قبل أربع سنوات، فرّت سعيدة عطروش وأسرتها تحت وطأة الرصاص الحي والمقذوفات التي تتساقط على مديرية مقبنة في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، بحثاً عن مكان آمن للنجاة بحياتهم.
انتقلت هي وأسرتها من منطقة إلى أخرى فراراً من المواجهات التي يتسع نطاقها يوماً بعد آخر، فضلاً عن المعاناة المتواصلة، حتى استقر بهم المقام في مخيم الحجب الواقع غرب محافظة تعز.
"كنت أتوقع أن الحرب ستتوقف وأن الأمور سوف تتحسن، لكن يوماً بعد يوم المعاناة تكبر، والحرب تتوسع، والدمار يزداد، حتى المساعدات التي كانت تقدمها المنظمات الدولية توقفت"، تقول سعيدة.
تعيش الأسرة المكوّنة من ستة أفراد في خيمة مهترئة تسقطها بعض العواصف الممطرة والرياح، يفترشون الأرض ويلتحفون قطعاً من الفرش الممزقة، التي لا تقيهم برد الشتاء، ويأكلون مما يصلهم مع المساعدات أو بما يجود به عليهم فاعلو الخير.
بنبرة حزينة وصوت يملؤه الأسى والقهر، وبأنفاس أنهكتها المعاناة وقلة الطعام، تحكي سعيدة ذات الخمسة والخمسين عاماً قصتها: "كنا نعيش في منزلنا ومرتاحين في حياتنا، لكن لما وصلت الحرب إلى المدينة اضطررنا إلى الفرار، وحتى المنزل الذي كنا نسكن فيه دُمّر، فأصبحنا مشردين بلا مأوى وبلا مصدر دخل".
لما وصلت الحرب إلى المدينة اضطررنا إلى الفرار، فأصبحنا مشردين بلا مأوى وبلا مصدر دخل.
وأضافت في حديثها إلى رصيف22: "سكنّا في القرى والمناطق المجاورة ثم اضطررنا إلى الفرار تحت وطأة القصف، حتى استقر المقام بنا هنا. ننام كثيراً على الأرض بلا فراش وأحياناً من دون طعام".
خيمة مهترئة
مثل سعيدة ةأسرتها، تعيش العشرات من الأسر النازحة في مخيم الحجب منذ سنوات عدة، وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. يحيون على الأمل بتوقف الحرب وانتهاء معاناتهم، والعودة إلى منازلهم، وعيش حياة كريمة مستورة تحت أسقف تحميهم من أشعة الشمس والأمطار.
لا يختلف حال الخمسيني حسن أحمد قائد، كثيراً، وهو واحد من قاطني مخيم الحجب، يسكن مع أسرته المكونة من أحد عشر فرداً في خيمة مهترئة من الخارج، وخالية من أي أثاث ومن مقومات المعيشة من الداخل.
يقول في لقاء مع رصيف22: "معي تسعة أطفال، ومع زوجتي وأنا نصل إلى أحد عشر فرداً، نعيش حياة ضنك، ونجلس في العراء من دون حمامات ولا فرش. وبين حين وآخر تقتلع الرياح الخيمة التي تتستر أسرتي تحتها من أعين الناس". ويضيف أنه هرب من الحرب والرصاص ليكون العراء مسكنه الجديد.
ويواجه حسن صعوبةً في توفير متطلبات الحياة، كما أنه لا يجد المكان الآمن لتخزين الطعام وحفظه، إذ إن الخيمة المهترئة عرضة للأمطار والرياح.
ولفت إلى انتشار العديد من الأمراض الجلدية والحميات في المخيم، في وقت لا تتوفر فيه الأدوية والعيادات الطبية، فضلاً عن عدم قدرة النازحين على الذهاب إلى المدينة للعلاج، لعدم امتلاكهم المال اللازم.
ويشكو الرجل من قلة المساعدات والدعم الذي تقدّمه المنظمات المحلية والدولية، مؤكداً أن المساعدات التي تصل إلى المخيم غير كافية، ولا تلبّي احتياجاتهم بشكل كامل، كما أنها تتأخر في الوصول.
آلاف النازحين
مخيم الحجب هو واحد من ثلاثة مخيمات للإيواء، تقع في مديريات المعافر وجبل حبشي ومقبنة، ويعاني النازحون فيها من ظروف قاسية، ناهيك عن افتقارهم إلى المواد الغذائية والمعدات اللازمة للحياة.
ويتواصل مسلسل النزوح بشكل مستمر في محافظة تعز خصوصاً، وبقية محافظات اليمن بشكل عام، وحسب الأمم المتحدة فإن 13 ألف شخص نزحوا مجدداً خلال شهر كانون الثاني/ يناير الفائت، في محافظات شبوة ومأرب وتعز والحديدة، مع تصاعد الأعمال القتالية بين تحالف القوات الحكومية المدعوم من السعودية والإمارات وجماعة الحوثيين. كما تشير إحصاءات أممية إلى أن عدد النازحين في اليمن يتجاوز الأربعة ملايين نازح جراء الحرب التي تشهدها البلاد.
وتزيد موجات النزوح المستمرة من الضغوط على المنظمات الإنسانية التي تواجه نقصاً حاداً في التمويل، كما تغيب أي مبادرات لوقف الحرب التي ستتوقف معها معاناة النازحين، وتنتهي هجراتهم القسرية.
معي تسعة أطفال، ومع زوجتي وأنا نصل إلى أحد عشر فرداً، نعيش حياة ضنك، ونجلس في العراء من دون حمامات ولا فرش. وبين حين وآخر تقتلع الرياح الخيمة التي تتستر أسرتي تحتها من أعين الناس
النساء: معاناة مضاعفة
تتعدد صور معاناة نازحي مديريتي مقبنة والكدحة في مخيم الحجب. وحده الأمل من يصبّرهم على البقاء في منطقة خالية باتت ملجأً آمناً بالنسبة إليهم، في وقت كانت فيه منازلهم وقراهم تتعرض للقصف العنيف.
وتكابد المرأة في مخيم الحجب معاناةً كبيرةً، فمهمة طهي الطعام ليست بالعملية السهلة، إذ لا يتوفر الغاز المنزلي، فضلاً عن عدم توفر المطابخ، فتضطر إلى الطبخ في العراء.
أم صهيب وهي نازحة مع أسرتها، تطبخ ما تيسر لها من الطعام، معتمدةً على القليل من الحطب، إذ ليس هناك سوى خيمة واحدة تسكنها، ولا يوجد خيمة أخرى حتى تتخذ منها مطبخاً.
تقول لرصيف22: "كنا نطبخ في بيوتنا، لكن لم يتركونا نعيش، فأصبحنا مشردين نازحين في الجبال، بين الريح والحمى والمطر والبرد والشمس".
وتضيف: "نطبخ في العراء، وسط رياح لا تسمح بإشعال النار، وحتى الحطب لا يتوفر، وليست معنا صحون وأوانٍ للطبخ إلا ما تيسر".
وأكدت أم صهيب أنهم يقطعون مسافات طويلةً يومياً للحصول على المياه من الآبار، إذ لا يوجد مشروع مياه، بالإضافة إلى عدم وجود خزانات لحفظ المياه لمدة أطول.
وطالبت السيدة الأربعينية السلطة المحلية والمنظمات الدولية بالعمل على توفير المواد الغذائية وخيام جديدة وفرش ومعدات للطبخ، حتى تعيش وعائلتها وبقية النازحين حياةً كريمةً في وضع مقبول إنسانياً.
متطلبات ونقص في التمويل
ويرى حسان الخليدي مدير الوحدة التنفيذية للنازحين في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، أن مسلسل النزوح مستمر في محافظة تعز جراء تصاعد المواجهات، مؤكداً استمرار تدفق الأسر إلى مخيمات النزوح، والمناطق والقرى الآمنة.
وقال الخليدي في لقاء مع رصيف22، إن الحجب يضم ثلاثة مخيمات، هي مخيما الحجب الراجحي المتجاورين في مديرية مقبنة ويسكن فيهما نحو 300 أسرة، بالإضافة إلى مخيم الرحبة في مديرية جبل حبشي، ويضم 260 أسرةً، لافتاً إلى أن عدد الأسر النازحة في تعز يصل إلى 1،600 أسرة، ويتوزعون في المخيمات والقرى.
كنا نطبخ في بيوتنا، لكن لم يتركونا نعيش، فأصبحنا مشردين نازحين في الجبال، بين الريح والحمى والمطر والبرد والشمس. نطبخ في العراء، وسط رياح لا تسمح بإشعال النار، وحتى الحطب لا يتوفر، وليست معنا صحون وأوانٍ للطبخ إلا ما تيسر
ولفت الى أنهم يقومون بالمسح الدوري ورفع كشوفات بأعداد النازحين واحتياجاتهم إلى وكالات الأمم المتحدة وشركائها من المنظمات والمؤسسات المحلية، حتى يحصلوا على مساعدات إنسانية، مؤكداً تغطية احتياجات الكثير من الأسر النازحة الموجودة في المخيمات من حيث الإيواء والغذاء. "تعمل الوحدة التنفيذية على التنسيق مع المنظمات المحلية والدولية لتوفير مواد الإيواء والمواد الغذائية، وإنشاء شبكة مياه، ومرافق صحية وعيادات طبية ستُنفّذ خلال الفترة القادمة في مخيمات الحجب".
وتواجه منظمات الأمم المتحدة نقصاً كبيراً في التمويل، إذ إن خطة الاستجابة الإنسانية الحالية في اليمن هي الأقل تمويلاً منذ بداية الحرب عام 2015، وبسبب هذه الفجوات التمويلية، تقلصت المعونة الغذائية بشكل كبير.
ونشرت الأمم المتحدة الشهر الفائت بياناً حول وجود نقص في التمويل في خطة الاستجابة الإنسانية المخصصة لليمن، بمقدار 1.6 مليار دولار، "ونتيجةً لهذا، تضطر وكالات الإغاثة إلى تقليص البرامج الحيوية وإغلاقها، إذ تتراجع خدمات الصحة الإنجابية والمياه والحماية وغيرها من البرامج"، وفق ما جاء في البيان.
كما حذر برنامج الأغذية العالمي من نفاد الأموال اللازمة لتقديم المساعدات إلى ملايين اليمنيين، ما يعني تلقّي حصص غذائية مخفّضة، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واستمرار القتال ونزوح الآلاف كل يوم.
يقول سعيد بجاش وهو نازح يعيش في مخيم الحجب: "نطالب المنظمات وفاعلي الخير بمساعدتنا بما يقدرون عليه. لدينا مصابون نتيجة انفجار الألغام، ويحتاجون إلى رعاية، وأيضاً مصابون بأمراض جلدية، ولا نملك الدواء اللازم وليست لدينا قدرة على السفر للعلاج".
ويختم حديثه بنبرة حزينة: "نحن هنا معزولون عن العالم،. نعيش على وجبة واحدة في اليوم، ونفتقر إلى كل الخدمات. نتمنى أن تنتهي الحرب، ونعود إلى منازلنا. اشتقت كثيراً إلى منزلي وقريتي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 35 دقيقةاوجدتي أدلة كثيرة للدفاع عن الشر وتبيانه على انه الوجه الاخر للخير لكن أين الأدلة انه فطري؟ في المثل الاخير الذي أوردته مثلا تم اختزال الشخصيات ببضع معايير اجتماعية تربط عادة بالخير أو بالشر من دون الولوج في الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والمستوى التعليمي والثقافي والخبرات الحياتية والأحداث المهمة المؤسسة للشخصيات المذكورة لذلك الحكم من خلال تلك المعايير سطحي ولا يبرهن النقطة الأساسية في المقال.
وبالنسبة ليهوذا هناك تناقض في الطرح. اذا كان شخصية في قصة خيالية فلماذا نأخذ تفصيل انتحاره كحقيقة. ربما كان ضحية وربما كان شريرا حتى العظم ولم ينتحر إنما جاء انتحاره لحثنا على نبذ الخيانة. لا ندري...
الفكرة المفضلة عندي من هذا المقال هي تعريف الخير كرفض للشر حتى لو تسنى للشخص فعل الشر من دون عقاب وسأزيد على ذلك، حتى لو كان فعل الشر هذا يصب في مصلحته.
Mazen Marraj -
منذ ساعةمبدعة رهام ❤️بالتوفيق دائماً ?
Emad Abu Esamen -
منذ يوملقد أبدعت يا رؤى فقد قرأت للتو نصاً يمثل حالة ابداع وصفي وتحليل موضوعي عميق , يلامس القلب برفق ممزوج بسلاسة في الطرح , و ربما يراه اخرون كل من زاويته و ربما كان احساسي بالنص مرتبط بكوني عشت تجربة زواج فاشل , برغم وجود حب يصعب وصفه كماً ونوعاً, بإختصار ...... ابدعت يا رؤى حد إذهالي
تامر شاهين -
منذ يومهذا الابحار الحذر في الذاكرة عميق وأكثر من نستالجيا خفيفة؟
هذه المشاهد غزيرة لكن لا تروي ولا تغلق الباب . ممتع وممتنع هذا النص لكن احتاج كقارئ ان اعرف من أنت واين أنت وهل هذه المشاهد مجاز فعلا؟ ام حصلت؟ او مختلطة؟
مستخدم مجهول -
منذ يومينمن المعيب نشر هذه الماده التي استطاعت فيها زيزي تزوير عدد كبير من اقتباسات الكتاب والسخرية من الشرف ،
كان عيسى يذهب إلى أي عمل "شريف"،
"أن عيسى الذي حصل على ليسانس الحقوق بمساعدة أخيه"
وبذلك قلبت معلومات وردت واضحة بالكتاب ان الشقيق الاصغر هو الذي تكفل بمساعدة اهله ومساعدة اخيه الذي اسكنه معه في غرفه مستأجره في دمشق وتكفل بمساعد ته .
.يدل ذلك ان زيزي لم تقرأ الكتاب وجاءتها المقاله جاهزه لترسلها لكم
غباءا منها أو جهات دفعتها لذلك
واذا افترضنا انها قرأت الكتاب فعدم فهمها ال لا محدود جعلها تنساق وراء تأويلات اغرقتها في مستنقع الثقافة التي تربت عليها ثقافة التهم والتوقيع على الاعترافات المنزوعه بالقوة والتعذيب
وهذه بالتأكيد مسؤولية الناشر موقع (رصيف 22) الذي عودنا على مهنية مشهودة
Kinan Ali -
منذ يومينجميل جدا... كمية التفاصيل مرعبة...