسين، سمعنا أنه مزّق ورقة كبيرة كانت معلقة في غرفة المدرسين كان مخطوط عليها رقم 16 بخط كبير، وتحتها كلمتي: الأخلاق الفاضلة. سمعنا أن إدارة المدرسة أرسلت له إنذاراً لتغيبه دون مبرّر في شهر أغسطس، وقيل أنه لم يذهب إلى السوق طوال ثلاثة أسابيع كاملة، أكثرنا أرجع كل هذا إلى وفاة ملك الرول أند رول، لكن أذكانا؛ وأنت بلا شك تعرف من هو، لم يتمكن من حل اللغز كاملاً، جميعنا عاجز عن وصل النقاط ببعضها".

*****

قبل أيام، أي بعد خمسة وأربعين عاماً، بالتمام والكمال، باليوم والشهر وربما الساعة، أوصلتها: السر يكمن في الرقم 16. مات إلفيس برسلي، بصورة كانت، وربما لا تزال لدى البعض، غامضة، في يوم الثلاثاء المصادف 16 أغسطس 1977. وهذا نص المادة 16 من نظام المدارس الثانوية رقم (2) لسنة 1977:

"تتمسك الهيئة التدريسية بالأخلاق الفاضلة وبنماذج السلوك الطيبة القائمة على التعاون والتسامح والاحترام بعضهم مع بعض ومع الطلاب وأولياء أمورهم والمواطنين عامة، داخل المدرسة وخارجها، وبما يتفق مع المكانة الرفيعة لمهنة التعليم، وبدعم منزلة المدرسين في المجتمع ودورهم في المساهمة في تقدم البلاد، وتكون مشاركتهم بنقابة المعلمين مشاركة فعّالة سعياً في تحقيق أغراضها المهنية والتربوية والعلمية وترسيخا للتنظيم النقابي".

وهذا نص الفقرة الأخيرة من المادة 19: "ولا يجوز قيام المدرس أثناء أداء أعماله التربوية داخل الصف وخارجه بما لا يتلاءم مع شرف العملية التربوية ولا يتفق مع متطلباتها وحرمتها".

لا تبجح في هذا، زمن "فلكي"؛ إذا وضعنا التطور الحاسوبي في الحسبان، بين لحظتي الحالية وتلك اللحظة التي صمت عندها وردة، فأي ذكاء مدعى قد يفهم من حلي؟ الآن تحت يدي مكتبة رقمية كاملة من القوانين العراقية، وأرشيف لا حدود له متاح بكبسة زر.

كبسة تمكنني من فهم أعمق قليلاً لعمل الذاكرة، والحذر من تقدير مبالغ للمصادفة ودورها في حياتي وحياة من عرفت.

عرض فيلم "كيد جالاهاد" لأول مرة في دور السينما في مدينة أتلانتا (العاصمة والمدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في ولاية جورجيا الأمريكية)، يوم الأربعاء 1 أغسطس 1962، وولدت بعد ذلك اليوم بثلاثة عشر يوماً (جاء مولدي بعد يومين من ذكرى المولد النبوي؛ واستبشر أهلي بذلك، ولم أنجح أبداً في إيذاقتهم سوى طعم خيبة خياراتي)، وكلانا، الفيلم وأنا، جئنا بعد ستة أشهر من فزعة حنبلاط الأخلاقية.

وهذه تفصيلة عائلية: جوان بلاكمان من مواليد 17 مايو 1938 في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، وكامل أمين (أبي) من مواليد 25 أغسطس 1938 في سنورس، الفيوم.

ظننت، لسنوات، أن التغيير الظاهر بوضوح على سير أستاذي راجع إلي ما حدث بين النجف وكربلاء في شباط/ فبراير 1977، وهذا ما زال ببالي، مثله مثل وقع مواد نظام المدارس، لكن تخيّلاً جذاباً يزاحم هذه المقاربة، فيهون من وقع الأمرين، ويدفع إلى المقدمة باحتمال أن إلغاء الملك لأربع حفلات بين 31 مارس و3 أبريل، ودخوله إلى مستشفى بابتيست ميموريال ليعالج من أعراض الأنفلونزا المعوية، ضخّم صدى الأمرين ووقعهما عليه، وقع تضاعف بإلغاء حفل آخر في 30 مايو، فذهب الربيع ولا حصاد في البيدر، وعمّ الجفاف، ثم حل أغسطس حاملاً البشرى، فجدولت جولة حدد لها بداية يوم 17 منه، ثم كانت الواقعة، التي عرفت إعلامياً بتعبيرها الشعري: The Tour That Never Was.

*****

قال وردة: "كن شجاعاً وسله، هذه فرصة لن تعوض، هذه رحلة ترفهية تربوية ثقافية وطنية قومية عالمية، يمكن أن تضيف الأوصاف التي تريد، وصاحبنا هو المشرف، استفرد به وقل: غريب أنا، وقد سمعت كذا وكذا".

قلت: "فليكن، ماذا سيحدث، أوقفني مرتين وهذا حقه، سأساله وهذا حقي".

عزمت على تدوين ما أتذكر، وفعلت، وتركت ما كتبته لأني كنت مشغولاً بمحاولة الإجابة على سؤال يونغ: ليست المسألة متى بدأت الأمور تسوء، بل متى كانت على ما يرام؟... مجاز

وصلت إلى بوابة الأرمن المتحدة حاملاً حقيبة وضعتها أمي في يدي، ووضعت فيها "الأشجار واغتيال مرزوق". سلّمت على زملاء الرحلة الواقفين أمام الحافلة، وغمز وردة مشجعاً: "اليوم يومك يا صنديد". جفلت، فهو إذ أراد تشجيعي أشعرني برهبة، فذهبت إلى المقاعد الخلفية، وأخرجت "الأشجار.." وفتحته، وكان أستاذنا آخر الصاعدين مغلقاً الباب خلفه، ومرّ بين صفي الكراسي متمّماً على تلاميذه بمزاح يتناسب مع كل واحد منهم، حتى وصل إليَ. أغلقت "الأشجار" ونظرت. تبسم، ولفّ عائداً إلى مقدمة الحافلة، خطوتين أو ثلاث واستدار عائداً، مغنياً: "أنا قريت في مجلة ريفية تصدر في أمريكا اللاتينية"، كأنه "سمير" في فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة- 1968)، بصوته وبحركته، لا أريد أن أقول "روحه"، ثم يعود مدرساً للكيمياء قائلاً بمزاح: "يا عبقرينو"، فمتحولاً إلى "نهى": "أنا عارفة إنك كداب وثقافتك دي خرافية.. خدنا أجازة، خدنا أجازة"، وكانت الحافلة، حديدها وجلدها وسائقها وتلاميذها، في نشوة بالغة، وكان وردة كبَعَام في أدغال الجابون "متشعلقاً" بين حديدتين يطوح ساقيه يمنة ويسرة، وكان اضطرابي عظيماً.

*****

في العودة استفرد هو بي، طلب من رفيقي أن يستبدل معه مقعده، وجلس بجواري، وقال بنبرة أستاذ عطوف: "مرحبا". بادلته الكلمة. قال: "أخفيت الأشجار، أظهرها". أخرجتها، قال: "هل تعرف عبد الرحمن منيف، إنه..."، وراح لنحو خمس دقائق يخبرني ما أجهله عن الروائي ومسيره المهني والثقافي والسياسي، ثم سألني إلى أين وصلت، أجبته: "كنت في الصفحة الثانية"، قال: "عند أي جملة توقفت". فتحت وقرأت: "إن شؤون الحياة الصغيرة هي الصورة الشخصية لكبريات القضايا وأكثرها جدارة باهتمام الإنسان وكفاحه البطولي"، قال: "يكفي"، ووقف: "عندما تنتهي منها نتحدّث"، وسار ببطء بالغ، مُطِرقاً، إلى مقدمة الحافلة.

*****

خلال الشهر التالي لهذه الرحلة ذهبت إلى سوق الصفافير. سألني عن أحوالي، وحكيت له كأنه رفيق طفولة، وحكى لي كمرشد روحي. ما يجاوز الثلاث ساعات، يقاطعنا مشتري، أو عامل، أو عابر، جاءت خلالها صينية مشويات عامرة، و"استكانات" الشاي، وأعدّ بنفسه كوبين من الكاكاو باللبن.

قبل رحيلنا إلى السماوة زرته مودعاً، قال: "عد في العطلات". عدت مرتين. وبعد أشهر من قبولي في كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد، وكانت المدينة مظلمة، ذهبت فلم أجده، ولم يفيدني من سألته إلا بأنه غير موجود، بعد أشهر من ذلك جاءت الإجابة ذاتها، وتكرّرت مرات في محاولات تالية، ثم بغضب قال شخص وجدته في الدكان ولم أكن قد قابلته من قبل: "ماذا تريد منه؟". قلت: "أنا تلميذه وجئت لتحيته". قال: "ليس موجوداً، ولا تعود للسؤال عنه فلن تجده أبداً". وكنت أمرّ أمام مدخل السوق مرات عديدة، أتوقف متردداً للحظات، وأمضي إلى سبيلي.

*****

وفي يوم من أيام شتاء 2018 صادفت صورة لجنود في الجيش الأمريكي في "عكَركَوف". الصورة مؤرخة في 11 مارس/ آذار 2010، وهي من تصوير مصوّر الجيش الأمريكي ديفيد روبينز. تذكرت أستاذي وزملاء الرحلة.

تتبعت الصورة والشرح، كبسات متتابعات، مادة تفصيلية، وصور. شارة فرقة المشاة كانت أكثر ما أثار اهتمامي، إذ إنها كانت، أحياناً، تتخايل لي كرديف لبعض الصور التي حفظتها في ملف الصور المحفوظ ضمن ملف إلفيس، المتضمن في ملف مؤجلات، ثلاث صور لتذاكر الحفل الذي لم يحصل، والقمصان المرسوم عليها صورة الملك التي كانت ستوزع على الجمهور، وأحياناً تتخايل كنقيض لها: المحتل الذي يحمل شارة هندي أحمر يتخايل كرديف للملك أحياناً، وأحياناً كملهم لحالة مغايرة، وبينهما تتبدّل صورة إلفيس بريسلي سوق الصفافير، تغيم وتجلو.

بعد ذلك ببضعة أشهر، كنت أقرأ هذه الفقرة من ترجمة أسامة منزلجي العربية لرواية إريكا يونغ "الخوف من الطيران": "أغمضتُ عينيّ وانغمست بين أمواج الموسيقى. رحت أضرب بقدميّ وأجتهد وأتلوّى، وفي وقتٍ ما من أيام رقصة التويست القديمة، تبدّى لي فجأةً أن لا أحد يعرف كيف يؤدي تلك الرقصات، فلمَ الخجل؟ في الرقص الاجتماعي، كما في الحياة الاجتماعية، الوقاحة هي كل شيء. منذ ذلك الحين أصبحت (راقصة بارعة) أو على الأقل صرتُ أستمتع به. لقد كان حقاً يشبه النكاح، (كله إيقاع وعرق)"، فعزمت على تدوين ما أتذكر، وفعلت، وتركت ما كتبته لأني كنت مشغولاً بمحاولة الإجابة على سؤال يونغ: ليست المسألة متى بدأت الأمور تسوء، بل متى كانت على ما يرام؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard