أثارت خطة إسرائيلية أمريكية، كُشف عنها في الأيام الأخيرة، بشأن التحول في آليات توزيع المساعدات الإنسانية في غزّة، تخوفاً فلسطينياً من استغلالها كأداة للتحكم بالغزّيين ونزوحهم أو حتى تهجيرهم إلى الخارج، في ظلّ تهديدات إسرائيليّة متواصلة بتوسيع العمليات العسكرية واحتلال القطاع بالكامل.
فقد كشفت وسائل إعلامية إسرائيلية، أمس الأول، أنّ إسرائيل ستوقّع الجمعة، 9 أيار/ مايو 2025، اتفاقاً مع أول شركة أمريكية ستتولّى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزّة. تزامن ذلك مع تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صاحب خطة التهجير وتحويل غزّة إلى "ريفييرا"، حين قال إنّ "الولايات المتحدة ستساعد أهالي غزّة في الحصول على بعض الطعام".
وتناغم تصريحه مع إعلان مسؤولين إسرائيليين، كرئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي، عن أنه "لن يُجوّع بعد مليونَي فلسطيني"، وأنّ الجيش سيضمن ألا تصل المساعدات إلى أيدي "حماس". فيما جاءت النبرة الصريحة من فم وزير المالية، سموتريتش، الذي قال إنّ "سكان غزّة سيتمركزون عند محور موراج (الذي يحصر رفح بين محور فيلادلفيا وخان يونس)، في منطقة إنسانية لا وجود فيها لـ'حماس'. ومن هناك، سيبدؤون بالخروج نحو دولة ثالثة".
وبعد تجويع قطاع غزّة، إثر منع وصول المساعدات منذ نحو شهرين، يبدو أنّ إسرائيل ماضية في خطة لجعل سكانه "يلهثون" وراء المساعدات، في منطقة رفح التي مسحتها وسوّتها بالأرض خلال حرب الإبادة، تمهيداً لتهجيرهم من القطاع.
ماذا في الخطة؟
صادق الكابينيت الإسرائيلي، على خطة توزيع المساعدات، التي سيتم بموجبها إنشاء ثلاثة مراكز توزيع في منطقة رفح، يُسمح للفلسطينيين بالذهاب إليها مرةً واحدةً في الأسبوع، وبعد التفتيش وفحص هوياتهم، لتلقّي طرود المساعدات بواقع حصة غذائية واحدة لكل عائلة، على أن تكفي لمدة أسبوع.
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، أنّ الخطة ستسمح بدخول 60 شاحنة مساعدات يومياً، وهو عدد لا يتجاوز عُشر الكمية المتفق عليها خلال صفقة وقف إطلاق النار الأخيرة.

وبعد عرض الجيش الإسرائيلي الخطة على المنظمات الإنسانية العاملة في القطاع، رفضت الأخيرة العرض وعدّته خطوةً لإدارة جريمة التجويع لا لإنهائها، وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على مقومات الحياة الأساسية للفلسطينيين في قطاع غزّة.
يقول عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا): "لن نكون جزءاً من هذه الخطة، ولا نعرف كيف ستنفّذ إسرائيل ذلك وما آليات تطبيقها".
ويضيف أبو حسنة، في حديثه إلى رصيف22: "هذه الخطة، كما يتم طرحها حالياً، تتناقض مع حيادية وعدالة وقوانين الأمم المتحدة، ولا يزال لدينا الاستعداد لتنفيذ كل البرامج الإغاثية والإنسانية كما كانت تُنفَّذ في السابق"، لافتاً إلى وجود آلاف الشاحنات عند مداخل القطاع، محمّلة بعشرات آلاف الأطنان من المساعدات، "وفي حال السماح بعبورها، سننفّذ عمليات إغاثيةً واقعيةً وممتدة".
من جانبه، يوضح صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، أن إسرائيل تحاول بهذه الخطة، الدفع إلى تهجير الفلسطينيين عبر ابتزازهم بالمساعدات، ونقل سكان شمال القطاع ووسطه، نحو ما تبقّى من مدينة رفح جنوباً، وتحويلها إلى معسكر اعتقال يحصل من خلاله الفلسطينيون على المساعدات بالقطّارة، على حد وصفه.
استمرار في الإبادة تحت غطاء إنساني
يرى عبد العاطي، أنّ إسرائيل ترغب في السيطرة على ملف المساعدات وتوظيفه في مواجهة المدنيين وابتزازهم والدفع بهم نحو الهجرة.
ويردف عبد العاطي، في حديثه إلى رصيف22: "تتجاوز الخطة قواعد القانون الدولي الإنساني، وقرارات مجلس الأمن وتدابير محكمة العدل الدولية. وتطبيقها يعني فعلياً المضي في حرب الإبادة وسياسة الإنهاك والإهلاك للفلسطينيين"، مؤكداً على أنّ إسرائيل ملزمة بإدخال المساعدات الإنسانية، وليس مناقشة آليات توزيعها، على اعتبارها مشكلة.
جوّعت إسرائيل قطاع غزّة على مدار شهور حرب الإبادة، والآن ستقدّم لهم مساعدات إنسانيةً يرى فيها الغزّيون طُعماً لتهجيرهم
ويشدّد عبد العاطي، على أن تطبيق الخطة يمثّل جريمة حرب، عادّاً أنها تتنافى مع معايير اتفاق "أوسفير" للعمل الإنساني ومبادئ الإنسانية في أثناء النزاعات المسلحة، وكذلك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وتدابير محكمة العدل وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وكان المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إدلر، قد قال أمس الجمعة، إنّ الخطة "ستحرم الفئات الأضعف التي لا تستطيع الوصول إلى المناطق العسكرية المقترحة من المساعدات، وتُعرّض أفراد عائلاتهم لخطر الاستهداف أو الوقوع في مرمى النيران المتبادلة في أثناء تنقلهم من هذه المناطق وإليها".
سيكون الناس عرضةً للإذلال والاعتقال
أما مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوّا، فيشدد على أن هذه الآلية تأتي ضمن التوظيف الإسرائيلي للمجاعة كسلاح حرب، وهندسة للكارثة الإنسانية.
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "تسعى إسرائيل إلى حرمان قطاعات واسعة من الفلسطينيين من المساعدات، من خلال الفحص الأمني ودفع السكان للنزوح القسري"، مشيراً إلى أنه في ظل عدم وجود آليات للحماية، قد يتعرض المواطن للقتل أو الاعتقال أو الإهانة والحط من الكرامة الإنسانية.
وفي سياق ما قد يتعرض له الغزّيون في طريقهم إلى المساعدات، فقد عبّر المتحدث باسم اليونيسف عن قلقه إزاء اقتراح استخدام تقنية التعرف على الوجه كشرط مسبق للحصول على المساعدات، مضيفاً أنّ فحص المستفيدين ومراقبتهم "لأغراض استخباراتية وعسكرية يخالف جميع المبادئ الإنسانية".
"ستخلق الآلية فجوةً في قطاعات المجتمع، ومعايير من يأخذ ومن لا يأخذ. وهذا يعني أن كبار السن والمرضى والجرحى لن يتمكنوا من الوصول إلى المساعدات"، يؤكد الشوا.
كما يلفت إلى أن جميع مؤسسات الأمم المتحدة ترفض هذه الآلية، وعلى رأسها الأمين العام لها ونائبه للشؤون الإنسانية والمنظمات الدولية ومؤسسات العمل الأهلي الفلسطيني والقطاع الخاص والعشائر والعائلات.
وحول جهودهم في منع تطبيقها، يقول الشوا: "تواصلنا مع الجهات المانحة والمؤسسات الدولية لضرورة رفض هذه الآلية والإبقاء على منظومة الأمم المتحدة للعمل الإنساني، واستمرار الضغط باتجاه فتح المعابر من أجل إنهاء الحصار".
وفي سياق البدائل المطروحة، يشير عبد العاطي، إلى ضرورة الضغط على إسرائيل لضمان عودة دور المجتمع الدولي في تقديم المعونات، وعدم السماح لإسرائيل بتسييس المساعدات، بجانب تدخّل المنظمات الأممية للقيام بعملها في الإغاثة.
ماذا يقول أهل غزّة؟
يساور القلق أم ناهض فارس (39 عاماً)، التي فقدت زوجها خلال الحرب، وتعيل ثلاثةً من أبنائها من ذوي الإعاقات الحركية، فترى أنّ تطبيقها سيكون معاناةً جديدةً تضاف إلى قهرها اليومي.
من طابور "التكيّة" الواقعة غربي مدينة خان يونس، تقول أم ناهض، لرصيف22: "ليس بمقدوري تحمّل عناء الذهاب إلى هناك. أنا بالكاد أستطيع تدبير أموري المعيشية اليومية من تعبئة المياه والوقوف على طابور التكيّة. ولن أجد أحداً يمكن أن يستلم أيّ مساعدة عني".
وتتساءل قائلةً: "نحن لم نضمن استلام حقنا من المساعدات وهي بجانبنا، فماذا نفعل إن كانت بعيدةً في الجنوب، وفي أيدي جهات لا نعرفها".
في الطابور ذاته، يخالفها الرأي الشاب الثلاثيني مؤمن أبو العطا، الذي بدا أكثر تحاملاً على من يتولى توزيع المساعدات حالياً في القطاع، من منظمات دولية ومؤسسات خيرية أو حتى هيئات تابعة لسلطة "حماس" في غزّة، قائلاً لرصيف22: "أعلم أنها خطوة غير واقعية، لكن ما البديل لوقف الظلم في توزيع المساعدات، وتجنّب سرقتها ونهبها؟".

وفي سياق آلية توزيع المساعدات السابقة، يقول أبو العطا: "منذ اجتياح مدينة رفح قبل عام، وعمليات السطو على شاحنات المساعدات في ازدياد. وبعد انهيار وقف إطلاق النار، أصبحت ظاهرة السطو على المخازن أكثر حدّةً، ولا بدّ من حلّ لكل هذه المهاترات".
أما عيسى (اسم مستعار)، فيرى أنّ الخطة المطروحة ترسخ السيطرة على حياة الغزّيين وتحويل الغذاء والدواء إلى وسيلتَي ابتزاز جماعي تحت مظلة الاحتلال.
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "بينما فشلت إسرائيل في احتلال شمال القطاع وتنفيذ خطة الجنرالات، تسعى حالياً إلى تفريغه مجدداً عبر بوابة استغلال حاجة الناس وقوتهم، والدفع بهم نحو أقصى الجنوب كطُعم لاستلام المساعدات، تمهيداً لتهجيرهم".
السطو على المساعدات
وفي خضمّ تفاقم المجاعة في القطاع، عادت أزمة السرقات المنظّمة التي تُنفّذها عصابات مسلحة إلى الواجهة. وعلى إثرها، أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة "حماس"، عن تشكيل قوة أمنية مؤلفة من 5 آلاف عنصر لملاحقة مثيري الفوضى واللصوص.
ويعود اسم "القوة التنفيذية" المُشكَّلة، إلى بدايات عهد "حماس" بالسلطة عام 2006، حين أعلنت عن تشكيل قوة أمنية حملت الاسم نفسه، بعد استلامها زمام الحكم ورفض الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التعاون معها، وفق ما ذكرته حينها.
إن لم تستطع "حماس" إدخال المساعدات طوال الفترة الماضية، فما هي حلولها لإنقاذ الناس من المجاعة؟
وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدت مناطق متفرقة من القطاع، عشرات عمليات السطو التي استهدفت مخازن تابعةً لمؤسسات دولية، ومنشآت اقتصاديةً حيويةً، راح ضحيتها عدد من عناصر التأمين التابعين لتلك المخازن وعناصر من الحماية التابعة لحركة "حماس".
وفي حين تتهم السلطة الفلسطينية من وصفتها بـ"عصابات" من حركة "حماس"، بالمشاركة في عمليات السرقة من مخازن المؤسسات الإغاثية العاملة في القطاع، أفادت مصادر مقربة من "حماس"، بأنّ الحركة قامت بإعدام عدد من اللصوص مطلع الشهر الجاري، بعد حوادث سطو عدة على متاجر أغذية ومطابخ، متّهمةً اللصوص بالتعاون مع إسرائيل.
ماذا عن دور "حماس"؟
وفي حين قالت إسرائيل علانيةً إنّ خطتها الجديدة ترمي إلى إبعاد "حماس" عن مشهد توزيع المساعدات، رفضت الحركة الخطة وعدّتها أداة ابتزاز سياسي، وامتداداً لسياسة التجويع والتشتيت لفرض واقع إنساني متدهور في غزّة.
بيد أنّ رفض الحركة للخطة، أثار مواقف متباينةً وسط الغزّيين، في ظلّ تفاقم الأوضاع المعيشية وشحّ المساعدات الإنسانية وغلاء الأسعار غير المسبوق.
فضجّت منصات التواصل الاجتماعي بآراء من يطالبون حركة "حماس" بالتنحي عن الحكم والتخلي عن توزيع المساعدات، ومن يؤيدون قرارها تنفيذ أقسى العقوبات في حق عصابات السطو والسرقة.
يقول خالد (اسم مستعار): "إن لم تستطع حماس إدخال المساعدات طوال الفترة الماضية، فما هي حلولها لإنقاذ الناس من المجاعة التي استشرت ووصلت إلى مستويات كبيرة؟".
لن يحصل الغزّيون على الطعام، إلا بعد تفتيشهم وفحصهم. وهناك تخوّف من أن يُستخدم ذلك لأغراض استخباراتية أو للاعتقال أو الإعدام
ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "كنا نسمع عن توزيع المساعدات ليلاً، ولا تصل إلى الكثير من مستحقيها. الأفضل أن تتولى جهات دولية الإشراف على إدخالها وتوزيعها للسكان".
أما نداء (اسم مستعار)، فترى أنّ سياسات "حماس" الخطأ في توزيع المعونات، هي من سمح لإسرائيل بالتدخل عبر هذه الآلية الجديدة، وأنّ الحرب ستؤول إلى ما هو أفظع من ذلك.
"ليس بإمكان حماس حالياً فعل أي شيء، ورفضها لن يغيّر من موقف الناس تجاه أي بديل يؤدي إلى عدالة التوزيع"، تقول لرصيف22.
على عكس هذا الرأي، يرى حسن (اسم مستعار)، أنّ "حماس" قادرة على تأمين المساعدات في حال تم الضغط دولياً على إسرائيل لمنع استهداف عناصر التأمين والشرطة، مضيفاً في حديثه إلى رصيف22: "خلال فترة الهدنة، لم نسمع عن أي خروقات أو عمليات سرقة للشاحنات، برغم تكرار دخولها من بين السكان، والسبب هو عدم استهداف قوات الشرطة حينها".
ومع استمرار الحرب وتشديد الخناق على الغزّيين، تبقى المساعدات الإنسانية شريان حياة لأكثر من مليونَي إنسان محاصر في قطاع غزّة، ولا سيّما مع تزايد نسب البطالة والفقر.
وعلى الرغم من حقيقة أنّ الغزّيين يعلمون ما يقف وراء هذه الخطط "الإنسانية"، إلا أنهم ربما سيُجبرون مجدداً على المفاضلة المستحيلة بين الموت والبقاء على حافته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ghina Hashem -
منذ 13 ساعةالحب حرام بس اعلامهم يلي ماجابت للبلد الا الدمار معليش يرفعوها نحنى محاربون في الشرق الاوسط كافة
ذوالفقار عباس -
منذ يوما
Hossam Sami -
منذ يومصعود "أحزاب اليمين" نتيجة طبيعية جداً لرفض البعض; وعددهم ليس بالقليل أبداً. لفكرة الإندماج بل...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع و عظيم ..
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعزاوية الموضوع لطيفة وتستحق التفكير إلا أنك حجبت عن المرأة أدوارا مهمة تلعبها في العائلة والمجتمع...
Bosaina Sharba -
منذ أسبوعحلو الAudio
شكرا لالكن