يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً يتيح مساحة للخيال ولضرورته، سواء في تخيّل واقعٍ أو مستقبلٍ نودّ أن نعيش فيه، أو ذاك الذي قد يُفرض علينا.
في 2050، ينزل الإله من السماء، في أكبر تجمع دينيّ، تلتقطه عدسات الكاميرات والبث المباشر. يجلس بهيئة بشرية، يخبرهم ببعض الأسرار، ويفعل بعض المعجزات السريعة ليؤكد لهم أنه الإله الحقيقيّ، ويستعرض لهم تفاعل البشر مع العقائد منذ البداية وحتى اليوم، ثم يقول: "أنا لم أكن أريد إنشاء أديان ومعابد وكتب سماوية وتكوين عقائد، لكنّ إصرار أعداد كبيرة من البشر على التضرع لي والبحث عنّي، وتعبيرهم عن الحاجة الماسة اليومية إلى الحديث معي، والاحتماء بي… إنني أعرف تماماً معنى ألا يكون لك حضنٌ تلجأ إليه عندما تتعب، لذا أرسلتُ لهم بعض التلميحات والكتابات العامة، وتركتُ لهم حرية تفسيرها بحسب حاجاتهم وخصوصياتهم واختلافاتهم وتغيّر العصر".
في 2050، ينزل الإله من السماء، في أكبر تجمع دينيّ، تلتقطه عدسات الكاميرات والبث المباشر. يجلس بهيئة بشرية، يخبرهم ببعض الأسرار، ويفعل بعض المعجزات السريعة ليؤكد لهم أنه الإله الحقيقيّ
أشعر بالذنب
"لكني اليوم أرى اضطرابات كثيرةً سببها الدين، لذا أردتُ تغيير شكله بما أنّكم تحبّونه على ما يبدو، ولن نستطيع إلغاءه أو حذفه"، يقول قبل أن يقاطعه أحد الملحدين الذين كانوا يحضرون الاجتماع الديني الكبير بغرض الحوار: "لماذا اخترت هذا اليوم بعد آلاف السنوات من القتل والمآسي، ألا تخجل من نفسك؟". فيجيب الإله: "لا شك في أنني أشعر بالذنب بسبب تأخري. ثم منذ متى تكلّم أشياء غير موجودة؟! هههه… إنني أمازحك".
يشرب كأس ماء، ويتابع: "لذلك ارتأيت أن تصبح العبادة إلقاء النكت والدعابات، وكلما أضحكتم أشخاصاً أكثر، حصلتم على حسنات أكثر -كما تحبّون تسميتها- وسأكون جاهزاً للاستماع إلى أفضل نكتة عند الدعاء لي، وسأعِد صاحبها بأن يكون دعاؤه مستجاباً على قدر الضحك الذي يرسمه على وجوه الناس".
الحساب
وعن طريقة الحساب والمحاسبة: "سنستخدم الأدوات القديمة ذاتها، لكن بطريقة أخرى، إذ سيتحول الملكان الموجودان على كتفَي كل إنسان من تسجيل السيئات والحسنات، إلى تسجيل كل ضحكة تظهر على وجه صاحبها مع درجتها وشدّتها وأسماء الأشخاص الذين ألقوا النكتة ذات الصلة. وهنالك علامات تُعطى لكل نكتة بناءً على شدّة الضحكة ونغمتها ومدّتها وحركات الجسد المرتبطة بها، ولن تقتصر العلامات أو الحسنات على مُؤلف النكتة، وسيُعطى من يضحك أيضاً علامةً لأنه سيُشارك في نقل السعادة والفكاهة والضحك بين الناس، وقبل أن أنسى… سيتمتع مؤلف النكتة بشهادة تثبت ملكيته الفكرية وتوضع في صحيفة أعماله، وله نسبة من حسنات ناقلها".
وعن يوم الحساب: "ما رأيكم أن يُسأل فيه الإنسان: كم نكتةً أضحكْتَ بها الناس؟ هل كنتَ تضحك بقلبٍ صادق أم لمجرد المجاملة؟ ما رأيكم أن تصبح الجنّة مسرحاً لانهائياً للنكات الأفضل؟ بالطبع لم يعجبني هراء المضاجعة الأبدية الذي تتناقلونه"، ويهزّ رأسه ممتعضاً.
يقول الإله الجديد: "سنستخدم الأدوات القديمة ذاتها، لكن بطريقة أخرى، إذ سيتحول الملكان الموجودان على كتفَي كل إنسان من تسجيل السيئات والحسنات، إلى تسجيل كل ضحكة تظهر على وجه صاحبها مع درجتها وشدّتها وأسماء الأشخاص الذين ألقوا النكتة ذات الصلة"
وصايا عشر جديدة
يسأله أحد رجال الدين، ويبدو عليه الاستسلام للواقع الجديد ولو على مضض: "وماذا عن النكات البذيئة؟ هل يمكن أن تكون جزءاً من الدين الجديد؟"، ثم يرجع ظهره إلى الخلف ظنّاً منه أن سؤاله محرج جداً، لكن جواب الإله كان جاهزاً: "ماذا تعني بالبذيئة؟ لقد اخترعتم أشياء عجيبةً هههه، فكّر في كل ما تسمّيه بذيئاً وستجده جزءاً من الطبيعة، البذاءة هي القتل والأذى ونشر التعاسة، إنها نقيض النكتة".
يشرد الإله قليلاً: "بناءً على سؤالك، ستكون هناك نسخة جديدة من الوصايا العشر، وسنقوم بتحديثها باستمرار عبر الإعلان عن مسابقات يتم فيها اختيار الوصايا الأفضل، ولتكن هذه الأفكار بمثابة مسوّدة للوصايا العشر الجديدة:
1- لا تسرق نكتة غيرك.
2- لا تُصلِّ (أي لا تُضحك)، إلا وأنت مُستعدٌ لأداء أفضل.
3- أكرم نكتة والديك، حتى لو كانت قديمةً!
4- لا تُضحك الناس بالتجريح أو الإهانة.
5- الجنّة لمن ينشر السعادة، والجحيم لمن لا يحبّون الضحك".
أركان الدين الجديد
يسأل آخر: "وماذا نفعل بالأنبياء والأدعياء في ظل التشريعات الجديدة؟". يثير السؤال اهتمام الإله، فيشكر صاحبه، ويجيب: "في الحقيقة لقد أرسلتُ إليكم الكثير من الرسل والأنبياء في الآونة الأخيرة، لتهيئة البشرية لهذه التغييرات، وقد أيّدتهم بالمعجزات وهي حسّ الدعابة الفريد من نوعه، هل تذكرون جورج كارلين؟".
ثم يضيف: "سألخّص لكم الدين الجديد بهذه الجمل؛ الصلاة هي الضحكة، والوضوء هو الابتسامة، والصوم هو الامتناع عن الضحك على نكتة سيئة أو جارحة، والنكتة هي الصدقة، والكوميديا هي القياس الأخلاقي الجديد، فالنكتة النظيفة تُذهب الغلّ من الصدور أكثر من ألف خطبة".
يسأله أحد رجال الدين، ويبدو عليه الاستسلام للواقع الجديد ولو على مضض: "وماذا عن النكات البذيئة؟ هل يمكن أن تكون جزءاً من الدين الجديد؟"
تبّاً لكم
وقبل أن يذهب الإله، يطرح عليه أحد الحضور سؤالاً: "بما أنّ الكوميديا هي الدين الجديد، وبرغم أنها قد تكون أصدق من الكثير من التعاليم التي فُرضت علينا باسمك، لكن هل ستحرمنا الجنّة لأننا لم نضحك بما يكفي؟ وهل ستضعنا في الجحيم لأننا نبكي؟"... يصمت الإله برهةً، ثم يردّ: "يبدو أنك تمضي في طريق نقد الدين الجديد، وربما ستصبح ملحداً جديداً مع الوقت، لكننا نحتاجك كثيراً في إصلاح التعليمات الجديدة".
ينزل الإله عن المنصة، ويدير ظهره ماشياً باتجاه الباب، ليتوقف فجأةً ويستدير بنبرة حادة، رافعاً سبابته: "أحذّركم من أنّ تصبح النكتة والكوميديا أداتَين للتقسيم، وأن تستغلّوا تمايزاتكم الكوميدية في إنشاء طوائف جديدة! أحذّركم من تكفير الآخر الذي لم يضحك لنكتة ألقيتموها. أحذّركم...". يصمت قليلاً ويطرق رأسه، يتنهّد ثم ينظر إلى الحضور: "ستنقسمون وتحاربون بعضكم، أليس كذلك؟ تبّاً لكم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 10 ساعاترائع و عظيم ..
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامزاوية الموضوع لطيفة وتستحق التفكير إلا أنك حجبت عن المرأة أدوارا مهمة تلعبها في العائلة والمجتمع...
Bosaina Sharba -
منذ أسبوعحلو الAudio
شكرا لالكن
رومان حداد -
منذ أسبوعالتحليل عميق، رغم بساطته، شفاف كروح وممتلء كعقل، سأشاهد الفيلم ولكن ما أخشاه أن يكون التحليل أعمق...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينهذا ليس طبيعيا، وهو ينشئ في الحالات القصوى من اضطرابات ومشاكل نفسية. الإنسان العاقل عندما يواجه...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينAnyone that studies human psychology and biological functioning of the body and it's interactions...