أمام مطعم شعبي في منطقة الغورية في القاهرة، يقف محمد عبد الفتاح (33 سنةً)، مرتدياً قميصاً صيفياً في شهر كانون الأول/ ديسمبر، ويبتسم حين يسأله أحد المارة مستنكراً: "مش صقعان؟".
لم يكن السؤال جديداً على عبد الفتاح، الذي اعتاد ارتداء الملابس الصيفية في فصل الشتاء على مدار سنوات، لإصابته بحساسية الصوف واختناقه من الملابس الثقيلة، لكنه ابتسم هذه المرة لأنه كان يحمل سُترةً شتويةً ثقيلةً تركها داخل المحل وخرج لشراء شيء من الخارج، إلا أن نظرة الرجل وسؤاله كانا يحملان اتهاماً له بالجنون.
حساسية الصوف
حساسية الصوف واحدة من أنواع الحساسية المرتبطة بفصل الشتاء، يعاني أصحابها من حكّة واحمرار في الجلد في حالة ملامسة الصوف للجسم، فيُحرم المصابون بها من ارتداء الواقي الأفضل من البرد. يقول محمد لرصيف22، إنه يعاني من هذه الحساسية، فلا يتحمل أن يرتدي جوارب طويلةً أو بنطالاً داخلياً أسفل الملابس، وهو ما يُضاعف معاناته مع الشتاء، الأمر الذي ازداد بشكل واضح مؤخراً.
لا يتحمل محمد أن يرتدي جوارب طويلةً أو بنطالاً داخلياً أسفل الملابس، وهو ما يُضاعف معاناته مع الشتاء.
في ريف الجيزة حيث يقطن محمد، تغيّرت ملامح الشتاء لتقترب من الجو الصحراوي بين حرارة شديدة نهاراً وبرد قارس ليلاً، مما يُسبب نزلات برد طوال أشهر هذا الفصل. يقول الشاب إنه لطالما كان يرتدي الملابس الصيفية في المنزل وخارجه ويتغلب على برودة الجو بالمشروبات الدافئة، حتى في وقت النوم كان يكتفي بـ"شورت" ولحاف رقيق، إلا أن التغير الحادث في شتاء ريفهم أجبره على التغيير.
مع بداية شتاء العام الماضي، لجأ محمد إلى ارتداء الملابس الثقيلة بعدما أصابته نوبات البرد الشديدة بآلام في العظام، وبالرغم من كراهيته للملابس الثقيلة لما تسببه له من آلام في الجلد وجذور شعر الجسم، فضلاً عن حساسية الصوف، بات مضطراً إلى ارتدائها لمواجهة آلام البرد القارس الذي يصيبه بحساسية أخرى في الأطراف تصل إلى حد تغيّر لون الجلد إلى الأزرق.
"جاكيت" بالإجبار
امتداد طقس الصيف بحرارته حتى لو كانت شديدةً، هو أحد مُسببات السعادة لآية محمد (34 سنةً)، فملابس الصيف تُشعرها بالحرية على عكس تلك الشتوية التي تُقيدها وتصيبها بالاختناق. تقول لرصيف22، إنها لا تتحمل ارتداء أكثر من طبقة أو اثنتين، وحتى الآن لا تزال تستخدم الثياب الصيفية في المنزل وفي أثناء خروجها للعمل، إذ إنها ترتدي ملابس خفيفة بأكمام قصيرة معظم أيام السنة، موضحةً أنها تتعامل مع الطقس بافتراض ارتفاع درجات الحرارة بصورة أساسية والنادر هو انخفاضها تجنباً لارتداء الملابس الثقيلة.
تضيف الشابة أنها كانت تكتفي في أوقات الشتاء الشديد بارتداء ملابس خريفية، وحمل شال خفيف في حال شعرت بالبرد، إلا أنها لجأت العام الماضي "آسفةً" إلى شراء سُترة شتوية ثقيلة، رضوخاً للأمر الواقع وفي محاولة لتفادي زيادة الأسعار المستمرة، وتقول: "لم أكن سعيدةً بتلك الخطوة لكنني مُجبرة على ارتدائها، فالبرد أصبح قارساً".
المشروبات الشتوية ووضع كوفية والحركة الكثيرة، طرق اعتمدتها آية في المنزل تجنباً لارتداء طبقات متعددة، مضيفة أنها تتابع كل عام المعركة الشهيرة التي تدور بين مُحبي الصيف ومُحبي الشتاء، قائلةً: "أنا من كارهي الشتاء بسبب الملابس المرتبطة به، كما أن اتساخ الشوارع يُشعرني بضيق شديد".
مع بداية شتاء العام الماضي، لجأ إلى ارتداء الملابس الثقيلة بعدما أصابته نوبات البرد الشديدة بآلام في العظام، وبالرغم من كراهيته للملابس الثقيلة لما تسببه له من آلام في الجلد وجذور شعر الجسم، فضلاً عن حساسية الصوف، بات مضطراً إلى ارتدائها لمواجهة آلام البرد
شتاء مُصاحب لنزلات البرد
طوال السنوات الماضية، لم تكن إيمان عمر (42 سنةً)، تعير الشتاء اهتماماً، فخزانتها تضم القليل من الملابس الشتوية الخفيفة والتي لا تلجأ إليها إلا في أضيق الحدود. في المنزل، ترتدي ملابس صيفيةً تزيد عليها "جاكيت" بيجامة في حال شعرت بالبرد، وعند الخروج كانت ترتدي ملابس شتويةً خفيفةً بطبقة واحدة لا أكثر، تجنباً لأي تعليق قد يُزعجها وحفاظاً على مظهرها.
التغير المناخي وانتقالها إلى أحد المجمعات السكنية في القاهرة الجديدة ذات الجو الصحراوي، أحدثا تغييراً كبيراً في روتينها الشتوي. تقول إيمان لرصيف22، إنها لم تعد تتحمل برودة الشتاء، فالعامان الماضي والحالي أصعب كثيراً من الأعوام السابقة، مما دفعها إلى ارتداء ثلاثة أضعاف ما اعتادت عليه، موضحةً أنها تجبر أبناءها على الملابس الثقيلة التي لا يُفضلونها، وتالياً يصبحون عرضةً لنزلات البرد بشكل مستمر.
الشعور بالحر والثقل في حالة ارتداء الملابس الثقيلة مهما كانت برودة الجو، أيضاً مشكلة لشيماء أحمد (36 سنةً)، مع فصل الشتاء منذ صغرها، فضلاً عن إصابتها بحساسية من الأصواف. تقول إنها اكتشفت هذه الحساسية قبل سنوات عند ارتدائها كنزة "بلوفر" جديدةً تسببت لها في حكة جلدية، وتخيلت حينها أن المشكلة في الكنزة ذاتها، إلا أن تكرار الأمر مع ملابس أخرى أكد إصابتها بحساسية الصوف.
اشتداد برودة الشتاء وصعوبته وصفتهما شيماء في حديثها إلى رصيف22 بأنهما "يخلعان القلب"، مما يضطرها إلى ارتداء طبقتين من الملابس وهو ما لم تكن تتحمله من قبل. تقول إنها كانت تفضل احتمال البرد على ثقل الملابس الشتوية، ففي المنزل تلجأ إلى المشروبات الساخنة ووضع إيشارب حول رقبتها، لكن ذلك لم يعد مُجدياً، وفي أثناء الخروج تُجبَر على ارتداء كنزة أو اثنتين في محاولة للتخلص من البرد، بعدما كانت ترتدي كنزة "بودي" قطنية من دون أكمام، ومن دون "جاكيت".
باتت شيماء مضطرة إلى ارتداء طبقتين من الملابس وهو ما لم تكن تتحمله من قبل.
أزمة شيماء ليست مع الشتاء فقط، إذ توضح أن مشكلتها تكمن في ارتفاع درجة حرارة الجسم بصورة كبيرة، ففي صيف الأعوام الماضية كانت ترتدي أقمشةً لم تعد تتحملها في العامين الماضيين، وحجمتها شدة الحرارة في أقمشة بعينها مثل القطنية.
تعاني والدة شيماء من الأمر ذاته، فالسيدة الستينية اعتادت ارتداء جلباب منزلي خفيف شتاءً، لعدم تحملها ارتفاع درجة الحرارة ولإصابتها بحساسية من الأصواف، إلا أنها اضطرت مؤخراً إلى ارتداء طبقات من الملابس الثقيلة بين بلوفر وبنطال تحت الجلباب. وتضيف شيماء أن حدة برودة الشتاء دفعت شقيقها الأكبر أيضاً إلى ارتداء سترة شتوية ثقيلة، وهو ما يُصيبه بالاختناق.
القطن والرياضة لمواجهة البرد
ارتداء ملابس قطنية كبطانة داخلية قبل الأصواف، نصيحة الدكتورة عبير أحمد فرحات، استشارية الأمراض الجلدية والتناسلية، لمرضى حساسية الصوف، التي تقول في حديثها إلى رصيف22، إن الملابس المصنوعة من القطن الصافي وارتداء سترة ثقيلة من الخطوات الناجحة في مقاومة البرد، فالقطن في حد ذاته يُساعد على تدفئة الجسد، موضحةً ضرورة مراعاة المريض لاختيار ملابس صوفية من دون رقبة حتى لا تلامس جسده بأي طريقة.
ترى فرحات أن الحركة الكثيرة وممارسة الرياضة هما البديل الأفضل للملابس الثقيلة لمن يجدون صعوبةً في تحملها، على أن يحاولوا التغلب على الشعور بالاختناق الذي يكون في الأغلب نفسياً، بالاعتياد تدريجياً على زيادة قطعة لمدة زمنية قصيرة، ثم زيادة المدة في المرة التالية حتى اعتياد تحملها، موضحةً أن هناك أنواعاً من الصوف المُعدّل غير الثقيل، فهو خفيف الوزن ويساعد على التدفئة.
الحركة الكثيرة وممارسة الرياضة هما البديل الأفضل للملابس الثقيلة لمن يجدون صعوبةً في تحملها، على أن يحاولوا التغلب على الشعور بالاختناق الذي يكون في الأغلب نفسياً، بالاعتياد تدريجياً على زيادة قطعة لمدة زمنية قصيرة، ثم زيادة المدة في المرة التالية
ويُسبب البرد أمراضاً جلديةً كثيرةً من بينها جفاف الجلد، والتشققات وما يُصاحبها من شعور بالحرق، وقرصة البرد الناتجة عن انقباض في الأوعية الدموية التي تُعيق وصول الدم إلى الأطراف، فتُسبب آلاماً شديدةً وفقاعات في اليد والقدم.
تقول فرحات إن الأطراف والوجه هي المناطق الأكثر تأثراً بانخفاض درجات الحرارة، موضحةً أن المشروبات الساخنة لا تُفيد جميعها في التدفئة كما يتخيل البعض، عدا المشروبات الدسمة مثل السحلب الذي يعمل على تشغيل الحرق في الجسم فيؤدي إلى التدفئة الداخلية. كما يمكن الاعتماد على المدافئ الكهربائية والتكييف الساخن، بشرط أن تكون على مسافة بعيدة والأمان متوفر فيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون