شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"هو أنا لو داخل الجنّة هيفرق معايا في إيه الباب اللي هدخل منه أصلاً؟"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والخطاب الديني

السبت 1 مارس 202507:00 ص

صار بعيداً ذلك اليوم الذي بدأت فيه علاقتي بالصيام. كنت حينها في السابعة من عمري، ولا أعرف سر تعجّل والدي في حثّ طفلٍ مثلي على تأدية تلك الفريضة. لكني كنت أملك أسبابي الخاصة أيضاً، لتأديتها، مثل رغبتي في تقليد الكِبار، وشعوري بأنني أصبحت رجلاً. والأهم، إنقاذي من سخرية أطفال الشارع. ففي منتصف التسعينيات، وقبل التعرّف على مصطلح التنمّر، كان العثور على طفل "فاطر" (مفطر)، يعني أننا وجدنا من نسخر منه ونتنمّر عليه طوال اليوم، ونزفّه بأناشيد مثل "يا فاطر رمضان يا مخاصم دينك، القطة السوداء هتقطع مصارينك". ولهذا، لم يكن أمامنا سوى الصيام أو على الأقل إتقان إخفاء إفطارنا.

بين الرغبة في إرضاء الله والطمع في ثوابه والخوف من عقابه، تشكلت قناعاتي تجاه الصيام

حتى تخرّجي من الجامعة، ظلّت علاقتي بالصيام ثابتةً، وإن اختفت الدوافع القديمة، وحلّت مكانها دوافع جديدة معظمها دينية، إذ كنت مثل غيري مقتنعاً بأنّ الصيام يمنحنا صحةً أكثر، وفقاً للحديث المنسوب إلى النبي محمد: "صوموا تصحّوا"، و"في الجنّة باب يقال له الريّان لا يدخله إلا الصائمون"، بالإضافة إلى أنه يجعلنا نشعر بالفقراء أكثر، ويؤدب النفس وما إلى ذلك. كما أن الإفطار من دون عذر، كبيرة من الكبائر، كما يقول الشيخ الذهبي. ويوضح الشيخ الألباني، أنّ "المفطر بلا عذر ولا غرض شرّ من الزاني ومدمن الخمر، ومشكوك في إسلامه".

هكذا، بين الرغبة في إرضاء الله والطمع في ثوابه والخوف من عقابه، تشكلت قناعاتي تجاه الصيام. لكن قبل سنوات قليلة، ذهبت مع شقيقتي إلى طبيب أخبرها بأنها ممنوعة من الصيام حتى لو كانت لا تشعر بأيّ ألم، لأنّ الصيام يؤثّر على جهاز المناعة الخاص بها. كما اكتشفت أنّ بعض الأصدقاء لا يصومون بأمرٍ من الأطباء، لأنّ أجسادهم تتأثر بشدّة بغياب الطعام والشراب لوقت طويل. هنا شككت في أول تابوه من تابوهات الصيام، إذ كيف يمنحنا الصيام صحةً أكثر ويكون ضارّاً لنا في الوقت نفسه؟

هنا شككت في أول تابوه من تابوهات الصيام، إذ كيف يمنحنا الصيام صحةً أكثر ويكون ضارّاً لنا في الوقت نفسه؟

بعد قراءة بعض الدراسات والأبحاث الطبية المنشورة، والتي يمكن مطالعتها بمجرد كتابة "أضرار الصيام"، عبر محرّكات البحث، وحتى لا ندخل في جدلية دراسة مؤيدة وأخرى معارضة، فإنّ ما توصلت إليه هو أنّ الصيام ليس مفيداً بالضرورة، وأن هناك أجساداً وخلايا تتأثر بشدّة، وأخرى لا تتأثر حسب جسد كل إنسان وتركيبته. في مطلق الأحوال، هذا يعني أنّ "صوموا تصحّوا"، يمكن أن تكون تشجيعاً على الصيام، لكنها ليست قاعدةً يمكن التسليم بها كما يروّج رجال دين، لأنّ التعاليم الدينية موجهة إلى الجميع، وتالياً يجب أن يكون تأثيرها واحداً على الكل، وهذا ما ثبت خطؤه بالدراسات العلمية.

هل هناك عقوبة لمن لا يصوم؟ كان ذلك هو التابوه الثاني. وبالنظر إلى باقي "الفروض" الإسلامية مثل الصلاة، سنجد أنّ القرآن نصّ على عقوبة تاركها بشكل واضح في آيات عدة، منها: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا"، و" ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلّين"، كما نص على ثواب الملتزمين بها في آيات أخرى. وكذلك الزكاة التي اشترط الله تأديتها في آيات كثيرة، منها: "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين"، وهذا ما انطبق على باقي الفروض التي أوضح القرآن ثوابها وعقابها، ما عدا الصيام، إذ لم ينصّ القرآن على أيّ عقوبة لغير الملتزمين به، وكل ما ذُكر آيات فرضه على المسلمين، وتبيان بعض شروطه، وحالات الإفطار فيه، وهي حالات عامة ترك الله فيها الاختيار للإنسان نفسه إن كان مسافراً أو مريضاً، بل إن القرآن لم ينصّ على ثواب محدد للصيام، بل أشار فحسب إلى استحسانه وإلى أنه عمل صالح وسيجزى عليه الصائمون.

هكذا صارت قناعاتي في الوقت الحالي؛ الصيام لا يزيدنا صحةً، بل هو مشقّة وضارّ في بعض الأحيان، ولا توجد عقوبة محددة للمفطر، كما لا يوجد ثواب محدد للصائم، وتلك القناعة الجديدة جعلتني لا ألتزم بالصيام فحسب، بل أحبّه، وصار يتّخذ لديّ مكانةً خاصةً بين التعاليم الأخرى كافة. ببساطة، صرت أشعر بأنه عبادة تعبّر عن الحب الخالص لله، دون بحث عن منفعة جسدية أو دينية أو خوف من عقاب آلهي، وأنني حرّ أفطر متى أردت الإفطار، دون شعور باللوم أو الذنب. وبمصطلح فقهي، الصيام هو تجسيد لمعنى التجرّد لله. لقد أمرني بالصوم فصمت.

هذا التميّز الذي انفرد به الصيام، هو ما دفع رجال دين إلى الاستماتة من أجل خلق منظومة ثواب وعقاب له، وهذا جزء من نظرتهم إلى الدين عامة، إذ يعتقدون أنّ الدين والحرية لا يلتقيان، وأن على الإنسان أن ينفّذ ما يؤمر به دون تفكير أو اختيار، وذلك طمعاً في ثواب أو خوفاً من عقاب.

صرت أشعر بأن الصيام عبادة تعبّر عن الحب الخالص لله، دون بحث عن منفعة جسدية أو دينية أو خوف من عقاب آلهي، وأنني حرّ أفطر متى أردت الإفطار، دون شعور باللوم أو الذنب

لكن في الصيام، فشل هؤلاء في أن يجدوا آيةً قرآنيةً واضحةً تؤيد أفكارهم، فلجؤوا إلى اختلاق أحاديث منسوبة إلى النبي محمد، والتي أشرت إلى بعضها، وهي أحاديث لا تثبت أمام أي نقاش منطقي، لكنها للأسف باتت قناعةً لدى الملايين عبر العصور، ليتم تشويه أجمل وأنبل ما في الصيام، أي أنّه عبادة حرّة يقوم بها الإنسان بمحض إرادته، دون طمع في ثواب أو خوف من عقاب، وليس بالضرورة أن تكون لكل فعل جائزة، بل يمنحنا الصيام حرية أن لا نصوم لو أردنا، كما يمنحنا حق الردّ، مثلما فعلت حين كرر رجل دين أمامي أنّ للصائمين باباً مخصوصاً لهم في الجنّة، فقلت: "هو أنا لو داخل الجنّة هيفرق معايا في إيه الباب اللي هدخل منه أصلاً؟".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image