شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
جميعها تؤلم النساء… عن الآثار الاجتماعية والقانونية لـ

جميعها تؤلم النساء… عن الآثار الاجتماعية والقانونية لـ"القِوامة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 12 ديسمبر 202410:24 ص

مساواة

نسمع باستمرار الأصوات التي تستنكر سعي النساء نحو المساواة، بحجة أن التساوي غير ممكن، بل وأحياناً "حرام". هذه الأصوات التي تكاد تصم آذاننا، تذكرني بأغنية لعلي الحجار يقول في مطلعها: "لا تقول لي ده المكتوب وحكم القضا، ولا حالنا عال والأشية ماشية ورضا".

فعلاً، ليس هذا هو المكتوب ولا حكم القضاء، ولا الحال عال ولا رضا، والمفاجأة المدوّية أن هذا ليس حكم الدين، بل اجتهاد بشري من الفقهاء لتفسير كلمة في القرآن وهي "القِوامة".

جاءت فكرة المساواة بين الجنسين والتي تبلّورت في القرن العشرين كتحدٍ كبير لتراث الفقه، إذ واجه الفقه التقليدي طرحاً مغايراً من خلال مبادئ حقوق الإنسان، ثم تجدّد التحدي بشكل أكبر بوجود الإنترنت فيما أصبح لدى الجميع فرصة البحث في المعرفة الدينية، ومن ثمَّ انتشرت التفسيرات التي تمثّل اقتراباً أكثر عدلاً للنساء.

"لم يرد في القرآن أن الإنفاق يجب أن يقابل بالطاعة المطلقة أو الإتاحة الجنسية".

"القِوامة"… تاريخ الكلمة التي قلبت حياة النساء

جعل الفقهاء الأوائل "القِوامة" أمراً محوريّاً في العلاقة الزوجية، نجد هذا واضحاً في رؤيتهم لعقد الزواج على أنه عقد مبادلة على غرار عقد البيع؛ الرجل ينفق والمرأة تطيع. ومن هنا، بدأ التمييز الذي انعكس في صورة تفاوت رهيب لصالح الرجال في أحكام مثل التعدّد، والطلاق، والميراث، والولاية، وغيرها، كما بدأ التأسيس لفكرة أن للرجال حقٌ مقدس على النساء، وهو ما لعب دوراً أساسيّاً في سن قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين بعد ذلك.

جعل الفقهاء الأوائل "القِوامة" أمراً محوريّاً في العلاقة الزوجية، نجد هذا واضحاً في رؤيتهم لعقد الزواج على أنه عقد مبادلة على غرار عقد البيع؛ الرجل ينفق والمرأة تطيع. ومن هنا، بدأ التمييز الذي انعكس في صورة تفاوت رهيب لصالح الرجال في أحكام مثل التعدّد، والطلاق، والميراث، والولاية، وغيرها

أما كيف تم تأصيل ذلك شرعيّاً، فتحدد أميمة أبو بكر، أستاذة الأدب المقارن بجامعة القاهرة، أربع مراحل لتطوّر لفظ "قوّامون" لصيغة أبويّة لـ"القِوامة"، وهي بحسب حديثها لرصيف22:

1- بدأ الطبري عملية تحويل كلمة "قوّامون" التي تصف فعلاً بعينه، إلى "قِوامة" كتوجيه، لوصف دائم للأدوار داخل الأسرة، مع أنه شيء متغير بطبيعة الحال. 

2- دعم الفقهاء هذا التصوّر، فدفعوا بأن الرجل "أعلى" من المرأة، بداية من قيامهم بأدوار "النبوة والإمامة"، وصولاً إلى أسباب دنيوية مثل إطلاق اللحى.

3- توسّع الفقهاء فربطوا "القِوامة" بـ"الدرجة" المذكورة في الآية 228 من سورة البقرة، وبعض الأحاديث المختارة. ومن ثم اتسع المفهوم ليتضمّن الامتيازات العامة لكل الرجال في كل وقت ومكان. 

4- ربط العلماء المعاصرون أفضلية الرجل بمبدأ أن فطرة النساء تناسب أدوار الرعاية والأعمال المنزلية، بينما فطرة الرجال تؤهلهم للقيادة في الأسرة، ما يعني أن لدى الرجال تفضيلاً إلهياً غير مشروط.

التفسيرات الأخرى ورؤية القرآن الأشمل

يشجّع القرآن المسلمين على الدفاع عن الحق والعدل، ومع أنه لم يعطِ تعريفاً واضحاً للعدل، إلا أنه أضاء الطريق لذلك، بما قد يختلف من زمن لآخر. ومن هنا ظهرت بعض الأصوات الإصلاحية التي اشتبكت مع "القِوامة"، واعتبرتها مشروطة ومتغيّرة. ومن ثمَّ، إذا كان الرجال لا يعيلون، لا يمكن اعتبارهم "قوّامين". كذلك طالبت بعض الأصوات، بإعادة النظر في "القِوامة" في ضوء القرآن، ونظرته الأخلاقية، بدلاً من قراءة آية واحدة أو جزءٍ منها، خاصة أن كلمة "قوّامين" جاءت في الآية 135 من سورة النساء والآية 8 من سورة المائدة، وفي المرتين جاءت لحثِّ المؤمنين على العمل معاً لتحقيق العدل. وأخيراً، طالبت أصوات أخرى باعتبار "القِوامة" مشتركة بين الزوجين، على أساس أن الزوجة بطبيعة الحال تشارك في إدارة أمور المنزل، حتى لو لم تكن تعمل.

ربط العلماء المعاصرون أفضلية الرجل بمبدأ أن فطرة النساء تناسب أدوار الرعاية والأعمال المنزلية، بينما فطرة الرجال تؤهلهم للقيادة في الأسرة، ما يعني أن الرجال لديهم تفضيلاً إلهياً غير مشروط

وتشرح أبو بكر: "إذا نظرنا للصورة كاملة، فسنجد أن الإسلام نزل في سياق انتشر فيه ظُلم النساء، فكان الرجل يتخذ عدداً لا نهائياً من الزوجات، وكانت المرأة ذاتها جزءاً من الإرث الذي يتم تقسيمه. فبدأ الإسلام رحلة طويلة لترسيخ مبادئ العدل والإنصاف، والاهتمام بالنساء والأطفال والأيتام والأرامل، بوصفهم الفئات الأضعف في المجتمع".  

"ومن ثمَّ، جاء أمر الله للرجال بالإنفاق على نساء العائلة (القِوامة)، كنوع من المسؤولية، لأن المرأة في ذلك الوقت كانت تحتاج للنفقة والحماية، ولم يرد في القرآن أن الإنفاق يجب أن يقابل بالطاعة المطلقة أو الإتاحة الجنسية"، تردف.

بالمثل، يأمر الإسلام بإعطاء النساء والأطفال نصيباً من الميراث -وهو ما لم يكن موجوداً قبل الإسلام- بالرغم من أنهم كانوا لا يساهمون في زيادة ثروة العائلة و/أو القبيلة في ذلك الوقت، ولم يطلب منهم مقابلاً لذلك.

بالنظر للواقع المعاصر، نرى بوضوح سبق العديد من النساء، في شتى المجالات، بداية من العمل اليدوي، وانتهاءً بالعمل في المناصب القيادية العليا في الدولة، وهو ما يضعنا أمام وضع غريب وغير مألوف تكون فيه المرأة وزيرة، لكنها لا تستطيع السفر لتمثيل بلدها إذا رفض زوجها، ولا يُعقل أن يكون الإسلام بعيداً عن المنطق بهذه الصورة، وقد فتح الباب على مصراعيه للاجتهاد.

الآثار القانونية لـ"القِوامة"

بنظرة سريعة على قوانين الأحوال الشخصية وغيرها في الدول الإسلامية، يمكننا أن نرى المشاكل العديدة التي تواجهها النساء بسبب مفهوم "القِوامة"، كالتالي:

1- الحرمان من الحق في اتخاذ القرارات داخل الأسرة، والنظر لإسهام النساء في رعاية البيت والأسرة (غير المدفوع الأجر) على أنه شيء تافه وأمرٌ مسلّم به.

2- الدعوة إلى السماح بـ"تأديب الزوج لزوجته" بما يرفع من نسب العنف الأسري والجنسي والاغتصاب الزوجي، ويضمن للمعتدي الهروب من العقاب. 

3- المرأة العاملة قد لا تتمتّع بالمزايا نفسها التي يتمتع بها الذكور في العمل نفسه، بسبب الاعتقاد بأن الرجل هو العائل الأساسي، وله الأولوية في العمل، بينما تشير إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر "وجود نحو 12 مليون امرأة معيلة (تقوم على رئاسة الأسرة لأي سبب)"، وبحسب اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، فإن نحو 15% من الأسر في لبنان، ترأسها امرأة. 

4- يؤثّر مفهوم "القِوامة" على تبوؤ النساء المناصب العامة، والشهادة في المحكمة، والقيام ببعض الأعمال، على اعتبار أن "النساء عاجزات في المطلق".

كذلك فهم الفقهاء "القِوامة" على أنها تحتم على الزوجة أن تكون متاحة جنسياً طوال الوقت، مما فتح الباب للزوج  في التحكم في تحركاتها، وفي قدرتها على أن تلتزم بدراسة أو عمل أو وظيفة، بل وفي الأيام التي تختارها لصيام النوافل.

تشرح المديرة الإقليمية للمبادرة الإستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي (صيحة)، هالة الكارب، أن لـ"القِوامة" تبعات تتعلّق بإنسانية النساء ومقدرتهن على التعبير عن أنفسهن ومصالحهن، وتمتد تبعات "القِوامة" من داخل الأسرة إلى المجتمع وكل بنيات السلطة السياسية والاجتماعية، وإمكانية الوصول إلى الموارد المادية والتأثير في صنع القرار.

وتضيف أن "القِوامة" تضع النساء في الصفوف الخلفية رغم إسهاماتهن الاقتصادية والاجتماعية داخل وخارج المنزل، ويقتصر وجودهن على التمثيل الترميزي في المساحات العامة. 

ظهرت بعض الأصوات الإصلاحية التي اشتبكت مع "القِوامة"، واعتبرتها مشروطة ومتغيّرة. ومن ثمَّ، إذا كان الرجال لا يعيلون، لا يمكن اعتبارهم "قوّامين". كذلك طالبت بعض الأصوات، بإعادة النظر في "القِوامة" في ضوء القرآن، ونظرته الأخلاقية، بدلاً من قراءة آية واحدة أو جزءٍ منها

وبينما جاء النبي محمد لـ"يتمم مكارم الأخلاق" وليكون الناس "سواسية كأسنان المشط"، وقد صدق سلوكه حديثه بعدم الاستئثار بالرأي أو اعتبار نفسه أفضل من غيره، كونه رجلاً أو حتّى نبيّاً، فأخذ برأي السيدة أم سَلَمة في صلح الحُديبية، في أمر لا يخص الأسرة فحسب، بل يخصّ الأمة بأسرها. وعند نزول الوحي، لم يفزع الرسول لصديقه المقرّب أبي بكر الصديق، ولا لغيره، بل لجأ إلى زوجته السيدة خديجة في أكثر أمر مصيري واجهه، وعمل بمشورتِها.

لا يبدو أن كل هذه الحوادث وقعت بالمصادفة، بل كانت رسائل للمسلمين من بعد النبي أن يقتدوا به في التواضع ونبذ الكبر والعمل بالشورى بما في ذلك مشورة النساء. مع ذلك، يصرّ غالبية رجال الدين الإسلامي على أن "القِوامة" هي الإجابة الوحيدة الصحيحة، والصيغة الوحيدة الممكنة للزواج. أمّا أنا وغيري من النسويّات المسلمات، فلا نقطع بامتلاكنا الحقيقة، بل نعمل على إيجاد إجابات أكثر إنصافاً، تنطلق من إيماننا بعدالة الإله الذي أعطانا الحق في الاختلاف، والفرصة في الاجتهاد، وأول ما أنزل من القرآن كان كلمة "اقرأ".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image