تزوج عبد الله مصلح، قبل عدة أشهر في قريته الريفية شمال محافظة إب وسط اليمن، لكن فرحته لم تدم طويلاً إذ انتهت أجازته قبل أن ينتهي من شهر العسل، واضطر إلى مفارقة زوجته في الأسابيع الأولى من عرسه حتى يعود إلى ممارسة عمله في مجال الحسابات بصنعاء.
يسكن عبد الله (28 عاماً) مع زوجته في منزل والده في منطقة السياني جنوب محافظة إب، والتي تبعد عن العاصمة صنعاء أكثر من 200 كم، لكنه منذ شهرين يبحث عن شقة سكنية تجمعه مع شريكة حياته، التي انتظرها طويلاً.
بصوت أجش، مخنوق بالعبرات، يحكي عبد الله عن معاناته في البحث عن شقة سكنية صغيرة في مدينة مكتظة بالنازحين، الذين وفدوا إليها من المناطق المشتعلة بالحرب، لم يعد فيها منزل أو شقة شاغرة للإيجار إلا بأسعار مضاعفة.
يجوب عبد الله عدداً من الأحياء والشوارع في مدينة صنعاء، لعله يجد مسكناً صغيراً، يناسب راتبه الذي يصل إلى 120 ألف ريال يمني (200 دولار أمريكي).
يقول لرصيف22: "أمشي أحياناً من الصباح حتى الظهر، أسأل في البقالات، والمحال التجارية، عن شقة شاغرة، لكني لم أجد واحدة إلا بأسعار تراوح بين 100 ألف ريال الى 150 ألفاً، وهذا المبلغ كبير بالنسبة لراتبي".
يحكي عبد الله عن معاناته في البحث عن شقة سكنية صغيرة في مدينة مكتظة بالنازحين، الذين وفدوا إليها من المناطق المشتعلة بالحرب، لم يعد فيها منزل أو شقة شاغرة للإيجار إلا بأسعار مضاعفة
ويتابع: "أشتاق لزوجتي، لكنني أعجز عن الوصول إليها في الإجازة الأسبوعية، لكون المسافة بعيدة إلى قريتي، وربما لن أستطيع أن أراها، إلا في الإجازة السنوية، إذا لم أجد منزلاً هنا للسكن".
ويتواصل عبد الله مع زوجته من غرفته المشتركة مع آخرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يفرغ ولو جزءاً بسيطاً من مشاعره وحنينه.
ومع استمرار الحرب، التي تدخل عامها السادس في جبهات متفرقة من اليمن ترتفع إيجارات المنازل بشكل كبير، خصوصاً المدن التي تبتعد عن جبهات القتال، مثل صنعاء، وتعز، وحضرموت.
"شقة مظلمة وباردة"
ظل جميل لأكثر من ثلاثة أشهر، يسكن في منزل صديقه بمحافظة إب وسط اليمن، قبل أن يجد شقة تؤوي أسرته (المكونة من خمسة أفراد) بعد أن أجبرته الحرب على النزوح من منزله في محافظة تعز جنوب غربي اليمن عام 2016.
يعمل جميل مدرساً لمادة الرياضيات في تعز، وعند اشتعال المواجهات في الحي الذي يسكنه وسط المدينة، فر مع أسرته من دون أن يحمل شيئاً من متاع منزله نحو محافظة إب، ليسكن في بيت صديقه الذي شاركه منزله، لكي يسكن مع أسرته حتى يجد له شقة سكنية، أو يعود إلى منزله في محافظة تعز.
يقول جميل: "بحثت لفترة طويلة عن شقة، حتى أستطيع أن آخذ راحتي وأستقل بأسرتي، وأجلس مع زوجتي وأطفالي. لقد كنت أشعر بالإحراج أثناء سكني في منزل صديقي، اعتمدت على سماسرة للبحث عن شقة، ودفعت لهم".
وبعد مرور ثلاثة أشهر على نزوح جميل، عثر على شقة سكنية في دور أرضي بمنزل في نفس المنطقة، التي يسكنها بإيجار يصل إلى خمسين ألف ريال، أي ما يقارب ثمانين دولاراً أمريكياً.
"الشقة مظلمة لا تدخل إليها أشعة الشمس".
"الشقة مظلمة لا تدخل إليها أشعة الشمس، وشديدة البرودة في الشتاء، وليس فيها موكيت أو فراش، لكنها لمت شملنا، وتمكنا من الاستقلال في حياتنا"، يضيف جميل لرصيف22.
كان جميل يتسلم مرتبه من محافظة تعز، بسبب سكنه في منطقة خاضعة لحكومة هادي، قبل الحرب، وهو الأمر الذي ساعده في توفير إيجار منزله ومصروفات أسرته.
جميل واحد من عشرات الآلاف النازحين الذين وجدوا صعوبة في إيجاد مساكن بالإيجار، ناهيك بمئات الآلاف الذين يسكنون في مخيمات النزوح في مختلف مناطق البلاد، إذ أدت الحرب إلى نزوح نحو أربعة ملايين نازح، وفق إحصاء لمنظمة الأمم المتحدة.
ويرى الناشط في مجال الإغاثة، معاذ الفيل، أن الطلب على المنازل والشقق السكنية ازداد خلال السنوات الاخيرة، بسبب النزوح، الأمر الذي ساهم في ارتفاع أسعار الإيجارات، لافتاً إلى أن انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، يعدّ أهم أسباب ارتفاع الإيجارات.
يقول الفيل لرصيف22: "الكثير من الأسر، التي لم تجد منازل أو شققاً سكنية بأسعار مناسبة، اتجهت إلى استئجار الدكاكين بأسعار مرتفعة، يطبخون فيها، ويقضون حاجاتهم، حتى لا يناموا في العراء".
وأشار الفيل كذلك إلى طرد أصحاب العقارات للساكنين، يقول: "العديد من الأسر طُردوا من منازلهم، لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، وتراكم إيجارات سابقة عليهم، ما اضطرهم إلى البحث عن منازل بسعر أقل أو السكن في الدكاكين".
ولفت إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة تتجاوز الـ ٣٠٠%، مقارنة بسنوات ما قبل الحرب.
ويبرر مالكو العقارات رفعهم للإيجارات، بأن ذلك يعود إلى الانهيار الاقتصادي في البلاد، مع استمرار الحرب والحصار، والارتفاع المتواصل لأسعار العملات الأجنبية، والمواد الغذائية.
سكن في الدكاكين
نبيل القدسي، (صاحب عقار في محافظة إب) يقول إنه اضطر إلى رفع الإيجارات حتى يفي المبلغ الذي يدفعه المستأجرون بمصروفات أسرته، إذ كان يستلم إيجار الشقة أربعين ألف ريال (66 دولار)، لكنه رفع المبلغ إلى ثمانين ألفاً (132 دولار).
ولفت في حديث لرصيف22 إلى أن ما يستلمه لم يعد يفي بمتطلبات أسرته، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ناهيك بمتطلبات الحياة الأخرى.
ورغم الارتفاع الحاد في إيجار المساكن، فعدد قليل من النازحين، وخاصة الميسورين منهم، هم من يجدون منازل في ظل النزوح المتواصل بسبب استمرار المواجهات.
باتت المخيمات، والأرصفة، والمنازل الحديثة البناء، هي المكان الذي يحتضن السواد الأعظم من النازحين.
يتواصل عبد الله المتزوج حديثاً مع زوجته من غرفته المشتركة مع آخرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يفرغ ولو جزءاً بسيطاً من مشاعره وحنينه
مع دخول فصل الشتاء القارص، تتفاقم معاناة النازحين، إذ يحتاجون إلى البطانيات، والملابس الشتوية حتى يتمكنوا من التغلب على هذا الشتاء، إذ تفتقر منازلهم الى البطانيات والملابس التي تحفظ درجة حرارة أجسامهم.
في غرفة ضيقة (دكان) بمنطقة شميلة، شمال العاصمة صنعاء، تعيش أسرة سارة علي (٣٥ عاماً)، المكونة من خمسة أفراد، والنازحة من محافظة تعز جنوب غربي اليمن، وتواجه موجات البرد القارسة خلال الليل والنهار. وهم يكادوا يتجمدون في غرفتهم التي يقع فيها مطبخهم وحمامهم، مع وصول درجة الحرارة الصغرى في العاصمة صنعاء إلى أقل من ثلاث درجات مئوية، إذ ترتدي سارة وأطفالها ملابس خفيفة، غير ملائمة لموسم البرد.
"نسكن أنا وأطفالي وزوجي في هذا الدكان".
تقول سارة لرصيف22: "نزحنا من تعز في 2017، ونسكن أنا وأطفالي وزوجي في هذا الدكان، ونعاني من نقص الطعام والملابس".
يدفع زوج سارة، الذي يعمل في مهنة بسيطة، وهي جمع العلب البلاستيكية وبيعها، ثلاثين ألف ريال بدل إيجار تلك الغرفة، إذ يوفر ما يجنيه طوال الشهر، حتى لا يبيت في العراء هو وأسرته.
تتابع سارة حديثها: "في الليل يكون البرد شديداً، أطفالي يرتجفون، إننا نتجمع تحت بطانية واحدة، حتى ندفئ بعضنا بعضاً".
وتأمل سارة وأطفالها (لا يزيد أكبرهم عن اثني عشر عاماً) في إيجاد منزل تدخل إليه أشعة الشمس، ويكون لديهم مطبخ وحمام مستقل عن غرفة النوم.
وتعد أسرة سارة نموذجاً للعشرات من الأسر النازحة، التي تسكن في منطقة تكتظ بالدكاكين المسكونة، ولكن الصقيع الشديد قد يدفع بعضهم إلى العودة لبلداتهم المشتعلة بالنزاع، وخاصة النازحين من محافظة الحديدة الساحلية بطقسها الحار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون