ما إن يحلّ فصل الشتاء حتى تتدفّق مشاعر الحب والحنين، ويكثر الاستماع إلى الأغاني الرومانسية التي تحرّك شريط الذكريات، تحتضن بكلماتها القلب وتساعد المرء على الشعور بالراحة والاسترخاء أثناء تناول مشروبه الدافئ، ولعلّ الأجمل من كل هذا، أن نتشارك هذه اللحظات الجميلة مع شخص نحبه.
من الركض "الجنوني" تحت زخات المطر، وصولاً إلى الجلوس سوياً في المنزل، وتحديداً في غرفة مريحة ذات أضواء خافتة، ومشاهدة النار المشتعلة في المدفأة، أو الاستلقاء جنباً إلى جنب، وسط موسيقى خافتة، فيما صوت الهواء يصفر في الخارج، ناهيك عن العناق والقبلات المليئة بالدفء والشغف... هكذا يمكن تخيّل مشاهد الحب بين العشاق في الشتاء.
لماذا تتجلى الرومانسية بأبهى صورها في فصل الشتاء؟
الشتاء... موسم الأصفاد
خلال موسم الشتاء المتسم بالبرد والذي تكون فيه الليالي طويلة، تتجلّى الرومانسية بأبهى حللها، بحيث يحب معظم الأشخاص تمضية وقتهم داخل المنزل، والاستمتاع بأمسيات شتوية تعمل على إذابة البرد وإحلال دفء الحب في القلوب.
والواقع أن هناك عبارة تلخص هذه الرغبة في البقاء في المنزل خلال الشتاء: "موسم الأصفاد/ التكبيل".
في العام 2017، تم إدراج هذا المصطلح في القائمة القصيرة لـ "كلمة العام"، وذلك بهدف الإشارة إلى الظاهرة الشائعة بين العازبين، لجهة تطلّع هؤلاء للاقتران بشريك جديد في بداية الشتاء، والبقاء في هذه العلاقة العاطفية حتى الربيع.
ما إن يحلّ فصل الشتاء حتى تتدفّق مشاعر الحب والحنين، ويكثر الاستماع إلى الأغاني الرومانسية التي تحرّك شريط الذكريات، تحتضن بكلماتها القلب وتساعد المرء على الشعور بالراحة والاسترخاء أثناء تناول مشروبه الدافئ
ومن الملاحظ أيضاً أنه، وفي هذا الوقت من العام، يكفي النقر على قوائم الأفلام الموسمية، حتى تظهر مجموعة من الأفلام الكوميدية الرومانسية التي تتمحور حول الأزواج، وقد يكون هناك سبب وجيه لذلك: يزيد الشعور بالبرودة الجسدية من مقدار إعجاب الجماهير بالأفلام الرومانسية، ونظراً لكون هؤلاء المشاهدين يربطون بين الأفلام الرومانسية والمشاعر الدافئة، فربما يشعرون شخصياً بالدفء أثناء مشاهدة مثل هذه الأفلام. هذا ويبدو أن هناك شيئاً ما متعلقاً بالليالي الباردة والطويلة، والتي تجعل الناس ترغب في القصص الرومانسية.
وسواء كانت الأفلام الرومانسية تمنحكم/نّ مشاعر دافئة أم لا، فمن غير المستغرب أن يكون الشتاء مرتبطاً بالرغبة في البقاء في المنزل مع أحبائكم/نّ، والسبب له علاقة كبيرة بالجزء النفسي.
التأثير النفسي
لا شك أن الفصول لها تأثير عميق على سيكولوجيتنا، فموسم الشتاء مثلاً ساحر للغاية، لدرجة أنه يزرع بذرة الشعور بالوحدة لدى الأشخاص الذين كانوا في السابق يستمتعون بكونهم عازبين، وهذا يدفعهم للانخراط في علاقات رومانسية جادة، بخاصة وأن هذا الفصل يتميّز بحدّ أدنى من الضوضاء في الشوارع، وانخفاض الأنشطة في الخارج، وكأن كل شيء يتباطأ بطريقة ما، وهذا يتيح للفرد الوقت الكافي للتفكير في حياته وفي الوحدة التي يعيش بها، كما يعطيه إحساساً قوياً بالأمان، ما يسمح لعقله الباطني بالتجول بحرية في عالم الإيجابية والتفاؤل، الأمر الذي قد يدفعه للعثور على حبيب/ة يملأ حياته بالمفاجآت.
يزيد الشعور بالبرودة الجسدية من مقدار إعجاب الجماهير بالأفلام الرومانسية
اعتبر الأخصائي في علم النفس هاني رستم، أن الشتاء هو أكثر فصل مفعم بالحميمية وبالعواطف: "يصبح الأفراد أكثر عاطفية خلال هذه الفترة، وذلك نظراً لحاجتهم إلى التقرّب من بعضهم البعض، ورغبة كل أمرئ بأن يقوم الآخر باحتوائه واحتضانه".
وأضاف رستم أن هذا الفصل مرتبط بشكل خاص بالنوستالجيا: "بتعتم الدني بكير وكأنو الفصل عم يتغير، في دورة حياة جديدة بدها تبلش، وهيدا بيعمل نوع من الاشتياق لأنو نكون برفقة حدا بهالوقت، وهون بتخلق الحاجة للشريك/ة تنعمل السبات الشتوي معه/ها".
وتحدث هاني عن مفهوم الدفء خلال هذه الفترة من منظور اجتماعي: "هناك جانب اجتماعي في فصل الشتاء يتمثّل في الجلوس حول النار والحاجة إلى الدفء"، مشيراً إلى أن انخفاض النشاطات في الخارج تعطي المرء مساحة لكي يفكر أكثر في تفاصيل حياته، وتدفعه للبحث عن شريك يرافقه، ويكون معه بالأخص خلال الطقس الماطر.
موسم الأعياد
بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرناها في السابق، هناك عامل إضافي يجعل البشر أكثر عرضة للارتباط أو الاستمرار في علاقة خلال الشتاء: تزامن هذا الفصل مع موسم الاحتفالات والأعياد، كرأس السنة وعيد العشاق.
وتعليقاً على هذه النقطة، اعتبرت كاثرين إم هرتلين، أستاذة العلاج الأسري في جامعة نيفادا، أنه إذا كان لدى المرء شريك، فمن الأسهل البقاء معه خلال هذه الفترة، بدلاً من الانفصال عنه قبل هذه المناسبات.
وأضافت لموقع بي بي سي: "يمكن أن نشعر بضغوط من العائلة والأصدقاء والبيئة، لكنني أعتقد أيضاً أن الضغط الذي نشعر به هو من اللاوعي... هناك بعض الأشخاص الذين لا يريدون إنهاء علاقة في هذا الوقت من العام، وأشخاص يستمرون في علاقاتهم من أجل عدم هزّ القارب، أو خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا بمفردهم خلال هذا الوقت".
وفي حين أن ظاهرة "موسم الأصفاد" تشير إلى أن هذا هو وقت الرومانسية بامتياز، يمكن اعتباره أيضاً وقتاً لإصلاح العلاقات الأخرى في حياتنا، إذ إنه، وبمعزل عن العلاقات الرومانسية، يمكن للمناسبات والأعياد أن تغير سلوكياتنا، فعلى سبيل المثال، يستغلّ معظم الأفراد مناسبة رأس السنة لتقييم حياتهم ومقارنتها بما اعتقدوا أنهم سيحققونه، ويمكن أن يترتب على ذلك خيبة أمل كبيرة.
فقد كشفت سالي بيكر، أخصائية علاج العلاقات في لندن، أن كوفيد-19 دفع البعض إلى إعادة الاتصال بأشخاص من ماضيهم، بدلاً من بذل جهود للعثور على روابط جديدة، غير أن إحياء الكثير من الروابط القديمة يجلب معه ضغوطات خاصة به.
الشتاء تحت "رحمة" كورونا
في ظل تفشي فيروس كورونا، احتفل معظم الناس بعيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة عبر الإنترنت. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: في ظل غياب التواصل الاجتماعي في الحياة الواقعية، هل يؤثر التحول إلى الأساليب الرقمية على صحتنا؟
اعتبرت كاثرين أنه وبينما يستخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي للتحدث مع بعضهم البعض، فأنهم يفشلون في التركيز على شخص واحد أو اثنين، وبدلاً من ذلك يتحدثون إلى العديد من الأشخاص: "هذا لا يقضي على الشعور بالوحدة. وهناك بحث يظهر أن كل شخص لا تعرفونه في الواقع، لكنكم تتابعونه أو تتعاملون معه كصديق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هو بمثابة نقطة إضافية أخرى للاكتئاب والقلق".
فصل الشتاء يتميّز بحدّ أدنى من الضوضاء في الشوارع، وانخفاض الأنشطة في الخارج، وكأن كل شيء يتباطأ بطريقة ما، وهذا يتيح للفرد الوقت الكافي للتفكير في حياته وفي الوحدة التي يعيش بها
يستند هذا إلى بحث أجراه أستاذ الصحة العامة في جامعة أركنساس، بريان بريماك، الذي قال: "إن السيف ذا الحدين لوسائل التواصل الاجتماعي أصبح أكثر حدة في زمن كوفيد-19. فمن ناحية، نحتاج أكثر من أي وقت مضى لأدوات مثل وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الشعور بالتواصل، في وقت يتعين علينا أن نكون فيه متباعدين جسدياً. ومن ناحية أخرى، قد يعرضنا الوقت الكبير الذي نقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي لمزيد من المخاطر".
غير أن التخلي عن التواصل عبر الإنترنت ليس هو الحل، كما أكدت كاثرين إم هرتلين، مشددة على الحاجة لتغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع الآخرين: "الأشخاص الذين نتفاعل معهم لا يمكنهم رؤيتنا جسدياً، لذلك نشعر بالحاجة لشرح مشاعرنا بالتفصيل. هذا يجعلنا نشعر أن هذه العلاقات أقرب إلينا مما نعتقد".
في نهاية المطاف، ليس من الضروري أن يكون الشتاء وقتاً لإجراء تغييرات كبيرة في حياتنا، ولكن من المهم أن نفهم من أين تأتي هذه المشاعر المرهفة والرغبة في الحفاظ على علاقاتنا العاطفية خلال هذا الفصل: "في جوهرنا، نعيش هذا النمط التطوري لنتحد معاً، نشكل حزمة ونبقى على قيد الحياة. ولكن في الوقت نفسه، نتعرّض للضغوط من الفكرة القائلة، بأن البقاء بمفردكم/نّ خلال فصل الشتاء ليس الطريقة المثلى لتمضية هذا الوقت من السنة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.