شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يا للهول... هل أسلم

يا للهول... هل أسلم "الشيف" ريتشارد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 6 سبتمبر 202204:41 م

فور انتشار أي خبر، تتسابق صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، التي غدت الوسيلة الإعلامية الأسرع في هذا العصر، في نشر الخبر، سواء مجتزءاً أم مفصلاً، فتنهال التعليقات بين مؤيد ومعارض، وهذا التباين بين الأبيض والأسود يشمل المواضيع كافة، حتى إن كانت عن حفلة غنائية، فكيف إن تعلّق الأمر برأس الثالوث المحرّم، الدين؟ بيد أن الخبر ليس مجرد معلومة جدلية دينية، بل إن أحدهم تجرّأ وغيّر دينه. يا للهول... لقد فعلها.

خلال اليومين الماضيين، ضجّت صفحات العالم الأزرق بخبر إعلان الشيف اللبناني الشهير ريتشارد خوري، إسلامه، بين مرحّب ومفاخر من المسلمين، ومعارض وحانق من المسيحيين، فيما غرّد البعض خارج السرب، وصحّح بعض المفردات مثل أن "الشيف" أسلم، ولم يدخل الإسلام.

يرتدّ عن الإسلام

بعد انتشار الخبر، أعلنت بعض الصفحات، وعلى لسان ريتشارد خوري، أنه نطق بالشهادتين احتراماً للإسلام، ولكنه لم يغيّر دينه؛ وهذا ما صرّح به لقناة الجديد اللبنانية، إذ أكّد على أنه ما زال مسيحيّاً مارونيّاً.

أعقب هذا التصريح بيان من "جمعية المشايخ الصوفيّة" في لبنان، استهلّته بأنه يهدف إلى التوضيح للرأي العام آخذاً بعين الاعتبار الأمانة الشرعيّة، واستغربت الجمعية، "تراجع خوري عن الإسلام، بعد أن أقرّ بصحة الدين الإسلامي ونطق بالشهادتين، وقد تم نشر الفيديو على قناة الشيخ بإذن الشيف الذي شاركه على صفحته معقّباً: الحمد لله"، إلا أنه وبحسب ما صرّح مؤخراً، لم يتخلَّ عما كان عليه، متمسكاً بعقيدته السابقة، وبهذا يتضّح أن الرجل لم يدخل الإسلام.

عندما سأله الشيخ هل اعتقدت؟ فأومأ برأسه، فأردف الحسيني: "إن اعتقدت فقل الشهادتين"، فهل هذا إعلان صريح منه بأنه غيّر دينه علانيةً، وهو الذي ربما لم يعِ تماماً دلالة "اعتقدت"؟

الشيف الأربعيني، الذي ذاع صيته على بعض القنوات العربية كمقدم لبرامج الطهي، والحائز على لقب رئيس الطهاة في مطاعم وفنادق عربية، يتصدّر الصفحات بفيديو نُشر له برفقة الشيخ اللبناني جميل حليم الحسيني، وهو رئيس "جمعية المشايخ الصوفية" في لبنان، وقد خاض في حديث فلسفي عقائدي: "يرجّح المنطق في أن الخالق يختلف عن المخلوق بأنه متفرّد ولا يشبهه في شيء"، وأكّد على وجوب احترام كافة الرسل والأديان، وعدم التفرقة بينها إذ إنها جاءت من ذات الإله، كما أشار إلى تفرّد الإسلام بكتابه كنسخة وحيدة. واستشهد خلال حديثه بإنجيل يُدعى "برنابا"، وقال إنه "غُيِّب قصراً".

وبحسب قول الحسيني، هناك نسخة واحدة يحتفظ بها الفاتيكان، وهو إنجيل يقرّ بالنبي محمد، وبأن الإله واحد لا شريك له ولم يلد ولم يولد، وهذا يصبّ في خانة العقيدة الإسلامية، وفي ختام الحديث سمعنا بالكاد صوت ريتشارد الذي نطق بالشهادتين، عندما سأله الشيخ هل اعتقدت؟ فأومأ برأسه، فأردف الحسيني: "إن اعتقدت فقل الشهادتين"، فهل هذا إعلان صريح منه بأنه غيّر دينه علانيةً، وهو الذي ربما لم يعِ تماماً دلالة "اعتقدت"؟

حسناً، إن كان قد أسلم أم بقي على دينه، جاهر بالإلحاد أو أخلص في إيمانه، فمن سيضرّ ومن سينفع؟ بل لنذهب أعمق من ذاك، من سيعرف بمكنونات العقيدة، وهي في القلوب، وهل تشفّ القلوب لبشر؟

أليست علاقة الإنسان بالمعبود أيّاً كان، عاموديةً روحانيةً تخصّه وحده؟ إن أخلص أو حتى نكث بالعهود مع ربه فلن يتضرر سواه، فما شأننا نتدخل في حياة المشاهير في كل صغيرة وكبيرة؟

الإله واحد والمحاسبون ملايين

ولأن منصّات العالم الافتراضي أصبحت متاحةً للجميع، وكما يقال منبر من لا منبر له، تعطي صفحاتها الجميع فرصة إبداء رأيهم، بل قد يتعدى الأمر إلى إطلاق الأحكام والمحاسبة في بعض الأحيان.

أنياب المتنمرين

يُعدّ التنمّر الإلكتروني أحد آفات العصر، ولن يسلم المشهور مهما كان، من مخالب المتنمرين وأنيابهم، يغرسونها في حياته الشخصية بعيداً عما يقدّمه مهنياً، ويمنحون أنفسهم الأحقية في التدخل في أكثر الأمور خصوصيّةً، حتى وإن كانت علاقة العبد بربه؛ سواء وحّده أو أشرك به، أو حتى أنكره، أو مجّده في السماوات العليا.

مع كل قضية تُطرح، تظهر فئة لتنبش في أحاديث نبوية لا صحة لها، تجعل الدين الإسلامي شكلياً، فتراهم يؤكدون بإلحاح على أن الفروع أهم من الأصول، ويعيدون العصر بذاكرته إلى الأشاعرة والمعتزلة

جنح البعض إلى أن إسلام خوري لا يجوز، وهم ذاتهم الذين هتفوا في خندق واحد، بأن الترحم والاستغفار لغير المسلم لا يجوز، يكررون تحذيراتهم ويلوّحون بعصا الكفر، كلّما رحل أحد شهد العالم أجمع له بالإنسانية والعمل الصالح، كشهيدة الحقيقة "شيرين أبو عاقلة"، و"هوكينغ" و"جوبز"، وغيرهم.

في المقابل، علت الهتافات بالنصرة والعزّة للإسلام والمسلمين، وكأنّ الإسلام ينتصر ويعزّ كلّما ازداد عدداً لا إن طُبّق فعلاً وليس قولاً.

ومع كل قضية تُطرح على طاولة النقاش، تظهر فئة لتنبش في أحاديث نبوية لا صحة لها، تجعل الدين الإسلامي شكلياً وتحجّمه، فتراهم يؤكدون بإلحاح على أن الفروع أهم من الأصول، ويعيدون العصر بذاكرته إلى الأشاعرة والمعتزلة غير أن "واصل بن عطاء" عصرنا الحاضر لم يعتزل بصمت، بل أشهر السيف على رقاب أقرانه من الملّة ذاتها، بل أعلن كفرهم إن خالفوه الرأي أو تفوّهوا بجملة "الله يرحمه".

وإذا ما وصلت كرة "البينغ بونغ" إلى الطرف الآخر، تراهم يتهكمون ويغالون في تعصبهم الديني، ويتطرفون بالضحك والشتم ردّاً على كل ما يصدر من الضفة الأولى. وحدهم الرماديون، يلتفون حول الوسطية، فإما ملاحدة نصفهم يصبّون الزيت في كل ضفة، والنصف الآخر يوزّع المنطق والفكر الحرّ على العقول، أو متدينون متسامحون قلائل من كلا الفريقين، يسكبون القليل من الماء الذي في حوزتهم، علّه يطفئ سعير الفتن والكراهية.

ريتشارد ليس الوحيد

عمر الشريف، الممثل المصري العالمي، أعلن إسلامه ليتزوج بسيدة الشاشة العربية، كذلك ليلى مراد لتتزوج بأنور وجدي، وأخوها منير مراد اليهودي المسلم لاحقاً زوج سهير البابلي، ومن هنا نرى أن الدافع ربما شكلي بهدف المسايرة القانونية إذ إن المجتمعات العربية لا تدعم الزواج المدني، مما يستدعي تغيير الدين ليكون زواج شرعي محميّ بموجب القانون.

أليس الدين والمعتقد مهما اختلفا يدعوان إلى الألفة بين أبناء البشر، وإلى احترام الشجر والحجر، وينوء بنا عن التفرقة ويحثّ على مبدأ الإخاء والمساواة؟

وفاء الكيالي أيضاً سبق أن أثارت زوبعةً جدليةً إذ غيّرت دينها من الإسلام إلى المسيحيّة، وهي ديانة الإعلامي اللبناني طوني مخايل، لتتزوج به. سبقتها المطربة ديانا حداد في جهة معاكسة، فأسلمت لتقترن بالمخرج الإماراتي سهيل العبدول، وبالرغم من انفصالهما إلا أن الأخيرة صرّحت بأنها مقتنعة بالدين الإسلامي، ولن ترتدّ عنه، بل تمارس فروضه.

إذاً هي محض قناعات، كمن يرتاح إلى الأسود من الألوان فيرتديه، في حين يرى آخر أن الأزرق هو الأنسب، بينما يرى آخرون أن المقارنة باطلة هنا، فالدين ليس ثوباً نرتديه ونختار لونه، الدين معاملة وأخلاق قبل أن يكون عبادات، فالمسيحي، والمسلم، واليهودي تلقّوا في كتبهم السماوية التعاليم الموحّدة ذاتها، التي تصب في مكارم الأخلاق؛ المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، والمسيحي من أدار خده الأيسر لمن صفعه على الأيمن، واليهودية منفصلة تماماً عن الصهيونية، وقد نرى يهوداً ممانعين لإسرائيل يناهضون عدوانها باسم اليهودية، كما العربي الفلسطيني تماماً.

أليس الدين والمعتقد مهما اختلفا يدعوان إلى الألفة بين أبناء البشر، وإلى احترام الشجر والحجر، وينوء بنا عن التفرقة ويحثّ على مبدأ الإخاء والمساواة؟ فلماذا نُلاحق العدد ونهمل سلوك المعدود؟ أليس المعدود أولى بالوعظ بما يخصّ دينه؟ وبمَ سيضرّ مسيحي خلوق يحترم الإسلام والمسلمين، سواء أسلم أم بقي على ملّته؟ وهل سيندثر الإسلام إن ارتدّت عنه إحداهن فتزوجت كتابيّاً؟ نعم قد تكون جريمة نكراء في كل دين، لكنها حتماً لن تلغيه وإن نقص معدوداً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image