شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أرتدي ملابس بأكمام طويلة بالرغم من الحر"... الصيف عدوّ مصابي المهق أو "الألبينو"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الأربعاء 28 سبتمبر 202202:46 م
Read in English:

Egypt's scorching sun: A torment to people with albinism

تعرفهم من البشرة شديدة البياض والعيون الشفافة، والشعر الأبيض أو الأحمر المائل إلى اللون البنّي، بينما النمش يغطي معظم ملامح الوجه، ويرتدون ملابس شبه شتوية في الصيف، حتى لا تحرق الشمس جلودهم. هؤلاء هم جماعة "الألبينو"، أي الأشخاص المصابين بمرض المهق أو البرص.

تغيّر المناخ مع الرطوبة العالية المصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، بمثابة نكبة تنغص حياة "الألبينو" الذي يضطر إلى ارتداء ملابس شبه شتوية خوفاً من أشعة الشمس، بينما النظّارة الشمسية لا تفارق عينيه، مع القبعة المستقرة دوماً فوق رأسه يحتمي بها من حرارة الشمس، لأنه أكثر عرضةً للإصابة بسرطان الجلد.

تغيّر المناخ مع الرطوبة العالية المصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة، بمثابة نكبة تنغص حياة "الألبينو".

والمهق هو طفرة جينية ينتج عنها انخفاض أو غياب الميلانين المسؤول عن لون الجلد والعينين والشعر، والذي يحمي الجلد من الأشعة فوق البنفسجية، ويتسبب فصل الصيف الذي يزداد حرارةً عاماً بعد آخر بمعاناة كبيرة لهم تضاف إلى سجل المعاناة التي تقابلهم في حياتهم اليومية.

"أحياناً كثيرةً أتمنى الخروج"

تقول عفاف مجدي (24 عاماً)، لرصيف22: "نحن الألبينو لدينا طفرة جينية، هي نقص في صبغة الميلانين المسؤولة عن تلوين الجسم، وتنتج عن ذلك آثار أخرى منها ضعف النظر الذي نولد مصابين به، ومع التقدم في العمر يزداد تدريجياً. أما عن المعاناة التي نواجهها في فصل الصيف، فهي التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، ما يسبب حالات حروق في الجلد وقد يؤدي إلى حالات إصابة بالسرطان، ومع ذلك أحاول التعرض لأشعة الشمس لأطول فترة ممكنة للحصول على فيتامين ‘د’ الذي يعاني معظم الألبينو من نقصانه".

أما المعاناة الكبرى لعفاف، التي تعيش في القاهرة، فهي التنمر الذي واجهته منذ الصغر، واستمر بشكل كبير حتى وصلت إلى مرحلة الثانوية العامة، لكن بدأ بالتلاشي عندما التحقت بالجامعة وحصلت على إجازة في الآداب والتاريخ من جامعة حلوان، بتقدير جيد.

عفاف مجدي

معضلة الحصول على وظيفة ثابتة هي ما يؤرق عفاف اليوم، فقد تنقلت بين أكثر من عمل، بين نادٍ رياضي ومستشفى وشركة تأمين. تضيف: "حالياً ليس لدي عمل ثابت، وأدرّس مادة التاريخ للطلبة في المنازل وأحاول الحصول على عمل ثابت في مدرسة. هناك مِن الألبينو من استسلموا لفكرة أنهم لا يصلحون للعمل وانعزلوا بسبب الكلام وطريقة التفكير والتربية، ولكن نحن لا نقلّ عن الآخرين في أي شيء. نحن فقط مختلفون وهذا سرّ جمالنا".

وعن معاناتها بسبب ارتفاع درجات الحرارة في السنوات الأخيرة، تقول: "أحياناً كثيرةً أتمنى الخروج من بيتي، ولكن درجات الحرارة العالية تقف لي بالمرصاد حتى لو ارتديت قبعةً، أو استعملت كريمات واقيةً من الشمس، وهنا تكمن معضلة أخرى، فهذه الكريمات تكلّفني قرابة ألف جنيه شهرياً (51 دولاراً)، ومن لا يملك القدرة المادية على حماية نفسه لن يكون في حال جيدة، إذ لا بد أن نهتم بالبشرة حتى لا تصيبها حروق أو سرطان الجلد، فنصبح مشوهين".

كل فصول السنة محببة إلي، ولكن المعاناة الكبرى تكمن في الصيف، وفي السنوات الأخيرة ازدادت هذه المعاناة، فكل عام يكون الحرّ فيه أشد من الذي سبقه، وهناك أيام تكون فيها الشمس حاميةً وشديدةً، حينها لا أخرج من البيت إطلاقاً

عدوّ الشمس

أحمد عبد الجواد (32 عاماً)، يقيم في بني سويف، وهو من شباب الألبينو، يقول لرصيف22: "لدي أربعة أشقاء، أنا الألبينو الوحيد بينهم، ولكن خال والدتي وأحد أقارب والدي كانا من مرضى المهق، فورثت منهما الجينات، وبدأت معاناتي منذ الولادة إذ كان نظري ضعيفاً للغاية، ما دفع والدي لأخذي إلى الأطباء، حتى تحسن نظري مع الوقت، ولكنه ما زال ضعيفاً، وهو ما أثر على دراستي، إذ كنت في المرحلة الابتدائية لا أرى بوضوح ما يكتبه المدرّس فوق السبّورة، خاصةً المسائل الحسابية، وتغير الوضع في المرحلة الإعدادية، إذ كان المدرّس يُجلسني بجواره ويكتب لي المسائل على دفتري، وتالياً تفوقت في المادة".

ويضيف: "عانيت من التنمر في المدرسة، وأحياناً في المواصلات العامة. نحن الألبينو لدينا حساسية شديدة من التنمر تجعلنا ندخل في عزلة بسبب كلمة مؤذية. التنمر لم يتغير، ولكن أنا الذي تغيرت. انعزلت لمدة 25 عاماً وانغلقت على نفسي خلالها وتحولت إلى شخص عصبي أهرب من الضغوط بالنوم، ولم أعد إلى الحياة والانخراط وسط الناس إلا منذ ست سنوات".

"أنا عدوّ الشمس"، قالها أحمد بنبرة حزينة عندما أصابت يده الحروق التي تعرّض لها قبل أيام في أثناء جلوسه بجوار الشباك في سيارة الأجرة. يعالج هذه الحروق بالكريمات التي يكويه سعرها، كما تكويه الشمس. يضيف: "اشتريت عبوةً من الكريمات بمئتي جنيه، ولم تكفِ سوى مرتين، وهي عبوة متوسطة الجودة، بينما العبوة الأصلية يصل سعرها إلى 400 جنيه، ومن المفترض أن أستعمل تلك الكريمات كل ساعتين، ما يرفع كلفتها شهرياً إلى قرابة 2،000 جنيه، وفي السنوات الأخيرة ازدادت المعاناة مع ارتفاع درجات الحرارة".

أحمد عبد الجواد

أحمد، وبالرغم من حصوله على إجازة في الزراعة-قسم الصناعات الغذائية ومنتجات الألبان، يعمل حالياً موزّعاً في شركة شحن، خلال ساعات النهار تحت حرارة الشمس، التي حرمته ذات مرة من الحصول على وظيفة بمرتب عالٍ، لأنها كانت سوف تجبره على التعرض للشمس بشكل مباشر ولساعات طويلة، فلم يناسبه العمل لأن الراتب سوف يضيع بسبب الكريمات التي سيعالج بها بشرته.

ويأمل الشاب بأمور قد تساعد الألبينو في التأقلم مع الحياة: "نحن في غالبيتنا حاصلون على مؤهلات عليا، وأتمنى تأهيلنا لسوق العمل لأننا نحتاج إلى تدريب خاص، وأن تكون لنا فرص عمل في الوظائف الإدارية التي لا تتطلب تعرّضنا للشمس بشكل مباشر، كما أتمنى أن توفر لنا الدولة الكريمات الواقية من الشمس بشكل شهري، ومعينات بصرية تساعدنا على الرؤية بوضوح ودمجها ضمن صندوق دعم ذوي الإعاقة".

أتمنى أن توفر لنا الدولة الكريمات الواقية من الشمس بشكل شهري، ومعينات بصرية تساعدنا على الرؤية.

الفرص الضائعة

بدوره، يشارك جورج مجدي (22 عاماً)، وهو شاب مصاب بالمهق ومقيم في الإسكندرية، حكايته مع رصيف22: "لدي خمس شقيقات، وأنا الألبينو الوحيد في عائلتي. كنت أعاني من التنمر في المرحلة الابتدائية وكرهت الدراسة، وكنت أتظاهر بالنوم حتى لا أذهب إلى المدرسة، ولكن حالياً الحياة اختلفت مع زيادة الوعي لدى البعض بطبيعة حالتنا، خاصةً مع دخولي الجامعة".

يشير الشاب إلى أنه عمل في المرحلة الثانوية في إحدى الصيدليات، وحصل على خبرة معقولة، ما دفع صاحب الصيدلية إلى أن يسند إليه مهمة إدخال بيانات الأدوية، ولكن بسبب صغر حجم الخط وجد صعوبةً في قراءة الكلمات، فكَرِه العمل وتركه. ولم تكن هذه هي الفرصة الوحيدة التي خسرها جورج، إذ يعمل حالياً عامل تعبئة في إحدى الشركات بالرغم من حصوله على إجازة في النظم والمعلومات الإدارية، وعندما أراد المدير أن يُسند إليه مسؤولية حسابات التعبئة، لم يحالفه الحظ أيضاً بسبب ضعف النظر، وكانت تلك الفرصة بمثابة ترقية له من عامل إلى مسؤول حسابات لقاء بدل مادي أكبر، لكنه خسرها.

جورج مجدي

يضيف: "عملي الحالي لا يعرّضني للشمس، وهو الأمر الأساسي الذي يشغل تفكيري قبل الالتحاق بأي وظيفة، إذ يزداد احتمال إصابتنا بسرطان الجلد بنسبة 50 في المئة عن الآخرين"، ويشير إلى أنه يسير تحت الشمس عند الضرورة القصوى، مع تجنّب الخروج في أوقات الظهيرة، ويرتدي ملابس بأكمام طويلة بالرغم من حرارة الجو.

وتمثل الكريمات الواقية من الشمس معاناةً كبيرةً لمرضى المهق، كما يقول جورج، خاصةً أولئك الذين لا يتمتعون بوضع مادي جيد، إذ يرهقهم سعر هذه الكريمات، فالعبوة الواحدة، وثمنها نحو 250 جنيهاً، تكفي لأسبوعين أو ثلاثة، وهناك أنواع أغلى أو أرخص، وهو لا يستخدمها إلا في الأيام التي يتعرض خلالها للشمس، كما أن عمله يبدأ في الصباح وحتى المساء وتالياً لا يسير طويلاً تحت أشعة الشمس، بخلاف آخرين من الألبينو قد يضطرون إلى ذلك. "لو دعمت الدولة هذه المستلزمات ووفرتها لنا سيكون حالنا أفضل بكثير"، يقول.

أحياناً كثيرةً أتمنى الخروج من بيتي، ولكن درجات الحرارة العالية تقف لي بالمرصاد حتى لو ارتديت قبعةً، أو استعملت كريمات واقيةً من الشمس، وهنا تكمن معضلة أخرى، فهذه الكريمات تكلّفني قرابة ألف جنيه شهرياً

ويضيف: "كل فصول السنة محببة إلي، ولكن المعاناة الكبرى تكمن في الصيف، وفي السنوات الأخيرة ازدادت هذه المعاناة، فكل عام يكون الحرّ فيه أشد من الذي سبقه، وهناك أيام تكون فيها الشمس حاميةً وشديدةً وهي الأيام التي يحذّر خلالها خبراء الأرصاد من التعرض للشمس. حينها لا أخرج من البيت إطلاقاً".

في هذا السياق، تقول الدكتورة نهلة عبد التواب، استشارية البكتيريا والمناعة والتغذية الحيوية ورئيسة قسم البكتيريا في مستشفى جامعة القاهرة، لرصيف22: "عندما يتعرض مصابو المهق للشمس تصيبهم حروق تتنوع ما بين البسيطة والكبيرة، لذلك عليهم ارتداء الملابس الواقية الفاتحة، وحماية أنفسهم من الشمس وعدم التعرض لها في فترة تبدأ من الساعة الحادية عشرة حتى الرابعة ظهراً، مع ارتداء قبعة على الرأس".

وتضيف: "التحرك تحت أشعة الشمس بكثرة من الممكن أن يؤدي إلى سرطان الجلد، شرط أن تكون لديهم جينات وراثية تحتمل الإصابة. يمكنهم استخدام الكريمات الواقية من الشمس طبعاً، لكن النصيحة الأفضل تبقى عدم التعرض لأشعتها قدر الإمكان".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard