ما مصير المهاجرين في بريطانيا إثر صعود حزب الإصلاح؟

ما مصير المهاجرين في بريطانيا إثر صعود حزب الإصلاح؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 7 مايو 202502:29 م

حقق حزب "الإصلاح" (Reform UK)، ولأوّل مرة في تاريخه، تقدّماً لافتاً في الانتخابات المحلية في المملكة المتحدة، حيث سيطر على عشرة مجالس محلية، وأصبح الحزب الأكثر تمثيلاً في أربع مناطق أخرى.

وتصدّر الحزب نتائج الانتخابات المحلية، بحصوله على 677 مقعداً في مجالس الحكم المحلي، تلاه حزب الديمقراطيين الأحرار، بـ370 مقعداً. وتقدّم الحزبان على حزب المحافظين، الذي حصل على 319 مقعداً، وحزب العمّال الذي نال 98 مقعداً فقط.

كما فاز حزب "الإصلاح"، برئاستَي بلديتين جديدتين تضمّان ثلاث مناطق هي: لينكولنشاير الكبرى وهال وشرق يوركشاير.

وفي تصريح لزعيم الحزب نايجل فَراج، قال إنه يريد أن يرى "دوج" "في كل مقاطعة". و"دوج" (DOGE)، اختصار لوزارة "كفاءة الحكومة"، وهي وزارة أنشأها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره، الملياردير إيلون ماسك، بهدف تقليص الإنفاق الحكومي وتحسين الأداء الإداري.

مهاجر ضد المهاجرين

تأسس حزب الإصلاح البريطاني (Reform UK)، عام 2018، تحت اسم "حزب بريكست"، بقيادة كل من نايجل فَراج وكاثرين بلايكلوك، قبل أن تعاد تسميته باسمه الحالي في عام 2021. وكان الحزب سابقاً يُعرف باسم "حزب استقلال المملكة المتحدة" (UKIP)، ويُعدّ في جوهره انشقاقاً عن حزب المحافظين، إذ يتبنّى مواقف قوميةً مناهضةً للاتحاد الأوروبي، ودعا مبكراً إلى انسحاب بريطانيا من التكتل الأوروبي، ونجح في الدفع بهذا المسار.

رغم أن رئيس حزب الإصلاح ينحدر من أصول سريلانكية، إلا أنه يتبنّى خطاباً متشدداً تجاه المهاجرين

يتّخذ الحزب مواقف متشددةً تجاه الهجرة، ويُتّهم بنشر خطاب التخويف من المهاجرين وعدّهم تهديداً للقيم البريطانية والمجتمع البريطاني. كما يُنظر إليه على أنه قريب في خطابه السياسي من التيار الترامبي في الولايات المتحدة، من حيث الأسلوب الشعبوي الحادّ والمواقف الجدلية، وهو حزب يتمحور بشدّة حول الشخصية الكاريزمية لنايجل فَراج، الذي يُعدّ رمزه السياسي الأساسي، إلى درجة أنّ مستقبل الحزب يبدو مرتبطاً به، وفق ما يشير إليه عفيف صافي، السفير الفلسطيني السابق في بريطانيا، في حديثه إلى رصيف22.

أما الناشط الحقوقي البريطاني إياد أبو شقرا، فيقول لرصيف22، إنّ "حزب الإصلاح اليميني" يُجسّد ما يمكن عدّه النسخة البريطانية من اليمين الشعبوي المتطرف المعادي للهجرة، والرافض لسياسات الانفتاح والتعددية الثقافية، مشيراً إلى تشابه كبير بينه وبين أحزاب مثل حزب ترامب في الولايات المتحدة، ومارين لوبان في فرنسا، وجورجيا ميلوني في إيطاليا، وحزب البديل من أجل ألمانيا. ويضيف أنّ معظم كوادر الحزب وقياداته هم في الأصل أعضاء سابقون في حزب المحافظين، انسحبوا منه بسبب رفضهم سياساته وميلهم نحو مواقف أكثر تطرفاً.

من جهته، يرى عدنان حميدان، رئيس منصة "العرب في بريطانيا"، في تصريح لرصيف22، أنّ حزب الإصلاح يمثل تياراً شعبوياً يمينياً يركّز على مفهوم الهوية الوطنية البريطانية، ويعارض التعددية الثقافية، ما يثير مخاوف حقيقيةً لدى الجاليات العربية والمجتمع المسلم في بريطانيا. ويوضح أنّ الحزب يركّز على قضايا مثل خفض الهجرة، تعزيز الهوية البريطانية، تقليص دور الدولة، ومعارضة السياسات البيئية، ويعبّر عن قلقه بشأن "فقدان الهوية الثقافية" للبلاد.

ويضيف حميدان، أنّ من أبرز القيادات في الحزب، نايجل فَراج؛ الزعيم المؤسس، وهو شخصية بارزة ومعروف بمواقفه اليمينية المتشددة والمعادية للمهاجرين والاتحاد الأوروبي، وريتشارد تايس؛ نائب رئيس الحزب وعضو في البرلمان، يدعو إلى خفض الضرائب وتقليص الإنفاق العام، ويعارض السياسات البيئية. بالإضافة إلى زيا يوسف، وهو من أصول سيرلانكية، ويرأس الحزب منذ عام 2024، ويتبنى مواقف متشددةً ضد الهجرة ويدعو إلى تشديد سياسات ترحيل اللاجئين.

الموجة الترامبية

ويُردف عدنان حميدان: "في الحقيقة، نحن قلقون من سياسات حزب الإصلاح التي قد تؤثر سلباً على حقوق الأقليات والمهاجرين، خصوصاً الجاليتَين العربية والإسلامية. من بين أبرز الهواجس لدينا ما يتعلق بتقييد حرية التعبير الثقافي، إذ فرض الحزب حظراً على رفع أي أعلام غير العلم البريطاني وعلم سانت جورج في المباني العامة، وهو ما يُنظر إليه على أنه استهداف مباشر للرموز الثقافية والدينية للجاليات المختلفة.

كما نشهد تصاعداً في الخطاب المعادي للمهاجرين، ونخشى أن يؤدي تركيز الحزب على قضايا الهجرة والهوية الوطنية إلى تنامي خطاب الكراهية ضد الجاليات العربية والإسلامية في بريطانيا".

من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي البريطاني كامل حواش، في حديثه إلى رصيف22: "التهديدات التي قد تواجه العرب والمسلمين في بريطانيا، بعد صعود حزب الإصلاح اليميني، قد لا تكون كبيرةً في الوقت الراهن، لكنها ستتزايد في المناطق التي حصل فيها الحزب على الأغلبية. فمثلاً، تقوم الحكومة المركزية حالياً بإرسال طالبي اللجوء إلى فنادق في مختلف مناطق بريطانيا، بينما يسعى حزب الإصلاح إلى إيجاد سُبل لمنع ذلك".

يتقن 'فَراج' لعبة السياسة، إذ يغازل الجماعات المتطرفة المعادية للمهاجرين بتصريحات مدروسة، ثم يتنصّل منها عند الحاجة

أما فوز نايجل فَراج، فيراه كثيرون، ومنهم حواش، تطوراً مقلقاً للجاليات العربية والمسلمة، وكذلك لبعض الأقليات الأوروبية، خاصةً من ألبانيا ورومانيا. جميع هذه الجاليات تنظر بقلق إلى مستقبلها في حال فوز فَراج أو حصول حزبه على عدد كبير من المقاعد، سواء ضمن المعارضة أو ضمن الحكومة.

ويعود هذا القلق إلى مواقفه الصارمة ضد الهجرة، سواء الشرعية أو غير الشرعية، بالإضافة إلى دعواته لتقييد قوانين التجنيس، وتقليص الإقامات، وفرض قيود على الامتيازات الصحية والمساعدات الحكومية، وكل ما يرتبط بالعيش الكريم في بريطانيا.

ويضيف سامح حبيب، السكرتير العام لحزب العمال (Workers Party)، في لندن، في حديثه إلى رصيف22: "تتمثل الخطورة الكبرى أيضاً في التحالف غير المُعلن بين فَراج وبقايا اليمين المتطرف. فرغم محاولاته المتكررة للتنصل من هذه الجماعات، إلا أنه يرتبط فعلياً بتحالفات مع تجمعات صغيرة ذات خطاب عدائي واضح ضد المسلمين. له العديد من البرامج والمقاطع المصورة التي يُحرّض فيها بشكل مباشر أو غير مباشر ضد المسلمين، وكان له ولمؤيديه دور تحريضي خلال أعمال الشغب التي شهدتها البلاد العام الماضي".

من جهة أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي البريطاني الصادق أمين، في حديثه إلى رصيف22، أن العرب والمسلمين، بصفتهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المتنوع في المملكة المتحدة، يملكون خيارات فعّالةً في مواجهة صعود حزب الإصلاح وتوجهاته الشعبوية، وذلك عبر:

- تعزيز المشاركة السياسية: من خلال التصويت والترشّح، كما حدث في برمنغهام وبرادفورد، حيث فشل الحزب في اختراق المناطق ذات الأغلبية المسلمة بفضل وعي سياسي عالٍ ومشاركة مجتمعية فعالة.

- التحالف مع القوى الديمقراطية والمناهضة للعنصرية: خصوصاً منظمات المجتمع المدني وأعضاء البرلمان المتعاطفين.

ويُضيف: "دون شك، يُعدّ فوز حزب الإصلاح امتداداً لموجة اليمين الشعبوي التي بدأت مع ترامب في الولايات المتحدة، تَبِعَتها مارين لوبان في فرنسا، والآن فَراج في بريطانيا. هذا التيار يُوظف خطاباً معادياً للمهاجرين، والنخب، والإسلام، ويقدّم نفسه كصوت 'الشعب الحقيقي' في مواجهة 'المؤسسة السياسية'".

ويوّضح أمين، أن الحزب استفاد من حالة الغضب والإحباط العام من الحزبين التقليديين (العمّال والمحافظين)، خاصةً بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في تحسين الخدمات الصحية والإسكان. كما غذّى هذا التيار مشاعر التهميش الثقافي والاقتصادي، خصوصاً في المناطق الصناعية السابقة، والخوف من فقدان الهوية البريطانية.

واللافت أنّ "هذا الخوف من المهاجرين كان غالباً أقوى في المناطق التي لا توجد فيها كثافة مهاجرة عالية، ما يكشف حجم المفارقة في طريقة تشكُّل الخطاب الشعبوي".

المعادلة السياسية

ويُكمل أمين، لرصيف22 : "بالنسبة إلى انعكاسات فوز حزب الإصلاح اليميني على مواقف بريطانيا من قضايا الشرق الأوسط، فإنّ نتائج هذه الانتخابات المحلية لن تؤثر في الوقت الحالي، لأنّ السياسة الخارجية من اختصاص الحكومة والبرلمان".

وعلى المدى القصير، لن يكون هناك تغيير كبير في السياسات الخارجية، إذ لا تتضمن أجندة الحزب الحالية أي مواقف واضحة من القضايا الدولية. وبالنسبة لشخصيات مثل نايجل فَراج، أنا لا أعتقد أنهم سيكونون متعاطفين مع القضية الفلسطينية، بل على العكس، من المرجّح أن يكونوا أكثر دعماً للاحتلال وسياساته في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

يرتبط احتمال فوز حزب الإصلاح في الانتخابات البرلمانية البريطانية المقبلة، إلى حدّ كبير، بعزوف الجاليات العربية والمسلمة عن المشاركة السياسية

وفي رسالته إلى المواطنين البريطانيين، لخّص نايجل فَراج برنامج حزبه، منتقداً فشل حزبي العمال والمحافظين في تحسين الأوضاع المعيشية، مثل الأجور، الإسكان، خدمات الصحة، والطاقة.

وأشار إلى أنّ حزبه يُمثّل البديل الحقيقي، متعهداً بتجميد الهجرة، إصلاح الخدمات العامة، خفض الضرائب، ومحاربة الهدر المالي، مؤكداً أنّ "الإصلاح هو الطريق لضمان مستقبل حرّ وفخور وغني لبريطانيا".

أما الخبير السياسي والقانوني البريطاني بسام طبلية، فيقول في حديثه إلى رصيف22: "يركز حزب الإصلاح على تعزيز الهوية الوطنية وحماية الثقافة البريطانية، وينظر إلى المهاجرين على أنهم تهديد حقيقي. كما يدعو إلى تقليص الإنفاق العام، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، وهو ما قد يؤدي إلى صعوبات كبيرة في تنفيذ السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وفي مواجهة هذه التوجهات، ينبغي على مؤسسات المجتمع المدني، خاصةً منظمات حقوق الإنسان، أن تضطلع بدور رقابي ونقدي نشط، من أجل حماية حقوق الأقليات والفئات المهمشة والفقيرة في المجتمع البريطاني".

كسر الثنائية

يُوضح بسام طبلية، أنّ مدى قدرة حزب الإصلاح على الوفاء بوعوده في المجالس المحلية سيؤثر على فرصه في انتخابات 2029، مؤكداً أنّ شعبيته متفاوتة بين المناطق، كما أنّ نظام الأغلبية البسيطة في بريطانيا يُفضّل الأحزاب الكبرى كالمحافظين والعمّال، ما قد يُعيق تقدّمه على المستوى الوطني كما حدث في الانتخابات المحلية.

ويرى عدنان حميدان، أنّ فوز حزب الإصلاح في الانتخابات المحلية يُظهر تنامي شعبيته، خصوصاً في مناطق تقليدية لحزب العمال، لكنه يشير إلى أن هذه الانتخابات جرت في عدد محدود من المجالس، ما يجعل من المبكر التنبؤ بنتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ويُضيف عفيف صافية، أنّ من السابق لأوانه تحديد ملامح انتخابات 2029، لكن المؤشرات تدلّ على تراجع الثنائية الحزبية التقليدية، واحتمال صعود التحالفات الحزبية مستقبلاً، خاصةً في ظل النقاشات حول إصلاح النظام الانتخابي الحالي في بريطانيا.

بدوره، يرى سامح حبيب، أنّ هناك احتمالاً لفوز نايجل فَراج في الانتخابات البرلمانية عام 2029، وتشكيله الحكومة، خاصةً إذا استمرّ عزوف الناخبين العرب والمسلمين عن دعم حزب العمال بسبب مواقفه من حرب غزة، ما قد يمنح فَراج أصواتاً من المحافظين والعمّال معاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image